أسامة حمدان - قيادي في حركة حماس

نص الحلقة

 

محمد زيني: أهلاً بكم مشاهدينا الأكارم إلى هذه المقابلة الخاصة عبر شاشة الميادين، نستضيف اليوم القيادي في حركة حماس أسامة حمدان. محور حديثنا سيكون الاتفاقات المطروحة وسُبل الوصول إلى وقفٍ للعدوان في هذه اللحظة بالِغة الخطورة والحساسية مروراً بواقع حرب التجويع والإبادة في قطاع غزّة وما تخلّفه من كوارث إنسانية بشكلٍ يومي. ولا بدّ من التوقّف عند الاعترافات الدولية المُتزايدة بدولة فلسطين وما تحمله من دلالاتٍ سياسية في مسار الصِراع. ومع تزايُد التصعيد الإسرائيلي في غزّة يتراكم التوتّر الإقليمي لا سيمّا مع تشديد الضغوط على مصر والتحريض الإسرائيلي ضدّها على خلفية رفضها تهجير أهل غزّة. وفي ظلّ تصريحاتٍ مُثيرة للجدل للمبعوث الأميركي توم برّاك وصف فيها السلام في الشرق الأوسط بالوَهْم، ورأى أن الحرب تنتهي بخضوع أحد الطرفين. نُجدّد الترحيب بكم وبضيفنا القيادي في حركة حماس السيّد أسامة حمدان، مرحباً بك على شاشة الميادين ونسأل بدايةً بعد اعتراف بعض الدول بفلسطين مؤخّراً، ما هي الخطوة التي تراها حماس مهمّة في هذا التوقيت ليُصبح هذا القرار وهذه الاعترافات بالدولة الفلسطينية موقفاً مؤثّراً؟

 

أسامة حمدان: بسم الله الرحمن الرحيم، تحيّة لك أخي الكريم وتحّية للقناة ولجمهورها الكريم. لا شكّ أن هذه الاعترافات التي تتوالى هي ابتداءً خطوة في الاتجاه الصحيح، صحيح أنها جاءت مُتأخّرة ومُتأخّرة جداً لكنها هي ناتِج عن حصيلة مقاومة الشعب الفلسطيني وصموده على مدى عقود، وبلا =شكّ محطّة المقاومة الأخيرة في طوفان الأقصى وصمود شعبنا رغم كل التضحيات العظيمة التي قدّمها في قطاع غزّة على مدى أكثر من 23 شهراً حتى الآن، ونحن نقترب من السابع من أكتوبر ربما خلال أسبوعين تُكْمِل المواجهة عامها الثاني. هذه الاعترافات هي خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح لأن المطلوب أن تتحوّل حتى تصبح واقعاً إلى إجراءاتٍ عملية. نحن بحاجةٍ إلى إجراءاتٍ عمليةٍ أوّلها وقف العدوان، واليوم كنا نستمع إلى خطاب الرئيس الأميركي على منصّة الأمم المتحدة، هو لا يرى شيئاً في العالم ولا يرى هذه الإبادة التي تُرتَكب في قطاع غزّة بل هو يُقرّع الأوروبيين لشرائهم النفط من روسيا وغير ذلك. لهذا أنا أعتقد أن المطلوب اليوم من الدول التي اعترفت ألا تكتفي بهذا الاعتراف بل عليها أن تخطو خطوات عملية، وهذه الخطوات يجب ألا تكون باتجاه فرض وصاية على الشعب الفلسطيني بقَدْر ما تكون فرض عقوبات على الاحتلال، وقف تصدير السلاح له ووقف العلاقات الاقتصادية، وقف الاتصالات السياسية، أعتقد أن هذا إذا حصل لن يصمد هذا الكيان طويلاً قبل أن يتراجع أولاً عن الإبادة ثم عن خطواته التي يسعى من خلالها للاستيلاء على الأرض في الضفة وتهويد القدس كذلك.

