هل باتت الحرب المصرية الإسرائيلية قريبة؟

مصر كانت الخاسر الأكبر مما جرى خلال العقد الماضي. فهي وجدت نفسها أمام تآكل عناصر أمنها القومي في ليبيا والسودان والقرن الأفريقي والبحر الأحمر وبلاد الشام، بل وجدت حتى أمنها المائي مهدّداً من قبل إثيوبيا.

  • المخطط الإسرائيلي لتقسيم الدول العربية.
    المخطط الإسرائيلي لتقسيم الدول العربية.

في اعتراف علني هو الأول من نوعه، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لقناة "آي 24" الإسرئيلية الناطقة بالعربية أنه يشعر بأنه في "مهمة تاريخية وروحية" لتحقيق حلم "إسرائيل الكبرى"، والتي تشمل الهيمنة على المنطقة الممتدة من الفرات شرقاً إلى النيل غرباً، بما يشكّل تهديداً وجودياً للعراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين ومصر وفقاً للمزاعم الصهيونية المبنية على أوهام توراتية، والتي بلورها المستشار الأسبق لوزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون في العام 1982 في ورقة عمل عرفت باسمه "وثيقة عوديد يانون."

المخطط الإسرائيلي لتقسيم الدول العربية 

وفقاً للخطة فإنّ "إسرائيل" ستسعى ليس للاحتلال المباشر لبلدان المشرق العربي بما فيها العراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين ومصر، بل هي ستسعى لإعادة رسم الجغرافيا السياسية لهذه المنطقة بتقسيم العراق وسوريا ولبنان وفقاً لكيانات طائفية بما يحوّل "إسرائيل" من أقلية في محيط ذات غالبية عربية إلى أكبر أقلية.

ولتحقيق هذا الغرض فإنّ المشروع الصهيوني يقوم أيضاً على فرض يهودية "الدولة" الصهيونية عبر تهجير الشعب الفلسطيني من أراضي فلسطين التاريخية باتجاه الأردن من جهة وسيناء من جهة أخرى، والتي يجب أن تنفصل عن مصر وفقاً للمشروع الصهيوني وتصبح "دولة مستقلة" تكون حكماً تحت الهيمنة الإسرائيلية. ويذهب يانون إلى أبعد من ذلك إلى تقسيم مصر نفسها إلى كيانات طائفية عبر إقامة دولة قبطية في منطقة من صعيد مصر. 

الجدير ذكره أنّ "إسرائيل" حاولت فرض مشاريع لانتزاع أجزاء من سيناء خلال احتلالها لها بين عامي 1967 و1982 وحاولت دعم فكرة انفصال سيناء عن مصر بذريعة حقّ تقرير المصير لبدو سيناء. وعقب النكسة أعلن مجلس الوزراء الإسرائيلي في حزيران/يونيو 1967 أنه سينظر في إعادة سيناء مقابل معاهدة سلام كاملة، لكنه أصرّ على ترتيبات خاصة في شرم الشيخ لضمان السيطرة على مضيق تيران.

وقد اعترف وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه دايان حينها صراحة بأنه يفضّل "شرم الشيخ بلا سلام على السلام بلا شرم الشيخ"، وهو ما عكس توجّهاً قوياً في التفكير الأمني الإسرائيلي.

ومنذ الأسابيع الأولى لسيطرتها على سيناء، قامت "إسرائيل" بإنشاء شبكة من المواقع العسكرية لتثبيت سيطرتها، بما في ذلك شرم الشيخ ونقاط استراتيجية على المناطق الساحلية لشبه الجزيرة. كذلك بدأت "إسرائيل" بإنشاء بؤر استيطانية في سيناء، ومن أبرز المشاريع مدينة ياميت التي كان مخطّطاً لها أن تضمّ ما يصل إلى 200 ألف نسمة في منطقة رفح شمال شرق سيناء، بهدف إيجاد حاجز بين غزة من جهة ومصر من جهة أخرى وتغيير الخريطة الديموغرافية.

 لكنّ اتفاقيات كامب دافيد في العام 1978 ومعاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية في العام 1979 قضت على المطامع الإسرائيلية آنذاك، إذ قبلت "إسرائيل" بالانسحاب الكامل من سيناء، مع إقامة مناطق منزوعة السلاح تحت إشراف قوة مراقبين دولية.

وقد اكتمل الانسحاب، بما في ذلك تفكيك مستوطنة ياميت وبقية مستوطنات سيناء، في نيسان/أبريل 1982 لتعود سيناء كاملة إلى السيادة المصرية. وقد سبق ذلك إصدار ينون لورقته التي أصبحت هي برنامج عمل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. هذه المقالة تمّ العمل ببنودها من قبل بنيامين نتنياهو بعد تولّيه رئاسة الوزارة الإسرائيلية للمرة الأولى في العام 1996. 

