عبد الحسين شعبان - أكاديمي ومفكر عراقي

"الشعر يمشي في الأسواق، ويتحرك مع حركة الناس" فودكاست الميادين مع الأكاديمي والمفكر العراقي عبد الحسين شعبان

نص الحلقة

 

 

غسان الشامي:

أهلًا بكم إلى حلقة جديدة من فودكاست. 

ضيفنا اليوم هو الدكتور عبد الحسين شعبان، أكاديمي ومفكّر عراقي يساري. وُلِدَ في مدينة النجف لأسرةٍ عربيةٍ يعود أصلها إلى اليمن، وهي أسرة تتولّى رئاسة الخِدمة في حضرة الإمام علي منذ قرون. 

درس وتعلّم في النجف، وتخرّج من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة بغداد، ثم نال شهادتي ماجستير ودكتوراه فلسفة في فلسفة العلوم القانونية من أكاديمية العلوم التشيكوسلوفاكية، وتخصّص في القانون الدولي.

أسّس وعمل في عددٍ من المنظّمات العراقية والعربية والدولية، وهو عضو في اتحاد المحامين العرب، وجمعية المحامين الدولية، واتحاد الحقوقيين العراقيين، والحقوقيين العرب. كما أنه عضو في مجلس أمناء مُنتدى الفكر العربي في عمّان، وعضو في اللجنة العلمية للمعهد العربي لحقوق الإنسان، وعضو في اتحاد الكتّاب العرب – دمشق، واتحاد الكتّاب والأدباء العراقيين، واتحاد الصحافيين العالميين – براغ.

مؤسّس الشبكة العراقية لثقافة حقوق الإنسان والتنمية في كردستان، وفي بيروت، ولندن، وبغداد. وهو عضو في مراكز أبحاث ومُنتديات عديدة، ومُستشار لهيئات عربية.

صدر له أكثر من 18 كتابًا في القانون والسياسة الدولية، و22 كتابًا في الصِراع العربي الإسرائيلي، و10 كتب في الثقافة والأدب، و16 كتابًا مشتركًا. كما أن له عددًا من الترجمات، وصدر عنه كتاب تكريمي. 

نال العديد من الجوائز والأوسمة والتكريمات في أرجاء العالم العربي، وكرّمته مدينته النجف مؤخّرًا.

قبل أن أقول لك أهلًا وسهلًا، ماذا عن النجف؟ أنت قادم منها، ماذا عن بدايتك فيها؟

 

عبد الحسين شعبان:

النجف تبقى مُلْهِمة باستمرار. كنت قد كتبت مادة قبل سنوات بعنوان: "هذه النجف التي تُوشوشني". نعم، ثلاث مِتَع تجدها في النجف باستمرار.

المتعة الأولى: متعة الثقافة والأدب. الشعر يمشي في الأسواق، يتحرّك مع حركة الناس، من مَرْقد الإمام علي إلى المقابر، إلى فرق الرياضة، إلى المُنتديات الأدبية، إلى الرابطة الأدبية، إلى الجامعات، إلى الحوزة العلمية، والمكتبات الدينية. وبالطبع، النجف هي معهد دراسي مستمر منذ أكثر من ألف عام. نعم، هذه هي النجف، وهذه هي المتعة الأولى.

المتعة الثانية هي متعة العقل، متعة التفكير. وهذه تُفضي إلى متعة ثالثة: متعة الجَدَل. ولذلك، هناك حوار دائم، حوار مستمر، حوار في كل بيت. حوار بين تيّارات مختلفة: بين الأوساط الدينية وغير الدينية، بين الأوساط القومية واليساريّة، بين مؤمنين وغير مؤمنين أحيانًا.

إضافة إلى ذلك، هي مُلتقى الأعراق. يأتيها الدارسون من كل مكان: من تركيا، من إيران، من أفغانستان، من التبت، من آسيا الوسطى، من البلدان العربية – الأحساء، القطيف، الكويت، دول الخليج، سوريا، لبنان – بل حتى من داخل الحوزة العلمية نفسها هناك جَدَل.

لذلك ترى انتقالات من الوسط الديني إلى الوسط اللاديني، ومن وسط لاديني إلى وسط ديني أحيانًا. وهكذا يتبادل الناس المواقع بحُكم الجَدَل، بحُكم متعة العقل، ومتعة الثقافة، ومتعة التسامُح التي يمتاز بها النجفيون، حيث يلتقي الفُرقاء على مائدة واحدة، وفي مَحْفل واحد، وفي مناسبة اجتماعية واحدة.

 

غسان الشامي:

بدايتك في النجف... كيف تصفها؟

 

عبد الحسين شعبان:

بداية جميلة. وأستطيع أن أقول: بداية غنيّة أيضًا. وُلِدْتُ في بيت يقرأ، وكان مُلتقى ثقافي وأدبي وديني في الوقت نفسه. في المناسبات الحسينية، كنا نقيم الولائم. وفي التظاهرات، كان لنا دور فيها. وفي الحَضْرَة العلوية، كان لعائلتنا دور. أسرتنا – الشعبانية – كانت تتولّى السدانة في حضرة الإمام علي منذ أكثر من...

