اليمن يفاجئ "إسرائيل" وشركاءها: موقف ثابت وعمليات متصاعدة
اليمن رغم انعدام التكافؤ في موازين القوى من الناحية المادية بينه وبين كيان العدو وشركائه، لكنه يصرّ على المضي في مساندة غزة من دون تراجع، ومواجهة "التحدّي بالتحدّي" و"التصعيد بالتصعيد".
-
خط بيان متصاعد: 22 صاروخ ومسيرة في 10 أيام.
في تطوّر مهم أعلنت القوات المسلحة اليمنية مساء الأحد عن عملية واسعة نفّذها سلاح الجو اليمني على مروحة واسعة من الأهداف العسكرية والحيوية ضمن نطاق جغرافي يمتد من النقب و"إيلات" مروراً بعسقلان وصولاً إلى يافا، ضمن مسار عسكري تصاعد على نحو ملحوظ منذ عملية الاغتيال الإسرائيلية الغادرة التي استهدفت رئيس وزراء حكومة التغيير والبناء وعدداً من وزرائها أواخر آب/أغسطس الماضي أثناء عقدهم ورشة اعتيادية لمناقشة الأداء الحكومي خلال عام منذ تشكيلها وتكليفها.
رسائل ودلالات عملية "مطار رامون"
اللافت في العملية الأخيرة تلك الطائرة اليمنية المسيّرة (لم يكشف عن نوعها) التي اخترقت أجواء فلسطين المحتلة، وتجاوزت منظومات الكشف والإنذار والاعتراض، وانقضّت على ملحق بالقرب من صالة انتظار المسافرين في مطار رامون جنوب فلسطين المحتلة، مسبّبة ضرراً كبيراً في المكان المستهدف وخسائر بشرية تمّ الاعتراف منها بـ 8 إصابات وفق الإسعاف الإسرائيلي.
هذا "الحدث الاستثنائي" وفق توصيفات إعلام العدو الإسرائيلي أثار قلقاً واسعاً وعاصفة من الأسئلة لدى الأوساط ودوائر صنع القرار في المؤسسة الأمنية للعدو عن أسباب النجاح اليمني، وفشل منظومات سلاح الجو الإسرائيلي وطبقاته الدفاعية المتعدّدة، وأعاد إلى الأذهان عملية طائرة يافا اليمنية، وعملية مطار اللد "بن غوريون" مطلع أيار/مايو الماضي.
من هنا نخلص إلى عدة رسائل ودلالات مهمّة من الناحيتين العسكرية والاستراتيجية أبرزها:
- العملية تأتي ضمن مسار عسكري ثابت ومتصاعد يترجّم حرفياً ما أعلنته القيادة اليمنية عقب عملية اغتيال رئيس الحكومة اليمنية وعدد من وزرائها.
- العملية تصبّ ضمن معادلة أعلنها الرئيس مهدي المشّاط، وجدّدتها القوات المسلحة من أنّ كيان العدو ومطاراته كلّها ليست آمنة.
- القوات المسلحة طوّرت أسلحتها على المستوى التقني، وباتت تملك أوراق قوة استراتيجية لا يمكن تجاهلها على مستوى الصواريخ والمسيّرات، وقد تجلّى ذلك بداية من الكشف عن صاروخ برأس انشطاري "متعدّد الرؤوس"، وهذه المرّة طائرة مسيّرة لديها القدرة على المناورة والتخفّي عن منظومات الكشف والإنذار والاعتراض، وهذا ما اعترف به العدو الإسرائيلي مؤخّراً.
- امتلاك القوات المسلحة اليمنية قدرة عالية على التوجيه، ودقّة الإصابة، بدليل حسي ملموس: أنها استطاعت إصابة نقطة محدّدة داخل هدف يبعد من اليمن مسافة تتراوح ما بين 1600 – أكثر من 2000 كيلومتر مربّع.
- فشل استراتيجيات العدو ووهم ردع اليمن، سواء من خلال العدوان على المنشآت الحيوية والاقتصادية من مطار وموانئ ومصانع ومحطات كهرباء أو بالانتقال إلى استراتيجية الاغتيال، وثبت عملياً أنّ إراقة الدم وعمليات الاغتيال تزيد اليمنيين غضباً وإصراراً على المواجهة وتنقلها إلى مستويات أعلى من التصعيد.
