المنتج والمؤلف الموسيقي اللبناني أسامة الرحباني

نص الحلقة

 

أحمد أبو علي:

أهلاً بكم مشاهدينا الكرام.

مُنتج ومؤلّف موسيقي لبناني، وُلِدَ في أنطونيوس، تلقّى دروس العزف على البيانو منذ صِغره، وهو نجل الفنان الراحل الكبير منصور الرحباني. عمل مع والده في عدّة مسرحيات منها "الوصية"، "الانقلاب"، "آخر أيام سقراط"، و"أبو الطيّب المُتنبّي". كما كان مؤلّفًا موسيقيًا لعدد من المسرحيات، نذكر منها "حُكم الرعيان"، "جبران والنبي"، "عودة الفينيق"، "الفرسان". 

أصدر عدّة ألبومات، كما ألّف الموسيقى التصويرية لعددٍ من المسلسلات. 

ضيف هذه الحلقة من فودكاست الميادين هو الفنان أسامة الرحباني. 

أستاذ أسامة، أهلاً بك معنا في هذه الحلقة من فودكاست الميادين.

 

أسامة الرحباني:

أهلًا بك، ولكل المشاهدين.

 

أحمد أبو علي:

بطبيعة الحال، البيئة والجو، وعمل الأب أو الأمّ، هي عوامل، بالطبع، يتأثّر بها أيّ إنسان منذ الصِغر. لو لم يكن والدك الكبير الراحل منصور الرحباني، هل تعتقد بأنك كنت ستختار هذا المجال، مجال المسرح والموسيقى والتأليف؟

 

أسامة الرحباني:

حسنًا، أول شيء، الإنسان هو إبن بيئته، إبن المناخ الذي يرى فيه ويعيش فيه. طبيعي، لو كنت مثلًا إبن دكتور، فإن المنحى الأكثر احتمالًا هو أن تكون طبيبًا، أو محاميًا، أو تذهب في هذا الاتجاه. هذه الأمور تحدث عمومًا، إلا بعض الأشخاص الذين يقرّرون اختيار طريق آخر. 

بالنسبة لنا، نحن وُلِدْنا في بيت، يعني، ناس مثل الأساطير الحيّة، مثل منصور الرحباني، عاصي الرحباني، وفيروز. الجو الفني موجود دائمًا حولك، خصوصًا في بيت منصور، القارئ الكبير، المُفكّر العظيم. هناك فلسفة، دين، شعر، لاهوت، مسرح، سياسة، تاريخ، وجغرافيا. وأنا صغير، كان لديّ حب كبير للتاريخ. في ما بعد درست التاريخ في الجامعة اللبنانية ثلاث سنوات، لم أكمل السنة الرابعة لأسبابٍ مرتبطةٍ ببعض الظروف، حيث كان المجتمع آنذاك غير آمن، وكان هناك نوع من الكسل أيضًا.

في الوقت نفسه، أهلنا لم يحبّوا أن يعمل أحد في الموسيقى، لأنك تصاحب القلق طوال حياتك. مراحل حياتك، أنت تعمل مع فكرة، تصطاد فكرة، تضعها على ورق، تشتغل عليها، وهي تحبها أو لا تحبها الناس. أما إذا كنت موظّفًا أو طبيبًا، تذهب إلى عملك وترجع، كل شيء يكون مستقرّاً لك. 

 

أحمد أبو علي:

الوظيفة هي الأكثر أمانًا. 

 

أسامة الرحباني:

كانوا يفضّلون، وكانت لديهم عاطفة كبيرة، لكن ليس لديهم قساوة للأمور الأخرى، كانوا يعطون الأمور على القَدْر، يقولون "ربينا هكذا".

لا شكّ، البيانو كان موجودًا أمامك، لا شعوريًا، كان البيانو موجودًا أمامي. هناك أشياء أخرى مثل البزوردين، ومليون شيء آخر. تذهب إليها وحدك. نحن تربّينا على مستوى ثقافي عالٍ، خصوصًا في الموسيقى، لأن الموسيقى التي كنا نسمعها تخصّهم هم، وموسيقى كلاسيكية جدًا. أطفال اليوم يسمعون الموسيقى الدارجة، أما نحن فكنا أكثر مَيْلًا لتحليل الموسيقى الكلاسيكية التي تعطي بُعدًا مختلفًا، بُعدًا للجمال، وتجعلك ترى الجمال بطريقة أعمق. 

كنت دائمًا أقوم بتحليل كبير وأربط الموسيقى مع الرسم، الفن التشكيلي، الطبيعة، الشعر. كنت أرى الأمور من زاوية 360 درجة مختلفة عن غيري. 

 

أحمد أبو علي:

هذا الجو والبيئة منذ الصِغَر أثّرت على خيارك في الحياة.

لو لم تكن مؤلّفًا موسيقيًا وفنانًا، ماذا كنت تحب أن تكون؟

 

أسامة الرحباني:

دعني أقول إن الفكرة أوسع من ذلك. المُنتج هو صاحب العمل كله، يقرّر كل شيء فيه. ليس فقط يعطيك موسيقى، أو يقول "هذه هي". المسرحيات الخمس التي عملتها، مثل "الواقعة"، "اليوم الثالث"، "آخر يوم"، "عودة الفينيق"، "جبران والنبي"، و"دون كيخوت"، كلها مسرحيات ضخمة وعصرية، وأنا كنت مسؤولًا عن كل شيء فيها. أحبّ أن أدمج كثيرًا من الفنون مع بعضها. 

لو لم يكن الأمر هكذا، ربما كنت أحب الإخراج، رغم أنني مارسته بطريقة المُنتج. المُنتج يقرّر كل شيء، أنا دائمًا أقرّر الصورة النهائية. أحببت أيضًا التاريخ كثقافةٍ كبيرة.

كأمورٍ أخرى، أنا كنت عاشقًا لكرة القدم.

 

أحمد أبو علي: 

مجرّد هواية؟ 

 

أسامة الرحباني:

في السبعينات كنت أشارك كثيرًا في الثقافة الأجنبية، التحليلات، المجلاّت والجرائد الفرنسية والإنكليزية التي كانت تحتوي على تحليلات أكثر بكثير من التفكير اللبناني المحلي. كانت لدّي ثقافة أوسع بكثير مما هو عليه الآن. 

في عام 1984، حين كان عُمري 18 سنة، ذهبت إلى بوردو، عملت ستاج كرة قدم مع بطل فرنسا آنذاك، نادي بوردو، الذي وصل إلى نصف نهائي كأس أوروبا. مدرّب الفريق كان جيرارد جاكيل، وكان لدّي حب كبير لكرة القدم.

 

أحمد أبو علي:

هل ما زال حبّك لكرة القدم موجودًا حتى اليوم؟

 

أسامة الرحباني:

نعم، بالطبع، وبنفس الدرجة تقريبًا. لكن ربما بعض الأمور تغيّرت، مثل تجارية كرة القدم التي لا أحبّها، خاصة مع رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، الذي أعتبره مجرّد بائع. أرى أن كرة القدم أصبحت تجارة، وهذا لا يُريح اللاعبين، وكل هذه الأمور تسير بشكل سيّىء.

