زياد الرحباني... وقرطة ناس مجموعين
"قرطة ناس مجموعين" — ليست شتيمة، بل هي توصيف نقدي لحالة من التشتت السياسي، حيث تتصارع الخطابات، وتُعلّق القرارات، ويُنتظر الحسم من الخارج بدل أن ينبع من الداخل.
-
زياد يوجّه نقدًا، لا لشخص أو جهة، بل لنهج (أرشيف).
جلسوا في القاعة الوزارية، يحملون وقارًا رسميًا، وربطات عنق محكمة، وأوراقًا منسّقة بعناية، وعبارات ذات نبرة عالية من الجدية والانضباط. بعضهم ما زال يحاول التمرّس على نطق كلمة "السيادة" من دون أن يرتبك. تناقشوا بوجوه متصلّبة حول بندٍ حساس بعنوان "نزع سلاح المقاومة"، كأنهم في دولة بعيدة عن أي تهديد، أو كأنهم في قاعة انتظار دبلوماسية، حيث تتشكّل العناوين من الخارج وتُقرّ داخليًا.
وفي لحظة لافتة خلال النقاش، طُرح اسم زياد الرحباني ضمن سياق تكريمي ثقافي. قيل: "تم التداول بتسمية أحد الشوارع باسم زياد تقديرًا لإسهاماته الفنية والوطنية". بدا الاقتراح كأنّه محاولة لإضفاء لمسة ثقافية على مشهدٍ سياسي معقّد. لعلّ زياد، بما يعرفه من مفارقات، كان ليهزّ رأسه ويعلّق بجملته الشهيرة: "قرطة ناس مجموعين."
لم يرَ في الجلسة ما يدلّ على قرار سيادي فعلي. بل رآها أقرب إلى جلسة إداريّة يُعاد فيها تدوير المفردات. بالنسبة إليه، بدا الموقف أشبه بإعادة صياغة لمطالب تُطرح دوريًا، بإلحاح خارجي، أكثر منه تعبيرًا عن رؤية وطنية خالصة.
"بدّن يشيلوا سلاح الناس اللي واقفين عالحدود بوجه التهديدات، ليُظهروا انسجامًا مع التزامات دولية، بس الخطر اليومي بعدو قدامنا، مش بورق الاجتماعات." زياد يعرف المسرح، ويعرف أن بعض العروض تتكرّر. الجملة التي تتردّد غالبًا: "نؤمن بضرورة حصرية السلاح بيد الدولة"، قد تكون مبدئيًا صحيحة، لكن تطبيقها الفعلي يواجه تحديات حقيقية، أبرزها قدرة الدولة على حماية كامل أراضيها ومواطنيها، من دون استثناء.
وفي لحظة تهكّم، يُقاطع زياد نشرات الأخبار: "السيادة؟ لوين رايحين؟" ثم يقلّد الخطاب الرسمي قائلًا: "نحن نتمسك بسيادتنا... وإذا تبلّغنا ملاحظة دبلوماسية، منعيد صياغة كل شيء!" ثم يسأل، لا على سبيل الاتهام، بل الاستفهام: "أين كانت السيادة عندما لم يُدعَ لبنان إلى مناقشات مصيرية تخصه؟ وأين السيادة في ظلّ الانتهاكات اليومية لأجوائه وحدوده؟"
زياد يوجّه نقدًا، لا لشخص أو جهة، بل لنهج يبدو أحيانًا متردّدًا أمام ما يفترض أنه ثوابت وطنية. يشير إلى مفارقات التاريخ القريب: "كم من تعهّد خارجي قُدّم للبنان، ثم تبيّن أنه مجرّد ورقة تين؟ العراق؟ سوريا؟ فلسطين؟ أمثلة كثيرة على تحوّل بعض الضمانات إلى عناوين بلا مضمون."
ويتابع بسخرية أدبية: "اللي عم ينطرح مش بس نزع سلاح... أوقات بيبين كأنو نقاش حول نزع المناعة الوطنية. مش غلط نختلف بالرأي، بس مش لازم ننسى شو عنّا، وشو فقدنا، وشو بعدنا مهددين نخسرو." ثم يهمس: "بدكن دولة بلا مقاومة؟ بلشوا بدولة قادرة، بدولة فيها ثقة، ما بدها مرافقة مدججة لكل مسؤول، بدولة ما بتحكي عن بسط السلطة وهي عم تفتش على ضمانات من غير أرضها."
"قرطة ناس مجموعين" — ليست شتيمة، بل هي توصيف نقدي لحالة من التشتت السياسي، حيث تتصارع الخطابات، وتُعلّق القرارات، ويُنتظر الحسم من الخارج بدل أن ينبع من الداخل.
وفي الختام، يطفئ زياد سيجارته المتخيلة، ويبتسم ساخرًا: "من زمان قلتلكن... نحنا شعب بيحب اللي نسينا، وبيخاف من اللي تذكّرنا، وبيركع مشان لفتة من خارج القاعة. بس شو بدكن... صار اسمي عا جادّة. إي والله... جادّة بدن ياها بلا كرامة... بس مزفّتة تمام!