العلاقة بين مصر وفلسطين ليست مجرّد تضامن بين جارتين، بل وحدة عضوية لجبهتين في معركة واحدة، يتداخل فيها الأمن بالهوية، والتاريخ بالجغرافيا، بحيث لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى إلا بثمن فادح يدفعه الجميع.

إذا كان "فيسبوك" قد أدّى دور شرارة الحشد الثوري، فإنّ "تيك توك" يمثّل اليوم مرحلة أكثر نعومة وخطورة من إعادة تشكيل الوعي.

مصر لن تكون شاهد زور على مؤامرة، ولا جسراً لتمرير "إسرائيل الكبرى"، ولا سوقاً تُؤجّر فيها الجغرافيا باسم الإنسانية الزائفة.

استنهاض الشارع العربي، وإعادة وصله بنبض القضايا الحقيقية، وبعث روح المقاومة والعدالة في ضميره، لم تعد خيارات سياسية بل هي ضرورات مصيرية.

كلّ شهيد اليوم هو مصطفى حافظ جديد، كلّ مقاوم يخرج من بين الركام هو وعد جديد بأنّ الراية لن تسقط، وأنّ الحلم لن ينكسر، وأنّ فلسطين لا تزال قِبلة الأحرار الأولى.

لم تعد الخروقات "الإسرائيلية" مجرّد انتهاكات عابرة أو حوادث معزولة، بل غدت نهجاً ثابتاً وممنهجاً يهدف إلى تقويض الأمن القومي المصري وإحراج الدولة المصرية أمام شعبها وأمام العالم العربي.

نحتاج السيد محمد حسين فضل الله اليوم ليذكّرنا أنّ فلسطين لا تزال البوصلة، وأنّ المذاهب حين تلتقي تُنبت سنابل الحياة لا أشواك الموت، وأنّ المحبة حين تُزرع في القلوب، تنبت وطناً بلا أسوار، وإيماناً بلا كراهية.

لا تُكتب الفصول الحاسمة في البيت الأبيض، ولا تُحسم في الكنيست، ولا تُخطط في دهاليز مراكز التفكير الغربية، بل تُصاغ على الأرض، حيث تقاوم الشعوب بالكلمة والصاروخ.

ما يجري الآن ليس مجرد ضربة عابرة، بل عدواناً معلناً، تقوده الآلة الصهيونية بتغطية أميركية وتواطؤ من أنظمة إقليمية اختارت أن تكون أدوات في يد العدو.

كانت نكسة يونيو، بكلّ جراحها، امتحاناً عسيراً لإرادة الأمّة، لكنها كشفت أنّ الهزيمة الحقيقية لا تُقاس بفقدان الأرض، بل بفقدان الأمل.