"إسرائيل" والطوفان.. وهم "النجاحات" تُبدّده فداحة الخسارات! (2/2)

في مراكز البحث الإسرائيلية ينظرون بخطورة بالغة للندوب التي تركتها معركة "طوفان الأقصى" على جسد الكيان العبري، وهي ندوب يعتقد الكثير من الخبراء والمختصين بأنه يصعُب علاجها.

  • فشل
    فشل "جيش" الاحتلال في تحقيق معظم الأهداف التي وضعتها قيادته السياسية.

إلى جانب الفشل والإخفاق الكبيرين في المجالين العسكري والاستخباري اللذين عانت منهما "دولة" الاحتلال منذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى" وحتى الآن، وهو ما أشرنا إليه في الجزء الأول من هذا المقال، فقد عانت "إسرائيل" فشلاً مشابها على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي مستويات قد تترك آثارا كارثية على مستقبل "الدولة" في قادم الشهور والسنوات.

في مراكز البحث الإسرائيلية ينظرون بخطورة بالغة للندوب التي تركتها معركة "طوفان الأقصى" على جسد الكيان العبري، وهي ندوب يعتقد الكثير من الخبراء والمختصين بأنه يصعُب علاجها، خصوصا في ظل افتقاد الائتلاف الحاكم في "الدولة" العبرية للدافعية والقدرة على معالجتها، أو إيجاد الحلول المناسبة للتعافي منها.

على المستوى السياسي عانى الكيان الصهيوني من فشل وإخفاق على الصعيدين الداخلي والخارجي، ما أدّى إلى نشوء جملة من الأزمات انعكس العديد منها على العلاقة بين الأحزاب السياسية في "إسرائيل"، والتي وصلت العلاقة فيما بينها إلى درجة لم تصل إليها من قبل، حتى في الفترة التي سبقت اغتيال رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين، والتي تُصنّف إسرائيليا بأنها من أسوء الفترات على صعيد العلاقة بين الأحزاب والقوى السياسية الإسرائيلية.

بعد هجوم "طوفان الأقصى" وُجّهت اتهامات بالخيانة والفشل للائتلاف الحاكم برئاسة نتنياهو، وتم مطالبته مرارا وتكرارا بالتنحّي عن رئاسة الحكومة، إلى جانب الدعوات التي طالبت بضرورة خضوعه رفقة باقي المسئولين السياسيين والعسكريين للمحاكمة بتهم الفشل والتقصير وعدم تحمّل المسئولية.  

الفشل والإخفاق على المستوى السياسي الداخلي انسحب على الصعيد الخارجي أيضا،إذ أدّت الجرائم التي ارتكبتها "إسرائيل" بحق المدنيين الفلسطينيين ،والتي أسفرت عن سقوط حوالي سبعين ألف شهيد ،وعشرات آلاف الجرحي والمفقودين ،ودمار هائل في البنى التحتية والمناطق العمرانية ،إلى انتقادات دولية حادّة ضد السياسات الإسرائيلية ،وإلى عزلة دولية وعالمية غير مسبوقة ،وإلى هبوط وتدهور مكانة "إسرائيل" الدولية إلى أدنى مستوى لها منذ نشأتها، حيث هبطت إلى المركز 121 عالميا بتراجع 42 مركز عما كانت عليه قبل الحرب ،بل وصل الأمر بأن تُصدر محكمة الجنايات الدولية قرارا تاريخيا بتوقيف رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ،ووزير حربه الأسبق يؤاف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب ،وتم تصنيف الجرائم التي ارتكبها "جيش" الاحتلال في غزة بأنها جرائم "إبادة جماعية".

بالإضافة إلى ذلك فقد تراجع ترتيب "إسرائيل" على مقياس الإسهام في السلام العالمي إلى المرتبة 155 من أصل 163 دولة، وهذه المرتبة لم تصل إليها من قبل.

إلى جانب كل ما سبق، ونتيجة الفشل والإخفاق السياسي الذي عانت منه "دولة "الاحتلال بعد انطلاق "طوفان الأقصى" فقد انخفضت نسبة التأييد لـ "إسرائيل" في الرأي العام الدولي في 42 دولة من أصل 43 أُجريت فيها استطلاعات رأي، حيث بلغت نسبة التراجع 19% بعد خمسة شهور من انطلاق الطوفان، فيما ارتفعت هذه النسبة إلى حوالي 57% في منتصف العام الحالي.

 اقتصاديا تسببت معركة "طوفان الأقصى "وما تلاها من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة بآثار اقتصادية واسعة النطاق على "الدولة" العبرية، وتركت تداعيات كارثية على مجمل الوضع الاقتصادي في "إسرائيل" لم يسبق أن حدثت من قبل.

حسب المراكز البحثية المتخصصة في الشأن الاقتصادي يُتوقّع ان تبلغ تكلفة الحرب على غزة، وما ارتبط بها من تصعيد في ساحات أخرى إلى أرقام كبيرة قد تزيد عن السبعين مليار دولار، حيث تشمل هذه التكلفة النفقات العسكرية بكافة أنواعها، إلى جانب تعويضات المصابين من الجنود النظاميين وجنود الاحتياط، بالإضافة إلى نفقات إعادة إعمار المناطق المتضررة والمدمّرة، هذا بدون إضافة النفقات التي نشأت أبّان المواجهة مع إيران والتي استمرت لاثنا عشر يوما، والتي من المتوقّع أن تبلغ تكلفتها لوحدها عدّة مليارات من الدولارات. 

إضافة إلى نفقات الحرب فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي في "إسرائيل" بنسبة تتجاوز 4% بالمائة، كما انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.1%.