 

أحمد أبو علي:

لنعد إلى الفترة التي كنت تراقب فيها والدك، كيف كانت هذه المرحلة؟ حدّثنا عن مراقبتك لمنصور الرحباني وهو يعمل في المنزل، ومتى اكتشفت حبّك للموسيقى، هل كنت تستمتع بهذه الأوقات؟

 

أسامة الرحباني:

دعني أقول لك، كنا نعيش مع أساطير حيّة أمامنا. نعرف رهبتهم، احترامهم، لأن فنّهم في العالم العربي كان مختلفًا. منصور وعاصي جلبا الفكر إلى الفن. كان الفن لديهما أكثر من مجرّد تسلية وصالونات. رفضا هذا الأمر، ورفعا الفن إلى مكانة عظيمة. أي إنسان يحترف الفن =يستحق الاحترام. عندما تذهب لتحضر حفلة فيروز، لا تصفّق، لا تشرب أرغيلة، وأنت تستمع للشعر والكلام والفكر. المسرحية، الموسيقى، التوزيع، الصوت، كل شيء يحترمك ويشدّك إليه. ونحن كأطفالٍ كنا نعيش في هذا الجو، لم يكن هناك سوشيال ميديا، لكن كانوا يملكون مكانة كبيرة، كنا نخاف منهم.

تربّينا على أن يكون هناك احترام في البيت، كان هناك هدوء، لأنه كان هو وعاصي لا يتركان وقتًا فراغًا، حياتهما كانت مكرّسة للعمل. كانا يعملان معًا أكثر مما كاناا يعيشان مع أولادهما. لكن كانا مشغولين بأفكارهما، أحيانًا كانا يقدران أن يكونا معك، لكن في نفس الوقت يفكّران في شيء آخر. أفكارهما مركّزة جدًا، يستطيعان أن يكتبا وهما في نفس الوقت في وضع آخر، لديهما تركيز كبير، يستطيعان أن يفتحا باب الغرفة ويكتبا من دون أن ينقطعا، حتى لو كان هناك شجار في الخارج، أو طفل يلعب، لا يمانعا الانفصال عن الواقع والتركيز على فكرة أو إبداع معين.

 

أحمد أبو علي:

في أي عُمر بالتحديد اكتشفت أنك تحب الموسيقى، وأنك كنت تراقب والدك وهو يعمل؟

 

أسامة الرحباني:

أعتقد أنني كنت في عُمر خمس أو ست سنوات. بدأت أطَنْطِن على البيانو مثل كل الأطفال، لكن بدأت أسمع النغمة بشكلٍ مضبوط. بدأت أدرس، وفي عُمر ست أو سبع سنوات بدأت أقرأ النوتات أكثر، وكنت أعرف ما هي الموسيقى. كانت لديّ أذن جيّدة جدًا، أذن عالية في كيفيّة الاستماع، وأعرف كيف أدقّق في الموسيقى، وهذا ليس سهلاً، خصوصًا اليد اليسرى في الموسيقى دائمًا صعبة. أيضًا طريقة المرافقة كانت مهمّة جدًا. هذا أثّر لاحقًا على قراءتي للموسيقى، حيث كنت أقرأ الموسيقى وأغنيها مباشرة، لكنني من جهةٍ أخرى كنت أضاعف من قراءتي. هل فهمت الفكرة؟ مثلاً، عندما يضعون لك شيئًا لتقرأه، السرعة في القراءة أو تحليلها.

كانت لديّ موهبة في القراءة الموسيقية بسرعة، لكن لم أتابع كثيرًا في القراءات. 

 

أحمد أبو علي: 

هي موهبة أكثر؟

 

أسامة الرحباني:

لا شكّ هناك موهبة، لكن يجب أن تثقّف الموهبة حتى تدركها وتحلّلها. عندما تعرف هذه الأمور، تستطيع التأكّد من أن المرافق المضبوط مع المغني يتمّ بشكل صحيح، وأن الذوق موجود أم لا. إذًا العِلم والموهبة والإبداع والذوق.

 

أحمد أبو علي:

هي عناصر يجب أن تكون مُكتملة.

قلت قبل قليل إن والدك كان ضدّ دخولك هذا المجال، منذ متى كان موقفه معارضًا؟ وهل كان موقف العائلة كلها كذلك؟

 

أسامة الرحباني:
كل العائلة كانت ضدّ ذلك، من دون استثناء. لم يرغبوا أبدًا أن يقترب أولادهم من الفن، لأنهم كانوا يرون أنه من الصعب هذا الطريق. 

 

أحمد أبو علي:

عندما لاحظوا حبّك للموسيقى، ماذا كانوا يقولون لك؟

 

أسامة الرحباني:

أرسلوا لنا أستاذًا يعلّمنا، أما والدنا فهو لم يكن يعلّم الموسيقى بنفسه. الأستاذ كان أجوبي أرسلانيان، وهو الذي علّم عائلة الرحابنة كلها. في أيام الأحد، من الساعة الثامنة صباحًا حتى وقت الغداء، كنا نستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية مع شرح وتحليل مستمر. 

كان يحب كثيرًا الأناشيد العسكرية الأميركية مثلاً، مثل أناشيد سوزا الشهيرة، وأيضًا أناشيد الجيش الأحمر. كنا مطّلعين أيضًا على أعمال موزارت، بيتوفن، سترافينسكي، رخمينوف، تشايكوفسكي. كانوا دائمًا يجعلوننا نستمع لهم، وهذا خلق لدينا خيالًا واسعًا وثقافة موسيقية كبيرة.

 

أحمد أبو علي:
سنرى صورة لك مع والدك وعمّك عاصي الرحباني في فترة الطفولة.

 

أسامة الرحباني:
نعم، هذه صورة مع منصور وعاصي ووالدة عاصي أمام بيتهم. كانت سنة 1974.

 

أحمد أبو علي:

كنت تدرك حينها أنك محظوظ لأنني إبن منصور الرحباني، ولديك ميزة أنك تراه وهو يعمل عن قُرب؟
في تلك الفترة، عندما كنا نتحدّث عن لبنان، كانت عائلة الرَحَابِنة هي العلامة الموسيقية والفنية الأبرز، خصوصًا مع فيروز. كيف تصف هذا التاريخ الموسيقي والفكري؟

 

أسامة الرحباني:
بالفعل، نحن ننتمي لهم بالدم والفكر. لقد جلبوا الفن إلى مستوى مختلف، حيث كانت مهنيّتهم واحترافهم وضميرهم في العمل والمُثابرة علامة فارِقة. كانت لديهم يقظة دائمة في كل شيء يكتبونه وينفّذونه. لا شكّ هذه ميزة، لكن في الوقت نفسه، أزعجني كثيرًا في العصر الحديث أن هذا الإرث أصبح عبئًا على بعضنا، خصوصًا مع التطوّرات التكنولوجية التي تجعل الناس تعتمد على السطحية، بينما عندنا كان يجب أن يكون هناك ضمير في كل شيء. وهذا كان أهم ما علّمونا إيّاه.

 

أحمد أبو علي:

طبعًا عندك فخر كونك إبن الراحل الكبير منصور الرحباني، ولكن في مكانٍ ما كنت تقول إن هناك شيئًا يضايقك في هذه النقطة، يزعجك أن الربط دائمًا عندما نقول "أسامة الرحباني" بأنه إبن الراحل الكبير منصور الرحباني أو من عائلة الرحباني، وأن كل ما ينجزه قد يكون مربوطًا بعائلة الرحباني. 

 

أسامة الرحباني:

أنت في الحياة مُسيّر، مُجْبَر. أنت إبن، أخذت إسمًا فرضه عليك الأب، وأنت من دين الأب أيضًا، تمشي في الحياة ويتركون لك الحرية المطلقة في كل شيء تختاره، انتبه. وهنا شغلة جيّدة جدًا، لكن بالعكس، لديّ فرح كبير لأنني إبنه، بالعكس نستمتع بهذا الشيء، وعندي شخصيّتي الخاصة في ما بعد، لأنه في النهاية تأخذ ما تعلّمته منهم: القسوة، والبال، إذا أردت الخبرة وكل شيء.
لكن أيضًا تصطدم بحضارات مختلفة، أنا سافرت كثيرًا، وربما من أكثر الناس في العائلة الذين اصطدموا بحضارات من أمريكا أو لندن أو باريس، وعشت هناك، وهي أعطتني أفكارًا مختلفة تمامًا في الفن والموسيقى والنهج، إذا أردت المُقاربة التي تغنّي فيها أو تعمل فيها موسيقاك أو تقدّم فيها مسرحك، هذا كله له علاقة =بكيف تفكّر، وهنا قوّة الشخصية.

عندي هذا الفرح الكبير رغم أنني اشتغلت معه في كثير من المسرحيات، من "صيف 140"، إلى "وصية لسقراط"، "متنب"، "زنوبيا"، "حكمة الرعيان"، والمسرحية "الملوك الطوائف المشتركة". أنا وهو، أنا مُنتج أعمالي، وصاحب الموسيقى والرؤية النهائية التي هي "جبران"، و"النبي"، و"عودة الفينيق"، و"آخر يوم"، وإذا أردت، إذا بعد في وحدة وقامت في اليوم الثالث هنا كان في جمال.

إذا أردت الجيل، أو الأجيال، هناك جيل أول وجيل ثانٍ، هو يبطئ قليلاً لتستوعب أنت ماذا تريد وتعليقك، لا يمكنك أن تبقى في مكانك لا تفهم كيف يفكّر، أنت تأخذ وتعطي. وهنا كان الصِدام، الصِدام الإيجابي لنصنع مسرحًا جديدًا، وهذا كان دائمًا تفكيرهم، هم مُتجدّدون في رؤية الأجيال الجديدة والحيوية التي يمكن أن يجلبها الواحد.

إذا تعدّيهم ليعطي الفن، يجب أن يعدّي أستاذه. إذا لم يعد الفن، لا تقعد، لا تعني أنك لا تشتغل بالفن، حتى في علاقاتك الإنسانية، عندما تذهب إلى قهوة أو مطعم أو أية سهرة، إذا لم يكن لديك أصدقاء يجلسون ويعلّمونك شيئًا وأنت تستفيد منهم، هكذا تصير، تغذّي بعض الثقافة والأشياء التي لها علاقة بالمجتمع. هذه هي التي تجعلك، إذا أردت، متطوّرًا ومختلفًا عن الجميع.

 

أحمد أبو علي:

في أية لحظة كان هناك خيار أن تشتغل مع والدك، تشارك معه في المسرحيات سواء من ناحية التأليف الموسيقي أو الإنتاج وما إلى ذلك؟

 

أسامة الرحباني:

أول شيء من العُمر الصغير، قلنا، كان دائمًا هناك استشارات، كانوا يسألونك: "هل عندكم شغلة؟" عاصي ومنصور يسألان كل إنسان رأيه في شغله. يعني يسمعون مقطعًا صغيرًا من أغنية لك، "هل هذا حلو؟" أو "هل هذا؟" يعطونك خيارين: "أيها أفضل؟ هل الجملة الموسيقية هذه أم تلك؟ هل بيت الشعر هذا أم ذلك؟" كانت هناك ثقة بالذوق.

 

أحمد أبو علي:

بكل الناس، ليس فقط على صعيد العائلة، حتى يصلوا إلى كل الناس.

 

أسامة الرحباني:

يسألون دكتور فلسفي، ودكتور طبيب عادي، ومحامي، وأيضًا عامل نظافة، أو بوليس بلدية، أو أي إنسان، ليروا كيف ارتداده مع المجتمع كله. هذا سرّ قرب كل هذه الأغاني، التي هي عبقريّتهم بالطبع.

وأكثر من ذلك، لا يعملون إلا ما يريدونه هم، آخر شيء، صحيح يسألونك، لكنهم دائمًا لهم رأيهم الأخير، لكن عندهم هذا الحب، حب يقرّبهم من الناس، لأنهم طالعون من الفقر، طالعون من العالم، من البيوت، التي كان فيها كثير من الحرمان والظلم في الحياة والمجتمع. لهذا السبب عرفوا أوجاع المجتمع، وعندهم الطيبة التي كانت دائمًا موجودة عندهم، ولهذا السبب وصلوك ووصلوا عندك، وأثّروا على كل العالم العربي، وغيروا وجهة نظر العالم العربي بالفن، وأثّروا على أنظمة سياسية حتى، وعلى قضايا كبيرة.

 

أحمد أبو علي:

بالإضافة إلى هذا السرّ، ما كان سرّ نجاح الإخوان الرحباني وفيروز في تلك المرحلة؟ وما سرّ انتقال هذا الفن الرحباني من جيل إلى جيل؟ حتى اليوم، كل الأجيال عندما تسمع فيروز، هناك حال من... 

 

أسامة الرحباني:

نتمنّى دائمًا أن يبقى هذا السمع، وتظلّ تتمنّى دائمًا أن يبقى هناك اطّلاع على هؤلاء الناس الذين ظهروا، لأن هناك قليلاً من الأجيال الجديدة تجهل، بصراحة، هذا الشيء مُزعج كثير، ويُحْزِن.

السرّ الأساسي كان يقول لي: "في أية شغلة يا ابني، الذي ليس لديه عقد بحياته، لا يبرهن شيئًا." وهناك مثل، أو قول فرنسي: "لي جون بادي سوار" — العالم أو الناس الذين لديهم حياة سعيدة، ليس لديهم قصة يخبروك إيّاها.

هناك كثيرون يعيشون بالراحة.

 

أحمد أبو علي:

يجب أن تكون هناك معاناة.

 

أسامة الرحباني: 

طبعًا، وهم الذين عانوا في حياتهم، كان كثير كبير من الفقر، من كيف اشتغلوا، كيف كبروا، تذكّر كرته ليشتغل في الشرطة الفرنسية بالأمن.

 

أحمد أبو علي:
هل الإبداع يأتي من وراء المُعاناة، من وراء ما نعاني منه؟

 

أسامة الرحباني:

طبعًا، بالتأكيد، ليس فقط بالوعي. الموحّد بينكم هو الفقر، وإثبات الذات، والقتال بسبب الحياة الجديدة. بمعنى آخر، يجب أن تكون مقاتلًا، مقاومًا في حياتك لتتمكّن من التقدّم شيئًا فشيئًا، وتثبت نفسك في الحياة. وأيضًا، لا تدري في حياتك من أين تناديك هذه العبقرية وهذا الإبداع الذي فعلاً تريد أن تطوّره.

الإبداع يُصْنَع، ليس أن تجلس في بيتك فجأة ينزل عليك الإبداع. لا، بل تصطدم بالحائط وتفشل في العام الأول إذا لم تشتغل على نفسك، وتطوّرها، وتتعرّف على أخطائك، وتخرج من دائرة الفشل، وتقوم بتحليل كل شيء تقرأه أو تشاهده، فهو يشكّل شخصيّتك بالترافق مع ما تراه في حياتك.

 

أحمد أبو علي:

في أية مرحلة كان والدك يريد أن يستشيرك من الناحية الفنية؟

 

أسامة الرحباني:

الآن، كثيرًا ما نتحارج في بعض الأمور الصغيرة، لكن يمكنني القول إن منذ عام 1987 تقريبًا صرنا نشارك في الاستشارات الكبرى، وصرنا نشارك في الأعمال كمستشارين. 

 

أحمد أبو علي:
كان لديه ثقة بك في هذا المجال؟

 

أسامة الرحباني:

كمؤلّف موسيقي وموزّع، وفي الوقت ذاته مستشار في العمل الإنتاجي، ثم معًا صرت مسؤولًا عن العمالة التي اشتغلناها أنا وهو. وكانت هناك مرات تصادم، مثلاً، كنت أفضّل أن يبدأ الحوار بطريقةٍ معينة، أو الإيقاع أو طريقة التصرّف أو شخصية معيّنة، كنت أفضّل أن تكون أكثر شراسة أو أقلّ شراسة.

 

أحمد أبو علي:

كان مرنًا معك في هذه المرحلة؟ منذ قليل، كنت تقول لي إن الإخوان الرحباني كانا يسألان كل الناس، لكن في النهاية كانا يفعلان ما يرانه صحيحًا.

 

أسامة الرحباني:

دعني أخبرك، في آخر أيام "سقراط"، كنت أنا الإنسان الوحيد الذي كان معه وظلّ يرافقه حتى أنجز المسرحية. لأن من حوله اعتبروا المسرحية صعبة جدًا، لأن الفلسفة جافّة، والشعر أكثر ليونة ووصولًا إلى الناس. أما أنت فتأتي بفيلسوف تتحدّث عنه، وكيف هي عقيدته، حين تناول منصور الرحباني الوضع السياسي والبيئة التي عاش فيها "سقراط"، التي أدّت إلى مقتله، أو نوع من الإكراه على أن ينتحر.

في ذلك اليوم الذي ظفر فيه النظام، خالف القانون ليهربه، ليزيل عنه وصمة العار التي ستلاحقه في التاريخ. إذا انتبهت إلى هذا البُعد، ترى مدى عبقريّته. حتى أن دكتورًا من أميركا تواصل معي وقال لي: "أنت الوحيد الذي عملت مسرحية عن سقراط، هناك إثنان أو ثلاث مسرحيات أخرى، واحدة منها للمخرج الإيطالي فيكتوريو دوستيكا، أعتقد أنه عمل فيلمًا، وهناك مسرحية ثانية تتحدّث تقريبًا عن كتاب أفلاطون بطريقة مماثلة."

إذًا، والدي عرف كيف يصل إلى الناس، وكيف تكون قريبة منهم. أنا كنت من الناس الذين تعاركوا معه كثيرًا حول الأشياء التي يريد إنجازها، وكنت خلفه. ثم، عندما صرت صاحب عملي معه، كنا نتقاتل دائمًا، لكن دائمًا لمصلحة الأفضل، لمصلحة العمل الأجمل.

بعدها، كنت أختلف معه قليلًا، كل واحد منا يأخذ شيئًا.

 

أحمد أبو علي:

لكن في النهاية القرار هو الذي يخدم العمل ونجاحه.

طيّب، ما أكثر شيء اكتسبته من والدك على صعيد الموسيقى والتأليف؟ وكيف وظّفت هذه الخبرة التي اكتسبتها منه في الأعمال اللاحقة؟ نتحدّث عن الأعمال التي شاركت فيها مع والدك، وبعد رحيله أيضًا.

هل كان لديه شكّ فيك؟ هل كان يثق بك؟ وأين كانت الإضافة بالنسبة لك؟

 

أسامة الرحباني:

كان لديه ثقة كبيرة جدًا بأفكاري وبكيفيّة عملها. ولهذا السبب كان يتمنّى أن يكتب لي النصوص، لأنه كان يوافق على عمل النصوص لي.

أنا كنت أكتب السينوبسيس، وهو بمثابة خارطة العمل أو القصة مع كل تشعّباتها وأفكارها.

بعض الأفكار كان يأخذها هو ويطوّرها، فهمت كيف؟

وبالنهاية، كانت لديه ثقة عمياء بي في طريق الإنتاج، لأنه كان يعرف أن أفكاري تقدمية جدًا بالنسبة له، وكانوا يحبّون هذه الأفكار.

تعلّمت منه الكثير، مثل المُثابرة، والعمل، والقراءة.

أعطيك فكرة صغيرة: مرة لاحظ أنني كنت أقرأ كتابًا مكوّنًا من حوالى 200 صفحة، وقطعته تقريبًا بحجم الكرتون الكبير، وظلّ معي لمدة أربعة أو خمسة أيام.

أنا، بعدها، في يوم السبت ذهبت في وقتٍ مُتأخّر من الليل، وعندما رجعت رأيت ورقة مكتوب عليها:

"حضرة الأستاذ أسامة الرحباني المحترم، بدأت بقراءة هذا الكتاب في الساعة السادسة والثلث، وانتهيت منه في الساعة السابعة والربع."

بمعنى آخر، هو أراد أن يوضح بطريقة أخرى أن قراءة الكتاب لا تستغرق كل هذا الوقت.

ضحكنا كثيرًا في الصباح حين قرأتها.

بعدها، رأيت الورقة تضحك، مكتوب عليها: "هذا الكتاب قرأته في حوالى خمس وخمسين دقيقة، وأنت ما زلت تقرأه منذ أربعة أيام."

 

أحمد أبو علي:

بالإضافة إلى هذا، ماذا تعلّمت منه؟ على ماذا تقول له شكرًا؟ وما الذي لم تستطع قوله له، واليوم قد تقول له إيّاه، خاصة بمئويّته التي مرت مؤخّرًا؟

 

أسامة الرحباني:

في هذا العام كله، بعيدًا عنه، أتمنّى لو بقي وأعطى أكثر.

لأنه، إذا أردت العبقرية والإبداع، هذا النبع لا ينضب، وهذه الطيبة الرائعة، وهذا الحب للناس، وعطاؤه كان كبيرًا جدًا.

أقول له فقط: "يا ليتك بقيت."

لكن أعلم أن الموت حقّ.

دائمًا يتمنّى الإنسان أن يقدر الحياة الجميلة.

 

أحمد أبو علي:

لكن هل استطعت أن تقول له كل شيء؟

 

أسامة الرحباني:

هو مدفون ليس بعيدًا كثيرًا عن البيت، وأحيانًا أتحدّث معه، أتمنّى أحيانًا أن يكون موجودًا لأننا كنا نستمر معًا في أشياء كثيرة.

كانت لديّ أشياء جميلة كثيرة أقولها له، وقلت أشياء كثيرة، وفي النهاية الحياة تكفي، وهذا ما علّمنا إيّاه، أن الحياة تكفي.

يجب أن يستمر الإنسان، ويظلّ يتقدّم إلى الأمام، ولا يلتفت إلى الوراء كثيرًا، رغم أن الماضي جميل جدًا.

كل لحظة تمرّ صغيرة أندم عليها أحيانًا، وأقول: وجود الناس في كلمة أقولها جميلة جدًا في الوصية: الحياة أجمل من التمثال. الحياة أفضل من التمثال.

=أن تبقى حيّاً، أن تتصارع أفكارك مع شخص، أن تتناغم معه، أن تتعلّم منه، وأن يتعلّم منك، وأن تظلّ تتطوّر باستمرار، أفضل من أن تكون تمثالًا باردًا من حجر يُذْكَر بعد رحيله فقط.

 

أحمد أبو علي:

هل شعرت، بعد رحيل والدك، أن المسؤولية أصبحت أكبر، وأن المسار المقبل قد يكون أصعب من دونه؟

 

أسامة الرحباني:

عندما تفقد شخصًا على هذا المستوى، وهو من أهم الفنانين في العالم العربي، بالتأكيد تشعر بهذا.

تشعر بهذا الشعور في كل عمل تقوم به. لكن هذا ما علّمنا إيّاه، أن نقاوم، ونكفّي في الحياة، ونكفّي في الطريق. وأعتقد أن هذا جيّد جدًا.

هناك شيء فقدناه له علاقة بالمسرح الغنائي، الأوضاع تغيّرت، وأصبح الإنتاج مختلفًا.

في السابق، كان لدينا مُنتج شريك لنا، الثالث معنا، كان يدعم كل أفكارنا، لكن بعد رحيل والدنا منصور، رحل أيضًا أنطوان شويري الكبير، وهو كان مُنتجًا لكل مسرحيات منصور.

في فترة كبيرة، لم يعد هناك ذلك الدعم الذي يشجّع على الأفكار والإنتاج. المهرجانات التي كانت موجودة تركت فراغًا كبيرًا.

هذا بلا شكّ. لكن من ناحية أخرى، نحن نواصل في أعمال أخرى في الموسيقى والإنتاج الخاص بي.

أنا أنتج عملاً مشتركًا بيني وبين عاصي ومنصور، وكانت سياستهما أن يأخذا 90% من الإنتاج ويصرفاه، ويبقيا 10%، وهذا رقم كبير مقارنة بالآخرين، الذين يصرفون 30-55% أو 40%. 

عاصي ومنصور كان آخر همهما المال، كان الكواليتي هو الأهم. كانوا يتولّيان دفع كل شيء، وبقية المال الذي يبقى لهما يكفيهما للعيش.

أنا أنتج بنفسي، لا أنتظر مُنتجاً يقول لي ماذا أفعل، لأنني لا أرغب بأحد أن يتحكّم في أفكاري. أريد أن أكون صاحب القرار. 

 

أحمد أبو علي:

هل هذا يريح الفنان، سواء في الأعمال أو في الاختيار؟ 

 

أسامة الرحباني:

هذا ما يريحك كما تريد. لكن إذا كان الإنتاج خارج إرادتك، فهذا لا يريحك، لأنك تضطر أن تظلّ على نفس النمط. مثلاً، إذا أردت أن أعمل على موضوع الربيع العربي، فلا يمكن أن لا يهتمّ أحد بهذا الموضوع. قرّرت أن أصنع أغنية إسمها "الربيع العربي" وكليب كلّف تقريباً كما يكلّف فيلم سينمائي. لا أسأل ولا أهتم، لأن لديّ رسالة أريد قولها. أغنّي لوطني أفكاراً معينة. ما يعلّقني في هذا البلد ليس السياسيون، بل طيبة الناس والأرض، وكل هذه الأشياء تجعلني متعلّقاً بهذه الأرض.

قرّرت أن أعمل هذه الأغنية التي كلّفت مبلغاً كبيراً، وكل ذلك من عندي. أفكّر وأنتج مشروعاً معيّناً إسمه "ليلى"، الذي وصل إلى العالم وأصبح حقّاً في جني المال. ولو كانت هناك شركات تدعمني، كان سيكون أفضل.

 

أحمد أبو علي:

بعد وفاة منصور الرحباني، كيف تصف مشوارك الفني؟ وما المدرسة التي استطعت أن تخلقها من خلال أعمالك؟ وما الذي أضافه أسامة الرحباني إلى مدرسة الرحابنة بعد الجيل الأول، خاصة وأنك من الجيل الثاني، بالتأكيد، بالإضافة إلى الفنانين زياد وغسان الرحباني؟

 

أسامة الرحباني:

نحن نعتبر الجيل الثاني. وأيضاً بشارة الخوري، إبن عمّتنا، موسيقار عالمي يعيش في باريس ويعمل في الموسيقى الكلاسيكية، أصغر من زياد بسنة وأكبر من مروان بسنة.

بالنسبة لي، كنت أعمل كثيراً على طريقة مختلفة في الموسيقى، وأيضاً في معالجة الصوت بطريقة مُغايرة، وذلك لاستغلال كل إمكانيات الصوت. وأحب أن أدمج الموسيقى الدرامية في الأداء، ما نسمّيه "ميوزيك دراماتيك"، حيث تعنف الكلمة وتحتوي على كل أنواع المشاعر والشغف والوجع.

أيضاً، الأغنية النصيّة يجب أن تُعالج بشكل مختلف تماماً، مع الأوركسترا، وأيضاً التطوير في الأوركسترا وطريقة التفكير، وفي المسرح الغنائي الحديث. لقد عالجنا أشياء تاريخية من البداية، مثل طريقة التصوير وكل شيء، وحتى في الكليبات.

إذا أردت، أعود إلى أغنية "بلدية بيروت" التي كانت نقداً لبلدية بيروت، الحكومة، ورئاسة الوزراء، وكل الأمور التي مرّت بها البلاد. كانت أغنية تحمل نقداً كبيراً، وخصوصاً ضرورة تغيير النظام، فالنظام الحالي مشكلة ويجب تغييره. الدولة توقّفت، ولا بدّ من التغيير.

 

أحمد أبو علي:

عفواً على المقاطعة، طالما ذكرت تغيير النظام، هذه إحدى الأغاني المصوّرة التي شاركت فيها شخصياً.

 

أسامة الرحباني:

هي فكرتي بالكامل، أشرفت عليها من بدايتها إلى نهايتها. تعبّر الأغنية عن وضع معيّن للإنسان العادي الذي يحترم القانون والدولة والمؤسّسات، لكنه يرى حوله الفساد المستشري والخطأ.

 

أحمد أبو علي:

هل نستطيع مشاهدة مقطع من هذه الأغنية ونكمل بعدها الحوار؟

 

(مقطع فيديو)

 

أحمد أبو علي:

لماذا اخترت أن تشارك في هذا الفيديو كليب؟

 

أسامة الرحباني:

لأنه يتحدّث عن فكرة أنا أفكّر فيها، ولم يكن أحد يستطيع أن يصفها. الفكرة ببساطة هي أنني كنت ذاهبًا في وقتٍ فتحت فيه لبنان على بعضه، بين الشرقية والغربية، سنة 1992. كانت الخطوط على الطريق، وإذا أردت تسميتها بالأوتوستراد، فكانت ثمانية خطوط. هذا يدلّ على مدى الفوضى التي كانت في لبنان في تلك اللحظات. كنت في السيارة في شهر حزيران، والجو حار، ولم يكن عندي مكيّف. قلت لنفسي، إذا قرّرت أن أنزل، فسأسير على الخط الصحيح، بينما بقيت السيارات تكسر النظام، والناس تخالف النظام لكي تخلق نظامًا. هكذا بدأت الفكرة، بأنني كنت خلف النظام، كنت خارج الشارع، أو إذا أردت، خارج القانون، كنت مخالفًا للشريعة، فما هي هذه الشريعة أو القانون؟ هكذا بدأت الفكرة وبدأ تطوّرها: إنسان يعيش على هذا النحو. كتبت القصة كفيلم سينمائي، فهي كما لو كانت فيلمًا قصيرًا، وعلى أساسها جئت وجلست مع غادي، الذي هو أخي، وهو الذي يعمل معظم الأغاني معي، وقلت له إنني أريد تحويل هذا النصّ إلى أغنية. الموسيقى الفنية كلها مع بعض، الموسيقى أنا أعملها وأعطيه الموسيقى، ونناقش الفكرة، والتوزيع، وكيف ستكون القصة وتطوّرها كلها هكذا. 

وأشرف عليها بعد ذلك الأستاذ منصور، لأنه في المونولوج الأساسي في البداية "الآخرون هم الجحيم" يومية ذات الوجوه، ذات الأشياء، يطيرون، يتحمّمون من كذب المجتمع المعلّق عليك، إلى آخره. الكلمة "الآخرون هم جحيم" كانت لجون بول سارتر، كان يقولها لي كل يوم قبل أن أخرج من البيت، كتحذير بأن أنتبه من الآخرين، لأنهم قد يدخلون عليك بأشياء سيّئة. 

هكذا كانت الفكرة، عندما نفّذتها، كان هناك سَخْط وجُمّ من الجميع الذين حضروا، حيث عملت له افتتاحًا في ذلك النهار. هو وهذا لبنان كان نوعًا ما قاسيًا جدًا، الفيلم كان قاسيًا ويدعو للانتحار. وآخر كلمة في الفيلم كانت "واعي فيك الاختيار"، وهي كانت تقول بطريقة ما إنه ينتحر في النهاية، لأنه لا يتحمّل الأشياء. بالتأكيد الأستاذ منصور والكثير من الناس المعنيين لم يوافقوا على ذلك، لأنهم اعتبروا أن ذلك يشبه الدعوة لأشياء ما، لذلك وضعنا "واعي فيك الاختيار" في النهاية، وهو الشيء الذي تراه يسير على الماء ويختفي، يمكنك فهمها على أنها كأنه رحل أو مات.
في تلك الفترة كان التوجّه السياسي في لبنان أن يجتمع الوزراء في الغرفة الأمنية، من وزير الدفاع، وزير الداخلية، ورئيس الأمن العام، وكل هؤلاء، ومنعوها.

 

أحمد أبو علي: 

الوضع في البلد لم يكن يحتمل مثل هذه الرسائل القاسية؟

 

أسامة الرحباني:

لا يريدون أن يروا إلا لبنان الذي =يحبّونه، لا يريدون أن يروا لبنان التعاسة، لبنان الفقر، لبنان المهمّش، لأن أيّ إنسان مهمّش على هذا النحو قد ينتهي به الأمر بشكل سيّئ. للأسف، تمّ المنع، لمدة ثلاثة أسابيع، ولكن في النهاية توجّهت إلى رئيس الجمهورية وقتها، إلياس الهراوي، الذي كان صديقًا مُقرّبًا، وقلت له إنه لا يحقّ لهم منع شيء بهذا الشكل. وكان لديّ حديث معه، إذا ما كان يريد أن يقطع أو يمنع أي شيء من دون أن يُعرض عليه، فالأفضل له. كان ردّه أن لا تهتم، أوكي. مع أنني شعرت أنه لم يكن مُعجبًا كثيرًا بطريقة التوجّه، لكنه قال إن كل شخص يقول ما يريد قوله. وهنا شكراً له لأنه وافق، لأننا كنا نتلقّى تهديدات من سلطات عليا توجّهت عبر أشخاص، بأنها قد تؤدّي إلى السجن، ولكني لم أهتم. 

 

أحمد أبو علي:

هل أثّرت التهديدات على خيارك في ما بعد؟

 

أسامة الرحباني: 

لا، بالعكس، زادت عنادي وجعلتني أستمر أكثر، وقلت إن النظام يجب أن يتغيّر. كان ذلك عملًا أفانغارد جدًا في كل شيء، لدرجة أن الكليب حتى اليوم هو الوحيد في العالم العربي الذي فاز بجائزة "كلمات كلمات". 

 

أحمد أبو علي:

كلمات هذه الأغنية تصلح اليوم أيضًا في هذا الزمن.

اليوم، أسامة الرحباني، ما النظام الذي تريد تغييره؟

 

أسامة الرحباني:

جيّد جدًا في التحليل العربي، النظام ليس فقط كما في اللغة الغربية "السيستيم"، بل هو نظام، والريجيم السياسي هو نظام، والريجيم الغذائي أيضًا نظام. النظام الجديد أو "النيو أوردر" في العالم الذي نعيشه الآن هو اسمه النظام. لا يوجد تحديد دقيق، لكن المقصود به هو "السيستيم" وهو أكبر، لأن السيستيم هو نظام الحياة ككل، يعني السيستيم هو كل نظام الحياة التي لديك تراكمات منه منذ أيام الفينيقيين حتى أيام العرب، الحضارات كلها، المسيحية، الإسلامية، الاحتلالات، الإمبراطورية العثمانية، الفرنسيين، حتى بعد الاستقلال. كل هذه التراكمات تجعلك خلاصة كل هذه الأشياء. 

أنت خلاصة الأشياء، الإقطاع، رجال الدين، العائلات التي تُدير لبنان الحالي والتي تعدّ أحد أسباب مشاكله، وهذه لها علاقة بالدولة العميقة. هذا هو السيستيم. أنت لا تهمّك إن أصبحت دولة برلمانية أو جمهورية أو إمارة أو مملكة، فكلها أنظمة، وأنت لا تستطيع أن تفعل شيئًا. سبب فشل الترابُط اللبناني هو الهروب إلى الطوائف، الهروب إلى الإقطاع والعائلات التي تتحكّم بكل شيء، وهنا تكمُن المشكلة الكبيرة. 

 

أحمد أبو علي:

هذا السيستيم موجود حتى اليوم؟

 

أسامة الرحباني:

بالطبع، بعد أن شاهدت، صار لنا ثماني سنوات نعيشها، ما أكثر شيء يمكن أن تراه؟ نفس الشيء، وليس فقط ثماني سنوات. أنا أقول إنه كل شخص يقول ربما هذا الرئيس يعمل شيئًا، تكتشف أن السيستيم يربطك ويكبّلك، وهو مَن يحكم عنك. هنا لديك تفكير مختلف تمامًا، كيف تغيّر الأشياء؟ إنها مهمة صعبة جدًا.

 

المحاور أحمد أبو علي:

حسب رؤيتك ونظرتك، ما الذي يمكن أن تضيفه على كلمات هذه الأغنية اليوم؟ ما الذي يجب تغييره برأيك؟

 

الضيف أسامة الرحباني:

بعد كل هذه السنوات، عندما عملنا "ليلة أمل" مع هبه طوجي وزوجها الموسيقار العالمي إبراهيم معلوف، قدّمناها للناس مجانًا، بدأنا منذ 25 سنة. لم نقل هذا الكلام فقط من 25 سنة، بل غيّرنا بالكلام، لكن لا شيء تغيّر. إذا لبنان لم يقرّر أن يتغيّّر، بعد كل ما حدث، فإن هناك شيء موحّد في لبنان إسمه "النكايه"، لا ترجمة له في القاموس الغربي، لا توجد كلمة "نكايه فيك"، تعني: إذا قلت إنني مع الأبيض ومع الأسود، إذا صرت أسودًا، فأنا أكون الأبيض. لبنان بهذه الطريقة وتفكيره بهذه الطريقة. إذا لم يفهم أحد ذلك، فلن يعلو، ولن يرتقي بحاله وبهذا البلد الذي فيه مزايا إيجابية عظيمة، وكذلك مزايا سلبية كثيرة. لدى اللبناني، خصوصًا، قلق خاص، حب التحدّي، حب الاستمرار في الحياة، حبّه للحياة، عناده، تعلّقه بالأرض. هذا ليس حرامًا، يجب أن نستغلّه لنكون واحدًا، لأن تغيير هذه الأنظمة البشعة أمر ضروري.

أنا أعطيك مثلًا صغيرًا: ما الفرق لديّ إذا كنت في فريق كرة القدم، جميع الشباب الذين يلعبون هذا العام كانوا أفضل فريق من طائفة معيّنة، يتشاركون الإسم. عندما يلعبون ضدّ بلد آخر، لا يسأل أحد إذا كان هذا مسيحيًا، أو مسلمًا، أو درزيًا، أو أرمنيًا، أو سريانيًا، ولا أحد يسأل، بل يلعبون معًا باسم لبنان. شيء آخر. في أميركا، يجري لك "راندوم تشيك" (فحص عشوائي)، هل أنت أرثوذوكسي أم لا؟ 

 

أحمد أبو علي:

لا علاقة لذلك بالمذهب، أو الطائفة، أنت عربي، أنت لبناني.

