هل يُصعد ترامب مع الصين بسبب النفط الروسي؟

يدرك ترامب أنّ أيّ هجوم أميركي كبير على الواردات الصينية من النفط الروسي سيدفع بكين إلى ردّ انتقامي واسع النطاق قد يضرّ بسلاسل التوريد العالمية، ويُسبّب صدمات تضخّمية.

0:00
  •  ترامب متردد في فرض رسوم جمركية على الصين بسبب النفط الروسي.
    ترامب متردّد في فرض رسوم جمركية على الصين بسبب النفط الروسي.

بعد قمّة ألاسكا التي جمعت الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في ولاية ألاسكا الأميركية بهدف إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، أشار ترامب إلى أنه لا يحتاج حالياً إلى التفكير في فرض رسوم جمركية مضادة على الدول التي تشتري النفط الروسي مثل الصين، لكنه قد يضطر إلى ذلك في غضون أسبوعين أو ثلاثة أسابيع.

وفي حين فرض ترامب تعريفات جمركية بنسبة 25% على السلع الهندية، وضاعف الرسوم إلى 50% بسبب استمرار الهند في شراء النفط الروسي، إلا أنه لم يتخذ إجراءات عقابية مماثلة ضد الصين، أكبر مشتر للطاقة الروسية، أو على الاتحاد الأوروبي الذي اعتبرت الهند أنّ حجم التجارة الثنائية بينه وبين روسيا بلغ 78.1 مليار دولار أميركي في عام 2024، بينما التبادل التجاري بين روسيا والهند بلغ 68.7 مليار دولار حتى آذار/مارس 2025.

ساد جو من التحدّي في الهند التي رفضت وقف شراء النفط الروسي، وأبدت التزاماً بالتعاون الاقتصادي مع روسيا، وحثّ رئيس وزرائها ناريندرا مودي الهنود على شراء المنتجات المحلية، وزار كلّ من مستشار الأمن القومي الهندي آجيت دوفال ووزير الخارجية سوبرامانيام جايشانكار روسيا في إشارة إلى أنّ الهند لن ترضخ للضغوطات الأميركية وستستمر في شراء النفط الروسي وتعزّز علاقاتها مع موسكو على مختلف الأصعدة ولا سيما العسكرية، حتى أنّ روسيا أشارت إلى أنها ترحّب بالمنتوجات الهندية إذا واجهت منتوجاتها صعوبات في دخول السوق الأميركية.

يشنّ الرئيس ترامب حملة شرسة ضدّ الهند بهدف إجبارها على الإذعان للشروط الأميركية والقبول باتفاق تجاري يفيد الولايات المتحدة الأميركية على غرار ما فعله مع كوريا الجنوبية واليابان. وإزاء الرفض الهندي للمطالب الأميركية، فرض ترامب 25% رسوماً جمركية على السلع الهندية، ثم أضاف 25% أخرى بذريعة شراء الهند للنفط الروسي وتمويل الحرب الأوكرانية إذ أصبحت الهند الآن تُمثّل 37% من صادرات موسكو النفطية. كما تعتقد الإدارة الأميركية أنّ الهند تحقّق أرباحاً من وراء النفط الروسي إذ اتهم وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، الهند "بالتربّح" وأشار إلى أنه قبل حرب أوكرانيا كانت واردات الهند من النفط الروسي أقلّ من 1% لكن الآن ربما وصلت إلى 42%، واتهمها بأنها تقوم بشراء النفط الروسي الرخيص وإعادة بيعه كمنتج وقد حقّقت أغنى العائلات في الهند أرباحاً فائضة.

وبينما فرض ترامب رسوماً جمركية على الهند بسبب النفط الروسي، إلا أنه لم يستهدف الصين بفرض رسوم جمركية إضافية عليها بسبب شرائها النفط من روسيا علماً بأنّ الصين هي أكبر مشتر للنفط الروسي حيث تستورد نحو 109 ملايين طن منه وهو ما يمثّل نحو 20% من إجمالي وارداتها من النفط و47% من صادرات موسكو النفطية، في المقابل استوردت الهند 88 مليون طن من النفط الروسي في عام 2024.

يلوّح الرئيس ترامب دائماً بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا وشركائها التجاريين إذا لم يوافق بوتين على إنهاء الحرب في أوكرانيا. وبعد قمّة ألاسكا لم يقم ترامب بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا ولم يفرض رسوماً جمركية على الدول التي تستورد النفط الروسي باستثناء الهند التي كان قد فرض عليها رسوماً جمركية بسبب حرب روسيا قبل قمة ألاسكا، ولكنه لم يتراجع عن قراره الذي دخل حيّز التنفيذ قبل عدة أيام، ويهدّد ترامب بمضاعفة الرسوم على الهند موجّهاً ضربة قوية للعلاقات بين بلاده ونيودلهي.

