ألم يحن الوقت ليتوجّه الرئيس نوّاف سلام للطائفة الشيعية؟

اليوم، أمام نوّاف سلام خياران لا ثالث لهما: إما مواجهة الطائفة الشيعية مباشرة بخطاب واضح، يشرح ما ينوي فعله ويطمئنها إلى أنه لا يستهدف وجودها، أو المضي في طريق المكابرة.

  • ألم يحن الوقت ليتوجّه الرئيس نوّاف سلام للطائفة الشيعية؟
    ألم يحن الوقت ليتوجّه الرئيس نوّاف سلام للطائفة الشيعية؟

سؤال في لحظة مفصلية

في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ لبنان، وفي ظلّ التوترات المتصاعدة داخلياً وإقليمياً، يفرض سؤال نفسه بإلحاح: أليس من واجب رئيس الحكومة نوّاف سلام أن يطل مباشرة على الطائفة الشيعية، ثالثة الطوائف الكبرى في البلاد، ليشرح لها بوضوح ما هو بصدده من قرارات وخطط؟

إنّ هذه الطائفة تشعر أنها أقصيت عن القرار الحكومي الأخير، وترى أنّ ما يخطّط له رئيس الحكومة يفتح الباب أمام مواجهة مباشرة بينها وبين الجيش اللبناني، في وقت تتعرّض فيه لتهديدات وجودية من العدو الإسرائيلي، وتسمع من معارضيها تهديدات علنية باستهداف مناطقها في البقاع من الهرمل إلى البقاع الغربي.

شعور الإقصاء والتحضير للاستهداف

من وجهة نظر شريحة واسعة من أبناء الطائفة الشيعية، فإنّ قرار رئيس الحكومة ليس إجراءً إدارياً عادياً، بل هو بمثابة إعلان حالة استهداف مفتوح. هم يرون أنّ الرجل يهيّئ الجيش لخوض معركة ضدهم، في حين أنّ "جيش" الاحتلال الإسرائيلي يواصل الاعتداء على الأراضي اللبنانية والتهديد بضرب العمق. هذا الانطباع، في ظلّ التجارب المريرة التي عاشتها الطائفة، يجعل أيّ خطوة من هذا النوع تُقرأ باعتبارها تمهيداً لحرب إبادة وتهجير.

ولا تأتي هذه المخاوف من فراغ، بل من سجل قريب وحاضر في الأذهان: عام 2024 شكّل صدمة دموية للطائفة، ومنذ ذلك الحين تتراكم شواهد إقليمية تثير القلق. من حملات الإبادة ضدّ العلويين في الساحل السوري، إلى الهجمات على الدروز في السويداء، إلى تفجير كنائس المسيحيين في دمشق، كلّها وقائع تعيد التذكير بأنّ الأقليات الدينية والمذهبية في المنطقة غالباً ما تكون ضحية أولى عند اندلاع النزاعات الكبرى.

البعد الإقليمي والخط الأحمر

الأمر لا يتوقّف عند حدود لبنان. إشعال مواجهة مذهبية ضدّ الطائفة الشيعية في لبنان قد يفتح جبهات مترابطة عبر الإقليم، من سوريا إلى العراق، حيث تقيم أكثرية شيعية عربية واسعة، وهو ما يقوّض تماماً السردية التي تحاول تصوير الشيعة كـ "أقلية" في المشرق العربي. امتداد الصراع إلى العراق سيعني حكماً اهتزاز الأمن الإقليمي، إذ إنّ بغداد لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام حرب تستهدف جزءاً من امتدادها المذهبي والسكاني.

والمخاطر لن تقف عند هذه الحدود، بل ستطال الخليج، وبالأخصّ اليمن والسعودية. أي حرب ذات طابع مذهبي في لبنان ستوقظ جذور النزاعات الكامنة هناك، وتدفع نحو انفجارات أمنية وسياسية لا يمكن احتواؤها بسهولة.

الاتهام بالارتهان لقرار خارجي

أصوات شيعية بارزة تتهم نوّاف سلام صراحة بأنه ينفّذ إرادة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي ـــــ بحسب هذه الأصوات ـــــ فرضه على النوّاب المموّلين من الرياض لرئاسة الحكومة. هذه ليست مجرّد تهمة، بل قراءة سياسية لما يرونه مساراً واضحاً من التبعية السياسية والمالية.

وتضيف هذه الأصوات أنّ القرار الذي يصفونه بـ "الاستبدادي" يلتقي عملياً مع مصالح حكومة العدو الإسرائيلي، في استهداف الطائفة الشيعية التي وقفت، بكلّ ما أوتيت من قوة، إلى جانب أهل غزة السنّة في وجه العدوان الإسرائيلي الأخير. هذا التوازي بين ما يقوم به رئيس الحكومة وما يفعله رئيس حكومة الاحتلال يثير الريبة، ويغذّي الانطباع بأنّ الأمر ليس صدفة.