 

غسان الشامي:

نعم، هذه الأسرة، الأسرة الشعبانية، أسرتكم التي ترأس الحَضْرة العلوية. في أيّ بيت ديني... وأنت ذهبت إلى اليسار، إلى الحزب الشيوعي. كيف ذلك؟

 

عبد الحسين شعبان:

هذا أمر طبيعي في النجف. هناك نوع من التعايُش. الأفكار التي نشأنا عليها، وهي أفكار دينية بلا أدنى شكّ، تدعو إلى العدل، تدعو إلى المُساواة، تدعو إلى أخذ الحقوق من الظالم وإعادتها إلى المظلوم.

جاءت الموجة اليسارية الجديدة تبشّر بهذه القِيَم الإنسانية. ولذلك تأثّرت العديد من العوائل الدينية بفكر اليسار. وأستطيع أن أعدّد على الأقل من داخل حضرة الإمام علي: آل الرفيعي – وهم "الكليدارية"، غالبيّتهم على ملاك اليسار، آل شعبان – سَرّ خدمة رؤساء الخدم، غالبيّتهم على ملاك اليسار، آل الحكيم – رجالًا ونساء، قسم كبير منهم على ملاك اليسار، آل الخرسان... هؤلاء كلهم في حضرة الإمام علي.

وخارج حضرة الإمام علي: آل الشبيبي، آل بحر العلوم، آل الجواهري، آل شميسم، آل الدجيلي... هؤلاء كلهم عوائل يسارية، وقسم غير قليل منهم انخرط في صفوف اليسار.

قلتُ إنني نشأتُ في عائلة دينية، وعائلة تقدمية في الآن ذاته، وفي بيئةٍ تقبل الجَدَل. البيئة النجفية تقبل الجَدَل، تقبل الحوار، تقبل الآخر، تقبل لغات مختلفة. في النجف، هناك لغات مُتعدّدة: الإيراني يتحدث بالفارسية، الأفغاني، التركي، التبتي، القادم من آسيا الوسطى. لكن الجميع ينصهر في بوتقة اللغة العربية، بمن فيهم الدارسون في الحوزة.

 

غسان الشامي:

هي "حوزة كوزموبوليتانية إسلامية" بمعنى ما؟

 

عبد الحسين شعبان:

لا يمكنك أن تقول إن النجف مدينة دينية فقط وتكتفي بهذا الوصف. هذا نصف الحقيقة. النصف الآخر أنها مدينة مدنية بامتياز، مدينة فيها أعراق وأجناس مختلفة مُنْصَهِرة في إطار مدني يجمع بين الحداثة من جهة، وبين القِدَم والقَدامة والعشائرية من جهة أخرى. العشائرية والقبلية موجودة ومُترسّخة في النجف أيضًا.

 

غسان الشامي:

كرّمتك النجف مؤخّرًا كابن بار. ماذا عن هذا التكريم، بعد كل هذا الترحال؟

 

عبد الحسين شعبان:

كُرِّمت من قِبَل دول ومؤسّسات وجمعيات ومنظّمات، على مدى أكثر من ربع قرن. لكن هذا التكريم من النجف له نكهة خاصة، له طَعْم خاص. هو عُرفان أولًا، وهو عودة إلى الجذور. وأنا دائمًا متمسّك بالجذور، ومُتصالِح مع بيئتي، رغم يساريّتي أو انتمائي إلى اليسار في فترةٍ معيّنة، لكنني كنت وما زلت مُتصالحًا مع هذه البيئة الدينية. أشعر أنني جزء من هذه البيئة، امتداد لها، أحاورها، آخذ ما هو إيجابي منها، وأضيف إليها ما أعتقد أنه يُسْهم في تقدّمها.

=لذلك، كان لهذا التكريم، بحضور مئات الشخصيات الدينية – من المرجعية الدينية، ومن المؤسّسات الدينية، والمدارس الدينية، والعشائرية – وكبار المُثقّفين من النجف، ومن العراق عمومًا، ومن كردستان، ومن الخارج. حضر أيضًا من لبنان الأستاذ زياد شبيب وآخرون من كل العراق، ليحتفوا بالعائد إلى مدينته، الذي ظلّ مُتمسّكًا بها في حلّه وترحاله.

 

غسان الشامي:

قلتَ إن الشعر يمشي في شوارع النجف. فعلًا، هناك مَن يبحث في العلاقة الحميمة بين النجف والشعر. مَن هم شعراء النجف الأشرف العِظام الذين أثّروا فيك؟

 

عبد الحسين شعبان:

قلتُ وسأقول دائمًا: أول شاعر تأثّرتُ به تأثّرًا كبيرًا هو الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري. وارتبطتُ معه بعلاقةِ صداقةٍ دامت نحو ثلاثة عقود. صدرت لي ثلاثة كتب عنه:

·         الكتاب الأول: الجواهري في العيون من أشعاره، بالتعاون معه.

·         الكتاب الثاني: الجواهري – جدل الشعر والحياة.

·         الكتاب الثالث: جواهر الجواهري.

