فاز بنوبل للأدب.. لاسلو كراسناهوركاي: قوة الفن لمواجهة رعب العالم

فاز أمس بجائزة نوبل للأدب تقديراً "لأعماله الإبداعية التي تؤكّد مجدّداً قوة الفنّ في مواجهة رعب نهاية العالم". من هو لاسلو كراسناهوركاي؟ وماذا قدّم للأدب؟

فاز الكاتب المجري، لاسلو كراسناهوركاي، أمس الخميس، بجائزة نوبل في الأدب لعام 2025.  وقالت الأكاديمية السويدية التي تمنح الجائزة في بيان، إن كراسناهوركاي فاز بالجائزة تقديراً "لأعماله الإبداعية الآسرة المفعمة بالخيال، التي تؤكّد مجدّداً قوة الفن في مواجهة رعب نهاية العالم". فمن هو هذا المتوّج؟ وما هي أهم أعماله؟

من الشغف بالموسيقى إلى الكتابة 

  • هرب كراسناهوركاي من التجنيد وعوقب ليعمل بعد ذلك في مهن بسيطة منها عامل في أحد المناجم وحارساً ليلّياً
    هرب كراسناهوركاي من التجنيد وعوقب ليعمل بعد ذلك في مهن بسيطة منها عامل في أحد المناجم وحارس ليليّ

لم يكن كراسناهوركاي (1954)، الطفل الشغوف بالموسيقى، والمولود في قرية جيولا  الصغيرة المتاخمة للحدود الرومانية، يعرف أنه سيتحوّل إلى الكتابة ويتخلّى عن عشقه الأول، خاصة أنه عمل مع فرقتي روك وجاز في مقتبل شبابه.

وينتمي كراسناهوركاي إلى أسرة متوسطة. إذ كان والده محامياً بينما عملت والدته في وزارة الرعاية الاجتماعية. هرب الشاب من التجنيد وعوقب، ليعمل بعد ذلك في مهن بسيطة منها عامل في أحد المناجم وحارس ليليّ، وقد مكّنته هذه المهنة من أن يقرأ أعمال فيودور دوستويفسكي ورواية مالكوم لوري "تحت البركان" التي وصفها بـــ "المرجعية".

كان كراسناهوركاي يتطلّع إلى دراسة المحاماة، لكنه اختص في اللغة والأدب المجري، وكان شغوفاً بفرانز كافكا وعوالمه السوداوية التي  تظهر ثقل الوجود البشري. فبعد دراسته الثرية في جامعتي سيجد وبودابست نشر الأديب الفائز بنوبل نصوصه للمرة الأولى عام1977.

وفي العام نفسه عمل مؤرشِفاً في دار نشر "غوندولات"، وكان يحضر دروساً مسائية في كلية الفنون. ثم في العام 1983 تخرّج من الجامعة، وهو العام نفسه الذي التقى فيه بالكاتب والدراماتورج المجري، موريس زيغموند، وتوطّدت علاقته به.

وكان للنظام الذي ترزح تحته المجر الأثر الكبير في إنشاء مقوّمات وتوجّهات عالم كراسناهوركاي الأدبي، مما انعكس على أغلب رواياته التي تنذر بالتعفّن القيمي وباضمحلال الأمل المحرّك في غد أفضل. وهو العنصر الأساسي للعيش السعيد. 

يقول الكاتب في هذا السياق: "أكتب لأنني لست سعيداً ولو كنت كذلك لما ألّفت الكتب". وقد استلهم من تجربته مع الشيوعية ورحلاته المتعدّدة نحو آسيا وبقية أوروبا كيفيّة الكتابة عن المواضيع الكبرى التي تشغل الإنسان الغربي ولا تقتصر على المجر.

لغة ثقيلة ومكثّفة 

  • لاسلو كراسناهوركاي: أكتب لأنني لست سعيداً ولو كنت كذلك لما ألّفت الكتب
    لاسلو كراسناهوركاي: أكتب لأنني لست سعيداً ولو كنت كذلك لما ألّفت الكتب

رغم تردّد اسم كراسناهوركاي في الأوساط الأدبية الألمانية وفي بلاده كثيراً، خاصة بعد فوزه بجائزة وطنية ومعرفة القارئ الألماني لأعماله، إلا أن لغته ظلت محور اهتمام المترجمين والقرّاء على السواء. ذلك أنّ نصوصه تمتاز بعدم التقطيع للجمل التي تمتد أحياناً إلى فقرات، بينما تصل الفقرات الى صفحات من دون فواصل أو نقاط مما يجعل تراصّ الأفكار والصور والتراكيب أمراً يحتاج إلى إعادة قراءة.

لكنّ كراسناهوركاي، الحاصل أيضاً على جائزة مان بوكر البريطانية للرواية، لم يغيّر أسلوبه الذي بقي على الوتيرة نفسها من حيث الامتداد. ففي رواية "عودة البارون وينكهايم"، تمتد الجملة الأولى على 5 صفحات، والثانية على 10 صفحات. 

في العام 1985 نشر الكاتب روايته الأولى "تانغو الشيطان"، قبل أن يكتب سيناريو فيلم "اللعنة" مع المخرج بيلا تار، ليضيف إليها لاحقاً 14 رواية وقصة قصيرة. 