التصنيف الائتماني لإسرائيل تأثّر هو الآخر سلبا بالعدوان على غزة، إذ خفّضت وكالة "موديز" التصنيف الائتماني لدولة الاحتلال إلى "إيه 2" مع نظرة مستقبلية سلبية، بينما توقّعت وكالة "ستاندرد آند بورز" أن يتّسع العجز الحكومي العام إلى 11% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، مقارنة بـ 8% في العام 2024، و5.5% في العام الذي سبقه.

من جانبها تضررت الشركات الإسرائيلية بشكل كبير خلال الحرب، إذ أغلقت المئات منها أبوابها، وسجّلت التجارة والاستثمار تباطؤًا حادا، وأظهرت بيانات شبه رسمية أن أكثر من 820 ألف شركة إسرائيلية أغلقت أبوابها منذ بدء الحرب، مع توقعات بارتفاع العدد إلى 900 ألف شركة في حال استمرت الحرب عاما إضافيا، مع الإشارة إلى عدد الشركات المُشار إليه أعلاه يعادل أكثر من 13% من إجمالي الشركات المسجّلة في "إسرائيل".

كل ما سبق يُضاف إليه ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بين الإسرائيليين، ومعاناة أكثر من ثمانين بالمائة منهم من تراكم الديون، بالإضافة إلى انكماش سوق العمل، نتيجة تضرّر قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة والبناء والطاقة والبنوك والتكنولوجيا والشحن البحري بشكل غير مسبوق، وهو الامر الذي من المُتوقّع أن يزداد في حال استمرار الحرب مع قطاع غزة، أو اندلاع مواجهة جديدة مع إيران أو حزب الله، وهي المواجهة التي سبق وأن أدّت إلى خسائر فادحة على كافة المستويات في "إسرائيل" ومن بينها المستوى الاقتصادي.

فيما يخص الجانب الاجتماعي فقد كشفت معركة "طوفان الأقصى" عن هشاشة المجتمع الإسرائيلي من الداخل، وعن ضعف بنيته الاجتماعية بشكل كبير، إذ أن المعركة التي انطلقت صبيحة السابع من تشرين أول/أكتوبر من العام 2023 قد أدّت إلى الشعور بفقدان الامن لدى الإسرائيليين، وإلى انتشار مروحة من المخاوف من المستقبل لم تكن موجودة من قبل، هذه المخاوف لم تفلح كل الحملات التي قامت بها أجهزة "الدولة" المختلفة، وجبهتها الداخلية في التقليل منها، او الحد من تأثيراتها، وهو الأمر الذي عبّرت عنه موجات الهجرة العكسية إلى خارج "دولة" الكيان ،والتي فاقت حسب بعض الدراسات حوالي 800 ألف مهاجر منذ بداية الطوفان.   

هذه الهجرة المُشار إليها أعلاه تُمثّل خطر وجودي على مجمل المشروع الصهيوني في المنطقة، إذ إن هذا المشروع قام في الأساس على مبدأ شعب وأرض، وهو ما عبّر عنه دافيد بن غوريون أول رئيس وزراء لدولة الاحتلال بقوله: "إن انتصار "إسرائيل" النهائي سيتحقّق عن طريق الهجرة اليهودية الكثيفة إليها، وإن بقاءها يتوقف فقط على توفّر عامل واحد وهو الهجرة الواسعة إلى أرضها".

إلى جانب ما سبق فقد انخفضت نسبة الحصانة الاجتماعية لدى الإسرائيليين بصورة كبيرة سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، حيث ارتفعت نسبة الشعور بالخوف والاكتئاب والتوتّر بين مئات الآلاف من الإسرائيليين بعد هجوم الطوفان، كما ازدادت نسبة الذين يحتاجون إلى علاج نفسي إلى مستويات قياسية وغير مسبوقة، إضافة إلى انتشار أعراض ما بعد الصدمة، والاختلال الوظيفي.

على مستوى المجتمع انخفضت عوامل التضامن والتعاون بصورة غير معهودة، وبانت أكثر مظاهر الانقلاب القيمي بين أفراد المجتمع نتيجة لحالة الخوف والرعب التي سيطرت على الجميع، وهو ما أدّى في مرحلة ما إلى شيوع الرغبة في الانتقام ليس من الفلسطينيين فقط، وإنما من مؤسسات الدولة من حكومة وجيش ووزارات. 

على كل حال، وبما أن الحديث عن الإخفاقات والخسارات الإسرائيلية بعد انطلاق معركة "طوفان الأقصى" يحتاج إلى مساحات واسعة، وإلى الإضاءة على العديد من المستويات الأخرى التي يمكن أن نكتب عنها لاحقا، فإننا نكتفي بما أشرنا إليه أعلاه وفي الجزء السابق من هذا المقال، مع التذكير مجدّدا بأن بعض النجاحات التي حقّقتها هذه "الدولة" المارقة، والمنبوذة، والتي لا تملك أي شرعية سياسية، Hو مسوّغات دينية وأخلاقية وتاريخية للبقاء في منطقتنا العربية والإسلامية، ما هي إلا إنجازات ونجاحات عابرة ،لن تُغيّر من هويّة المنطقة، ولن تُزوّر تاريخها المجيد والتليد، حيث أن حملة الأكاذيب التي دأبت على ترديدها هي وحلفائها في المنطقة والعالم ستسقط تحت أقدام شعوب منطقتنا الحرّة والأبيّة، وتحت ضربات قوى المقاومة العزيزة والمقتدرة ،والتي وإن دفعت خلال العامين الماضيين وما سبقهما أثمانا باهظة، إلا أنها ستبقى بالمرصاد لكل مشاريع الأسرلة والهيمنة،وستواجهها بكل جرأة وعنفوان كما فعلت على الدوام.