هذا التأثّر كان عميقًا، وكأنه عاش معنا. الجواهري كان في بيتنا.

 

غسان الشامي:

سنتكلّم عن الجواهري، ولكن مَن غيره من الشعراء؟

 

عبد الحسين شعبان:

محمد سعيد الحبوبي، فقيه ورجل دين عميق، وشاعر رقيق في الآن ذاته. الشبيبيّون أثّروا تأثيرًا كبيرًا عليّ. الشرقي، أحد الشعراء الكبار، الذي تأثّر به الجواهري نفسه. السيّد محمد بحر العلوم، والشاعر محمد صالح بحر العلوم، الذي كان يُلقّب بـ"شاعر الشعب".

وهناك أيضًا شعراء شعبّيون.

 

غسان الشامي: 

أحمد الصافي النجفي. 

 

عبد الحسين شعبان:

نعم، أحمد الصافي النجفي، وكنت قد كتبتُ عنه، والتقيته في بيروت، وفي الشام، في مقهى الحجاز، وهنا في بيروت في مقهى البحرين، إلى أن أُصيب بشظيّة في عام 1976 خلال الحرب الأهلية، ثم عاد إلى العراق وتوفّى بعد عام.

 

غسان الشامي:

هل المُتنبي "نَجَفي" بمعنى ما؟ أعني، هل هو إبن هذه البيئة؟

 

عبد الحسين شعبان:

المُتنبي عراقي بهذا المعنى. تستطيع أن تقول إنه جزء من هذه البيئة. كانت هذه البيئة مُتحرّكة، لم تكن هناك تلك المناطقيّة المحدودة، بل كان العالم الإسلامي كله فضاءً مفتوحًا. كان الشعراء، والأدباء، والفُقهاء، والدارسون، والباحثون، والفلاسفة يتنقلون فيه من مكانٍ إلى آخر. هذه كانت الخريطة الجيوسياسية لعالمهم آنذاك.

 

غسان الشامي:
أعود إلى الجواهري، لديك ثلاثة كتب، عنه تجمعك به صداقة وأصولك النجفية. فكيف قرأت الجواهري: حياته، رؤاه، وشعره؟

 

عبد الحسين شعبان:

الجواهري بدأ تمرّده على مدينته منذ أن كان فتى، وهو يذكر ذلك في مذكّراته وفي حواراتي معه، التي نشرت منها حوالى مئة صفحة، فقط حوارات عن الجواهري وعلاقتي به وتاريخ الجواهري، ومولِد الجواهري، ومعشوقات الجواهري، وكل ما يتعلّق بخلافات الجواهري وصِراعاته إلى آخره. ثم تمرّد وهو في معيّة الملك فيصل الأول، كان في البلاط، ولكنه كان يكتب قصائد الغَزَل المكشوفة وينشرها باسم آخر. إلى أن ناداه الملك فيصل الأول، وقال له: "إبني محمد، أرجوك، إذا أردت أن تكتب، فلا تنشر الآن، فهذا يتعلّق بمقام الدولة". فأجابه: "نعم". ثم قال له: "إن لم ترغب فهذه استقالتي". بهذا المعنى قال له الملك فيصل: "لا، أبقَ، ولكن خُذ بنظر الاعتبار تمرّدك".

نعم، منذ ذلك الوقت سعى إلى النيابة، وبعد أربعين يومًا تمرّد عليها عندما قُتِل أخوه جعفر، وكتب القصيدة الشهيرة: "أتعلم أم أنت لا تعلم بأن جِراح الضحايا فم فم كالمُدعي قوله، وليس كآخر يسترحم، يصيح على المُتقين جياع، أريقوا دمائكم تكرموا..." إلى آخره.

اقترب من عبد الكريم قاسم، ثم تمرّد عليه وكتب قصائد من شأنها أن تمسّ علاقته بالزعيم، الذي يعتبر أن ما نشأ بينهما من خلاف أثّر فيه لاحقًا. طبعا أكثر قضية أثّرت في الجواهري هي صراعه مع ساطِع الحصري بسبب ما قيل عن الجنسية. عندما عُيّن معلّمًا طلب منه شهادة الجنسية، ولم يكن لديه شهادة الجنسية كما تقتضي القوانين العراقية، فلم تكن للجنسية من معنى آنذاك، ففُصِل. وبعد ذلك، لكي يُطفئ الملك فيصل الأول بحكمته الفتنة الطائفية التي كانت يمكن أن تنشأ، أسمى الصراع بين عبد المهدي المُنتبجي، الذي كان وزيراً للمعارف، وبين ساطع الحصري الذي كان مديراً للمعارف. بمعنى من المعاني، كان هذا يعتبر ما قام به الآخر هو انتقاص من طائفة، والثاني يعتبر هذا الانتقاص من الطائفة انتقاصاً منه. لهذا جاء وعيّنه في البلاط الملكي. 

هذه القضية ظلّ الجواهري يعاني منها، وقد عالجتها في كتابين، الكتاب الأول يتعلّق بمَن هو العراقي: أصول الجنسية واللاجنسيّة في القانونين العراقي والدولي، وفي فقرة كاملة عن الجواهري. وفي كتابي "الجواهري جَدَل الشعر والحياة" عالجت موضوع الجنسية واللاجنسيّة وشهادة الجنسية، وتثبيت القانون رقم 42 لعام 1924 الذي سبق الدستور.