شخصيات غريبة في واقع متحلّل 

في "تانغو الشيطان" يتمّ الاعلان عن عودة شخصية أسطورية تمثّل حلم الخلاص بالنسبة للأغلبية في قرية شبه منسية، لكنها تستغلّ الجميع لتحقيق مآربها الفردية. ايرمياس وبيترينا يعتبران القرية "مكبّ السماء في الهواء الطلق"، ولا وجود لمنقذ. إذ إنّ الفكرة تستوجب الفداء وهو ما لا يفكّر فيه ايرمياس، بل إنه لا يولي اهتماماً لهؤلاء الذين يصفهم بالحمقى الذين يرجون خدماته الخارقة.

أما روايته الثانية "كآبة المقاومة" (جائزة مان بوكر)، فتتناول حكاية قرية في جنوب شرق المجر تواجه تهديداً مجهولاً. إذ مع وصول سيرك وعرض حوت ضخم محنّط تندلع اضطرابات ويغرق المجتمع في دوامة من العنف.

وصف السرد في هذه الرواية بأنه يعرّي هشاشة الضعف البشري أمام حمم الانهيار الأخلاقي. كما صُنّفت بأنها نقد للشيوعية وللأوليغارشيا التي تجاوزها الواقع بتحدّياته التي تتطلّب حلولاً عملية تنقذ القرية من فساد وعمى أغلب سكانها وسلبيتهم عن رؤية الواقع. وقد حوّلها المخرج بيلا تار أيضاً إلى فيلم سينمائي.

أما في ما يتعلق برواية "عودة البارون وينكهايم"، فهي عمل يسرد العودة إلى مسقط الرأس بعد حياة متعثّرة، وفرصة للتهرّب من الديون التي عانى منها وينكهايم، التي تراكمت عليه في بيونس آيرس. حيرة وشكوك تحوم حول وينكهايم في محيط محبط تخيّم عليه الانتظارات والتوجّسات الجنائزية والكثير من الأحلام الساذجة. إذ يعتقد الكثيرون أنّ رجوعه فرصة لإنقاذ المدينة من الإفلاس، بينما هو في الواقع مفلس، وقد وصف كراسناهوركاي هذه الشخصية بالقول: "لم يحب أحداً ولم يحبّه أحد. وهذا يناسبه تماماً. كان الاحترام شيئاً آخر. لا داعي للقول. ليس لأنه كان يهتم، لأن هذا كان أقل ما يقلقه".

ثم في رواية "حرب وحرب" حيث تبدو كوريم شخصية تقف ضد تفاهة العالم وتحاول إيصال رسالة. ذلك أنّ كوريم مؤرّخ في بداية حياته يصل إلى مركز أرشيف إقليمي. يسطو عليه حزن يقارب الجنون ليكتشف ذات يوم مخطوطاً منسياً هناك لعقود ويصوّر المؤلف جوهر الحكاية: "شعر بالحاجة لإعادة قراءته فوراً – المخطوط -  لأنّ الجمل الثلاث الأولى كانت كافية لإقناعه بأنه يمتلك عملاً فريداً. لم يكن للمخطوط سوى غرض واحد. حماية الحقيقة مراراً وتكراراً من الجنون.. رائحة الثقل الهائل للفراغ البشري الذي نقلته مئات الآلاف من القطارات إلى هنا والرائحة الكريهة لملايين الوصايا العقيمة التي لا معنى لها".

الذئب الأخير لا يهتم بالقارئ 

  • كان للنظام الذي ترزح تحته المجر الأثر الكبير في إنشاء مقومات وتوجهات عالم كراسناهوركاي الأدبي
    كان للنظام الذي ترزح تحته المجر الأثر الكبير في إنشاء مقوّمات وتوجّهات عالم كراسناهوركاي الأدبي

تحدّث كراسناهوركاي في حوار سابق لمجلة "باريس ريفيو" عن علاقته بالأدب قائلاً إنه لا يرى نفسه جزءاً من الحياة الأدبية، وأنه لم يشعر قطّ بالراحة عند مناقشة أعماله، وذكر أنّ: "الكتابة بالنسبة لي فعل خاصّ. أخجل من الحديث عن أدبي كما لو أنك سألتني عن أسرار حياتي الأكثر خصوصية".

وقال في حوار آخر إنّ: "من لم يقرأوا كتبي فلا أنصحهم بقراءة أي شيء، بل أنصحهم بالخروج والجلوس في مكان ما إلى جانب جدول بلا عمل أو تفكير. سيلتقون في النهاية  بشخص سبق له قراءة كتبي".

وفي قصته "الذئب الأخير" والتي يستخدم فيها جملة واحدة طويلة جداً، يتحدّث كراسناهوركاي عن جانب من شخصية الذئب تشبه صنفاً بشرياً مفقوداً، فيقول إنّ: "الذئاب لا تتحرّك من موطنها لأنها مصدر فخرها. إنها تضاعف الحذر والذكاء والحيلة والشجاعة لكنها لا ترحل أبداً وهذا ما لا يفهمه أحد. لا تترك ما يصبح ملكاً لها إلى الأبد وهذا قاعدة ومبدأ يقود أفكارها ويحدّد وجودها".

أما في عمله "مطاردة هوميروس" فيبدو الزمن هو الآن واللحظة وليس غداً أو الماضي، حيث يغدو الجري في مسابقة محمومة مع عدو مجهول عملاً بطولياً تجاه موت محقّق. ويشمل النص على تعاون بصري موسيقي مع الفنان ماكس نيومان بلوحاته ومقطوعات سيلفستر ميكلوس الإيقاعية التي تمّ تسجيلها داخل النص. وضمّ 19 فصلاً.

يختم الكاتب هواجس مجابهة الفناء بقوله إنه: "كان أسير اللحظة فاندفع نحوها. لحظة لا تكملة لها. كما أنها لم تكن لها نسخة سابقة".

اخترنا لك