كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تعريف دور المترجم؟
بفضل الذكاء الاصطناعي، تشهد عملية الترجمة اليوم تحولات سريعة. فهل يختفي المترجم البشري أم سيصبح ضابط للجودة؟
بما أن التكنولوجيا الحديثة باتت جزءاً أصيلاً في كل مناحي الحياة، فقد فرضت نفسها أيضاً على الحقل الثقافي والأدبي. ففي الدورة الجديدة من "معرض عمّان الدولي للكتاب"، كانت تقنيات الذكاء الاصطناعي وعلاقتها بالأدب، وخاصة الأدب المترجم، محل حوار ونقاش بين المختصين.
في هذا الإطار، قابلت "الميادين الثقافية"، الكاتب والمترجم الكويتي، عبد الوهاب سليمان، الذي يشارك في فعاليات المعرض ضمن ندوة بعنوان "الذكاء الاصطناعي والترجمة للعربية". طرحنا عليه أسئلة حول الذكاء الاصطناعي وعلاقته اليوم بحركة الترجمة والبحث في جوانبه السلبية والإيجابية.
يقول سليمان إن الذكاء الإصطناعي اليوم بات أمراً واقعاً لا يمكن تجاهله في المجالات كافة، وخاصة في مجال الترجمة الذي يشهد تحولات سريعة، مستدركاً أنه لا يمكن إلغاء دور المترجم البشري بالكامل كما يعتقد البعض.
ويوضح أن هذا المجال مقبل على مرحلة سيعاد فيها تعريف دور المترجم ليصبح هو ضابط الجودة للترجمة نفسها، وبالتالي ستكون العملية المستقبلية هجينة، أي مزيج بين المخرجات الآلية واللمسة البشرية، وهذا هو السبيل الوحيد لضمان الدقة وحسن الأسلوب في النص المترجم.
وهنا نص الحوار.
**
يخشى الكثيرون أن يحل الذكاء الاصطناعي محل المترجم تماماً، هل زال هذا التخوف؟
عبد الوهاب سليمان: التخوف مبرر، لكن الحقيقة هي أن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل المترجم البشري تماماً على الإطلاق، لكنه يسرع من عملية إنتاج الترجمة بشكل كبير وممكن أن يقلل من هامش الأخطاء البشرية الأولية، لكنه لا يمكن أن يكون بديلاً كاملاً. فالإنسان هو من يمتلك الحساسية الثقافية للنص، وهو وحده القادر على فهم السياقات المعقدة وتحديد ما إذا كان النص يحمل تحيزات ثقافية أو يتطلب ثقافة محلية في النقل.
هذه الأبعاد الإنسانية والثقافية لا يمكن أن يدركها أو يتقنها الذكاء الاصطناعي، بمعنى أنه لا يمتلك الحس الثقافي العميق أو القدرة على تفسير السياقات، ليبقى المترجم البشري هو من يقرر كيف ينقل المعنى بدقة، وكيف تظل النصوص محافظة على روحها، خصوصاً في الأدب، حيث تلعب الصور الجمالية والاستعارات دوراً محورياً، وهو ما يجعل العمل البشري لا غنى عنه.
فالأدب يحتاج إلى لمسة إنسانية دقيقة، ذلك أن الشعر والقصة مليئة بالصور الجمالية والاستعارات التي لا يستطيع الذكاء الاصطناعي التقاطها. ويمكن تشبيه الفرق بين الترجمة البشرية والآلية بالحقيبة المصنوعة يدوياً مقابل المصنوعة آلياً. الأولى تحمل روحاً وجماليات واضحة، أما الثانية فمجرد أداء تقني، لذلك فإن المترجم البشري هنا هو من يحافظ على اللمسة الإبداعية والجوهر الفني للنص.
بصرف النظر عن التحيزات الثقافية، ما هي أبرز الأخطاء أو الثغرات التقنية التي تواجه الترجمة الآلية اليوم؟
عبد الوهاب سليمان: التحدي الأكبر يكمن في خصوصية اللغة العربية التي تتميز بغناها واشتقاقاتها وجذورها المتعددة، وهذا يجعل مهمة الذكاء الاصطناعي صعبة جداً مقارنة بالتعامل مع لغات أقل تعقيداً كالإنجليزية.