سؤال عن السجل الدولي

ثم هناك سؤال عن سجل نوّاف سلام في المحافل الدولية: لقد وصل إلى موقعه في محكمة العدل الدولية برضى أميركي، ولكنه لم يستخدم هذا الموقع لتحريك دعوى جنوب أفريقيا ضد الكيان الصهيوني بتهمة الإبادة الجماعية بحقّ الشعب الفلسطيني. في المقابل، تحرّك رئيس المحكمة الجنائية الدولية ـــــ وهو باكستاني الجنسية ـــــ وأصدر مذكّرات اعتقال بحقّ قادة الاحتلال وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت. هذا التناقض يطرح علامات استفهام عن مدى التزام سلام بمبادئ العدالة الدولية، خاصة حين يتعلّق الأمر بالقضية الفلسطينية.

التاريخ يحذّر: الحروب الأهلية تبدأ من هنا

التجربة اللبنانية، منذ تأسيس الكيان، مليئة بالدروس القاسية. كلّ مرة تمّ فيها تهميش طائفة أو استهدافها عسكرياً، دخل لبنان في دوامة حرب أهلية دموية. الجيش اللبناني، الذي يُفترض أن يكون ضامناً للوحدة، انقسم في أكثر من محطة تاريخية حين زُجّ في صراع داخلي. والنتيجة دائماً واحدة: تفكّك مؤسسات الدولة، انقسام المجتمع، ودخول البلاد في دوامة من الفوضى والعنف لا تخرج منها إلا بخسائر فادحة.

من يعتقد أنّ إشعال مواجهة مع الطائفة الشيعية سيمرّ بلا تداعيات، يتجاهل حقائق التاريخ والجغرافيا معاً. لبنان ليس جزيرة معزولة، وأيّ نزاع فيه سرعان ما تتحوّل تداعياته إلى أزمات إقليمية.

الأسئلة التي لا تحتمل الصمت

من هنا، فإنّ الأسئلة الموجّهة إلى رئيس الحكومة لا يمكن أن تبقى بلا أجوبة:      

• هل يدرك أنه على وشك إشعال حرب مذهبية قد تحرق لبنان والمنطقة بأسرها؟   

• هل يعترف بأنه ينفّذ أجندة خارجية، أم أنّ لديه ما يدحض هذا الانطباع القائم؟

• كيف يبرّر التقاء قراراته مع مصالح حكومة الاحتلال في استهداف فئة لبنانية رئيسية؟

• لماذا لم يستخدم موقعه الدولي السابق للدفاع عن الشعب الفلسطيني، بينما استخدمه قاضٍ آخر من دولة مسلمة لتحريك العدالة الدولية ضدّ قادة الاحتلال؟

بين المكابرة والاستدراك

إما أن يجيب نوّاف سلام عن هذه الأسئلة بشفافية، أو أن يكتب التاريخ اسمه في خانة من أطلق دوامة الدم والنار. فالتاريخ لا يرحم، والأجيال القادمة ستحاسب على المواقف لا على المبرّرات. وفي بلد مثل لبنان، حيث التوازن الطائفي هشّ، فإنّ أيّ قرار أمني أو عسكري يمسّ طائفة كبرى، من دون حوار أو توافق، هو وصفة جاهزة للانفجار.

المسألة لم تعد تتعلّق بخلاف سياسي يمكن احتواؤه في مجلس الوزراء أو عبر الوساطات التقليدية، بل بتوجّه سياسي وأمني يهدّد بقاء الكيان اللبناني نفسه. وإذا كان رئيس الحكومة يعتقد أنّ بإمكانه إدارة الأزمة عبر فرض الأمر الواقع، فهو يتجاهل أنّ التجارب السابقة أثبتت أنّ الإقصاء يؤدّي إلى الانفجار، والانفجار لا يمكن التحكّم بنتائجه.

لحظة الحقيقة

اليوم، أمام نوّاف سلام خياران لا ثالث لهما: إما مواجهة الطائفة الشيعية مباشرة بخطاب واضح، يشرح ما ينوي فعله ويطمئنها إلى أنه لا يستهدف وجودها ولا يزجّ الجيش في حرب ضدها، أو المضي في طريق المكابرة، مع ما يحمله ذلك من مخاطر اندلاع صراع داخلي ستكون له انعكاسات إقليمية مدمّرة.

هذه ليست لحظة للمناورة السياسية أو لانتظار اللحظة المناسبة. إنها لحظة الحقيقة، حيث الكلمة الخاطئة أو القرار المتسرّع قد يفتح باباً لا يُغلق إلا ببحر من الدماء.

والمسؤولية هنا ليست على الطائفة المستهدفة وحدها، بل على كلّ القوى السياسية، وعلى رأسها رئيس الحكومة، الذي سيسجّل التاريخ اسمه إما في خانة الحكماء الذين تفادوا الكارثة، أو في خانة من أشعلوا حرباً لا تبقي ولا تذر.