خط بيان متصاعد: 22 صاروخ ومسيرة في 10 أيام
تدرك الأوساط الصهيونية وكذلك صانعو القرار داخل كيان العدو كلّ ما سبق من الرسائل والدلالات وفشل محاولات الكيان في ردع اليمن، وإصرار اليمنيين على مواصلة عمليات الإسناد بالنظر إلى حقائق عملياتية ملموسة بالدليل الحسي في خط بياني متصاعد عسكرياً منذ 27 آب/أغسطس وإلى تاريخ كتابة هذا المقال في الـ 7 من أيلول/سبتمبر، إذ شهدت هذه الفترة المحدّدة وحدها 12 عملية بعضها مزدوجة أو مركّبة مشتركة، وأخرى واسعة نفّذت بـ 22 ما بين طائرة مسيّرة وصواريخ بالستية وفرط صوتية وانشطارية ومجنّحة وفق بيانات القوات المسلحة اليمنية.
وقد طالت هذه العمليات ما لا يقلّ عن 18 هدفاً تنوّعت بين العسكرية والحيوية في عمق العدو داخل فلسطين المحتلة ضمن شعاع امتدّ من إيلات والنقب جنوباً إلى حيفا شمالاً مروراً بعسقلان وأشدود ويافا، ومن بين تلك الأهداف المعلنة مبنى رئاسة هيئة الأركان، ومطار بن غوريون، وميناء أسدود ومحطة كهرباء الخضيرة بعضها لأكثر من مرة مثل مطار اللد، إضافة إلى سفينتين إحداهما إسرائيلية (SCRLET RAY) والأخرى (MSC ABY) مرتبطة بـ "إسرائيل" بعمليات وصفت بـ "النادرة" في أقاصي شمال البحر الأحمر.
"إسرائيل": انتظار وترقّب قلق من ردّ يمني أقوى
لا يزال كيان العدو في حالة انتظار وترقّب قلق من ردّ يمني مرعب على عملية الاغتيال الغادرة بحقّ رئيس حكومة التغيير والبناء ورفاقه الشهداء من الوزراء وإدارة مكتب رئاسة الوزراء وسكرتاريتها، وهنا من المفيد الإشارة إلى أنّ كلّ العمليات السابقة تندرج ضمن عمليات الإسناد الطبيعية والمستمرة منذ عامين، أما الردّ على جريمة الاغتيال فلا يمكن لأحد تصوّر كيف سيكون؟ ومتى؟ وأين؟ وبأيّ سقف سيكون؟
لكنّ هذه العمليات مجتمعة تؤكّد أنّ اليمن لم يتأثّر ولم يرتدع بأكثر من 15 عدواناً إسرائيلياً، وأنه كلما عظمت التحدّيات والتهديدات ضدّ اليمن، كلما تعاظمت قوته وقدرته كمّاً وكيفاً واشتدّ عوده وتماسكه الداخلي وزاد إصراره على المواجهة، ويمكن تلمّس هذه الحقيقة في تجربة أنصار الله تحديداً منذ 21 عاماً، وفي تجربة الجمهورية اليمنية الجديدة ـــــ إن جاز لنا التعبيرـــــ التي تشكّلت عقب ثورة 21 أيلول/سبتمبر 2014 وما تلاها من عدوان أميركي سعودي إماراتي استمرّ قرابة 10 سنوات.
تلا ذلك عامان من طوفان الأقصى تخللته جولتان من العدوان الأميركي البريطاني وعدوان إسرائيلي لا يزال مستمراً إلى اليوم مع شراكة عربية وغربية استخباراتية ولوجستية ومالية غير معلنة كما كشفت مؤخراً تقارير وأوساط صهيونية عقب جريمة الاغتيال الأخيرة، وسط تهديدات وزير الحرب في كيان العدو يسرائيل كاتس باستكمال "العمليات العشر" بعد ما أسماها الكيان بـ "عمليات الظلام والإبكار" و"قطرة الحظ".
ملامح المرحلة المقبلة
رغم تهديدات العدو الإسرائيلي وعملياته العدوانية المستمرة وما رافقها من رهانات على إحداث فراغ ما وإجبار اليمن ومنعه من مواصلة عمليات إسناد غزة، فقد استطاعت صنعاء إسقاط تلك الرهانات بدءاً من ترتيب الوضع الحكومي وسدّ الفراغ الناجم عن عملية اغتيال رئيس الوزراء ورفاقه في ظرف 48 ساعة بتكليف النائب الأول لرئيس الحكومة باستلام مهام رئيس الوزراء، واستمرار من تبقّى معه من الوزراء ونوّابهم ووكلائهم في تصريف الأعمال هذا فيما يخصّ الجانب الإداري والتنظيمي للدولة.
