"قامة فنية استثنائية".. رحيل الفنان الإيراني محمود فرشجيان
الموت يغيّب الفنان الإيراني في فن المنمنمات والرسم، محمود فرشجيان، والسلطات الإيرانية تعتبره رمزاً للصمود والروحانية والتألق الفني الإيراني.
-
محمود فرشجيان (1930 – 2025)
مخلفاً إرثاً فنياً وإنسانياً كبيراً، رحل صباح اليوم السبت في الولايات المتحدة عن عمر ناهز 96 عاماً، الفنان الإيراني في فن المنمنمات والرسم، محمود فرشجيان (1930 – 2025)، وفق ما أعلنت عنه وسائل إعلام إيرانية.
فرشجيان المولود في مدينة أصفهان، أسهم في تشكيل المشهد الثقافي والفني الإيراني لعقود طويلة، واشتهر كأحد أبرز أعلام الفن الإيراني المعاصر، بأعماله المستوحاة من الأدب الفارسي والنصوص الدينية.
بدأت رحلة فرشجيان في عالم الفن منذ سن مبكرة، حين لمس والده – أحد الأسماء البارزة في صناعة السجاد الأصفهاني – موهبته الاستثنائية، فاصطحبه إلى ورشة الفنان ميرزا آقا إمامي، حيث اكتُشفت ملامح إبداعه الأولى. ومنذ ذلك الحين، انطلقت مسيرة عمرها عقود من السعي نحو التميز والتعبير الروحي عبر الفن.
وتدرّب فرشجيان على أيدي كبار الأساتذة، وتخرج في مدرسة الفنون الجميلة في أصفهان، قبل أن يسافر إلى أوروبا لدراسة الفن الغربي في المتاحف، حيث كان يكرس وقته للغوص في المجموعات الفنية، حاملاً كتبه وأدواته، وملازماً قاعات العرض حتى الإغلاق.
عند عودته إلى إيران، بدأ العمل في إدارة الفنون الجميلة في طهران، ثم تولى منصب المدير وأستاذ في كلية الفنون الجميلة بجامعة طهران. وعلى الرغم من إقامته في نيوجيرسي، ظل يزور إيران بانتظام ويواصل إبداعه الفني.
تميّزت أعمال فرشجيان بدقة متناهية. إذ جمع بين تقنيات المنمنمات الفارسية التقليدية وعناصر ابتكارية تمنح المواضيع الكلاسيكية حياة متجددة. وقد جسّد في لوحاته روح الشعر الفارسي والقصص الدينية والرمزية الروحية، موازناً بين الأصالة والتجديد، مستخدماً خطوطاً انسيابية وأشكالاً دائرية وألواناً نابضة.
طافت أعمال فرشجيان من باريس إلى نيويورك وشيكاغو وطوكيو، وتُقتنى لوحاته اليوم في مؤسسات عالمية مثل المكتبة البريطانية، وجامعة هارفارد، ومتحف المتروبوليتان للفنون، فضلاً عن عرض بعض أعماله الدينية في مواقع كمرقد الإمام الرضا.
وقدّم المسؤولون الإيرانيون العديد من أعمال فرشجيان كهدايا رمزية تعبر عن غنى التراث الثقافي الإيراني. ونال عشرات الجوائز داخل وخارج إيران.
ترك فرشجيان أيضاً بصمة في تصوير واقعة عاشوراء بأسلوب بصري مؤثر، كما في لوحتيه الشهيرتين "مساء عاشوراء" و"حامل لواء الحق"، إضافة إلى لوحات "واهب الظباء"، و"اليوم الخامس من الخلق"، و"الكوثر".
امتد تأثير الفنان الإيراني الراحل إلى ما بعد فنه، إذ أسهم كأستاذ ومدير في كلية الفنون الجميلة بجامعة طهران في تكوين أجيال من الفنانين الذين يواصلون حمل رؤيته الفنية.
ومنذ العام 2001 يضم متحف محمود فرشجيان في قصر سعد آباد أكثر من 50 لوحة من روائعه.
ورغم شهرته العالمية، ظل فرشجيان متمسكاً بجذوره وهويته الإيرانية، مستلهما أعماله من الشعر الفارسي والقرآن والنصوص المقدسة في المسيحية واليهودية.
أُدرج اسم فرشجيان في قائمة "ألفي شخصية فكرية بارزة في القرن الحادي والعشرين" في بريطانيا، ويعتبر اقتناء أحد أعماله شرفاً كبيراً لهواة جمع التحف الفنية.
كما كان من بين 40 فناناً إيرانياً كرمتهم المكتبة الوطنية ومركز الوثائق في إيران لأعمالهم البارزة التي تناولت ملحمة عاشوراء خلال القرن الماضي.
خبر وفاة فرشجيان خيّم على الأوساط الثقافية في إيران حيث أعرب كثيرون عن أسفهم لفقدان "قامة فنية استثنائية لا تُعوض"، بينما أشادت وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ومؤسسات ثقافية عديدة "بعطائه الكبير"، واعتبرته "رمزاً للصمود والروحانية والتألق الفني الإيراني".
من جانبه، وصف وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الراحل بأنه "لم يكن فقط أحد أعلام الفنون التقليدية الإيرانية الرفيعة، بل كان أيضاً جسراً بين الماضي والحاضر، ينقل بمهارة التراث الروحي والجماليات الإيرانية إلى العالم".
أما رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، ورئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني إيجئي، والمتحدثة باسم الحكومة، فاطمة مهاجراني، فقد أرسلوا رسائل عزاء منفصلة، ناعين فناناً "يُعتبر إرثه ركيزة أساسية في تاريخ الفن العالمي، وإلهاماً للأجيال الجديدة من المبدعين".
وفي تصريح مؤرخ عام 1993، قال السيد علي خامنئي: "كلما نظرتُ إلى لوحة السيد فرشجيان التي أهداني إياها منذ سنوات، بكيت. وقلبي مفعم بمراثي صباح ومساء عاشوراء".