 

غسان الشامي:

كي نبقى في الجواهري، ما هي مكانته في رأيك في الشعر العراقي والشعر العربي المُعاصِر؟

 

عبد الحسين شعبان:

أعتقد أن الجواهري هو الحلقة الذهبية الأخيرة في الشعر الكلاسيكي. نعم، الجواهري مثل مدرسة، يكاد يكون شاعرًا عباسيًا برؤيةٍ جديدة. 

 

غسان الشامي: هو شاعر هارِب من المرحلة العباسية. 

 

عبد الحسين شعبان:

نعم، يعني برؤية جديدة، أقصد شاعراً عباسياً لكن برؤية جديدة، بصوَر جديدة حاول أن يجدّد في القصيدة الكلاسيكية.

أودّ أن أشير إلى أنني تأثّرت أيضًا بالشاعر الذي عاش في النجف، وهو في الأصل من الناصرية، السيّد الدكتور مصطفى جمال الدين، وكان شاعرًا رقيقًا، وقد كتبت عن غزليّاته أيضًا. 

هناك شاعر صديق أيضًا في النجف، عشنا معًا، توفّى باكرًا اسمه الشاعر عبد الأمير الحصيري، وهو أحد المُتمرّدين الوجوديين الذين عاشوا حياة بوهيمية حقيقية.

 

غسان الشامي:

 يا طعم، يا ليلة من ليالي البنفسج، يا حلم، يا ما مش بمامش... طبع قلبي من طباعك ذهب، ترخص خص وغليك وأحبك، وأحبك ترخص وأغليك.

أحكي لي عن صداقتك مع مظفّر النوّاب الراحل وكتابك عنه الأخير "رحلة البنفسج"، ماذا عن تجلياته ولماذا البنفسج؟

 

عبد الحسين شعبان:
البنفسج لون جميل أولًا، ولاحظ أن الصورة هي بالبنفسجي أيضًا. هذه صورة، هذه لوحة للفنان الكبير الدكتور علاء بشير، وهو طبيب في الوقت ذاته، ولاحظ العيون العديدة التي وضعها لمظفّر، كأنه مستوحى من قصيدة له يقول فيها: "لقد تعبت عيوني من كثرة ما رأيت". 

العلاقة تمتدّ لأكثر من خمسة عقود من الزمن. كنا نقرأ لمظفّر، مظفّر أول ما نشر قصيدة خالدة ما تزال حتى الآن لها طابع راهني، قصيدة عنوانها "للريلو حمد". نعم، مَرَرنا بكم حمد.

 

غسان الشامي:

يعني التي أصبحت مجموعة شعرية.

 

عبد الحسين شعبان: 

ونحن بغطّ الليل، واسمعنا، دققها وشمّينا ريح هيل. يا ريل صِح بغهر، صيحة عشق، يا ريل هودر هواهم ولك حذر، السناب قطع. عندما كتب هذه القصيدة، قدّمها باتحاد الأدباء الشاعر الكبير سعدي يوسف، وهو من أهمّ شعراء القرن العشرين، مع شاعرين كبيرين هما الشاعر الكبير أودنيس والشاعر الكبير محمود درويش. هؤلاء الثلاثة مثّلوا المرحلة الحَدَاثية الجديدة في الشعر الحديث. قال سعدي يوسف عنه: "أضع كل شعري على عتبة هذه القصيدة، قصيدة لر حمد". هذا أول نقد يقدّمه سعدي يوسف لقصيدة مظفّر النواب الجديدة التي تعتبر امتدادًا لمدرسة الشيّاب وبلند الحيدري ونازك الملائكة وعبد الوهاب البيّاتي، ولكن باللغة المحكية باللهجة العامية العراقية.

 

غسان الشامي:

أنا سأقتصر في هذا اللقاء معك على مظفّر بالشعر العامي العراقي، بالشعر الشعبي، تفضّل.

 

عبد الحسين شعبان:

لهذا السبب أقول إن مظفّر شكّل مرحلة جديدة في الشعر الشعبي. ما قبل مظفّر غير ما بعده. كل الذين جاؤوا بعد مظفّر وهم شعراء كبار، أعني بذلك الشاعر الكبير شاكر السماوي، الشاعر عزيز السماوي، الشاعر عريان السيّد خلف، كاظم إسماعيل القاطع، جمعة الحلفي، رياض النعماني، طارق ياسين، كاظم الركابي، كاظم غيلان، وآخرين. 

هؤلاء كلهم تأثّروا بشكل أو بآخر بالمدرسة النوابية أو بالمرحلة النوابية في الشعر الشعبي العراقي. قبل مظفّر النواب كان هناك الحاج زاير، كان هناك ملا عبود الكرخي، كان هناك عبد الحسين أبو شبع، حسين قسّام، عباس ناجي. هؤلاء كلهم شعراء شعبيون ولكنهم كلاسيكيون. 

 

غسان الشامي:

أنا هنا بهذه الكلاسيكية. في لبنان، ميشيل طراد، وطلال حيدر، ويونس الإبن وآخرون، أخرجوا، وتحديدًا هو مؤسّس ميشال طراد، أخرجوا في الشعر العامي أو باللهجة الشعبية اللبنانية من الزجل إلى القصيدة.

هل يمكننا أن نعدّ مظفر النوّاب أنه أخرج العامية العراقية من قوالبها إلى القصيدة المعاصرة؟

 

عبد الحسين شعبان:

بالضبط، طبعًا، كَسَرَ القواعد القديمة، وانتقل إلى الشعر الحديث، جاء بصوَر غير نمطية وغير مألوفة، كان شاعر شَجَن، وزاوج الفلسفة بالتاريخ، وقدّم رؤى جمالية مختلفة عن الذين سبقوه تمامًا. لذلك مثّل مدرسة جديدة في الشعر المحكي أو في اللغة العامية الشعبية العراقية. ليس حزنًا فقط، بل حزين، مثلما تنقطع حَذَر المطر، شدّة الياسمين، مثل صندوق العرس، يُباع خَرْدة، عشقٌ من تمضي السنين، مثل بلبل جالس مُتأخّر، لقى البستان كله لا يُعين.

 

غسان الشامي:

الحزن، الغُربة، الشَجَن، والدهشة تطغى على مظفّر وعامة أغلب الشعراء الشعبيين العراقيين. هل الحزن سِمة عراقية، هل هو ختم أسطواني منذ فجر التاريخ على الكلام العراقي؟ 

 

عبد الحسين شعبان:

هناك مَن يقول إنه سومري. هذا الحزن سومري، ومنذ سومَر بدأ مثل هذا الحزن يتسلل ويتسرّب ويتوغّل ويتغَلْغَل في الذائقة العراقية إلى حدود معيّنة. مظفّر النواب ليس استثناء عن هذا، ==بما فيه قُربته من منفاه، وما تعرّض له. مرة في حوارٍ معه حول المنفى والغربة، تبادلنا الهموم، تبادلنا الأحلام المُنْكَسِرة التي رُمي قسم منها على قارعة الطريق. قال لي: كنا نعتقد أننا منفيون، أننا غُرباء، اتّضح لنا أن الوطن هو الذي هو المنفى، الوطن هو المنفى. هناك نوع من الاغتراب أصبح لدينا، نوع من "الإليانيشنز" (alienation)، هذا الاغتراب هو اغتراب روحي وجسدي، ليس فقط جسديًا، وإنما اغتراب روحي أيضًا. حتى الذين في الوطن كانوا مُغتربين ربما أكثر من غُربتنا الخارجية الجسدية. بهذا المعنى، فعلاً لاحظتُ بعد الاحتلال الأميركي للعراق، بعد ذهابي، أن الناس في حال اغتراب، أن الوطن كله في حال اغتراب. أعود، ليس فقط لأننا =منفّيون نفكّر بهذه الطريقة، وإنما من في داخل الوطن يفكّر بصورةٍ اغترابيةٍ عن وطنه، في وطنه وفي داخل مجتمعه.

 

غسان الشامي:

ربما أمسكت بالحقيقة من تلبيسها، أنه يمكن أن يكون حزن منذ سَوْمر. أنت تعلم سيّدي أن النساء كانت تبكي على الإله تموز، ومن ثم بكت النساء على السيّد المسيح، ومن ثم على الإمام الحسين، هذا الحزن العظيم يضاف إليه كل ما جرى.
ولكن، أنا أريد أن أسألك، إن مظفّر بغدادي، المولِد، لكنه أبدع في لهجة العراق الجنوبية، في أسرته الأهوار، وأنت ذكرت ذلك، كيف ولماذا؟

 

عبد الحسين شعبان:

أول مرة يذهب مظفّر إلى الأهوار كانت في زيارةٍ شبه أكاديمية في وسط الخمسينات مع عددٍ من المثقّفين العراقيين. هناك استمع إلى الشّج   ن العراقي، إلى الغناء العراقي، وأصيب بدَهْشةٍ حقيقيةٍ لما سمعه من موسيقى مؤثّرة، فقرّر أن يعود لدراسة ولسماع هذه الموسيقى. من هناك بدأت علاقته بالأهوار، بالجنوب، باللهجة العامية العراقية التي فيها موسيقى خاصة، فيها نوع من التَوْرِية أيضًا. هذه اللهجة فيها نوع من التَوْرِية. 

 

غسان الشامي:

كان هو يُدَنْدِن ويغنّي أحيانًا.

 

عبد الحسين شعبان:

صوته جميل، وأنت تُدَنْدِن أيضًا بصوت مظفّر، وصوت مظفّر جميل جدًا. كان يغنّي القصيدة قبل أن تكتمل لديه، وحين تكتمل القصيدة هناك يشعر بفرحٍ غامرٍ فيّغنّيها على طريقته. وبالطبع، يعشق الأغاني القديمة، ويحاول أن يقدّم صوتًا جديدًا بما يتعلّق بالوزن الذي يعتقد أنه مناسِب لقصيدته.