 

محمد زيني: سيّد حمدان السؤال من شقّين أولاً ما هو السرّ في اعتراف دول غربية  داعِمة لإسرائيل بالدولة الفلسطينية؟ ثانياً هل ترون أن المجتمع الدولي سيضغط فعلاً على إسرائيل أم أن بعض الدول تكتفي بالتصريحات فقط؟

 

أسامة حمدان: لعلّ هناك أكثر من عامل يدفع هذه الدول إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية أهمّها ما أشرتُ إليه وهو مقاومة وصمود الشعب الفلسطيني، لكن بكل تأكيد هناك عوامِل أخرى من قبيل تآكُل مصداقية هذه الدول ومصداقية القِيَم التي تُنادي بها، وهنا لا أتحدّث عن تآكلها في مجتمعاتنا فهي لا تخدع جمهورنا وأبناء أمّتنا لكنها تتآكل داخل هذه المجتمعات الغربية نفسها. وهذا يُهدّد بانهياراتٍ حقيقية في منظومة القانون والقِيَم التي لطالما نادت بها هذه الدول. المسألة الأخرى التي لا بدّ من أن نلحظها أن حكومة الاحتلال باتت تتصرّف بلا كوابِح، عندما يتكلّم رئيس هذه الحكومة أنه مبعوث العناية الإلهية لإقامة إسرائيل الكبرى وما يعنيه ذلك من تهديدٍ لعدد من الدول في المنطقة، هذا من شأنه أن يؤدّي إلى خلل وفوضى في المنظومة التي لطالما كانت عنوان استقرار في المنطقة، هذا دفع الدول إلى التلويح بأنها ستعترف ثم تعترف بعد ذلك بالدولة الفلسطينية. أيضاً أعتقد أن بعض هذه الحكومات تريد أن تهرب من استحقاقات فرض العقوبات على الكيان الصهيوني نتيجة الإبادة الجماعية التي يرتكبها، تحاول أن تعطيه منحةً من الوقت لعلّه يُعدّل سلوكه بما يضمن بقاءه. لذلك كل هذه العوامل التي أشرت إليها هي جزء من القرار وإنْ كانت كل هذه العوامل ما كانت لتحصل لولا المقاومة وتضحيات الشعب الفلسطيني وصموده، وأيضاً المقاومة التي أسندت الشعب الفلسطيني سواء في لبنان أو في اليمن أو في العراق أو في إيران أو غيرها، وحتى الموقف السياسي الذي عبَّرت عنه دول في المنطقة رافِضةً للتهجير كالأشقاء في مصر، كل هذا رَسَم صورةً واضحة تقول إن مزيداً من الوقت يعني مزيداً من المقاومة ويعني في النهاية انهيارات في هذا المشروع الصهيوني رغم قُدرته القائمة حتى الآن على البطش والإرهاب والقتل والتدمير. 

 

محمد زيني: سيّد حمدان كيف تقيّمون في حماس موقف إسرائيل والولايات المتحدة من الوصول أو التوصّل إلى صفقة ووقف لإطلاق النار خصوصاً وأن هناك رسالة من حماس إلى شخص الرئيس ترامب سُلّمت عبر المبعوث القطري أو عبر الجانب القطري تنصّ على إطلاق سراح نصف الأسرى مقابل وقف لإطلاق النار لستين يوماً، هل هناك أيّ تفاعل مع هذه البادرة؟

 

أسامة حمدان: أولاً لا بدّ من أن أشير إلى أنه ليست هناك رسائل من طرف الحركة منذ محاولة الاغتيال، منذ التاسع من أيلول الجاري ليست هناك أية رسائل من طرف الحركة لا للرئيس الأميركي ولا لغيره، هناك عدوان وقع على دولةٍ ذات سيادة وهي قطر وهي دولة تقود عملية وساطة من أجل وقف العدوان على قطاع غزّة ووقف إطلاق النار مع الأشقاء في مصر، تتواصلان بشكلٍ مباشر مع الإدارة الأميركية، نقل رسالة أميركية إلى وفد الحركة المفاوِض الذي كان قبل يومٍ من محاولة الاغتيال يجتمع مع رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية ليتلقّى هذا العرض، وفي اليوم التالي كان الوفد يناقشه ليقدّم توصيته لقيادة الحركة فوقع هذا العدوان، سواء اعتداء على قطر أو محاولة اغتيال الوفد المُفاوِض الذي يرأسه الدكتور خليل الحيّة. لذلك أنا أعتقد إما أن هناك محاولة لاستعادة رسائل سابقة ومُقترحات سابقة ليبدو وكأن هناك حالاً من التفاوض لتغطّي على الجريمة الإسرائيلية المُتواصلة في قطاع غزّة، أو أن هناك محاولة أخرى للقول بأن الإدارة الأميركية لا تزال وسيطاً رغم أنها شريك في الجريمة والكل يعرف أن جريمةً بهذا الحجم ما كانت لتقع لولا ضوء أخضر من الرئيس الأميركي شخصياً لنتنياهو بشكلٍ مباشر. 

