يسري أبو شادي - كبير المفتشين السابقين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية
إلى أين تتجه العلاقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد العدوان الإسرائيلي على طهران؟ كيف تعاملت #إيران مع التزاماتها في الاتفاق النووي منذ توقيعه عام 2015 وحتى انسحاب الولايات المتحدة عام 2018، وما الذي ترتب على إخلال الترويكا الأوروبية برفع العقوبات؟ ما هي الشروط الثلاثة التي فرضتها دول "الترويكا" الأوروبية على إيران مقابل تأجيل تفعيل آلية الزناد؟ إلى أي مدى أسهم تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير، الذي وُصف بـ "المسيس والمنحاز"، في تغيير الموقف الدولي تجاه #إيران وفتح الطريق أمام تفعيل آلية الزناد ضدها؟
نص الحلقة
موسى عاصي: أهلاً وسهلاً بك دكتور يسري في هذا اللقاء السريع مع الميادين. نحن في وكالة الطاقة الدولية الآن وخلال الساعات المقبلة سيناقش المؤتمر السنوي العام مشروع قرار مُقدّم من قِبَل إيران، ما هي أهمية هذا المشروع؟ وماذا تتوقّع في التصويت غداً؟
يسري أبو شادي: في الحقيقة هذا المشروع يحصل للمرة الأولى لأن إيران تقدّمت بطلب إدانة العدوان الإسرائيلي الأخير عليها في يونيو وفي الوقت طالبت بحظر ضرب أية منشآت نووية في أية دولة في العالم تخضع لنظام الضمانات الذي من المُفترض أن يضمن سلمية وعدم ضرب أية منشآت نووية. الشكل العام للقرار بتقديري جيّد، من البديهي أن أية دولة في العالم وقّعت على نظام الضمانات هذا ولديها نوايا سلمية يجب أن تحظى بالحماية الدولية، ولكن طالما أن إسرائيل ضربت منشآت نووية ومعها أميركا فهذا يُشكّل مخالفة صريحة لكل المعاهدات، لكن الموافقة على القرار هي موضوع آخر لأن إسم إسرائيل مُدْرَج في القرار ويتضمّن إدانة لما حصل. من خلال متابعتي أمس واليوم لم ألمس إداناتٍ قوية للاعتداءات الإسرائيلية والأميركية بل على العكس فإن أوروبا اتّخذت موقفاً مُخالفاً وكأن إيران هي مَن خالفت الاتفاق وأن عليها أن تتعاون مع الوكالة وأن تُعيد التفتيش وإلا فإن آلية الزِناد التي قاموا بتفعيلها ستُسْتَكْمَل.
موسى عاصي: في حال يعني تمّ تبنّي هذا القرار ما هي التغييرات التي يمكن أن نراها على المستوى العملي؟ ما الذي يمكن أن يشكّله هذا القرار في حال تمّ تبنّيه من المؤتمر؟ هل سيمنع الاعتداءات؟
يسري أبو شادي: القرار سياسي إلى حدٍّ ما بالرغم من أن الوكالة لا يُفترض أن تتدخّل في الشؤون السياسية لكن في نفس الوقت من غير المعقول أن تقوم دولة بضرب منشآت نووية تحت التفتيش في بلدٍ آخر من دون محاسبة، نعود بالذاكرة إلى العام 1981 حين قامت إسرائيل بضرب المُفاعِل العراقي أوزيراك في جنوب بغداد ودمّرته، الموقف العام حينها كان مختلفاً كلياً وموقف الوكالة بصورةٍ خاصةٍ بما فيها أميركا روسيا والصين وكل دول العالم أدانت العدوان الإسرائيلي بل وتمّ تعليق عضوية إسرائيل ونشاطها النووي لمدة سنة كاملة، ونفس الأمر حصل في الأمم المتحدة، كان هناك إجماع من جميع الأطراف على إدانة الطرف المُعتدي.
موسى عاصي: اليوم الوضع تغيّر.
يسري أبو شادي: نعم، الوكالة أصدرت تقريراً يُشكّك في سلميّة برنامج إيران النووي، قيل إن هناك تسييساً للقرار وذكر أموراً قديمة وأعتقد أن مدير الوكالة شعر بتأنيب الضمير لاحقاً وبرأيي لم يكن موفّقاً في تقريره، وربّما الكثير من العاملين في الوكالة غير راضين عن هذا التقرير ولكن للأسف هذا التقرير كان هو مَخْلَب القطّ الذي جرّ المنطقة إلى ما وقع من أحداث لأن مجلس المحافظين استند إليه بأن إيران مخالفة للمعاهدة وبالتالي هدّدت بتحويلها إلى مجلس الأمن وتفعيل آلية الزيناد في 28 والتي ستنتهي في 27 سبتمبر على أساس إعطاء ثلاثين يوماً للمناقشات واحتمال التراجُع.
موسى عاصي: في هذه النقطة تحديداً بما أنك ذكرتَ موضوع إعادة فرض العقوبات الأممية، من خلال متابعتك هل سنصل في 27 سبتمبر لفرض العقوبات الأممية من جديد أم أن هناك مفاوضات تجرى يمكن أن تستبق الوصول إلى هذه المرحلة؟
يسري أبو شادي: حتى الأسبوع الماضي والمُفاجأة التي حصلت في القاهرة بوساطةٍ مصرية وبالاتفاق بين مدير الوكالة نفسه الذي حوله علامات استفهام كبيرة من قِبَل إيران. كان هناك اتّهام رسمي من إيران ضدّه إلى الأمم المتحدة لأنه خالف الكثير من الأمور لكن أن يقوم بالتوقيع على الاتفاق فهذه كانت حركة جيّدة للغاية ومنحت الأمل بإمكانية أن تسير الأمور بالاتجاه الصحيح. من الكلمات التي قيلت من المدير العام نفسه وغيره من الدول التي مدحت مصر وشكرت الرئيس السيسي بصورةٍ خاصة على هذا الاتفاق، لكنني كنتُ أتوقّع ردّ فعل اقوى خاصةً من الدول الغربية بأن يُذكر بأن إيران وافقت على إعادة المُفتّشين عِلماً أن إيران وضعت شروطاً في هذا الاتفاق.
موسى عاصي: هل هناك خلف الكواليس بحسب خبرتك ووجودك الدائم في الوكالة هل هناك وساطات فعلية تجري؟
يسري أبو شادي: هناك مفاوضات حالية بين الوزير عراقجي ووزراء أوروبيين، الأمور تسير ولكن الكلمات التي تابعتها منذ الأمس وحتى اليوم غير مُشجّعة وبصورةٍ خاصة من دول الترويكا، استمعتُ إلى كلمات فرنسا وألمانيا وبريطانيا التي كانت مُتشدّدة للغاية وأنه لا تراجع عن موضوع آلية الزناد إلا بشرط أن توافق إيران على الشروط التي وضعوها في =مقابل مُقترح تأجيل الموضوع لستة أشهر. هذا الاقتراح تقدّمت به روسيا أيضاً ولكن الفارق بأن روسيا لم تضع شروطاً.
موسى عاصي: ما هي هذه الشروط؟
يسري أبو شادي: الشرط الأول هو عودة المُفتّشين وقد ذهب مُفتشون بالفعل ويتمّ التحضير لزيارات أخرى، اتفاق القاهرة اشترط عدم استمرار الترويكا بنفس الشروط. ردّ الترويكا لم يكن مُشجّعاً لأنهم لم يكتفوا بزيارة منشأة واحدة بل جميع المنشآت، فإذا الشرط الأول يتحقّق جزئياً ولكنه يتطلّب وقتاً. الشرط الثاني هو استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة، وأعتقد أن هذه النقطة قابلة للتفاوض بالنسبة لإيران، وأنا أرى بأن الاتصالات الجارية حالياً تؤكّد بأن إيران مُستعدّة للتفاوض. النقطة الثالثة وهي الشرط الحقيقي للترويكا وللعالم كله وهو الكشف عن اليورانيوم المُخصّب وتحديد أماكنه والإشراف عليه من قِبَل المُفتّشين، هذه هي النقطة الخلافية.
موسى عاصي: الإيرانيون يخشون أنه في حال الكشف عن اليورانيوم أن تصل المعلومة إلى أميركا وإسرائيل.
يسري أبو شادي: إيران تريد ضمانات وهذا ما تجري مناقشته في القاهرة، وأعتقد أن مدير الوكالة تفّهم الضمانات المطلوبة. إيران تريد أن تكون هذه هي الورقة الأخيرة وهي لن تمانع.
موسى عاصي: الاتفاق الذي حصل في القاهرة عَلِمنا خطوطه العريضة، أن هناك تعاوناً بين الوكالة وإيران لإعادة المراقبة للوكالة على المنشآت الإيرانية كافةً كما قال رافايلو غروسي ولكن فحوى الاتفاق كيف سيُراقِب المُفتّشون المنشآت النووية؟ هل هم سيقومون بالتفتيش أم الإيرانيون وسيُقدّمون المعلومات للوكالة؟ هذا الأمر يبقى طيّ الكِتمان ولم نعرف به، ما هي معلوماتك حول هذا الموضوع؟
يسري أبو شادي: كل دولة عليها مسؤولية الإعلان عن منشآتها النووية، هناك ثلاثة مواقع تمّ تدمير أكثر من عشر منشآت نووية فيها على الأقل، وكانت تحتوي على مواد نووية خطيرة حوالى عشرة أطنان من اليورانيوم عالي التخصيب عدا عن اليورانيوم الطبيعي، نتحدّث عن أطنان، الدولة عليها أن تصرّح عن الكميات الموجودة لديها، إيران تقول إن هذه المنشآت استُهْدِفَت وبالتالي هناك مخاطر على الأفراد خلال عملية التفتيش وهذا يتطلّب وقتاً لكن على الوكالة أن تتعاون خطوة بخطوة مع إيران وهذا ما وافق عليه غروسي بشرط عدم الضرر. بتقديري أن إيران لا مشكلة لديها مع المنشآت التي استُهْدِفت والوكالة قد وافقت على زيارة المُفتشين لكن إيران تريد ضمانات كي تكشف على جميع منشآتها النووية مرة أخرى، هذه هي التفاصيل التي يفترض مناقشتها.
موسى عاصي: هل السيناريو هو أن يكون هناك مُفتشون دوليون يرافقون الجانب الإيراني أي أن الزيارات تقوم بتنظيم من الجانب الإيراني وليس كما كان يحصل في السابق. تعرف في السابق كان المُفتّشون الدوليون يقومون بزياراتٍ مُفاجئة.
يسري أبو شادي: مجهود إيران في التفتيش كان يقترب من 20% من مجهود الوكالة في العالم كله رغم أن إيران لا تمتلك سوى 2% من المنشآت النووية في العالم، معنى ذلك أن الوكالة تبذل مجهوداً لعشرة أضعاف من المجهود العادي الذي يُبذل في الدول الأخرى، هذا بسبب الاتفاق الماضي والخمسة زائداً واحداً، حتى بعدما انسحبت أميركا وخفّضت إيران، إيران تريد اليوم العودة للأصل الذي هو معاهدة منع انتشار الأسلحة. على سبيل المثال لو كان لديّ يورانيوم عالي التخصيب بكمياتٍ كبيرة فالمطلوب أن أزوره مرة شهرياً أما قانون الوكالة فيفترض التفتيش عدّة مرات فكان الحل بالعودة إلى الإجراء السابق.
موسى عاصي: للتفتيش الدوري.
يسري أبو شادي: المفاعلات النووية والوقود المُشعّ تفتيشه مرة كل ثلاثة أشهر، اليورانيوم مُنْخَفض التخصيب بحوالى ثمانية أو تسعة أطنان يُفتَّش مرة في السنة، المعدّلات الحقيقية للتفتيش في إيران أقل بكثير مما كانت عليه في السابق، أنا أطالب الطرفين بالعودة إلى الأصل وبأن يتمّ التفتيش وفقاً للاتفاق.
موسى عاصي: يعني باختصار شديد إيران العودة إلى الأسس التي قامت عليها الاتفاقات الدولية بالنسبة للمنشآت النووية التي هي تفتيش دوري مرة كل شهر أو مرة كل ثلاثة أشهر أو مرة كل سنة وليس البقاء الدائم للمُفتشين. هنا السؤال هل هذا الاتفاق في حال تمّ تطبيقه بهذا الشكل يُنهي مفاعيل ما تم ّالتفاهم عليه بين إيران والخمسة زائداً واحداً في اتفاق فيينا 2015 الذي كان يُتيح للوكلاء التفتيش بشكلٍ دائم والحضور الدائم.
يسري أبو شادي: مفاعيل ال 5+1 متوقّفة منذ انسحاب أميركا.
موسى عاصي: ولكن الغرب يتذرّع دوماً بأن إيران لا تطبّق اتفاق عام 2015 حتى اليوم.
يسري أبو شادي: بالعكس إيران بين بداية يناير 2016 وحتى انسحاب أميركا في 2018 بقيت إيران مُلتزمة بمفاعيل الاتفاق، الأمور كانت تسير بشكل طبيعي ولكن انسحاب أميركا مع عدم التزام الترويكا برفع العقوبات عن إيران فهذا إخلال كبير بالاتفاق، وبالرغم من ذلك إيران استمرّت منذ 2019 وحتى استهداف المنشآت كانت النسبة لا تزال 20%، ما زالت إيران هي الدولة الأكثر تفتيشاً في العالم، ولكن هذا لا يمنع من العودة مجدّداً إلى الاتفاق ولكن ترامب يقول إنه يريد القضاء على التخصيب، وبعدها بدأ بالتفاوض لخمس جولات على أساس تخصيب 3% وهذا ما كانت قد وافقت عليه إيران سابقاً، وإيران كانت قد وافقت على أمورٍ تتخطّى الخطوط الحمر .
موسى عاصي: سؤالي الأخير لك دكتور يسري وأنت الخبير المُخَضِرَم الموجود دائماً في الوكالة الدولية في حال وصلنا إلى نهاية هذا الشهر وإلى مُنتصف الشهر المقبل عندما تنتهي مفاعيل اتفاق فيينا 2015 بشكلٍ نهائي ورسمي ما المُتوقّع بعد هذا التاريخ؟ هل في حال لم يكن هناك اتفاق قبل تفعيل آلية الزناد يمكن أن نصل إلى المجهول؟
يسري أبو شادي: السيناريو الذي أتمنّى أن يُطبَّق الآن على الأقل والذي يعطي فرصة للتفاوض هو الاقتراح الروسي الذي ينصّ على تأجيل الموعد النهائي في 18 أكتوبر 2025 حتى ستة أشهر، وهذا ما قدّمته الترويكا ولكن الفارق أن الاقتراح الروسي من غير شروط أما اقتراح الترويكا فيتضمّن الشروط الثلاثة التي ذكرناها سابقاً. لننتظر ما سيحصل لأن الصورة ضبابية وإذا تمّ تفعيل العقويات فستسود التناقُضات في العالم على جميع المستويات، لا الصين ولا روسيا ولا إيران تعترف بأن المعاهدة قائمة بذاتها، وبالتالي لا يحقّ لمجلس الأمن أن يعيد العقوبات مرة أخرى وهنا سندخل في سِجالات قانونية، العملية كلها مرتبطة بما سيحدث غداً، هل سيكون هناك استمرار في التعنّت من قِبَل ال E3 وهل سيكون هناك استمرار في قوّة الشكوى الإيرانية.
موسى عاصي: تقصد تاريخ 27 سبتمبر.
يسري أبو شادي: المقصود هو القرار الذي تقدّمت به إيران للمؤتمر، إذا استمرّت الترويكا في رفض القرار أو إذا عدّلت إيران في القرار أو تقوم بسحبه وكأنه لم يكن، في هذه الحال يكون هناك أقل من عشرة أيام على الموعد النهائي وهو 27 سبتمبر لأنه إذا لم يتمّ التفاوض حتى هذا التاريخ فلا مجال لإعادة التفاوض مجدّداً وسيتمّ تفعيل آلية الزناد وستطبَّق العقوبات في 18 أكتوبر وستسود التناقضات عل مستوى العالم لأن روسيا ستعلن رفض القرارات ورفض شرعية آلية =الزناد وسترفض العقوبات، وأغلب دول العالم سترفض هذا القرار الذي يتضمّن حقّ أميركا وفرنسا بتفتيش المراكب الإيرانية وهذا سيخلق موقفاً عالمياً مُتأزّماً ونرجو ألا نصل إلى ذلك.
موسى عاصي: دكتور يسري الخبير في الشأن النووي والخبير في وكالة الطاقة الدولية شكراً جزيلاً لك.
يسري أبو شادي: عفواً.