 

أسامة الرحباني:

اجلس جانبًا. هذه هويّتك. هنا يجب أن يبدأ الفهم. أبعد من ذلك، الخصائص الجيّدة فيك يجب أن تحتفظ بها، وتضع جانبًا كل ذلك الآخر، فليس مهمًا ما تريده. صلّ في بيتك، لا تزعج الآخرين، حافظ على إنسانيّتك، هذه هويّتك، إنسانيّتك، حبّك للناس، حبّك لأن تسمو إلى مرتبة الإنسانية والفرح مع الإنسان، هذا أهم بكثير من أن تسعى لتغيير كل الناس، وكل الناس يغيّرونك، وكل واحد يهتمّ بحاله.

أنا أقول: إن يعيش الإنسان، الاقتصاد هو أعلى عنوان في التاريخ، كل حياته هو الاقتصاد، وليس شيئًا آخر. 

دعني أعطيك فكرة، في عهد الرومان، الذين كانوا يسمّونها "باكسا رومانا" أي السلام الروماني، الذي يشبه اليوم "باكسا أمريكانا" أو السلام الأميركي. السلام الروماني كان كيف؟ عندما كان القيصر يترشّح، ببساطةٍ كان يقول: "أنا أريد أن أقوم بغزو المدى الحيوي لهم في شمال إفريقيا"، أو "أنا أريد أن أذهب إلى جيرمانيا"، أو "أنا أريد أن أذهب إلى الشرق الأوسط". هكذا كانوا يفكّرون. كانوا يُنتخبون لنفس الشيء. الولايات المتحدة تقول لك: "المدى الحيوي لنا هو الخليج العربي"، والآن حالياً لبنان، لأنه يوجد النفط الذي سيُستخرج، والغاز بعد فترة. نفس الشيء، كانوا يفكّرون دوماً بالاقتصاد.

وهنا يقول ميرا: "من حُب القمح تأتي كل المشاكل". كل المشاكل في العالم. نعم، من الاستمرار والحياة. طيّب.

 

أحمد أبو علي:

أيضاً من الأغاني التي حفرت في ذهن اللبنانيين من ناحية الكلام واللحن، كان اللحن لك، وكلمات منصور الرحباني، أغنية "صباح الألف الثالث"، لأنها كانت تعبّر عن قضايا تهمّ كل إنسان في هذا العالم. نتذكّر قليلاً هذه الأغنية، ونتابع الحوار معك.

 

(مقطع من الأغنية)
صباح الألف الثالث، بعد، في جوع، في أطفال مشرّدين، وبكاء ودموع.
صباح الألف الثالث، بعد، في جوع، في أطفال مشرّدين، وبكاء ودموع.
خلّينا ننهي الحروب يا دول القوية، لا للقتل، لا للقهر، لا للعنصرية.

 

أحمد أبو علي:

اليوم بعد في جوع، وبعد في بكاء، وبعد في دموع، وبعد في فقر، وبعد في قهر، وفي دول قوية، وفي حروب.

كلمات هذه الأغنية تصلح لأي زمن؟

 

أسامة الرحباني:
أذكر كيف أن هذه الأغنية كتبها منصور سنة 1999، وبمناسبة معيّنة، وضعها جانباً. ووقتها سألني إذا كنت أستطيع أن أصنع أغنية عن هذا الموضوع. كنت نسيت وجود هذه الكلمات، وقلت له: "أنا لن أفعل شيئاً كهذا للألفية الثالثة". فقال لي: "وماذا تقول؟" فقلت له: "أنا كتبت القصيدة كلها، موجودة". فقال: "صحيح، لنعد ونعيد صنعها من جديد". وقتها كان مع المؤسّسة اللبنانية للإرسال مع بيار ضاهر، وطرحوا علينا الفكرة، وكان معهم وسيمون أسمر وشخص آخر، وليس كارول في الأغنية. أنا رفضت، لأن كارول كانت، إذا أردت، هي مَن فرضت نفسها على مسرح الرحباني، وكنت أنا الذي اشتغلت معه من البداية ودافعت عن هذا الأمر، وأصرّيت أن تكون كأنها أوركسترا كبيرة. في ذلك الوقت، لم يكن عندنا كثير من الأوركسترا الكبيرة، وحتى كيف يكون اللون الأحمر، والشعر، وكل شيء. كنت مسؤولاً عن هذه الأمور كلها. طبعاً الأستاذ منصور قال شعرياً، أول شيء قبل القصيدة، أعطاها ثقل ليلة رأس السنة، ليلة التحوّل من 1999 إلى 2000. كانت رائعة، القصيدة، والأغنية، والأداء، وكل شيء.

على صعيد اللحن، وضع اللحن، لأن الأداء، كل العالم كانوا =مُتفاجئين عندما قدّم أداء كهذا، يتساءلون: "لماذا؟ لماذا تصرخون؟" يا أخي، كل إنسان له طريقته، هذا يؤثّر في الناس. ليس كل الناس سترضى، وليس عليك أن تضغط طوال الوقت. المجتمع العربي ليس موحّداً، ولكن الطرب واحد. مثلاً، تخيّل جاك بريل وعَظَمته، من أهمّ الناس اليساريين بالأفكار، في الأغنية النصيّة في العالم. في لبنان ربما يطردونه، أو في العالم العربي. لماذا؟ لأنه لا يُطرب الناس. أحياناً ليس كل شيء هكذا، أحياناً الانفعال والطبع هو الذي يوصل إحساسك، ويؤثّر أكثر من الكلمات.

 

أحمد أبو علي:

برأيك اليوم، أيّ نهج عالمي، إقليمي، عربي، لبناني حتى، يمكن أن ينهي الظلم والخوف، ويعطي الحرية لكل الشعوب، ويشعر الإنسان أن له أخاً في الإنسانية؟

 

أسامة الرحباني:

أو له وجود إذا أردنا القول أكثر. يقول منصور: "السعادة هي أن تتوهّمها". أي أن تتوهّم أنك تعيش بطريقة جيّدة بكل =إمكانياتك الموجودة وفي كل طبقات المجتمع. لكن أيضاً يقول: "ليس حياتك أنت، جئت إلى الحياة لتعيش، وليس لتكون أذى لك من الدولة أو من نظام معيّن". هذا أيضاً عنوان كبير جداً، كيف يمكن للإنسان أن يتطوّر، أو أن يعيش بإنسانية مع إخوته الإنسانيين؟ المشكلة الكبيرة هي غريزة الإنسان، وهي التي تغلب، وهي الطبع وليس التطبّع، الذي يقرّر أن يظلم غيره، لأسباب لها علاقة بإرادة معيّنة، أو وحدة معيّنة، أو أفكار معيّنة، أو سياسة معيّنة.

أنت ترى العالم كله عبر الزمانات. كانت الدنيا على بوابتين أحلى: كان هناك الاتحاد السوفياتي وأمريكا. الآن هناك بوابة واحدة بنافذتين. الآن هناك نافذة، عندك خيار. كانت هذه الكرة الأرضية مقسّمة بين العالم الثالث، الذي هو في معظمه تابع لنمط معيّن من الاتحاد السوفياتي والرومانسية، والثورات، مع تشي غيفارا وغيرهم، والمنطق الرأسمالي أكثر، الذي هو الكرة الأرضية الفوقانية إجمالاً.

