"إسرائيل"... من تدمير حماس إلى تسليم سلاحها!

المفاوض الفلسطيني يقف اليوم أمام احتمالين: إما أن يكون هذا التحول مناورة جديدة لتمديد الحرب واستكمال سياسة الإبادة، أو أنه اعتراف ضمني بفشل الخيار العسكري والبحث عن بدائل.

0:00
  • هل يمكن أن تقبل حماس بتسليم سلاحها؟
    هل يمكن أن تقبل حماس بتسليم سلاحها؟

وضعت "إسرائيل" في بداية عدوانها على قطاع غزة أربعة أهداف رئيسية: القضاء على حركة حماس، تحرير الرهائن، ضمان عدم تشكيل القطاع تهديداً أمنياً، وإعادة سكان الشمال إلى قراهم. لكن وبعد اقتراب العدوان من دخول شهره الـ 23، يتضح أن أياً من هذه الأهداف لم يتحقق وفقاً للرؤية المعلنة لحكومة نتنياهو. حتى ملف الرهائن لم يُحسم عبر القوة العسكرية بل من خلال صفقات تبادل مع حماس، كما أن عودة بعض سكان الشمال تمت نتيجة اتفاق لوقف إطلاق النار مع حزب الله، لا بقرار إسرائيلي منفرد.

هذا الفشل ترافق مع كلفة بشرية مروّعة تكبدها سكان غزة بفعل المجازر والتدمير الواسع للبنية السكنية والاقتصادية. وهنا يبرز تساؤل أساسي: هل يمكن اعتبار ما جرى انتصاراً للمقاومة رغم الثمن الباهظ؟ أم أنه فشل إسرائيلي ذريع رغم ما تتيحه لها القوة العسكرية من تجاوز للقوانين والأعراف الدولية؟

لكن ما يستحق التوقف عنده هو التحول في الموقف الإسرائيلي الحاصل حالياً. فبعد أن كان الخطاب يصر على "تدمير حماس والقضاء عليها نهائياً"، بات المطلب المطروح اليوم في المفاوضات هو "تسليم الحركة لسلاحها" ومنعها من لعب أي دور في إدارة القطاع بعد الحرب. هذا التغير لا يمكن اعتباره مجرد تعديل لغوي، بل يعكس تحولاً في الحسابات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، رغم أنه لم يُعلن بصيغة واضحة. فالتناقض بين مواقف صادرة عن مستويات مختلفة في القيادة الإسرائيلية يكشف عن تراجع ملحوظ، وربما أكثر.

بناءً عليه، يقف المفاوض الفلسطيني اليوم أمام احتمالين: إما أن يكون هذا التحول مناورة جديدة لتمديد الحرب واستكمال سياسة الإبادة، أو أنه اعتراف ضمني بفشل الخيار العسكري والبحث عن بدائل تحقق لإسرائيل ما عجزت الحرب عن إنجازه.

وعند التدقيق، يمكن القول إن الانتقال من شعار "القضاء على حماس" إلى مطلب "نزع سلاحها" يرتبط بخمسة عوامل أساسية:

أولاً: الفشل العملي في تحقيق الهدف الأول للحرب، إذ لم تنجح إسرائيل رغم شهور القتال في تفكيك بنية حماس العسكرية أو إضعاف قيادتها العسكرية والسياسية رغم حملة الاغتيالات التي تمت. بل إن الحركة واصلت تنفيذ عمليات نوعية مؤلمة آخرها في خان يونس، ما يعني استمرار قدرتها على الفعل العسكري.

ثانياً: إدراك أن القضاء الكامل على حماس عسكرياً أمر غير ممكن في المدى المنظور، وهو ما دفع حكومة نتنياهو إلى محاولة استخدام المفاوضات كأداة بديلة لتحقيق الهدف نفسه، عبر تسويق مطلب "نزع السلاح" كصيغة قابلة للطرح في إطار تسوية أو وقف دائم لإطلاق النار، وعبر وسطاء العملية التفاوضية (مصر، قطر، الولايات المتحدة الأمريكية).

ثالثاً: الضغوط الدولية المتصاعدة بعد انتشار صور التجويع والدمار في القطاع، والتي أثارت موجة احتجاجات واسعة على المستويين الشعبي والدبلوماسي. هذا المناخ وضع إسرائيل في مواجهة انتقادات غير مسبوقة، ما دفع نتنياهو إلى خفض سقف خطاب حكومته لإظهار استعداده نحو "حل واقعي" بدلاً من شعار "الاستئصال الكامل".

رابعاً: ضغوط الداخل الإسرائيلي التي برزت في تظاهرات ضخمة بتل أبيب مطالبة بوقف الحرب وضمان عودة الرهائن. وهو ما وضع الحكومة أمام خيارين أحلاهما مر: الاستمرار في حرب تستنزف الأرواح وتفاقم مأساة الرهائن وربما تتسبب بموتهم، أو القبول بخيار التفاوض مع الإيحاء بتحقيق إنجاز ما يطيل عمر نتنياهو السياسي. ومن هنا برز خطاب "إضعاف حماس ونزع سلاحها" كبديل لتبرير الحرب أمام الرأي العام المحلي.

خامساً: محاولة خلق توازن بين الأمن والواقع. فمع تعذر تدمير حماس أو تحييدها عسكرياً، يطرح بديل سياسي يقوم على القبول ببقاء الحركة ككيان سياسي محدود في غزة، شرط تحييد قوتها العسكرية. هذا الاحتمال يفتح الباب أمام سيناريوهين: إما الإبقاء على حماس بوجود سياسي ضعيف تُحمَّل أمام جمهورها مسؤولية ما جرى في القطاع من تدمير وتخريب وتجويع، أو إشراكها لاحقاً في إدارة مدنية للقطاع في ضوء قاعدتها الشعبية التي يصعب تجاوزها بالكامل.

أما السؤال الأهم فيبقى: هل يمكن أن تقبل حماس بتسليم سلاحها والتحول إلى حزب سياسي؟ 

منطق الأمور يشير إلى أن ذلك غير مرجح حالياً، إذ إن نزع السلاح يعني عملياً فتح الباب أمام ملاحقة كوادرها وخبراتها من أطراف عديدة (محلية وإقليمية) ترى أن مجرد بقائها حتى سياسياً يمثل خطراً أو أمراً غير مرغوب به. لذلك يبدو أن البديل الأقرب للحركة، وفق بعض الأوساط السياسية، هو الدخول في مفاوضات غير مباشرة للتوصل إلى هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل. ورغم أن هذا الخيار لا ينسجم مع المنهاج السياسي والعسكري للحركة، إلا أنه قد يشكل مخرجاً مؤقتاً يتيح لها تجاوز المرحلة الصعبة إقليمياً ودولياً، والتي منحت إسرائيل هامشاً واسعاً لتجاوز كل الخطوط الحمراء وفرض وقائع جديدة في سياق ما تسميه "إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد".