دوافع الهجوم الإسرائيلي على قطر
تصريحات نتنياهو بعد تنفيذ الهجوم على قطر أشارت من دون لبس إلى أنّ العملية رسالة إلى كلّ دول الشرق الأوسط، تعني أن لا خطوط حمراً أمام "إسرائيل".
-
العدوان على قطر كان رسالة إلى كلّ دول الشرق الأوسط.
شنّت الطائرات الإسرائيلية هجوماً مباغتاً على قطر مستهدفة مبنى سكنياً بهدف اغتيال الوفد القيادي المفاوض لحركة حماس، الأمر الذي قد يعتبر تحوّلاً في مسار الحرب الإسرائيلية على غزة، التي شارفت على إقفال عامها الثاني من دون أفق يشير إلى قرب نهايتها، على غير عادته، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للاحتفال بالهجوم قبل التأكّد من نجاحه في اغتيال القيادات المستهدفة، بيد أنّ المؤشّرات كافة تدلّل على فشل عملية الاغتيال ونجاة الوفد الفلسطيني القياديّ المفاوض.
سرّبت العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية تحمّل نتنياهو شخصياً مسؤولية اتخاذ قرار عملية الاغتيال، على الرغم من تحفّظ هيئة الأركان ورئيس الموساد من حيث توقيت الهجوم ومكانه، خشية تأثيره على مسار المفاوضات وورقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي كان يفترض أن يدرسها الوفد الفلسطيني المستهدف والردّ عليها، بيد أنه على الأرجح أنّ جهاز الموساد ضالع بعملية الهجوم بل هو من أشرف وقاد العملية بكلّ تفاصيلها، كون الجهاز مناط به المهام الأمنية الخارجية، بينما تهدف تسريبات تحفّظه على العملية للإبقاء على خطوط التواصل مع الجهات القطرية، باعتباره الجهة التي مثّلت الطرف الإسرائيلي على طاولة المفاوضات وبنت علاقات "ثقة" كجهة تفاوض مهنية أمام الوسيط القطري.
اتخذت الحكومة الإسرائيلية بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر عام 2023 قراراً باغتيال كلّ القيادات الأمنية والعسكرية والسياسية لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية عموماً، في الداخل والخارج، ونجحت في العديد منها، بيد أنّ ساحة الاغتيال كانت تصنّف كأحد جبهات القتال كجهات معادية سواء في غزة أو الضفة الغربية أو لبنان وسوريا وإيران، ما يعني أنّ الحكومة الإسرائيلية كان يمكنها مراقبة تحرّكات القيادات المستهدفة بحيث يتمّ استهدافها حين تكون موجودة في دولة "عدو"، كما يمكن أن تختار تنفيذ عمليات اغتيال ببصمات أمنية بمستوى صخب أدنى بالمقارنة مع تنفيذ هجوم جوي أصاب مبنى سكنياً بـ 12 صاروخاً بحسب المصادر الإسرائيلية الإعلامية، الأمر الذي يعني أنّ نتنياهو كان حريصاً على تنفيذ الهجوم على الأراضي القطرية من دون كوابح عسكرية أو دبلوماسية أو إعلامية، ليس بسبب توفّر فرصة عملياتية، ربما كانت متوفّرة سابقاً أو ستتاح لاحقاً، بل لدوافع ذاتية لنتنياهو نفسه من جهة، ولحكومته اليمينية من جهة أخرى.
بعد عملية طوفان الأقصى وجّهت انتقادات إسرائيلية لاذعة لنتنياهو على خلفيّة العلاقة مع قطر، وادّعت مختلف الأوساط الإسرائيلية بأنّ سماح نتنياهو لقطر بإدخال الأموال لصالح قطاع غزة، ساهم في تعزيز قدرات المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي ساهم في نجاح هجوم طوفان الأقصى الموصوف إسرائيلياً بأكبر كارثة إسرائيلية بعد "المحرقة"، وتتهم تلك الأوساط نتنياهو بأنه سعى من خلال قطر لاحتواء حماس عبر حقائب المال القطرية، وبأنه سعى لإضعاف السلطة الفلسطينية وتعزيز الفصل بين غزة والضفة عبر دعم النفوذ القطري داخل قطاع غزة. بيد أنّ أحلام نتنياهو تحوّلت إلى كابوس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وبالتالي فإنّ السردية الرئيسية التي تتبنّاها الأحزاب والكيانات السياسية الإسرائيلية المعارضة إلى جانب الجهات الأمنية والعسكرية المناوئة لنتنياهو في دفعه لتحمّل المسؤولية عن الهجوم الفلسطيني على غرار ما فعلته الجهات كافة باستثنائه، الأمر الذي رفضه ولا يزال يرفضه نتنياهو الذي تمسّك بتحميل الجهات الأمنية والعسكرية المسؤولية الكاملة عن الإخفاق غير المسبوق، كانت ولا تزال سردية تربط بين علاقة نتنياهو بقطر أدّت لتبنّي نهج الاحتواء للمقاومة الذي ثبت فشله وأدّى لكارثة السابع من أكتوبر.
تعزّزت سردية الجهات المناوئة لنتنياهو مع ما بات يعرف بقضية "قطر قيت" التي كشفت عنها تحقيقات الجهات القانونية الإسرائيلية مع عناصر نافذين في مكتب نتنياهو تلقّوا أموالاً من قطر ، ولا تزال التحقيقات مستمرة .
سعى نتنياهو من خلال الهجوم على قطر للتغطية على فضيحة "قطر قيت" وللنأي بنفسه عن مسؤولية فتح قنوات الدعم القطري لقطاع غزة بهدف احتواء المقاومة الفلسطينية، كما أراد نتنياهو دفع قطر للتخلّي عن وساطتها غير المرغوب بها على المستويات الإسرائيلية كافة ولا سيما بعد التحريض الإسرائيلي المتصاعد ضد قطر .
إلى جانب البواعث الذاتية لنتنياهو، فإنّ حكومته اليمينية المتطرّفة تسعى لإحراق كلّ السفن لتحقيق رؤيتها المسيانية في السيطرة والنفوذ والتوسّع، وترى أنّ لديها فرصة تاريخية غير مسبوقة تمكّنها من تغيير الشرق الأوسط، لصالحها، في ضوء الدعم المطلق من الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته الداعمة لحليفتها "إسرائيل" في خطواتها كافة، حتى لو كانت متهورة ولا تراعي الحدّ الأدنى من الأعراف الدبلوماسية .
تصريحات نتنياهو بعد تنفيذ العملية مباشرة أشارت من دون لبس إلى أنّ العملية رسالة إلى كلّ دول الشرق الأوسط، تعني أن لا خطوط حمراً أمام "إسرائيل"، فمن يستهدف سيادة دولة توصف بتحالفها القوي والتاريخي مع الولايات المتحدة، أسهل له الاعتداء على سيادة دول ذات مستوى أدنى من التحالف، حتى لو كانت تربطها اتفاقيات سلام كمصر والأردن، كما لا تخلو إشارات نتنياهو لتركيا والجزائر وغيرهما، الأمر الذي يعني أنّ نتنياهو أراد أن تصل رسالة واضحة لا تخلو من التهديد لكلّ الفواعل الإقليميين أنّ لديه غطاء وتفويضاً أميركياً واسعاً لتنفيذ سياساته في المنطقة، وأنّ "إسرائيل" أضحت الآمر الناهي في المنطقة.