 

غسان الشامي:

نعم، هناك فرق بين العامية المدينية والعامية بالأهوار؟

 

عبد الحسين شعبان:

نعم، هناك قسم من أبناء المدينة الذين يتكلّمون بالعامية، أو يقولون شعرًا حتى بالعامية العراقية بطريقتها التقليدية، لا يفهمون ما يُقال في مناطق الجنوب، لا سيما مناطق الأهوار. نعم، حتى بعض الكلمات مُسْتلّة من اللغة السَوْمرية أيضًا.

 

غسان الشامي:

في ديوانه الشهير "ريل وحمد"، وهو أول ديوان، هناك قصيدة "حنّ وأنا حنّ ونحبس ونا ونمتحن".

 

عبد الحسين شعبان:

"مرخوص بس كت الدمع شرط الدمع حد الجفن جفنك جنح فراشه غضّ وحجاره جفني وما غمض يل تمشي بي وي نبض روح لروحك تنسحن حنوي حن..." 

 

غسان الشامي:

هل قصيدة مظفّر من تراب وماء العراق برأيك؟

 

عبد الحسين شعبان:

روح، فيها روح العراق، فيها هذه الدهشة، هذه الصوَر، هذه الجمالية، هذه الفلسفة أيضًا، خليط بين الفلسفة والجمال والحقّ، ومعجونة بطريقةٍ مظفّرية، إذا جاز التعبير.

 

غسان الشامي:

هل يأخذ الماء بين دجلة والفرات، نعم، روح الشعر العراقي؟

 

عبد الحسين شعبان: 

=أظنّ أن الشعر العراقي يمشي مع الماء من أعالي دجلة والفرات حتى البصرة. والبصرة هي مدينة السلام، مدينة سعد يوسف، نعم، مدينة البريفكان، مدينة عبد الكريم قاصد. هي أيضًا مدينة تمتد إلى التاريخ العريق لمدرسة البصرة، كان هناك مدرستان كما تعلم، مدرسة الكوفة ومدرسة البصرة. الكثير ممّن أبدعوا هم امتداد للمدرستين.

 

غسان الشامي:

كيف كان الجواهري يرى الشاعر مظفّر؟

 

عبد الحسين شعبان:

كان يعتقد أن مظفّر شاعر جميل ومناضل كبير، دائمًا كان يُردّد "مناضل كبير"، ويعتزّ به ويفخر بعلاقته به، رغم أنهما لم يلتقيا كثيرًا. كان الجواهري رئيسًا لاتحاد الأدباء، ومظفّر عضوًا باتحاد الأدباء، ثمّ التقيا في الشام والتقيا في ليبيا، لكنها لقاءات محدودة نسبيًا، عِلماً بأن الجواهري عندما التقى مظفّر في فراغ كتب عنه قصيدة سمّاها "محمد المصباح"، وقال محمد المصباح يومًا لفاتِنة من التشيك الحسّاني: "جواري لا يقول التشيك من الشيك الحسّاني، تعالي لأرسمنك في المقهى الفلاني"، إلى آخر القصيدة. إنها من الأدب المكشوف أيضًا.

=ظلت العلاقة بينهما وثيقة وعميقة وفيها احترام كبير، ومظفّر ينظر إلى الجواهري باحترام كبير.

 

غسان الشامي:

غد، هناك فوق الماء نجم يسولف، النجمة ترد ضيّها، يهمس لها بمضيف الماء، ملقانا رفيف الماء، طارشنا نسولف له مصايبنا، نسولف له جراحنا.
بسمان، الذي ما توالفنا...
أنا كشخص قرأت باكرًا ديوان "رسائل" من باكر شاكر السماوي، وتعرّفت عليه ببداية حياتي الصحفية. ما موقع شاكر السماوي في خريطة الشعر الشعبي العراقي؟

 

عبد الحسين شعبان:

شاكر السماوي أحد الشعراء الشعبيين الكبار. أنا كتبت عنه أيضًا مادة بعنوان "الشاعر الذي عاكَس اتجاه الريح". له مواقف معروفة، وهو يمثّل تيّارًا جديدًا امتدادًا لمدرسة مظفّر النواب بلا أدنى شكّ، ولكن بصورة ومنهج آخر. 

 

غسان الشامي:

مَن مِن الشعراء العراقيين الشعبيين الآخرين؟ وهل هناك شعر شعبي عراقي جديد الآن؟

 

عبد الحسين شعبان:

قلت وفي شعر تأمّلات صوفية: كاظم إسماعيل القاطع شاعر كبير، وعريان السيّد خلف، وجمعه الحلفي، وكاظم غيلان، ورياض النعماني، وطارق ياسين، هؤلاء كلهم شعراء على مستوى عالٍ جدًا، ومثّلوا اتجاهًا جديدًا في الشعر الشعبي العراقي، ولكن يقف على رأس هذه المدرسة الحبيب مظفّر النواب.

 

غسان الشامي:

حضر التراكي برد والقنطرة، "هيده أمشي وأقول وصلت والقنطرة والقنطرة بعيدة حلمانا برد الصبح رجف خلاخيلي يا دفو كمل دفو يا قمر ضويلي ويا ذهب خيط الشمس طوقين سويلي لا يقلي طوق الذهب والدغش ما أريده". 

هذا شاعر يا سيّدي، هذا صاحب القنطرة بعيدة. هو ذياب أبو سرحان. أبو سرحان هذا الذي يعرفه اللبناني الذي اختفى قَسْريًا في لبنان. في لبنان جاء ليقاتل.

 

عبد الحسين شعبان:

 حين الغزو الإسرائيلي، نعم، واجتياح بيروت. نعم، اخْتُطِف من هنا ولم يعد حتى اليوم من عام 1982، صديقنا أبو سرحان. وهو من مدينة الثورة.

 

غسان الشامي:

أين تضع أبو سرحان في الشعر العراقي؟

 

عبد الحسين شعبان:

أبو سرحان يمتلك صوَرًا جديدة أدخلها إلى القصيدة السرحانية، دعني أقول، وللأسف، إن حياته كانت قصيرة، وكان في عزّ عطائه عندما اخْتُطِف وغُيّب حتى هذا اليوم. وهو واحد من الشعراء الذين كانوا واعدين بأن يكون لهم مستقبل كبير في الشعر العامي العراقي. 

 

غسان الشامي:

قرأت قصائد له، واستمتعت بالقصائد المُغّناة.
سيّدي، زهير الدجيلي، صاحب...عرف المستمع العربي جزءًا كبيرًا من الأغنية العراقية من وراء كلمات الدجيلي. وبالمناسبة هو الذي كان مدير برنامج "افتح يا سمسم الشديد"، صاحب "يا طيور الطائرة مضبوط"، و"مكاتيب"، و"يا ه الناس يا ه الناس وين يا نجوى ناس". 

أين تضع زهير الدجيلي؟

 

عبد الحسين شعبان:

=زهير الدجيلي قليل النشر،  وتوفّى عام 2012، ورحل إلى الولايات المتحدة. فترة كان سجينًا أيضًا مع مظفّر النواب في سجن نقرة السلمان. شاعر كبير، ولكنه توجّه للشعر الغنائي. لذلك أمتعنا بقصائده الغنائية التي غُنّيَت. 

 

غسان الشامي:

كان يكتب لتصبح القصيدة أغنية، بينما مظفّر كان يكتب قصيدة.

 

عبد الحسين شعبان: 

أبداً، ومظفّر قليل ما كان يستجيب لمَن يريد أن يغنّي هذه القصيدة، باستثناءات مُحدّدة، يعني، باستثناءات مُحدّدة مثل الياس خضر، سعدون جابر، وآخرين. 

 

غسان الشامي:

هؤلاء أكثر إثنين غنّوا له.

 

عبد الحسين شعبان: 

لأنهم يعتقدون أن طبقة صوتهم خاصة تناسب شعر مظفّر النواب فيها بحث نايل الجنوب.

 

غسان الشامي:

لماذا أغلب الشعراء الشعبيين العراقيين، بعد ما نبحث فيهم، نجدهم شيوعيين؟ هل أثّر اليسار في الثقافة العراقية؟

 

عبد الحسين شعبان:

لا يمكن أن نتحدّث عن العراق من دون أن نتحدّث عن اليسار. لا يمكن أن نتحدّث عن الدولة العراقية من دون أن نذكر دور التيّار الاشتراكي اليساري الشيوعي منذ تأسيس الدولة العراقية إلى اليوم. لذلك كان لهم فضل على الثقافة العراقية، وأسهموا مساهمة جدّية في نشر الوعي الثقافي، ولذلك تأثّر جمهور كبير بهم. نعم، وأنجبوا شعراء، كلهم مرّوا بشكلٍ أو آخر من مدرسة اليسار. نعم، لا يمكن أن نَغْبُط الآخرين حقّهم، ولكن هذا هو الواقع.

 

غسان الشامي:

طيّب، لماذا إذاً لم يهتم الحزب الشيوعي العراقي بالكثير من هؤلاء المُبدعين الشيوعيين، وتحديدًا مظفّر؟

 

عبد الحسين شعبان:

ربما بسبب خلافات سياسية أو فكرية، هكذا تحدث تغلب السياسة على الفكر. قلتُ مرة في حوارٍ إن هناك مَن طلب من إنجلس أن يكتب مقالة إلى صحيفة الحزب المركزية الألمانية "كارل ليمخت". طلبها من إنجلس، فكتب المقالة، وبعد حين ظهرت المقالة في الصحيفة وقطعت إربًا إربًا. وعندما عاتب إنجلس كارل ليمخت قائلاً: لماذا حدث هذا؟ قال لهم: لأنها تتعارض في فقرات معيّنة مع خط الحزب، لذلك اضطررنا إلى حذف الكثير من الفقرات منها. فأجابه إنجلس: ومتى علّمناكم ماركس وأنا أن السياسة أهم من الفكر؟ 

=السلوك السياسي والتنظيم السياسي يريد أن يخطف كل شيء إلى بوتقة السياسة الراهنة، في حين أن مظفّر وغيره من المُثقّفين من أصحاب الفكر دائمًا يتحدّثون عن العدل المُطلق، عن المساواة المُطلقة، عن الحقّ المُطلق، كمُثقّف غير معني بالتكتيكات السياسية اليومية. لهذا المُثقّف بطبعه ينبغي أن يكون ناقِدًا، وعندما يمتلك المثقّف أدواته تراه يبتعد قليلًا عن الممارسة السياسية اليومية الروتينية التي تؤطّره وتحجّمه في مكانٍ ضيّق. 

