هل يقود "وقف الأعمال العدائية" إلى تطبيع بين لبنان و"إسرائيل"؟

في ظل القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء اللبناني على مرحلتين للموافقة على جميع ما ورد في نص الورقة الأميركية، نكشف للرأي العام عن الثغرات التي قد تؤدي إلى تطبيع غير معلن!

  •  قراءة في بنود المذكرة – بين السيادة والتطبيع (أرشيف).
    قراءة في بنود المذكرة – بين السيادة والتطبيع (أرشيف).

في أعقاب الورقة الأميركية التي تحمل عنوان "اقتراح لتمديد وتثبيت إعلان وقف الأعمال العدائية بين لبنان و"إسرائيل" في تشرين الأول 2024 لتعزيز حل دائم وشامل"، تثار تساؤلات جوهرية حول ما إذا كانت هذه الورقة التي سُميت في لبنان "ورقة براك" تمهد الطريق لتطبيع العلاقات بين لبنان و"إسرائيل"، وإذا ما كانت توفر ضمانات حقيقية للبنان تمنع الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.

وفي ظل القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء اللبناني على مرحلتين في جلستين حكوميتين للموافقة على جميع ما ورد في نص الورقة، نكشف للرأي العام عن الثغرات التي قد تؤدي إلى تطبيع غير معلن، وما هي الاقتراحات اللبنانية التي كان يجب على الحكومة اللبنانية ان تجيب على الورقة من خلالها للحفاظ على أمن لبنان وتمنع الانزلاق نحو سلام مشروط.

أولًا: قراءة في بنود المذكرة – بين السيادة والتطبيع

1. نزع سلاح حزب الله:

البند الثالث ينص على "المرحلة التدريجية لإنهاء وجود جميع الجهات المسلحة غير الرسمية، بما فيها حزب الله". هذا البند، رغم أنه يندرج تحت مظلة تعزيز سيادة الدولة، إلا أنه يتجاهل الواقع الجيوسياسي اللبناني، حيث يُنظر إلى حزب الله كجزء من منظومة الردع ضد الاعتداءات الإسرائيلية. نزع سلاحه من دون ضمانات أمنية واضحة يُعد تنازلًا استراتيجيًا.

2. الانسحاب الإسرائيلي المشروط:

البندان الخامس والسابع يتحدثان عن انسحاب "إسرائيل" من "النقاط الخمس" ومن الأراضي اللبنانية، لكن من دون تحديد جدول زمني أو آلية تنفيذ واضحة. كما أن "إسرائيل"، وفق تصريحات رسمية، تحتفظ بهذه النقاط لأسباب أمنية، ما يفتح الباب أمام مماطلة أو إعادة احتلال.

3. التركيز على ترسيم الحدود:

البندان الثامن والتاسع يطرحان ترسيم الحدود مع "إسرائيل" وسوريا، وهي خطوة تقنية ضرورية، لكنها تُستخدم غالبًا كمدخل لتطبيع العلاقات، ما يعتبر اعترافاً ضمنيًا بكيان الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي تغيير مفاهيم استراتيجية للدولة اللبنانية.

4. المؤتمر الاقتصادي الدولي:

البند العاشر يدعو إلى مؤتمر اقتصادي بمشاركة الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر، لتنفيذ "رؤية الرئيس ترامب" لنهضة لبنان. هذا البند يربط الاستقرار الاقتصادي اللبناني بمشروع سياسي أميركي (ومنه المشروع الإبراهيمي)، ما يثير مخاوف من فرض شروط سياسية مقابل الدعم المالي، منها التطبيع.

-ثانيًا: هل توفر المذكرة ضمانات أمنية للبنان؟

الإجابة باختصار: "لا".

- لا يوجد بند واضح يُلزم "إسرائيل" بعدم شن هجمات مستقبلية على لبنان.

- "إسرائيل"، وفق تصريحات وزير الدفاع، تعتبر أن انهيار الاتفاق سيُسقط "حصانة الدولة اللبنانية"، ما يعني أن الرد الإسرائيلي لن يميز بين حزب الله والدولة.

- استمرار الغارات الإسرائيلية رغم وقف إطلاق النار يثبت غياب الضمانات الفعلية.

- لبنان عبر دولة الرئيس نبيه بري طالب بضمانات مكتوبة لانسحاب "إسرائيل" ووقف الانتهاكات، لكن واشنطن لم تقدمها.

ثالثًا: الثغرات التي تمهد للتطبيع

1- اللغة الدبلوماسية الفضفاضة: استخدام مصطلحات مثل "حل شامل" و"ترسيم دائم" من دون تحديد طبيعة العلاقة المستقبلية.

2- غياب رفض صريح للتطبيع:

المذكرة لا تتضمن أي بند يمنع إقامة علاقات دبلوماسية أو اقتصادية مع "إسرائيل".

3- الضغط الدولي مقابل الدعم المالي: 

الربط بين الدعم الاقتصادي ونزع سلاح حزب الله يضع لبنان أمام خيارين: التطبيع أو الانهيار.

4- استبدال المسار العسكري بالمسار الدبلوماسي: 

"إسرائيل" بدأت بإرسال ممثلين دبلوماسيين بدلًا من عسكريين في المحادثات، ما يعكس تحولًا نحو تطبيع تدريجي.

رابعًا: ما هو النص البديل الذي يناسب لبنان؟

لمنع التطبيع وحماية الأمن الوطني، يجب أن يتضمن أي نص تفاوضي البنود التالية:

1- ضمانات أمنية مكتوبة ومُلزمة دوليًا، منها وقف كامل لجميع الانتهاكات الإسرائيلية الجوية والبرية والبحرية. وآلية دولية لمراقبة وقف إطلاق النار بإشراف الأمم المتحدة.

2- رفض صريح للتطبيع: تضمين بند ينص على أن الاتفاق لا يُعد مقدمة لأي علاقة دبلوماسية أو اقتصادية مع "إسرائيل".

3- ربط نزع السلاح بالانسحاب الكامل: حيث لا يجري بحث ملف السلاح إلا بعد انسحاب "إسرائيل" من جميع الأراضي اللبنانية المحتلة، ووقف الغارات الجوية.

4- إدراج بند حول المقاومة كحق مشروع: والاعتراف الصريح بحق لبنان في الدفاع عن نفسه، بما في ذلك المقاومة الشعبية، ما دامت "إسرائيل" تحتل أراضيه أو تنتهك سيادته.

5- استبعاد أي رؤية خارجية مشروطة: ومنها رفض ربط الدعم الاقتصادي بأي مشروع سياسي خارجي، مثل "رؤية ترامب"، التي تحمل طابعًا تطبيعيًا.

في الخلاصة يمكن التأكيد أن المذكرة المقترحة، رغم أنها تُقدم كوثيقة سلام، تحمل في طياتها بذور تطبيع غير معلن، وتفتقر إلى الضمانات الأمنية التي يحتاجها لبنان. المطلوب اليوم ليس فقط وقف الأعمال العدائية، بل صياغة اتفاق يحفظ السيادة، ويرفض التطبيع، ويضمن أمن لبنان من دون شروط خارجية.