وفي الموازاة كان الموقف اليمني واضحاً ومعلناً وحاسماً منذ اللحظات الأولى لعملية الاغتيال الإسرائيلية الغادرة، إذ أعلنت القيادات ومن مختلف المستويات، أنّ موقف اليمن مع غزة ثابت ومستمرّ ولن يتزحزح قيد أنملة، وأنّ "مسارنا العسكري في استهداف "إسرائيل" سواء بالصواريخ والطائرات المسيّرة أو بالحظر البحري مسار مستمرّ وثابت ومتصاعد" كما أعلن السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطاب "شهداء اليمن" يوم 31 آب/أغسطس من رئاسة الحكومة ووزرائها، وسبق ذلك تأكيد من الرئيس مهدي المشّاط توعّد فيه العدو بـ "أيام سوداء" وتوعّد وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان كيان العدو بـ "الجحيم".
لم تكن تلك التصريحات مفصولة عن الواقع إذ نلمس يومياً أو بشكل شبه يومي مفاعيلها وترجمة عملية لها في البحر وفي عمق الكيان، وفي بيان عملية الـ 7 من أيلول/سبتمبر الواسعة جدّدت القوات المسلحة موقف اليمن المساند لغزة بعيد إعلان المجرم نتنياهو توسيع العدوان على غزة ومداخلها، وأكدت أنّ اليمن "لن يتراجع عن موقفه المساند لغزة مهما كانت التبعات والتحدّيات".
وأعلنت القوات المسلحة اليمنية معادلة جديدة تتمثّل في أنّ "المطارات داخل فلسطين المحتلة غير آمنة وسيتمّ استهدافها بشكل مباشر" محذرة شركات الملاحة من تبعات ذلك إن لم تغادر الكيان، والأهمّ من ذلك أنّ القوات المسلحة اليمنية كشفت أنها تطوّر أداء أسلحتها حتى تكون أكثر تأثيراً وفاعلية ولوّحت في الوقت نفسه بالقدرة على "إصابة أنظمة الحماية والأهداف الحسّاسة".
مواجهة "التحدّي بالتحدّي"
في الخلاصة فإنّ اليمن رغم انعدام التكافؤ في موازين القوى من الناحية المادية بينه وبين كيان العدو وشركائه، لكنه يصرّ على المضي في مساندة غزة من دون تراجع، ومواجهة "التحدّي بالتحدّي" و"التصعيد بالتصعيد" مستنداً إلى ثقة عالية بالله في معادلة الصراع وإلى تجربة وخبرة طويلة، في المقابل فإنّ كيان العدو يمضي في تصعيد جرائم الإبادة والتهجير في غزة ويعطّل كلّ مساعي الوسطاء رغم ما أبدته حماس من مرونة، وفي الموازاة يطلق التهديدات باتجاه اليمن بين الحين والآخر، وهذا يوحي باستمرار مسار الصراع ما لم تحدث متغيّرات تعدّل سلوك العدو الإسرائيلي وشركائه.
إنّ ما حصل مؤخّراً قد لا يكون سوى تجربة كشفت عورة أقوى منظومات الكشف والإنذار والاعتراض كما يرجّح بعض الخبراء، تمهيداً لمرحلة جديدة تحمل في طيّاتها الكثير من المفاجآت اليمنية، ومعروف عن اليمن بأنه "مقبرة الغزاة" وأنّ اليمنيين كما وصفهم القرآن "ألوا بأس شديد"، ونَفَسُهم استراتيجي وطويل، وكلّهم ثقة ويقين بـ "حتميات هزيمة العدو" وأنه لا مفرّ ولا منجى للكيان المؤقت من "الخراب الثالث" مهما علا واستكبر ومارس الاستباحة هنا وهناك، وإرادة الشعوب المجاهدة والمقاومة أقوى من كلّ الأسلحة والتحالفات، فإرادة الله فوق كلّ الإرادات والنصر حتماً آتٍ، وما النصر إلا من عند الله.