أما الإشكال الآخر فيتعلق بالتغذية والسيطرة على اللغة. للأسف، فإن كبريات الشركات التقنية العالمية هي التي تعمل على تغذية الذكاء الاصطناعي وتحديد مخرجاته باللغة العربية، وهذا يضع اللغة في مهب الريح ويعرضها لتحيزات ثقافية خطيرة.
نحن لسنا فقط في حرب على الأرض، بل في حرب مصطلحات أيضاً. قد يعمل الذكاء الاصطناعي على تصفية مفردات معينة، فيقوم بتحويل كلمة المحتل إلى مستوطن، أو يصف العدوان بـ "النزاع" أو "الصراع". لذلك من الضروري جداً أن تتدخل المؤسسات الثقافية العربية في عملية تغذية الذكاء الاصطناعي باللغة العربية.
هل ينجح الذكاء الاصطناعي في نقل الأسلوب الأدبي والجماليات مستقبلاً؟
عبد الوهاب سليمان: هذا الأمر مرهون بخطوة عربية أساسية. متى ما اهتمت مجامع اللغة والمؤسسات الثقافية العربية بوضع قواعد بيانات مفتوحة ومُرقمنة للأرشيف الثقافي العربي، فإن هذا سيغذي الذكاء الاصطناعي ويجعله أغنى لغوياً. اللغة العربية من أقل اللغات حضوراً على الشبكة العالمية، والنصوص التي يقدمها الذكاء الاصطناعي حالياً هي لغة معاصرة عادية تفتقر للسمات الجمالية والعمق الكلاسيكي.
سيبقى موضوع الجماليات والصور الفنية بيد البشر إلى حين إتمام عملية التغذية اللغوية الصحيحة والشاملة، كما يجب أن يدخل علماء اللغة واللغويون في العملية لمعالجة عقبات اللغة العربية كاشتقاقاتها وصرفها.
لذلك من الضروري أن تكون المؤسسات العربية منتجاً لا مستهلكاً. يجب أن تشارك في تغذية قواعد البيانات الرقمية بالتراث اللغوي والأدبي، لضمان أن اللغة العربية تظهر بثرائها وجمالياتها، لا فقط كخدمة ثانوية للآلات. ويشمل دورها أيضاً في إشراك علماء اللغة والمثقفين في تطوير الذكاء الاصطناعي، ليكون متناغماً مع الثقافة العربية.
ما هي نسبة مساعدة هذه الأداة لك ككاتب ومترجم في عملك اليومي؟
عبد الوهاب سليمان: في الترجمة الأدبية والشعر والقصة من الصعب جداً الاعتماد عليها، فالعناصر الجمالية والمجازات هي إبداع إنساني حاله حال النحت أو اللوحة.
لكن في الكتب غير الأدبية، مثل كتب التاريخ مثلاً، فإنها عامل مساعد ممتاز. أتوقع أنها يمكن أن توفر حتى 70% من الجهد والوقت، لكني أضع نفسي في موقع المحرر بعد الذكاء الاصطناعي، وأكون الموجه قبل الإدخال أيضاً، حيث أوجهه في تحديد المصطلحات والأسلوب الذي أريده، بل وأضع له مسألة خاصة في اللغة. العلاقة هنا أشبه بالطائرة، لدينا القيادة الآلية، لكن وجود الكابتن ومساعده ضروري ومستمر.
ما هي رسالتك اليوم بخصوص هذا الموضوع؟
عبد الوهاب سليمان: علينا أن نمشي مع الزمن ونطور أنفسنا. الذكاء الاصطناعي أداة واقعية، لكن يجب أن نضع عليه بصمتنا الثقافية، وإلا نكون مجرد مستهلكين. لا يمكن ترك لغة بأهمية اللغة العربية للتقنيين وحدهم، بل لا بد من مساهمة أكاديمية ولغوية فاعلة. التحدي الحقيقي هو أن نحافظ على هوية النصوص وروحها الثقافية، مع الاستفادة من السرعة والدقة التي توفرها التكنولوجيا.