"إسرائيل الكبرى".. أكثر من أسطورة؟!

"إسرائيل الكبرى" مشروع أيديولوجي ملازم لفكرة الكيان، لكن ما الذي دفع نتنياهو لإحيائه اليوم؟ هل يوظف سفاح غزة هذا الخطاب في لحظة داخلية حرجة لاستعادة شعبيته المتراجعة؟ أم أن التطورات الميدانية، والتواطؤ الأميركي، والتساهل الغربي المشبوه، والتنازلات العربية المتعاقبة، أعادت إحياء أحلامه التوسعية وحركت الشياطين الصهيونية النائمة؟ منذ أسابيع قليلة، صوّت الكنيست على مشروعية ضم الضفة الغربية، قبل أن يكشف سموتريتش من مستعمرة «معاليه أدوميم» عن نيته استئناف المخطط الاستيطاني E1، الذي يقطع أوصال الضفة، ويخنقها جغرافياً، ويذبحها ديموغرافياً، ويعزلها عن القدس، ويقضي نهائياً على سراب |الدولة الفلسطينية|. أما زال العرب قادرين على وقف هذا الهذيان التوراتي الذي يكرس ضياع فلسطين قبل أن يبتلعهم جميعاً: |من النيل إلى الفرات|؟

نص الحلقة

 

بيار أبي صعب: مساء الخير. إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات مشروعٌ مُلازِم لفكرة الكيان، لكن ما الذي يدفع نتنياهو إلى إحيائه اليوم؟ هل يوظّف سفّاح غزّة هذا الخطاب في لحظةٍ داخليةٍ حَرِجةٍ لاستعادة شعبيّته المُتراجعة أم أن التطوّرات الميدانية والتواطؤ الأميركي والتساهُل الغربي والتنازُلات العربية أحْيَت أحلامه التوسّعية وحرّكت الشياطين الصهيونية النائمة. منذ أسابيع صوّت الكنيست على مشروعيّة ضمّ الضفة الغربية قبل أن يكشف سموتريتش عن نيّته استئناف المُخطّط الاستيطاني الذي يُقطّع أوصال الضفة ويخنقها جغرافياً ويذبحها ديموغرافياً ويعزلها عن القدس، ويقضي نهائياً على سراب الدولة الفلسطينية. أما زال العرب قادرين على وقف هذا الهَذَيان التواراتي الذي يُكرّس ضياع فلسطين قبل أن يبتلعهم جميعاً من النيل إلى الفرات؟ 

لمُناقشة هذا الموضوع معنا في الاستوديو المؤرِّخ الفلسطيني أحمد الدبش، ومن القدس المحتلّة ينضمّ إلينا الأستاذ خليل التفكجي الخبير بشؤون الاستيطان، ومن القاهرة معنا السيّد شبل الباحث في معهد الدراسات المستقبلية أهلاً بكم جميعاً. أستاذ أحمد كتبتَ مؤخّراً عن ظاهرة إسرائيل الكبرى بين الحُلم التوراتي والواقع السياسي أو الاستراتيجية السياسية، ما هو أثر الأسطورة الدينية وحتى الأيدولوجيا على تصريح نتنياهو الأخير؟ وما هو الشقّ المُتعلّق بالأمر الواقع بالاستراتيجيات الواقعية. 

 

أحمد الدبش: أسعد الله مساءك أستاذي وشكراً على الاستضافة، تصريح نتنياهو الأخير ليس الوحيد المُرتبط بالنصّ التوراتي،. المشروع الصهيوني كله مُرتبط بالنصّ التوراتي. إذا عدنا إلى الوراء في14/5/1984 وقف بن غوريون الذي يُقال عنه إنه عِلماني وأول رئيس للكيان الصهيوني، وقف في تل أبيب التي هي مدينة يافا الفلسطينية، وقف وقال بعد غياب وشَتَات لثلاثة آلاف عام يعود الشعب اليهودي إلى أرض إسرائيل لإعادة بناء الدولة. هذا نصّ ديني، نصّ توراتي أساسي يتحدّث عن شَتَات مرّ فيه ما يُسمّى بالشعب اليهودي ومليء بالأخطاء. جوهر المشروع الصهيوني ليس أيّ احتلال، أيّ احتلال عادي يكون باحتلال المنطقة ونَهْب مواردها واستعبادها ويجعل الشعب يعمل عنده كأيدٍ عاملة رخيصة، لكن الاحتلال الصهيوني هو على ثلاث مراحل: استيطان، إحلال، خلق مجتمع جديد مكان المجتمع الأصلي، أي أن الاحتلال قائم على الاستيطان والإبادة. في ما يخصّ تصريح نتنياهو وربطه بالمشروع الديني منذ سبعة أكتوبر أو طوفان الأقصى فإن تصريحات السفّاح نتنياهو السافِل جميعها مُرتبطة بالنصّ الديني. عندما تحدّث عن أبناء النور وظلام، تحدّث عن العماليق، تحدّث عن محور الخير والشرّ، تحدّث عن نبوءات سَفر إشعيا. نتنياهو يستثمر الخطاب الديني في مواجهة الشعب الفلسطيني وإبادته.

 

بيار أبي صعب: ولكن لماذا أثارت تصريحاته ردود الفعل في العالم العربي؟ قال هذه مُهمّة تاريخية وروحانية.

 

أحمد الدبش: نتنياهو ليس مُنفصلاً عن الشارع الصهيوني ولا عن المجتمع الذي أقول بأنه مجتمع لقيط، هذا المجتمع اللقيط نتنياهو جزء منه، تنشئة نتنياهو هي دينية، لو عدنا إلى الأسطورة التي شكّلها نتنياهو حول أسرته، جدّه هو ميليكوفسكي وهو صديق لجابوتينسكي وكان بالمؤتمر الصهيوني الذي رفض فيه مشروع أوغندا وقال لن أتخلّى عن أرض الميعاد، هذا جدّه. أبوه بنتسيون عارض قرار التقسيم على أمل أن يكون الكيان الصهيوني دولة. نتنياهو لم يأتِ من خارج المؤسّسة الدينية الصهيونية.

 

بيار أبي صعب: ما الهدف من هذا التصريح بالذات وفي هذه اللحظة لأن هذه لحظة مفصلية في طبيعة الصِراع؟

 

أحمد الدبش: الهدف من هذا التصريح هو القول بأن إسرائيل مُنْتَصِرة وتتوسّع في المنطقة، أنا لا أوافق على هذه النظرية، برأيي أن الكيان الصهيوني كما وصفه ترامب =الكاذِب والمُحقّ في هذا الموضوع أن دولةً بهذا الحجم لا يمكنها أن تتوسّع في المنطقة، لا عُمق جغرافي لها، لا ديموغرافيا، لا ميزة اقتصادية لها ولا قُدرة عسكرية لها على التوسّع في المنطقة. هذا الكيان لقيط، حين تأتي ببالي رخيص الثمن وتنفخه ينفجر في النهاية، بالضّبط هذا هو الكيان الصهيوني يمرّ بمرحلة انتفاخ، وهذا سيؤدّي إلى انفجار داخل الكيان وانهياره وزواله.

 

بيار أبي صعب: أنتقل إلى الأستاذ خليل التفكجي، رؤية إسرائيل الكبرى مُلازمة للمشروع الصهيوني منذ بداياته، من ثيودور هرتسل إلى جابوتينسكي وبن غوريون ومناحيم بيغن لكن قادة الكيان تجنّبوا استعمال المُصطلح لعقود منذ اتفاقية كامب دايفيد ربّما، كيف تقرأ استعادته اليوم؟ هل هي شعبوية لإرضاء الشريحة المُتشدّدة في الكيان أم سعي لتثبيت مُعادلات جديدة على خلفيّة التوحّش الإسرائيلي المُتصاعِد؟

 

خليل التفكجي: بالنسبة للجانب الإسرائيلي هذا ما وضعه على العملة الإسرائيلية في البداية عندما تكلّم عن إسرائيل الكبرى التي تمتدّ من النيل إلى الفرات، وأيضاً العَلم الإسرائيلي من النيل إلى الفرات. كما نلاحظ الآن بالنسبة للجانب الإسرائيلي أنه استغلّ قضية الاستيطان والاستعمار الإسرائيلي والإحلال من أجل أن يحوّل القضية من مُستعمِر ومُستعمَر إلى قضية دينية لأنه هنا سيكسب أكثر مما إذا كان هناك احتلال إسرائيلي، بدأ منذ عام 1948 واستمرّ حتى هذه اللحظة بالإضافة إلى طرد السكان الفلسطينيين والإحلال الإسرائيلي. في نفس الوقت أيضاً هو يريد أن يكتسب ما نُطلق عليه إسم المسيحية الصهيونية التي تعتمد على هذا الموضوع بتجميع اليهود في هذه المنطقة لنأتي في القضية الدينية، وبالتالي نحن كفلسطينيين أو كعرب في حال تحويل الصراع ما بين الاحتلال والمُحتلّ فبالتالي تحويل هذا الموضوع إلى قضية دينية سيكونوا خاسرين لأن القضية هي أكبر مما هو موجود حالياً لأن الصِراع بين الفلسطينيين والعرب بينهم وبين ليس صِراعاً دينياً بمقدار ما هو صراع على المكان والحيّز بحيث أن الجانب الإسرائيلي يريد أن يطرد وينفّذ تطهيراً عِرقياً عِرْق لكل التجمّعات الفلسطينية وكل المدن الفلسطينية والإحلال الإسرائيلي. الجانب الإسرائيلي الآن يعمل على هذه القضية أولاً في القضايا الدينية بحيث أن عملية الليّ لقضية الأساطير الدينية التوراتية ووضعها واستخدامها للقضايا السياسية. نتنياهو عندما تكلّم بهذا الموضوع انطلق من ثلاث نقاط رئيسية، النقطة الأولى أنه ليس من المؤسّسة العسكرية، هو مؤسسّة دينية سياسية. الجانب الآخر من هذا الموضوع والده بنتسيون الذي كان يغذّيه بهذا الموضوع، وثالثاً هي قضية أخيه الذي قُتِل في عنتيبي في تلك الفترة. وبالتالي قضية الثأر والانتقام واستخدام الدين وفي نفس الوقت أيضاً ما تمّ تدميره من الجيوش العربية سواء كان الجيش العراقي عندما تمّ تدميره بالكامل والجيش السوري تمّ تدميره بالكامل، وأيضاً ارتباط هذه المواضيع بمعنى ارتباط قضية تمديد الغاز إلى مصر وتمديد الغاز والمياه إلى الأردن، ليس الاستعمار كما ذكر زميلي بهذا الموضوع، هو تكلّم عن قضية أن الاحتلال سيكون احتلالاً عسكرياً، هو لن يحتاج إلى احتلالٍ عسكري بل هو احتلال اقتصادي كما قال بيريز وفي نفس الوقت أيضاً استخدام التوراة. تذكرون ما حدث في جنوب لبنان عندما ذهب بعض الخبراء لرؤية بعض بقايا اليهودية في تلك المنطقة، وأيضاً في قضية جنوب سوريا وغرب عمّان التي يُسمّيها جبال جلعاد أو البلقاء. في حقيقة هذا الموضوع الذي نتكلّم عنه هو استخدام الدين، وترامب وبايدن من قبله كانا يؤيّدان هذا الموضوع ودعما إسرائيل بشكلٍ كبير جداً. 

 

بيار أبي صعب: أذهب إلى القاهرة، أستاذ السيّد شبل من وجهة نظرك هل كلام نتنياهو مجرّد خطابٍ عابرأم ينطوي على تهديداتٍ جدّية خصوصاً وأن ترامب عرّاب الإبادة في غزّة بدأ عهده الثاني في البيت الأبيض بتصريحٍ عن حاجة إسرائيل إلى التوسّع الجغرافي، عِلماً أن التطوّرات الميدانية والمُعطيات الجيوسياسية المُتغيّرة تشكّل مؤشّراتٍ مُقْلِقة في هذا السياق؟

 

السيّد شبل: في البداية تحيّة لحضرتك ولضيوفك الكرام. بخصوص كلام بنيامين نتنياهو الأخير على مدار الشهر الجاري هو كلام استثنائي لأنه لم يحدث أن تفوّه رئيس لحكومة الاحتلال بهكذا تصريح بهذه الصراحة. هو يتحدّث بوضوحٍ عن تبنّيه أخلاقياً وروحياً وسياسياً لمسألة إسرائيل الكبرى التي تمتدّ من النيل إلى الفرات بحسب ما ورد في الأسفار اليهودية سواء سَفْر التكوين أو سَفْر يشوع أو يوشع إبن نون، فإذاً الرجل يكشف عن نيّاته الحقيقية وعن توجّهاته أو مبادئه التي يؤمن بها والتي يشرع لاتخاذ خطوات باتجاه تنفيذها. خطاب نتنياهو أو تصريحاته لها بُعدان، بُعد شعبوي وبُعد واقعي، البُعد الشعبوي أن الرجل يشعر بأنه لم يحقّق مشروعه بالكامل داخل قطاع غزّة، في النهاية أهل غزّة يتمسّكون بأرضهم، تمّ إفشال مُخطّط التهجير سواء من داخل فلسطين أو من الدول العربية المجاورة لفلسطين، فبالتالي مشروع التهجير فشل. المقاومة الفلسطينية رغم كافة الصعوبات ورغم حملات التجويع والتشويه مُستمرّة في اصطياد الجنود والضبّاط الإسرائيليين وتسجّل عمليات قوية ضدّ جيش الاحتلال الإسرائيلي. إذاً مشروع بنيامين نتنياهو داخل قطاع غزّة فشل،إذا اعتبرنا أن سَفْك دماء الأطفال والنساء هو انتصار فهو مُنْتَصِر لكنه مُنْتَصِر في الإبادة، مُنْتَصِر على درب هتلر لكنه ليس مُنْتَصِراً سياسياً ولا عسكرياً، وجيش الاحتلال الإسرائيلي مصيره أن يخرج من قطاع غزّة بالتأكيد لأنه لن يصمد لحساباتٍ ليست أخلاقية بالتأكيد بل لحساباتٍ سياسيةٍ وعسكرية، إسرائيل لن تتحمّل الوجود العسكري الدائم داخل قطاع غزّة ولن تستطيع إنشاء مُستوطنات كما كانت الحال قبل 2005 لأنها لن تستطيع تأمينها لا أمنياً ولا اقتصادياً. أعتقد أن البُعد الشعبوي في خطاب بنيامين نتنياهو أنه يريد أن يكسب أرضيّة داخل معسكر اليمين الإسرائيلي المُتطرّف الذي يمثّله الوزيران سموتريتش وبن غفير، هؤلاء لهما جمهور واسع داخل إسرائيل وهو يريد أن يكسب أرضيّة ضمن الجمهور ويريد أن يحافظ على أنصاره الذين يتبنّون أفكاراً دينية مُتطرّفة وأفكاراً قومية عِلمانية مُتطرّفة. في النهاية هذا الجمهور الواسع داخل إسرائيل يؤمن بفكرة التوسّع حتى خارج فلسطين التاريخية، هذا هو البُعد الشعبوي. أما البُعد الواقعي لا يمكننا أن ننكر أن إسرائيل حازت قَدْراً من الانتصارات خلال الفترة الماضية سواء بسقوط النظام السوري وتولّي قيادات سياسية أخرى لها أفكار دينية مُتطرّفة ولديها استعداد لنَسْج علاقات طبيعية مع تل أبيب. وباستشهاد السيّد حسن نصر الله وتغيُّر المزاج العربي بدرجةٍ أو بأخرى تجاه القضية الفلسطينية، فإذاً الأمور تغيّرت. ربّما ما عطّل النَشْوة الإسرائيلية أو نَشْوة اليمين الإسرائيلي أو إحساس معسكر اليمين داخل إسرائيل بالانتصار هي الجولة العسكرية التي خاضوها ضدّ إيران خلال شهر يونيو حزيران الماضي لأن إيران بصراحةٍ حقّقت إنجازاً عسكرياً كبيراً جداً وكَبَحت جَماح شهيّة إسرائيل، وهذا هو الدرس العربي المهمّ. كانت الدول العربية في الحقيقة تريد أن تمنع مشروع إسرائيل الكبرى فعليها أن تدعم المقاومة الفلسطينية.

 

بيار أبي صعب: أستاذ شبل إسمح لي بأن أقاطعك لأن لديّ سؤال لاحِق له بخصوص هذا الموضوع. ننتقل إلى فقرة "على محمل النقد"، يتحدّث فيها علي حيدر الخبير في الشؤون الإسرائيلية مُعتبراً أن تصريح نتنياهو رسالة مفادها أن المرحلة والظروف السياسية وموازين القوى في المنطقة تسمح بالانتقال إلى مرحلةٍ جديدةٍ من التوسّع في اتجاه =مشروع إسرائيل الكبرى، نستمع معاً إلى الأستاذ علي حيدر.

 

علي حيدر: في الواقع إن مسألة إعادة تظهير وتعويم مفهوم إسرائيل الكبرى ينطوي على أكثر من بُعدٍ ورسالةٍ في نفس الوقت، منها ما يتعلّق بالمضمون ومنها ما يتعلّق بالتوقيت، فعلى مستوى المضمون قد يُفاجَأ البعض عندما نقول بأن مسألة إسرائيل الكبرى ليست مفهوماً جديداً أو شعاراً جديداً أو طرحاً جديداً في الأدبيات الإسرائيلية وإنما هو يكمُن في خلفيّة طرح الحركة الصهيونية، ولا يختلف فيها العِلماني عن الديني إلا في مدى تظهير هذه المسألة أو العِلماني الصهيوني والدين الصهيوني أو بمدى تصلّبه بها أو تقديره للمرحلة التي هو فيها. بمعنى أن بن غوريون العِلماني نفسه عندما بدأ بإعلان دولة إسرائيل أعلن بشكلٍ واضحٍ أو بدأ بتنفيذ المشروع، تحدّث على أن مشروع إسرائيل لا يتحقّق إلا على مراحل. وإذا لاحظنا التاريخ الإسرائيلي نجد عملياً بأن إسرائيل تُنشئ مشروعها أو تحقّق مشروعها على أرض الواقع على مراحل بدءاً من مشروع التقسيم 1936 الذي وافق عليه بن غوريون ولكنه لم يتحقّق إلى مشروع التقسيم سنة 1947 الذي وافق عليه بن غوريون إلى حرب 1948 والتوسّع إلى حرب 1956 والتوسّع ثم التراجُع نتيجة الضغط السوفياتي والأميركي، إلى حرب 1967 وصولاً إلى حرب 1982. إذاً إذا ما استقرأنا التاريخ الإسرائيلي نجد عملياً أنّ ما تحدّث عنه نتنياهو هو عن مراحل تمرّ بها إسرائيل باتجاه إسرائيل الكبرى هي الواقع الحقيقي لإسرائيل ولكن المسألة تتعلّق بالتوقيت أكثر منها بالمضمون، بالصدى أو بهوية الشخص الذي تكلّم بمعنى أن يتحدّث عن هذا المشروع رئيس وزراء في منصبه في هذه المرحلة السياسية أحرج الكثير من الأنظمة العربية والقوى الدولية والإقليمية أيضاً. هذا من جهةٍ، من جهةٍ ثانية أنه يأتي في ظلّ مُتغيرات إقليمية ودولية تُعْتَبَر من منظورٍ إسرائيلي هي الأكثر مُلاءمةً للقفز إلى مرحلةٍ جديدةٍ في سياسة التوسّع باتجاه مشروع إسرائيل الكبرى، بمعنى أنه في الوقت الذي يتحرّك فيه على أرض فلسطين للتوسّع بمعنى ضمّ الضفة وتهجير غزّة للوصول إلى إسرائيل اليهودية الصهيونية ما بين البحر والنهر، أيضاً يتحرّك بشكلٍ موازٍ في جهة لبنان وسوريا في هذه المرحلة، بمعنى أنه يريد أن يُثبّت وقائع جديدة إذا ما تثبّتت سواء باتفاقاتٍ أو بقراراتٍ دوليةٍ أو بقرارات مجلس الأمن بغضّ النظر عن الصيغة ينتقل بعدها إلى مرحلةٍ اخرى للتوسّع ويبدأ الاستيطان. هكذا كان تاريخ إسرائيل وهكذا هو الآن تنفّذه إسرائيل بمعنى الاستراتيجية العامة. إذاً الخطورة أيضاً لا تكمُن فقط بأصل المشروع الذي هو ليس جديداً وإنما في توقيته السياسي وفي الوقت الذي تحاول فيه إسرائيل أن تنسج اتفاقات تسوية أبراهام وما شابَه على مستوى المنطقة. في هذا الإطار أيضاً  =يجب ألا نغفل أن اختيار نتنياهو لهذا الموقف في هذه المرحلة له أبعاد داخلية وخاصةً على القناة التي تحدّث من خلالها وهي القناة 14 التي تمثّل تيّار الصهيونية الدينية. في البُعد الداخلي أيضاً هناك رسالة من نتنياهو للجمهور اليميني الصهيوني المُتديّن وغير المُتديّن وإنما المُتصلّب الذي يُعرَّف بالمُتشدّد في الأدبيات الإسرائيلية أنه يجسّد طموحاتهم الأيديولوجية ويجسّد طموحاتهم على مستوى المرحلة. في الخلاصة نتنياهو المُشْبَع بالأيديولوجيا أيضاً هو نفسه يوجّه رسالة بأن المرحلة الآن والظروف السياسية وموازين القوى في المنطقة تسمح لنا بالانتقال إلى مرحلةٍ جديدةٍ بسياسة التوسّع باتجاه مشروع إسرائيل الكبرى. 

 

بيار أبي صعب: أستاذ أحمد إذا اعتبرنا أن إسرائيل الكبرى قائمة على نصوص توراتية تتحدّث عن أرض الميعاد لكن منطق الشرعية الدولية مختلف، من وجهة نظر القانون الضفة الغربية محتلّة بشكل من الأشكال، الجولان مُحتلّ، القدس الشرقية مُحتلّة، جنوب لبنان مُحتلّ، ماذا يحكم هذه المنطقة من العالم الوعود التوراتية أم القانون الدولي؟

 

أحمد الدبش: لا الوعود التورتية ولا القانون الدولي، قوّتك ومقاومتك وهزيمتك للعدو، ومن هذه النقطة أودّ أن أعقّب على ما قاله الأستاذ علي حيدر، أنا أتفق مع كل ما قاله ما عدا أن موازين القوى تسمح لنتنياهو أن يعمل إسرائيل الكبرى أو أن يتوسّع حسب فَهْمي. أنا فَهِمتُ أن موازين القوى الآن تسمح له بالتوسّع، موازين القوى لم تُحْسم لإسرائيل حتى الآن، نحن في معركة في قطاع غزّة منذ 22 شهراً لم يستطع العدو الصهيوني حتى اللحظة أن يفرض سيطرته على المقاومة، ولم يتمكّن من إلقاء القبض على مقاومين يرفعون الراية البيضاء. حتى الأسبوع الفائت نحن نشاهد عمليات مُتتالية ونوعية، فبالتالي العدو الصهيوني لم يحسم وضعه في قطاع غزّة.

 

بيار أبي صعب: ولكنه لم يقل عكس ذلك.

أحمد الدبش: هو قال إن موازين القوى تسمح له، قال يعتقد نتنياهو إن موازين القوى تسمح لهم. في قطاع غزّة موازين القوى لا تسمح له، أما في جنوب لبنان ورغم الضربة الكبيرة التي استهدفت السيّد الشهيد حسن نصر الله حصل خَلَل في جنوب لبنان.

 

بيار أبي صعب: خَلَل وخديعة لأنهم انقلبوا على الاتفاق. 

 

أحمد الدبش: هذا الوضع خلال 64 يوماً من الحرب البرّية صمدت المقاومة اللبنانية في الجنوب ولم يتمكّن الجيش الصهيوني من الدخول. لنعد بالذاكِرة إلى العام 1982 الجيش الصهيوني أصبح في بيروت بعد 13 يوماً، إذاً موازين القوى اليوم لم تكن لصالح العدو الصهيوني. في الوضع الإيراني قاتل الإيرانيون، صحيح أننا في الثمانية عشرة ساعة الأولى حبسنا أنفاسنا لكن الإيراني ضرب القلعة الأمنية الإسرائيلية في مَقْتَل.

 

بيار أبي صعب: إسرائيل ليست في الوضع الذي يمكّنها من فرض شروطها.

 

أحمد الدبش: وهنا أردّ على السيّد شبل حين قال إن إسرائيل حازت قَدْراً من الانتصار، هي لم تنتصر حتى الآن، المعركة لم تُحْسَم وموازين القوى لم ترجّح لكفةّ العدواني الصهيوني الأميركي. أما في ما يتعلّق بأن الخطاب التوراتي ليس له علاقة بالشرعية الدولية، أين هي الشرعية الدولية التي قسّمت فلسطين إلى دولةٍ يهوديةٍ ودولةٍ عربية، ما هذه الشرعية التي تعتمد عليها الأنظمة العربية أو بعض العرب المُثقّفين والنُخَب ممّن يرضون بما تمنحه الشرعية الدولية. القرار 181 قسّم فلسطين، الكيان الصهيوني تمدّد أكثر من قرار التقسيم وأخذ 67  و 56، الكيان الصهيوني سيطر على 191 كيلومتراً مربّعاً من قطاع غزّة، مساحة قطاع غزّة كانت 580 كيلومتراً مربّعاً. بعد اتفاق الهدنة ما يسمّى باتفاقيات رودس أو الهدنة سيطر على 191 كيلومتراً، أين هي الشرعية الدولية؟ اذكر لي قراراً واحداً التزم به العدو الصهيوني، إذاً لنضع الشرعية الدولية جانباً. في ما يخصّ الأساطير التوراتية والقصص التوراتية اعرضها على عِلم الآثار والعِلم النتيجة صفر، لا يوجد لها أيّ دليل ووجود تاريخي.

 

بيار أبي صعب: وأنت لديك كتاب مرجعي في هذا الموضوع. أستاذ خليل التفكجي المشهد اليوم في مُنتهى العبَثيّة، من جهة الإبادة مشاريع نتنياهو التوسّعية، احتلال الأراضي وطرد أهلها والاستيطان في الضفة ناهيك عن مشاريع تهويد القدس وغيرها، ومن جهةٍ أخرى رأينا أن عدداً كبيراً من دول العالم اجتمعت في الأمم المتحدة في نيويورك وستجتمع مجدّداً في سبتمبر المقبل لمناقشة حلّ الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين، هل هذا فِصام أم خُبث أم إنكار للواقع أم ماذا؟ 

 

خليل التفكجي: كخبيرٍ لا يمكن إقامة دولة فلسطينية اليوم أو إقامة دولة فلسطينية إلى جانب الدولة العبرية في داخل الضفة الغربية، هذا من المُستحيلات والسبب في ذلك أن قضية الاستيطان التي انتشرت بعد أوسلو بشكلٍ كبيرٍ جدّاً، الجانب الاسرائيلي استغلّ قضية أوسلو من أجل توسيع الاستيطان، ولإعطائك أرقاماً بهذا الموضوع كان عدد المُستوطنين عندما دخلنا أوسلو وعملية السلام كان 115، أما اليوم فنتحدّث عن 517 ألف مُستوطن في الضفة بالإضافة إلى 235 ألف مُستوطن في القدس. انتشار هذه المُستوطنات الإسرائيلية بالإضافة إلى تنفيذ المشاريع الإسرائيلية سواء كانت مشاريع الطرق التي تُقطّع شمال الضفة الغربية من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها بحيث أصبحت الضفة الغربية اليوم مُقطّعة الأوصال وكل التجمّعات الفلسطينية أصبحت مُحاطة بالمُستعمرات الإسرائيلية والشوارع التي تخدم المُستوطنين. فبالتالي الجانب الإسرائيلي استغلّ قضية ما نُطلق عليه إسم السلام من أجل تنفيذ كل المشاريع. أنا لا أفرّق ما بين نتنياهو وما بين اليسار الإسرائيلي واليمين الإسرائيلي، الفرق الوحيد ما بين الطرفين أن اليسار الإسرائيلي كان يُنفّذ لكن لا يتكلّم يعني تباكى على السلام ولا تعمل به، بينما اليمين الإسرائيلي يعمل ويتكلّم، هذا هو الفرق الوحيد لأن الأيديولوجيا الإسرائيلية أو اليهودية سواء كانت من الأحزاب اليمينية أو اليسارية هي التي وضعت مشروع ألون وهو يُشكّل حوالى 27% من مساحة الضفة الغربية التي هي غَوْر الأردن بالإضافة إلى القدس ومنطقة كتلة عتصيون في الجزء الجنوبي من الضفة الغربية، وما جاء في أوسلو في المنطقة C التي تمّ تحويلها إلى مناطق تحت السيطرة الإسرائيلية. عندما نتكلّم اليوم عن قضية الاستيطان الذي استشرى داخل الضفة الغربية بشكلٍ كبيرٍ جدّاً، عملية إقامة دولة فلسطينية، سأعطيك أرقاماً من أجل المُشاهدين، المناطق المبنية من المُستعمرات، إذا جمعنا 160 مُستعمرة إسرائيلية وأقصد هنا المدن لا تتعدّى 1.6 بالمئة من مساحة الضفة الغربية. مُخطّطاتها الهيكلية المُستقبلية ستة بالمئة لكن عملية الانتشار، القضية ليست المناطق المبنيّة إنما هي عملية الانتشار لأنها أُقيمت فوق الخط الأخضر، أقيمت في ظهر الجبل، أقيمت في الأغوار وبالتالي أمسكت مفاصِل الضفة الغربية بحيث أن أية دورية إسرائيلية تستطيع أن تُغْلِق أية منطقة في الضفة الغربية كما يحدث الآن. إذا اتّجهتَ باتجاه منطقة الشمال يُغْلق عليك حاجز زعترة، وإذا اتّجهتَ نحو الجنوب يُغْلق عليك حاجز صغير بجنديين، يُغْلق جنوب الضفة الغربية عن شمالها الذي هو "الكونتينر". الحديث عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبرالسؤال الذي يُطرح هو أين ستُقام هذه الدولة الفلسطينية.

 

بيار أبي صعب: أستاذ شبل كتبتَ قبل أيامٍ على موقع الميادين أن إسرائيل ترى نفسها دولة فوق الإقليم، مُهمّتها ليست حماية حدودها بل فرض واقع جديد يضمن لها النفوذ على شرايين التجارة والطاقة والتحكّم في قرارات العواصم العربية. إلى أيّ مدى سينجح الكيان في فرض هذا الواقع الجديد بتقديرك؟

 

السيّد شبل: أنا أعتقد أن إسرائيل لا تستطيع التلويح بالخيار العسكري، إسرائيل لا تستطيع أن تتوسّع عسكرياً خارج نطاق فلسطين التاريخية، هي ستُعزّز توسّعها في الضفة الغربية تحديداً مُستغلّةً الثغرات الموجودة أو المُشكلات الموجودة في اتفاقية أوسلو منذ البداية وسيطرتها على ستين في المئة من مساحة الضفة الغربية، هذا سيسمح لها بالتوسّع العسكري وتشييد مزيد من المُستوطنات بالتأكيد بدعمٍ من اليمين الإسرائيلي مُمثّلاً تحديداً بوزير المالية الذي يتولّى بعض المهمّات في وزارة الحرب أو وزارة الدفاع باتّخاذ قرارات مثل مشروع E1 وما إلى ذلك لتعزيز التواجُد الاستيطاني والتواجُد العسكري داخل الضفة الغربية. في المحيط العربي لا أعتقد أن =إسرائيل قادِرة على التوسّع العسكري ولكن القادة الإسرائيليين يلوّحون بورقة التوسّع العسكري وعيونهم على المشروع السياسي، وهذا هو الفخّ الذي تسقط فيه معظم الأنظمة العربية عبر التخويف بإمكانية التوسّع والتوغّل العسكري وتنفيذ ضربات خارج نطاق فلسطين التاريخية، تُهِرْول الأنظمة العربية متسرّعة نحو التطبيع السياسي والاقتصادي. هناك مشاريع اقتصادية عديدة تُشرف عليها إسرائيل وتمّ تسويقها عبر الإعلام الغربي وللأسف عبر بعض منصّات الإعلام العربي باعتبارها واحةً للنمّو الاقتصادي والتفوّق التكنولوجي، هذا سمح لها بالتوغّل والاختراق للعديد من الدول العربية في هذه المجالات تحديداً، هذا بعيداً عن مسألة التَغَلْغُل الأمني أو الاستخباراتي أو محاولة الاختراق الثقافي. هذا جانب آخر لكن في المسائل الاقتصادية منذ السبعينات ولاحقاً راجت مفاهيم غريبة جدّاً على المجتمعات العربية حول فكرة تفوّق العنصر اليهودي جينياً وهذه مسألة عُنصرية بطبيعة الحال، وتفوّق إسرائيل باعتبارها امتداداً للثقافة الغربية أو للحضارة الغربية. هذا يسمح لها الآن بالتواجُد في العديد من الدول العربية والسيطرة بالفعل على العديد من الشرايين التجارية، وهذا بالتأكيد سيجرّنا إلى أحد محاور برنامجك بخصوص مشروع التمدّد باتجاه سوريا، ممر داود وهذا بالتأكيد يستهدف المناطق النفطية في سوريا وفي شمال العراق أيضاً. هناك أيضاً مسألة السيطرة على غاز شرق المتوسّط، هو غاز فلسطيني مسروق في الحقيقة لكن إسرائيل تطرح نفسها باعتبارها قُطباً في قيادة مسألة تصدير الغاز إلى أوروبا عبر وسطاء عرب للأسف. فبالتالي إسرائيل عبر طرح مسألة التفوّق التكنولوجي أو التفوّق العِلمي أصبحت تتوغّل وتخترق العديد من الدول العربية، تُدير العديد من الشركات في عواصم خليجية معروفة أو في عواصم عربية كبرى، هذه هي المسألة التي أتصوّر أن إسرائيل الكبرى لن تكون كذلك بالمفهوم العسكري بمعنى أن الجيش الإسرائيلي أو جيش الاحتلال سيتواجَد بين الفرات والنيل لكن إسرائيل ستكون موجودة عبر خبرائها الاقتصاديين وعبر رجال سياستها، هذه هي مسألة النفوذ الإسرائيلي. 

 

بيار أبي صعب: أستاذ سيّد شبل اتّضحت الفكرة، أعزّائي المشاهدين نتوقّف مع فاصل قصير ثم نعود.

أهلاً بكم مجدّداً أعزّائي المشاهدين في هذه الحلقة من "على محمل الجد"، إسمحوا لي أن أعيد الترحيب بضيوفي: أحمد الدبش في بيروت، وخليل التفكجي في القدس المُحتلّة، والسّيد شبل في القاهرة. قبل أيام كشف وزير المال في الكيان بتسلئيل سموتريتش عن نيّته إحياء المُخطّط الاستيطاني E1 المُجمّد منذ ثمانية وعشرين عاماً وهو يقضي على أية إمكانية لإقامة دولة فلسطينية، فلنشاهد معاً.

 

أستاذ خليل التفكجي إحياء مشروع الاستيطان القديم E1 يعني فصل شمال الضفة عن جنوبها وعَزْلها عن القدس الشرقية وتعديل الجغرافيا والديموغرافيا لبَسْط هيمنة الكيان، وكل ذلك يعني القضاء على ايّ أمل ولو بسراب الدولة الفلسطينية، هل يمكن أن تشرح لنا المُخطّط وخلفيّاته؟ أذكّر هنا أنك مدير دائرة الخرائط والمساحة في بيت الشرق بالقدس.

 

خليل التفكجي: سيّدي الكريم هذا المشروع طُرِح في العام 1994 وتمّت المُصادقة عليه في العام 1997 ثم تمّ تجميده منذ تلك الفترة حتى اللحظة. في الحقيقة ليست القضية أن هذا المشروع يفصل شمال الضفة الغربية، هذا أحد الاستراتيجيات، الاستراتيجية التي لا يعرفها أحد أو التي تبعُد كثيراً عن الإعلام العربي والأجنبي. هنالك ما نطلق عليها إسم القدس الكبرى أو متروبوليتان القدس. القدس الكبرى اليوم هي 1.2 من عشرة بالمئة من مساحة الضفة الغربية، مساحتها 126 كيلو متراً مربعاً الشرقية والغربية. اليوم الجانب الإسرائيلي بهذا الإطار سيُقيم القدس الكبرى عام 2050 ومن ضمن هذه المشاريع إقامة هذه الوحدات السكنية. في اللحظة التي كان فيها سموتريتش يعلن عن إقامة هذه المُستعمرة الإسرائيلية التي تمّ تجميدها منذ فتراتٍ طويلة كانت تُطرح عطاءات على هذه المُستعمرة لبناء 3522 وحدة سكنية، نحن نتحدّث تقريباً عن سبعة آلاف وحدة سكنية. القدس الكبرى بالمفهوم الإسرائيلي تعادل عشرة بالمئة من مساحة الضفة الغربية، فبالتالي القدس ستكون في قلب الدولة العبرية وليس مدينة هامشيّة كما كانت موجودة ما بين 1948 و1967. أيضاً توسيع الممرّ الواصل ما بين منطقة يافا باتجاه غوْر الأردن، كان هنالك ممرّ ضيّق، كانت القوافل الإسرائيلية تأتي إلى مدينة القدس عبر طُرُق التفافية حتى تصل، وبالتالي من أجل حماية هذه المدينة أو هذه العاصمة من أيّ هجوم داخلي أو خارجي تمّ بناء مُستوطنات وإحاطتها من جميع الجهات كالحلقات سواء كانت موجودة اليوم في داخل حدود البلدية أو ما ستكون مستقبلاً. القدس التي نتكلّم عنها اليوم تتجه باتجاه غوْر الأردن، هنالك سيُقام أكبر مطار لاستقبال 35 مليون مُسافر و12 مليون سائح. سيتمّ تهجير كل السكان أو التجمّعات البدوية في هذه المنطقة. إذاً نحن الآن نتكلّم عن عملية طرد وإحلال، طرد السكان الفلسطينيين وإحلال إسرائيليين. أيضاً في هذه المنطقة بدأت بإقامة البنى التحتية للشوارع العريضة وأيضاً السكك الحديدية والمياه التي تخرج الآن من هذه المنطقة من أجل توسيع المُستعمرات الإسرائيلية وهي خمس مُستعمرات إسرائيلية أكبرها معاليه أدوميم التي يبلغ عدد سكانها تقريباً أربعين ألف نسمة وتُعتبر أول بلدية. فبالتالي عندما تتكلّم عن قضية فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، كل الإعلام العربي ركّز على هذه المنطقة من دون أن يتكلّم عن قضية القدس.

 

بيار أبي صعب: أستاذ أحمد الدبش ردود فعل العرب على تصريحات نتنياهو وإعلان سموتريتش اقتصرت على البيانات والاستنكار والتحذير إلى آخره، هل تعتقد بأن العرب واعون لهَوْل الخطر الذي قد تتعرّض إليه دولهم؟؟

 

أحمد الدبش: أعتقد أن الوضع العربي منذ سبعة أكتوبر هو دون المستوى ولم يصل الوضع إلى مستوى أدنى على مدار 76 عاماً من الصِراع مع العدو الصهيوني إلى ما وصل إليه على مدار 22 شهراً. العرب لم يُدْخِلوا الطعام أو الشراب إلى قطاع غزّة ولم يستطيعوا كَسْر الحِصار.

 

بيار أبي صعب: غير قادِر وغير راغِب أيضاً.

 

أحمد الدبش: لنقل غير قادر.

بيار أبي صعب:  لقد تجاوزنا فكرة التعاطُف مع الشعب الفلسطيني.

 

أحمد الدبش: لنضع الشعب الفلسطيني جانباً، ارتميتَ في حضن العدو الصهيوني وعقدتَ معه اتفاقيات تحت مُسمّى وطبّعتَ العلاقات معه وفتحتَ منزلك وغرفة نومك للإسرائيليين. اليوم نتنياهو يقول نتنياهو إنه سيعمل على تأسيس إسرائيل الكبرى، البزّات العسكرية للجيش الصهيوني بالمناسبة عليها خارطة من النيل إلى الفرات، هذا تهديد وجودي لك، دعمك للشعب الفلسطيني ووقوفك مع المقاومة في قطاع غزّة أو في لبنان أو في أيّ مكان ليس دعماً بداعي الشفقة أو لاستجداء الطعام كما هي حال بعض التصريحات =الدول العربية. دعمك هو للدفاع عن حدودك. على العرب أن يفهموا أن سقوط المقاومة في قطاع غزّة أو في لبنان هو سقوط للنظام الرسمي العربي. 

 

بيار أبي صعب:  أستاذ السيّد شبل نعود إلى فكرة التوسّع التي تشكّل حجر الأساس في المشروع الصهيوني، يَكثُر الكلام عن ممرّ داوود الذي ذكرته قبل قليل وهو حجر أساس في الحرب التجارية على الصين، سيُعاد رَسْم الخرائط بدءاً من الجنوب السوري كما يشتهي الإسرائيلي وعرّابه الأميركي وتقسيم المنطقة إلى دويلاتِ مذهبية مُتناحِرة تطلب حماية الكيان وتساعد في تمدّده وتؤمّن له طُرُق الطاقة والتجارة، ما رأيك. 

السيّد شبل: مشروع داوود هو في الأساس يستغلّ فكرة الانهيار الذي حصل في الدولة السورية، الانهيار لم يبدأ في نهاية العام 2024 بل هو بدأ منذ المُخطّط في 2011 الذي استهدف سوريا ويستهدف دولاً عربية أخرى. في النهاية أصبحت سوريا كواقعٍ مُقسّمة إلى مناطق ذات طابع طائفي أو =عِرقي على عكس تاريخ الدولة السورية الذي كان يتّسم بالوطنية والوحدة واللحمة التاريخية التي واجهت الاستعمار الفرنسي منذ عقود وظلّت مُتماسِكة وكانت مُتوحّدة وكانت تُنادي بالوحدة العربية ووحدة الأقطار العربية ككلٍ وليس وحدة سوريا فقط، أصبحت سوريا مُقسّمة بين أعداء إقليميين في شمال سوريا أو بمُخطّطات الغربية الصهيونية الواضحة. الآن إسرائيل تستغلّ حال الفراغ السياسي والفراغ العسكري، تمّ تدمير أكثر من 90% من مُقدّرات الجيش السوري في ديسمبر 2024 وأصبح الجيش السوري تقريباً خارج الخدمة، حتى أسلحة الدفاع الجوّي التي كانت تقاوِم أو تواجِه الطيران الأميركي الذي يقوده إسرائيليون على مدار الأعوام الفائتة أصبحت خارج الخدمة نتيجةً لتدمير مُقوّمات الجيش السوري ونتيجة لتسريح الضبّاط السوريين الذين خاضوا حرب 1973، حرب تشرين العُظمى،  حرب تشرين التحريرية وحرب أكتوبر هم أنفسهم مَن انتصروا على إسرائيل في أكتوبر انتقمت منهم إسرائيل في 2024. تلك الحال من الفراغ السياسي والفراغ العسكري تستغلّها الآن حكومة بنيامين نتنياهو بدعمٍ من اليمين الإسرائيلي. هم يريدون التمدّد عبر محافظات الجنوب السوري سواء القنيطرة ودرعا والسويداء والامتداد عبر بادية حمص ثم صعوداً نحو شمال شرق سوريا حيث دير الزور ثم العبور إلى المناطق الكردية التي هي بالتأكيد تحت رعاية أميركية وتتواجَد فيها القواعد الأميركية ثم العبور نحو كردستان العراق. بالتأكيد هم سيتمدّدون عبر عُملاء أو حلفاء لهم داخل تلك المناطق، اجتذبتهم الدعاية الأميركية والإسرائيلية، في الأساس ما يحدث هو نِتاج انهيار مفهوم الدولة الوطنية العربية. الانهيار الذي حدث بالتدرّج منذ العام 2003 مع العراق ثم مع الربيع العربي بين قوسين في 2011 أثمر في في النهاية حال التفكك تلك التي تستغلّها إسرائيل. إسرائيل برعايةٍ وتخطيط أميركيين تستهدف المناطق الغنيّة بالنفط في شمال شرق سوريا، هذا هو الهدف الأول وهذا يُعيدنا إلى مسألة السيطرة الاقتصادية الإسرائيلية لكن هناك هدف آخر عبر السيطرة على الحدود العراقية السورية، هي في النهاية تقطع التواصُل بين محور المقاومة وهذا هدف استراتيجي كان مُخطّطاً له من البداية منذ سقوط النظام السوري، قَطَع التواصل بين محور المقاومة، بين قلبه في طهران وساحاته سواء في لبنان أو في سوريا أو في غزّة وهذا سينعكس سلباً على المقاومة الفلسطينية بالتأكيد والمقاومة في جنوب لبنان. مؤكَّد فبالتالي المُخطّط الإسرائيلي له بُعد اقتصادي وبُعد عسكري.

 

بيار أبي صعب: أستاذ خليل التفكجي سؤال أخير، ماذا بقي مما يُسمّى اتفاقيات السلام؟ أظنّ أنك كنت ضمن الوفد الفلسطيني لمُفاوضات السلام، ماذا بقي من أوسلو اليوم؟ ماذا بقي من وادي عَرَبة بل ماذا بقي من كامب ديفيد إذا كانت طريق إسرائيل الكبرى ستمرّ في سيناء؟ وما معنى الاستمرار في التسويق لاتفاقات أبراهام؟ أيُّ سلامٍ ممكن مع هذا الكيان الاستعماري الاستيطاني؟ ربما كان البعض لا يعبأ للأسف بإبادة الشعب الفلسطيني وتسوية القضية الفلسطينية لكن هناك دول عربية عدّة مُهدّدة الآن بالتفكّك والاحتلال. 

 

خليل التفكجي: بدايةً هي تحويل الدول العربية إلى دول طوائف أي أن كل طائفة تملك منطقة معيّنة كما طرحها مردخاي كيدار وهو مُسْتَشْرِق إسرائيلي بإقامة دولة الإمارات في داخل الضفة الغربية بمعنى أن كل مدينة لها مختارها أو طائفتها وعلى علاقة ودّية مع إسرائيل وعلى عداء مع الدولة الأخرى. في الحقيقة قضية المُفاوضات أن الجانب العربي والفلسطيني بالذات لم يعرف أن الإسرائيلي لا يلتزم بالاتفاقيات بل هي عملية استراحة جندي، ما حصل أن العرب دفعوا الفلسطينيين للدخول في أوسلو ومؤتمر مدريد من دون أن يكون هنالك استعداد من الجانب الفلسطيني. صحيح أنني كنتُ في الوفد المُفاوض وأصدرتُ كتاباً باللغة الفرنسية حول موضوع المُفاوضات، ليس الفنيين الذين يعملون أو الحقوقيين أو القانونيين بل الذي كان يتآمَر هم السياسيون من أجل الرجوع، وبالتالي الرئيس لم يكن رئيساً بل رئيس مجلس إدارة، 
 وأيضاً الوثيقة التي تحملها كفلسطيني اليوم هي وثيقة وليس جواز سفر، والسلطة الفلسطينية وليست السلطة الوطنية الفلسطينية. عندما تتكلّم اليوم حول ما يحدث في قضية السلام كما ذكرتً في بداية حديثي، تتعامل كما قال بن غوريون تباكى على السلام الذي تعمل به. اتفاقية وادي عَرَبة على سبيل المثال شُطِبَت بشكلٍ كبيرٍ جدّاً بالاعتداء على الأمن الوطني القومي الأردني، عندما اعتدوا على الأماكن المُقدّسة وسُحِبَت كل الامتيازات التي كانت بالرغم من أن هناك اتفاقيات، على الحكومة الإسرائيلية أن تحترم الوضع التاريخي للأردن وسيؤخَذ بعين الاعتبار في المرحلة النهائية. هذا ما يحدث الآن، في الحقيقة نحن دفعنا الثمن لأننا لم نقرأ الجانب الإسرائيلي بشكلٍ جيّد. 

 

بيار أبي صعب: شكراً أستاذ خليل، سؤال أخير لك أستاذ السيّد شبل أرجو أن تكون موجزاً، هناك ردّ عربي مُتوقّع حيث من الممكن تعليق اتفاقيات التطبيع، تجميد شركات اقتصادية، التحرّك على الساحة الدولية قانونياً وصولاً إلى إعادة خَلْط الأوراق والشراكات والتحالفات في المنطقة. أريد رأيك في فكرة التقارُب المصري الإيراني على سبيل المثال لو سمحت.

 

السيّد شبل: دعم كل أشكال المقاومة الفلسطينية وكل أشكال المقاومة الدولية والمقاومة الإقليمية للمشروع الأميركي لأن المشروع الإسرائيلي هو في النهاية مشروع غربي استعماري، لا يمكن أن يُتّخَذ قرار في تل أبيب إلا إذا رضيت عنه واشنطن، وتصريحات إسرائيل الكبرى بالتأكيد تمّت بعد التداول في الغُرف المُغلقة بين بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب. فبالتالي بما أن إيران هي التي تقود مشروع المقاومة الإقليمي في مواجهة القواعد الأميركية الموجودة وفي مواجهات السياسة الأميركية والمشروع الإسرائيلي الإحلالي الاستيطاني فبالتأكيد من مصلحة العرب جميعاً وفي مقدّمهم مصر فتح علاقات مع طهران. وأعتقد أن هدف هذا الأمر الآن هو الحفاظ على الدولة المصرية. في النهاية دعم كل مشاريع مواجهة الاستعمار الإسرائيلي ومواجهة مشاريع التفتيت الغربي لم يعد مُنطلقاً من مبادئ أخلاقية أو من أفكارٍ عروبيّة أو أفكار دينية بل أصبحت الحفاظ على الدولة الوطنية، أصبح والحفاظ على المليون كيلومتر مرّبع التي هي مساحة مصر يستلزم مواجهة المشروع الغربي ومواجهة المشروع الإسرائيلي بشكلٍ مباشر والتلويح من اللحظة بتجميد كل اتفاقيات التطبيع سواء في مصر 1979 وكامب ديفيد ووادي عَرَبة في الأردن للحفاظ على الدول العربية حتى بحدودها البسيطة الموجودة الآن.

 

بيار أبي صعب: شكراً لك. نختم معك أستاذ أحمد الدبش، هناك الكثير من وسائل الردّ الاقتصادية والقانونية والدبلوماسية وإلى آخره وأيضاً هناك المقاومة. هل ما زالت المقاومة هي أداة مواجهة هذا المشروع التوسّعي الذي هو إسرائيل الكبرى بايجاز؟

 

أحمد الدبش: مليون في المئة، إسرائيل والكيان الصهيوني يعتبر نفسه واحة الأمن والأمان. حين جاؤوا باليهود من كل العالم وَعَدَهم بن غوريون والقادة الصهاينة بأنهم سيكونون في أمنٍ وأمان، فلو ضُرِبَت هذه القلعة فإن الإسرائيلي لن يبقى بل سيهرب. علينا تفعيل مشروع المقاومة الذي سيُعطّل مُقرّرات خريطة إسرائيل الكبرى أو التوغّل أو التوسّع الإسرائيلي، ضرب المشروع الإسرائيلي وضرب رأس المشروع الصهيوني. استمرارية هذا المشروع هي في أن يشعر بالأمان، إذا شعر مَن في الكيان الصهيوني بالأمان فإن المشروع سيتمدّد ويتوسّع، لكن عليهم ألا يعيشوا بأمانٍ، الحلّ هو المقاومة سواءً في جنوب لبنان أو المقاومة الفلسطينية أو المقاومة في الضفة الغربية وحتى في فلسطين 48.

 

بيار أبي صعب: مسك الختام للمؤرّخ إيلان بابي "البديل من إسرائيل هو فلسطين حرّة من النهر إلى البحر، دولة ديمقراطية منزوعة الصهيونية تصحّح جرائم الماضي، يعود إليها اللاجئون ليعيشوا في مجتمعٍ لا يُميّز بين أفراده وتكون بداية عصرٍ جديد في المشرق العربي. شكراً لضيوفي أحمد الدبش، خليل التفكجي، السيّد شبل، شكراً على المتابعة وإلى الأسبوع المقبل.