 

غسان الشامي:

هناك أسماء، دكتور عبد الحسين شعبان، مثل عريان السيّد خلف، مثل كاظم القاطع، مثل محسن الخيّاط السماوي، وعلى فكرة كثيرون من آل السماوي. 

 

عبد الحسين شعبان:

ممكن هنا أن نستذكر الشاعر الكبير كاظم السماوي. نعم، كاظم السماوي كان مناضلاً بارزًا أيضًا، وفي الخمسينات اضطر إلى الهجرة إلى الخارج إلى بودابست، وكتب قصائد من بودابست حول السلام العالمي وغيرها من القصائد، ثم ارتحل إلى الشام وبقي هناك إلى ثورة تموز. عاد إلى العراق وعيّنه عبد الكريم قاسم مديرًا للإذاعة والتلفزيون، ثم اختلف مع قاسم ونُفيَ وسُجِنَ في عهده، وبعد ذلك ذهب إلى الصين للتدريس هناك، وظلّ عفيف النفس كريمًا. وكنت ألتقيه لسنواتٍ طويلة بحُكم العلاقة العائلية والصداقة التي جمعتنا، وهو صديق لمظفّر النواب أيضًا. وله أيضًا صديق هادي العلوي

 

غسان الشامي:

برأيك إلى أين يمكن أن يذهب بعد كل ما حصل من هذا التهتّك في نسيج الأمّة، من هذا التقطيع للجسد، حتى في قلب العراق داخل العراق، ما بين الجنوب والوسط والشمال؟ إلى أين يمكن أن يذهب الشعر الشعبي العراقي؟ هل يمكن أن نجد أيّ ناس حنونين وطيّبين وشعراء كبار في هذه المرحلة؟ 

 

عبد الحسين شعبان:

الشعر جزء من الحال العامة السائدة، وتعرف أن الحال العامة السائدة ليست على ما يرام، هناك تقاطعات، وهناك استقطابات، وتقسيمات طائفية وإثنية أثّرت في النسيج العراقي وأدّت إلى احترابات. لكن هناك محاولات هنا وهناك تجري لتكون هناك نهضة، لصحوة في عبور الطائفية، وفي تجاوز الانقسامات الضيّقة والهويّات الفرعية التي أريد لها أن تتسيّد على ما هو قائم من وحدة وطنية عراقية. 

صحيح أن هناك خصوصية للحركة الكردية، للشعب الكردي، ينبغي الاعتراف بها في إطار دولة عراقية وفي إطار نظام حُكم فيدرالي على سبيل المثال، لكن هذه الانقسامات التي تسبّبت في إحداث صَدْع في النسيج العراقي يجري تجاوزها الآن، وأظنّ أن الشعر الشعبي والشعراء والمُثقّفين بشكل عام يمكن أن يلعبوا دورًا تنويريًا مستقبليًا يبدأ من الآن وربما يمتدّ إلى فترةٍ زمنيةٍ مُحدّدة.

 

غسان الشامي:

وفي الغناء، قبل أن نختم، وفي الغناء.

 

عبد الحسين شعبان:

أيضًا هذا جزء من الحال التي وصلنا إليها بسبب التعصّب. نعم، ياس خضارس، بسبب التعصّب ووليده التطرّف ونتاجهما العنف والإرهاب، انحسرت الفنون عمومًا، ربما الفنون الشخصية مثل الرسم، الفن التشكيلي ما زال قويًا وناشئًا في العراق، لكن الفنون التي تحتاج إلى جماعات مثل الموسيقى والمسرح والسينما كلها تصدّعت وانحشرت وتأثّرت سلبًا بسبب الموجة الطائفية التي ركبت العراق بعد الاحتلال.

 

غسان الشامي:

دائمًا في ختام هذا البرنامج هناك رسالة يوجّهها الضيف لمَن يشاء. أمام الكاميرا، ورسالتك نحن في الاستماع لها.

 

عبد الحسين شعبان:

رسالتي أن تنهض المرأة العراقية بما تستحقّه، بما قدّمت من تضحيات، وأن تتصدّى للمشهد السائد الذي يحاول الانتقاص من إنسانيّتها ومن كيانيّتها ومن دورها، انطلاقًا من الانتقاص من حقّها في المُساواة التامة وفقًا للقانون. 

 

غسان الشامي:

عدت إلى مفهوم الحقوق الإنسانية، اختصاصك الأول. هذا له حديث آخر.

شكرًا للدكتور العزيز عبد الحسين شعبان على حضوره في فودكاست "الميادين"، وشكرًا لاستماعكم، إلى اللقاء.