بالتوازي مع وصول نتنياهو إلى السلطة للمرة الأولى في العام 1996، أصدر المحافظون الجدد وثيقتهم السرية الثانية بعنوان "كلين بريك" أو القطيعة التامّة، والتي دعت إلى فرض الهيمنة الأميركية المطلقة في العالم في مواجهة قوتين صاعدتين آنذاك هما روسيا والصين، كما دعت أيضاً إلى وقف عملية السلام لأنّ المنطقة ستكون مقبلة على تغيير في خريطتها الجيوسياسية مع تقسيم المشرق العربي إلى كيانات طائفية.

الوثيقة نفسها أعيد نشرها في العام 2007، بعد أشهر قليلة على فشل العدوان الإسرائيلي على لبنان، علماً أنّ الوثيقة شكّلت برنامج عمل تمّت ترجمة بنوده في "الربيع العربي" الذي اندلع في العام 2011، والذي شهد حرباً غربية وإسرائيلية ضروساً ضد سوريا، ليعود الحديث عن المقالة بعد بدء العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان لتظهر فيها بوضوح فكرة تجزئة الدول العربية إلى كيانات صغيرة، مع وجود ترابط وثيق بين هذا المشروع وبرنامج المحافظين الجدد لتحويل "إسرائيل" إلى قوة إمبريالية عالمية رديفة للولايات المتحدة.

الرهان الأميركي على الإسلاميين 

منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وحتى الاضطرابات التي شهدها عام 2011 وما تلاه من حرب بالوكالة في سوريا، دارت في أروقة صناعة القرار الأميركية فكرة التعامل مع "الإسلام السياسي"، واحتوائه، ودمجه في الأنظمة السياسية التي يجب أن تحلّ مكان الأنظمة العربية، ما أدّى إلى انفتاح واشنطن على جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب المرتبطة بها والرهان عليها كبديل عن الأنظمة المتهالكة. 

أدى غزو العراق إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي وكشف محدودية الاعتماد الحصري على الأنظمة السلطوية القديمة. ومع مرور السنوات في عهدي جورج بوش الابن وباراك أوباما، بدأ الدبلوماسيون والمحللون الأميركيون يبحثون بشكل متزايد عن آليات للتعامل المنظّم مع الحركات الإسلامية ذات القاعدة الشعبية والجاذبية الانتخابية، ولا سيما الإخوان في مصر والأحزاب المرتبطة بهم في دول أخرى.

وقد صدرت أوراق سياسات من مراكز أبحاث أميركية وأطلسية بارزة تدعو إلى الاتصال المدروس، والحوار، والدبلوماسية المبنية على القضايا المشتركة مع الإخوان، حتى مع الاعتراف باستمرار النزعات غير الليبرالية في برامجهم السياسية.

عندما أطاحت الانتفاضات العربية بأنظمة أو هزّت أخرى عام 2011، كانت القوى المعارضة الأكثر تنظيماً غالباً إسلامية. هنا عدّلت السياسة الأميركية موقفها بسرعة. ففي مصر، أعلنت وزارة الخارجية استئناف الاتصالات الرسمية مع الإخوان، إدراكاً لمركزيّتهم الانتخابية وسعياً لوضع ضوابط للانتقال السياسي. ولم يقتصر الأمر على مصر. ففي تونس، انخرطت واشنطن مع حركة النهضة في إطار دعم الانتقال الديمقراطي. ورأت إدارة أوباما أن تعمل مع الأحزاب الإسلامية المنتخبة من خلال الدبلوماسية مع حكوماتها والمساعدات المبرمجة عبر مؤسسات الدولة والاتصالات المستمرة.

وفي سوريا بعد العام 2011 شنّت واشنطن حرباً بالوكالة ضدّ هذا البلد، وعملت الاستخبارات الأميركية مع حلفائها الإقليميين على تمرير الأسلحة إلى فصائل مناهضة للأسد، مع محاولات انتقاء المستفيدين، لكن من دون سيطرة كاملة على الاستخدام النهائي في ساحة قتال مجزّأة. كشفت تحقيقات صحفية عن جسر جوي ساعدت فيه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية على نقل الأسلحة بتمويل خليجي وتركي إلى مقاتلي الفصائل الإسلامية المسلّحة ما ساهم أخيراً في إسقاط النظام في العام 2024. 

مصر آخر حجر عثرة بالنسبة لـ "إسرائيل"

على مدى العقد الماضي حقّقت الولايات المتحدة و"إسرائيل" إنجازات استراتيجية عديدة. فلقد تمكّنت من تطييف العراق ولبننته ليصبح هذا البلد مقسّماً عملياً إلى ثلاثة أقاليم؛ شيعية في الجنوب، وسنية في الوسط، وكردية في الشمال.