يبدو أنّ الرئيس ترامب متردّد في فرض رسوم جمركية على الصين بسبب النفط الروسي، وربما تردّده هذا ناجم عن حربه التجارية التي بدأها مع الصين خلال ولايته الثانية ووصلت الرسوم الجمركية التي فرضها على بكين إلى 145%، وفي تصرّف فاجأ الإدارة الأميركية ردّت بكين بفرض رسوم جمركية مضادة على السلع الأميركية، وقيّدت تصدير أنواع معيّنة من المعادن النادرة التي تحتاجها واشنطن لصناعة السيارات والأسلحة والرقائق الإلكترونية والإلكترونيات وغير ذلك ما أدّى إلى توتر العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم.

 ولم تبرد العلاقات بين البلدين إلا بعد الاتصال الذي تمّ بين ترامب ونظيره الصيني، وعودة المباحثات والمناقشات حول اتفاق تجاري بينهما، وتبقى قضية المعادن الأرضية النادرة محورية في محادثات التجارة الجارية نظراً لاعتماد العديد من الصناعات الأميركية عليها، لذلك لا يريد ترامب أن تستخدم بكين مرة أخرى ورقة الضغط هذه.

وبالنظر إلى أهمية المعادن النادرة فقد هدّد ترامب بفرض رسوم جمركية على الصين تصل إلى 200% إذا لم تزوّد بكين واشنطن بمادة مغناطيس المعادن النادرة، بينما تجنّب دائماً فرض رسوم جمركية عليها بسبب النفط الروسي.

ويدرك ترامب تماماً أنّ أيّ هجوم أميركي كبير على الواردات الصينية من النفط الروسي سيدفع بكين إلى ردّ انتقامي واسع النطاق قد يضرّ بسلاسل التوريد العالمية، ويُسبّب صدمات تضخمية، ويُلحق الضرر بالاقتصاد الأميركي بطرق ستكون مكلفة سياسياً.

كما أنّ الرئيس ترامب يتجنّب إغضاب الصين خلال هذه المرحلة التي يسعى فيها إلى عقد لقاء مع الرئيس شي جين بينغ بهدف إبرام الصفقات. فمثلاً خفّفت الولايات المتحدة الأميركية بعض قيودها على تصدير أشباه الموصلات المتقدّمة، وهو مطلب رئيسي من الصين، فقد سمح ترامب لشركة إنفيديا الأميركية ببيع رقائق متطوّرة للصين حتى لو اضطرّت الشركة العملاقة إلى دفع 15% من مبيعاتها للحكومة. إلا أنّ السلطات الصينية حثّت الشركات المحلية على تجنّب استخدام معالجات H20 التي تنتجها شركة إنفيديا، خاصة للأغراض المرتبطة بالحكومة لأسباب تتعلّق بالأمن القومي، فضلاً عن تصريحات وزير التجارة الأميركي، هوارد لوتنيك، التي اعتبرتها السلطات الصينية "مهينة"، حين قال إن واشنطن لا تبيع للصين سوى نسخ منخفضة المواصفات من الرقائق.

وإزاء الدعوة الصينية لتجنّب شرائح H20، لم تجد الشركة الأميركية خياراً سوى توجيه طلب بوقف إنتاج هذا النوع المخصص للسوق الصينية. ولكن من المحتمل أنّ امتناع الصين عن شراء رقائق H20 يشير إلى أنها تنتج بالفعل مواصفات شريحة H20 نفسها وبالتالي تريد شريحة أكثر تقدّماً. 

ومن الأمثلة الأخرى على تجنّب ترامب إغضاب بكين إلغاء واشنطن اجتماعاً مع وزير الدفاع التايواني كان مقرّراً في وقت سابق من هذا العام، كما رفضت الإدارة الأميركية منح رئيس تايوان، لاي تشينغ تي، إذناً بالتوقّف في مدينة نيويورك خلال رحلته التي كانت مقرّرة إلى أميركا الوسطى.

في حال أقدم الرئيس ترامب على فرض رسوم جمركية على السلع الصينية بسبب النفط الروسي، فإنّ ذلك سيؤدي بطبيعة الحال إلى إلحاق أضرار بالاقتصاد الصيني كما الأميركي والاقتصاد العالمي وسيرفع من أسعار النفط ويعطّل سلاسل التوريد. ونظراً لأهمية النفط الروسي بالنسبة إلى الصين التي تحصل عليه بأسعار مخفّضة، قد تلجأ إلى الضغط على الولايات المتحدة الأميركية بتقييد تصدير المعادن النادرة إليها، وهو ما سيؤثّر سياسياً على الرئيس ترامب الذي يسعى بشتى الطرق إلى الحصول على جائزة نوبل للسلام وجعل أميركا عظيمة مرة أخرى.