والجيّد أن العالم الثالث ينظر إلى العالم الأول بشغف وحب للقراءة عنه والثقافة عنه. لهذا السبب، أنت تعرف أكثر بكثير. أذكر في أميركا كنت في الجامعة، كنت أعرف عن أميركا كلها أكثر مما يعرفه طالب أمريكي، لأنه بالنسبة له، هو يأتي من نيويورك مثلاً، أو يتعلّم في بوسطن. هي رحلة له. نحن من أميركا كلها رحلة. نحن نعيش في عالمٍ عربي، نعرف أفريقيا، نعرف أوروبا، نعرف آسيا، نعرف أميركا الجنوبية، نعرف كل هذه الحضارات. هم بالنسبة لهم الدنيا تنتهي بمحيط معيّن.

هنا تعرف أن لديك صعوبة إذا أردت الاستمرار مع شريك آخر من العالم. لكن هناك بعض الناس ما زالت لديهم إنسانية كبيرة.

عندما تطرد فكرة سيطرة الدين، دائماً معه حقّ ماركس أن هناك في الشعوب مشكلة، أن كل واحد يريد أن يفرض حاله، أحدهم وراء أفكاره البعيدة عبر التاريخ، قد يظلم كل الناس ليحقّق أحلامه. وهناك مَن يقول: "أنا الذي معي الحق، وأنا الذي أريد أن أفرض نفسي". وهناك مَن يقول: "أنا متطوّر أكثر من أيّ أحد، وأنا الذي معي الحق". دائماً هناك فكرة الأنا الموجودة عند الإنسان عندما يدخل. إذا أردت الطيبة، وإذا أردت حب الناس، لا أعرف مدى قدرتها على التغلّب على شريعة الإنسان وغرائزه. غرائزه هي الأقوى. هو يبطش بغيره، يسيطر، يحب السيطرة، يحب الاستمرار لمصلحة شعبه مثلاً.

 

أحمد أبو علي:
أسئلة سريعة. على ماذا تندم، أسامة الرحباني؟ ما القرار الذي اتّخذته، وربما لا يعرفه أحد، سرّ من الأسرار؟

 

أسامة الرحباني: 

حتى أكون واضحًا معك، هناك أشياء لم أسمعها. مثلاً صغيراً كنت أتمنّى أن أتعلّم البيانو بشكل أفضل، أقرأ أكثر، ألعب كرة القدم بشكل أفضل.

مع كل القصص ربما لا علاقة لي بها، لا تتحسّن إذا لم تفكّر هكذا، لا تتحسّن. دائماً عندي هذه الأفكار. ربما كان يجب أن أتزوّج، ولم أتزوّج، لأنني رفضت أن أخضع للمساومة تجاه الفن. 

 

أحمد أبو علي: 

كان جزءًا من حريّتك؟ 

 

أسامة الرحباني:

لأن يصبح لديك ولد، نفس الشيء. كان يقول لي زوج عمّتي عبد الله الخوري، وهو إبن الشاعر الكبير الأخطل الصغير: "لو أردت أن تصاحب، ستفقد 50% من حريّتك، وإذا خطبت 75%، وإذا تزوّجت 100%، وإذا جاءك ولد 125%، لماذا؟ لأنك لا تستطيع أن تقوم بالليل، الولد نائم، وإذا جاء ولد ثانٍ 150%".

 

أحمد أبو علي:

ما زلت مُقتنعاً أن هذا الخيار هو الصحيح؟

 

أسامة الرحباني:

أثّرت في. أقول لك، عندما تراقب غيرك من الناس، كم يعملون، يتفاوضون ليعملوا، ويخفضون من أفكارهم. أنا أعيش كما أريد. يجب أن أغيّر النظام الذي أنتجته، كلّف 200,000 دولار في سنة 1997. 

 

أحمد أبو علي: 

نظام حياة أسامة الرحباني. 

 

أسامة الرحباني:

لا أعرف، ربما أخطأت كثيراً. معي في الحياة ناس كثير رائعين، لكن لم أعرف أن أستمر معهم ربما.

 

أحمد أبو علي:

سؤال سريع آخر. حياتك، إلى كم مرحلة يمكن أن تقسّمها؟ وما عنوان كل مرحلة برأيك؟ وأية مرحلة تفضّل أن تبقى فيها، أو ربما مرحلة سابقة تريد أن تعود إليها وتعيشها من جديد؟

 

أسامة الرحباني:

البدايات هي العفوية، الطفولة، العفوية التي تتركك كما أنت. =وفي ما بعد، إذا أردت تقرير الذات، تكون بأفكار معينّة ضدّ كل شيء، بأفكارك.

في ما بعد، مرحلة العمل، التي أعتبرها مرحلة كبيرة جداً من سنة 1998 إلى سنة 2010 أو 2011، كانت إنتاجات مجنونة، على الصعيد الشخصي، أو مع الوالد، وبعدها، لا شكّ في وجود نوع من الفراغ كبير جدّاً.

ولكن أيضاً مرحلة كبيرة جدّاً إسمها هذا المشروع الذي عملته، الذي هو "هبة"، التي تمثّلني أنا مع أفكار مُتداخلة. قَدَرنا أن نصل إلى الخارج، إلى عالم، قَدَرنا أن نصل إلى ما نريد بموسيقتنا، بكلامنا، باستمراريّتنا. إذا أردت أن يكون هناك مَن يتعاطف معك ويقف معك رغم كل الظروف، نستمر. فهمت كيف؟

 

أحمد أبو علي:

طيّب، في دقيقة، في ختام هذه الحلقة، ماذا تريد أن تقول؟ أية رسالة تريد توجيهها على الكاميرا الخاصة بك؟

 

أسامة الرحباني:

أقول إنه نحن كلنا لبنانيون بمختلف طوائفنا وحضاراتنا، وكل إنسان يمكن أن يعتبر أنه ينتمي إلى حضارة جميلة. حضارتنا واحدة، ونحن نستطيع أن نعيش مع بعض، ونحبّ بعض كثيراً. لا أحد من خارج بلدنا، خارج لبنان، يستطيع أن يطلع علينا ويقول: "هذا من أيّ أصل؟" أو "هذا لمن ينتمي؟" لهذا السبب، انتماؤنا يجب أن يكون أولاً وأخيراً لنا، لنا هنا. وأن نعيش مع بعضنا بحب كبير. في حياتنا تعوّدنا أن نعرف: "أنا هكذا تربّيت، الفريق الآخر هكذا"، أو "هذا الشخص هكذا". ما يهمّني هي صفاته العظيمة التي تستمر.

هذا ما أحب أن أقوله.

وأختم السنة بأننا سنكون في بعلبك بشكل كبير ورائع. مهرجانات بعلبك، في الثامن من آب، بشكل ضخم جداً، ربما لم تشهد القلعة مثله، لأنه فعلاً هناك مَن يريد أن يضيف قيمة لهذه القلعة، لتاريخها، للناس الذين مرّوا عليها، لقيمتها، وقيمة ما نفكّر به. 

 

أحمد أبو علي:

بالتوفيق إن شاء الله في الأعمال اللاحقة.
الفنان أسامة الرحباني، شكراً جزيلاً لك على الحضور والمشاركة معنا.

 

أسامة الرحباني: 

شكرًا ايضًا لصوت الميادين، أيضاً لأنه يصل إلى الناس بطريقة مختلفة.

 

أحمد أبو علي:

أهلاً وسهلاً بك، وشرّفت. مشاهدينا الكرام، وصلنا إلى ختام هذه الحلقة من بودكاست الميادين، شكراً جزيلاً للمتابعة، وإلى اللقاء.