هل لـ "إسرائيل" والولايات المتحدة حق في الوجود؟!
ما كان لفظائع غزة، وقصف إيران واليمن ولبنان، أن تحدث لو لم تعمل الدولتان المارقتان معًا. يجب حلّهما وتفكيك جيوشهما. أو على الأقل يجب حظرهما وطردهما من الأمم المتحدة.
-
"إسرائيل" تجسيد لإرهاب الغرب ضد الجنوب العالمي.
من المقولات التي تتبجح بها الإمبريالية الغربية في "إسرائيل" وأميركا وأوروبا في معرض إنكار شرعية مقاومة الاحتلال والاستيطان والإبادة ووصم مشروع التحرر والاستقلال والنهوض وتقرير المصير في فلسطين ولبنان واليمن وإيران بالإرهاب، أن المقاومة لا تعترف بحق "إسرائيل" في الوجود كدولة، لا تُعرف لها حدود ثابتة، ومن دون اعتراف حقيقي بحدود دول المنطقة أصلاً، وتعدّ إمبرياليًا جبهات مفتوحة للتوسع والاستيطان الإسرائيلي.
عادة، لا تحظى هذه القضية دوليًا بما تستحق من النقاش والتداول يغطي الأبعاد القانونية والأخلاقية والاستراتيجية وانعكاساتها على مبادئ العدالة والسيادة والاستقرار الإقليمي والسلام الدولي.
مؤخرًا، لفتت هذه القضية اهتمام ديفيد سبيرو، كاتب صحفي ناشط في مجال الحقوق الفلسطينية. يقول سبيرو، تبرر "إسرائيل" باستمرار اعتداءاتها على الفلسطينيين واللبنانيين بالقول إن أعداءً مثل حماس وحزب الله "لا يعترفون بحق إسرائيل في الوجود".
يقول سبيرو، لم أفهم هذه العبارة قط. فالأشياء إما أن تكون موجودة أو لا تكون؛ فما علاقة الحقوق بذلك؟ لكن، في المحادثات واللقاءات، كان الناس يسألونني أحيانًا إن كنت أقبل بحق "إسرائيل" في الوجود. كنتُ أُفاجأ؛ لذلك درستُ الأمر. فإذا طرأ عليكم هذا السؤال يومًا ما، فإليكم بعض الإجابات.
ما هو الحق في الوجود؟
قد يعني "الحق" في الوجود شيئين. هل نتحدث عن حق أخلاقي، كما في جملة "الرعاية الصحية حق من حقوق الإنسان؟" لكن الحقوق الأخلاقية مسألة رأي. يمكن للبعض القول: "نعم"، بعد قرون من الاضطهاد، يستحق اليهود مكانًا يعيشون فيه بأمان، ويحكمون أنفسهم. هذا الحق لن يفوق بأي حال حقوق السكان الأصليين في العيش على أرضهم. ولن يبرر قمع الفلسطينيين وطردهم وقتلهم، رغم القول إنه حق أخلاقي في وطن يهودي بمكان ما. لكن، هل يمكن أن يتحقق في أي مكان من العالم من دون عدوان وعنف وإبادة جماعية كما وقع في العالم الجديد سابقاً ويقع في فلسطين الآن؟!
التعريف الأهم لـ "الحق" هو أنه قانوني. الحقوق القانونية تمنحها هيئة حاكمة، مثل حق اختيار الدين المنصوص عليه في مختلف الدساتير. هنا، يقال إن لـ"إسرائيل" بالتأكيد أن تدعي حقها في الوجود، الممنوح لها بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947.
إذاً، كيف يقول العنوان إن "إسرائيل" لا تملك حق الوجود؟ يمكن تأكيد ذلك بثقة من خلال كلا الادعاءين: الحق الأخلاقي في وطن يهودي ما؛ والحق القانوني بموجب القرار الأممي 181. لطالما كان الحق الأخلاقي متزعزعًا، لأنه تضمن طرد السكان الأصليين بالقوة والإبادة، وتحويل من تبقى إلى مستعمرة خاضعة.
في عام 2025، بعد عامين من المذبحة الجنونية في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان، ثم في سوريا وإيران، فإن فكرة ادعاء "إسرائيل" لأي مكانة أخلاقية هي فُحشٌ خالص. فقد أحرقوا هذه المكانة مع نوايا العالم الحسنة، ودفنوها تحت أنقاض غزة مع عظام الأطفال الجياع والنساء القتيلات.
ماذا عن الحق القانوني الذي منحته لهم الأمم المتحدة؟ لو كنا في عالم يحكمه القانون، لكان هذا الحق الأممي قد أُلغي منذ زمن بعيد. فهم لم يسمحوا قط بدولة فلسطينية، وهو ما دعت إليه الأمم المتحدة في القرار نفسه رقم 181. وبينما يواصلون توسيع حدودهم الفعلية، لم يعترفوا قط بوجود حدود دائمة، وهو شرط أساسي للدولة الحديثة.