وبعد انهيار الدولة السورية وسيطرة جماعة متطرّفة على السلطة في دمشق وارتكابها مجازر ضد العلويين في الساحل والدروز في جبل العرب وصدامها مع الكرد في شرق سوريا، علت أصوات تطالب بفدرلة سوريا مع محاولة "إسرائيل" تقديم نفسها على أنها حامية للأقليات من الغالبية السنية. بذا فإنّ جزءاً كبيراً من ورقة عوديد ينون يبدو أنه تحقّق، وتبقى مسألة تهجير الفلسطينيين من أرضهم على أن يصبح الأردن وطناً بديلاً لفلسطينيي الضفة الغربية، وأن تصبح سيناء هي الدولة الفلسطينية البديلة بالنسبة لفلسطينيي غزة، وهذا يضع "إسرائيل" حكماً في مواجهة مصر. 

في ما يتعلّق بمصر يمكن القول إنها كانت الخاسر الأكبر مما جرى خلال العقد الماضي. فهي وجدت نفسها أمام تآكل عناصر أمنها القومي في ليبيا والسودان والقرن الأفريقي والبحر الأحمر وبلاد الشام، بل وجدت حتى أمنها المائي مهدّداً من قبل إثيوبيا.

والجدير ذكره أنّ مصر التي يحكمها نظام دولة جاء على حساب الإسلاميين في العام 2013، تجد نفسها محاطة بجماعات إسلامية مدعومة من تركيا التي يحكمها نظام إسلامي، علماً أنّ هذه الجماعات تناصب مصر العداء. ومثال على ذلك حكومة طرابلس الغرب الإسلامية، والسودان الذي يحكمه عبد الفتاح البرهان المدعوم من الإسلاميين، وإثيوبيا التي يحكمها أبي أحمد الذي يرتبط بعلاقات وطيدة مع "إسرائيل" وتركيا، وسوريا التي باتت محكومة من جماعة إسلامية وصلت إلى السلطة بدعم من تركيا و"إسرائيل". 

بذلك فإنّ مصر باتت عملياً محاصرة بالكامل وإذا أخذنا سابقة ما حصل في مرج دابق في العام 1516 حين سيطرت الدولة العثمانية على الشام، مع مطابقة ذلك مع الوضع الجيوسياسي الحرج الذي تجد فيه مصر نفسها اليوم، فإن الخطر بات جدياً على مصر نفسها وينذر بسقوطها فريسة للمشروع الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة وتركيا وإثيوبيا وحتى بعض الأقطار العربية التي كانت جزءاً من الحرب على سوريا. 

الحرب باتت وشيكة؟! 

في هذه الظروف بالذات جاهر نتنياهو بإيمانه الراسخ بتحقيق حلمه بـ "إسرائيل" الكبرى وبتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء. والأنكى من ذلك قيام مجموعات إسلامية بتظاهرات في عدد من البلدان ضدّ السفارات المصرية بذريعة المطالبة بفكّ الحصار عن غزة، كما لو أنّ مصر هي التي تحتل القطاع وليس "إسرائيل"، وصولاً إلى التصريحات التي أطلقها رئيس المكتب السياسي لحماس خليل الحية التي دعا فيها الشعب المصري للتظاهر والزحف إلى رفح، وهو ما عاد واعتذر عنه لاحقاً. 

وبمعزل عن تقصير النظام المصري وتواطؤ الأنظمة العربية ضدّ القضية الفلسطينية، إلّا أنّ الدعوة لفتح المعابر ما هي إلا الذريعة الإسرائيلية بتواطؤ من تركيا وأنظمة عربية لتسهيل المشروع الإسرائيلي لإيجاد وطن بديل للفلسطينيين وانتزاع سيناء من مصر وتقسيم مصر نفسها لاستكمال بنود ورقة عوديد ينون.  

طبعاً "إسرائيل" تعي أنّ القضية لن تمرّ بسهولة لذلك فهي بذريعة حشد القوات لاجتياح غزة قامت باستدعاء 400 ألف من جنود الاحتياط وقامت بمناورات في النقب قبالة الحدود الأردنية.

وقد اعتبر الخبراء العسكريون أنّ استدعاء "إسرائيل" لهذا العدد الكبير من الجنود يأتي تحسّباً لردّ فعل مصري على عمليات التهجير للفلسطينيين التي ستقوم بها "إسرائيل" باتجاه سيناء، وهذا يعني أنّ "إسرائيل" تستعدّ لحرب محتملة ضدّ مصر. فهل ستكون مصر قادرة على الوقوف في مواجهة المخطّطات الإسرائيلية؟