يقصف الإسرائيليون الدول المجاورة كما يحلو لهم، متجاهلين القانون الدولي كما لو أنه لا ينطبق عليهم. منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، انخرطوا في تطهير عرقي وحشي ومستمر، يُبثّ مباشرةً على الهواء، يُجوّعون الملايين، ويرتكبون الفظائع تلو الفظائع على مرأى ومسمع من العالم. هناك دول لم تعد قائمة لأسباب أقل من ذلك، وعادةً ما تتفكك بعنف كما حدث في يوغوسلافيا السابقة عام 1992.
قد لا يحق للأمم المتحدة إلغاء أي دولة، ولكن إذا ما حاولنا ذلك، فهل سنبدأ بـ"إسرائيل"؟ بالتفكير قانونيًا وأخلاقيًا، يجب القول: لا. الولايات المتحدة الأميركية ستكون أولًا، و"إسرائيل" ثانيًا.
ليست أمة بل إمبراطورية
يُعرّف قاموس أكسفورد الأمة بأنها "مجموعة كبيرة من الناس يجمعهم المشترك العرقي أو التاريخي أو الثقافي أو اللغوي، ويسكنون بلدًا أو إقليمًا معينًا". في كلٍّ من الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل"، لم يكن هناك تاريخ مشترك، أو ثقافة مشتركة، أو إقليم مشترك. جاء الناس من أنحاء مختلفة من أوروبا، واستولوا على الأرض من السكان الأصليين.
ما الذي يوحّد الأميركيين؟ رغم أن الولايات المتحدة الأميركية كانت مأهولة مبكرًا بمستوطنين غالبًا من صغار المزارعين يسكنون الأرض، إلا أنها أصبحت قوة عالمية يديرها مليارديرات لا يوحدهم سوى المال، ولا تربطهم صلة بالأرض أو بجماهير الشعب. هذه ليست أمة؛ إنها إمبراطورية، لها رعاياها.
أخلاقيًا، كانت الولايات المتحدة دائمًا دولة مارقة. ووفقًا لموقع "ترانسناشيونال" Transnational الإلكتروني، لقد خاضت الولايات المتحدة حروبًا لمدة 225 عامًا من أصل 249 عامًا منذ تأسيسها. لقد ارتكبت الولايات المتحدة إبادة جماعية ضد السكان الأصليين واستعبدت ملايين الأفارقة – والإبادة الجماعية والعبودية كلتاهما جرائم ضد الإنسانية – واستعمرت القارتين الأميركيتين منذ ذلك الحين. ولديها أكثر من 800 قاعدة عسكرية في 70 دولة على الأقل حول العالم. يعاملون الحلفاء كعبيد والدول ذات السيادة كجرذان وصراصير.
وهي مثل "إسرائيل" ومعظم الدول الصناعية، خربت العالم الطبيعي بلا رحمة، ودمرت منظومات البيئة في الداخل والخارج. كيف يُفيد العالم أو الشعب الأميركي العيش في مثل هذه الحالة؟
"إسرائيل" تجسيد لإرهاب الغرب ضد الجنوب العالمي
الأمر نفسه ينطبق على "إسرائيل". فما كان لـ"إسرائيل" أن توجد لولا الولايات المتحدة، ولا ينبغي لها أن توجد أصلاً. الدولتان المارقتان مرتبطتان ارتباطًا وثيقًا بعلاقاتهما العسكرية، ويُخشى أنهما تقودان العالم إلى حرب نووية تقضي على معظم أشكال الحياة على الأرض.
وإلا فلماذا تتباهى "إسرائيل" بجرائم حربها أمام العالم، وتنشر مقاطع فيديو على "تيك توك" و"انستغرام"، وتتباهى بها أمام وسائل الإعلام؟ أخشى أنهم يُقلّلون حساسيتنا نحو جرائم الحرب ويُطبّعون ممارسة الفظائع، على أمل أنه عندما يقصفون طهران مثلاً (أو أي مكان آخر) بالسلاح النووي، سيهزّ الناس أكتافهم قائلين: "حسنًا، هذه هي إسرائيل"!
ما كان لفظائع غزة، وقصف إيران واليمن ولبنان، أن تحدث لو لم تعمل الدولتان المارقتان معًا. يجب حلّهما وتفكيك جيوشهما. أو على الأقل يجب حظرهما وطردهما من الأمم المتحدة. مع استمرار وجود الولايات المتحدة و"إسرائيل"، تُصبح الأمم المتحدة مجرد مهزلة سخيفة. ومن دونهما، قد تكون هناك فرصة للبقاء.