 

محمد زيني: سيّد حمدان هل ترون أن إسرائيل فعلاً تريد إنهاء هذه الحرب أم أنها تسعى فقط لشراء الوقت للمُماطلة والتأجيل وتريد أن تستمر حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني وربما تتوسّع إلى الإقليم؟

 

أسامة حمدان: الأمر لم يعد يحتاج إلى الكثير من التحليل، عندما يقول وزير المالية في حكومة الاحتلال سموتريتش إن نصف سكان الضفة مقيمون =بصورةٍ غير شرعية ولا بدّ من أن يعودوا من حيث جاؤوا ويقصد إلى الأردن، عندما يتكلّم عن ضمّ الضفة إلى الكيان الصهيوني، عندما يتحدّث  وزير داخلية الكيان الصهيوني أنه لو كان رئيساً للوزراء فإنه سيقوم باعتقال رئيس السلطة رغم كل ما قدّمه من تنازُلاتٍ بيّنة وواضحة عن الحقوق الفلسطينية خاصةً في خطابه الأخير. وعندما يتحدّث رئيس وزراء الكيان الصهيوني شخصياً ويقول إنه يسعى لتحقيق إسرائيل الكبرى ويعرض خارطةً لذلك، بات واضحاً أن الكيان الصهيوني ليس بوارد الذهاب إلى تهدئة أو إلى وقفٍ لإطلاق النار، وأن الضغوط التي مورِست عليه وسمحت بحصول وقف إطلاق النار في مناسباتٍ سابقة اليوم في ظلّ الدعم الأميركي غير المحدود السياسي والعسكري والاقتصادي والأمني، هو يحاول أن يحقّق نتيجة موهومة. أنا أعتقد أنه لن يستطيع أن يكسر إرادة المقاومة ولا إرادة الشعب الفلسطيني، ولن يستطيع أن يُحقّق أوهامه بإسرائيل الكبرى لكنه يظنّ أنه يستطيع أن يفعل ذلك، وهو يواصل بهذه الطريقة عدوانه وتهديداته. يوم محاولة الاغتيال قصف سفن كَسْر الحصار في تونس وقصف اليمن وقصف لبنان وسوريا، وبدا واضحاً أن هذه العنجهيّة الإسرائيلية تحاول أن تقول إن هذا الكيان هو سيّد المنطقة. وأنا أعتقد أن هذا أمر لن يصحّ ولن يُقْبَل، وعلى هذا النحو يحاول العدو شراء الوقت وتغطّيه الإدارة الأميركية أملاً في أن يحقّق اختراقاً ما يمكّنه من تحقيق إنجاز ومكسب سياسي لم يستطع تحقيقه على مدى قرابة العامين من العدوان. 

 

محمد زيني: إذاً هو ذات الخطر، الآن الإسرائيلي يتحدّث في غزّة عن التهجير، هذا خطر كبير سنتحدّث به خصوصاً أن هناك موقفاً مصرياً واضحاً وتحشيداً إسرائيلياً على مصر. كذلك في الضفة ما نقلته عن سموتريتش وحتى ضمن الضفة، ما هي التبعات لكل هذا التصعيد الإسرائيلي في حال تصاعًد أكثر خلال الفترة المقبلة سيّد حمدان؟

 

أسامة حمدان: أنا أعتقد أن أول وأهمّ هذه التبعات والتي بدت واضحة منذ الاعتداء الإسرائيلي على قطر، ومع تصريحات المبعوث الأميركي إلى المنطقة توم برّاك أن هذا الكيان لم يعد يعترف ولا يقرّ بوجود حدود، وأنه يتجاوز الحدود المرسومة بمعنى أنه لا يعترف بسيادة الدول، وهذه مسألة مؤدّاها المباشر ألا يقاتلوا فقط المقاومة، بالعكس هو يريد حتى أن يفرض هيمنته على المُطبّع معه، ولذلك الخطر اليوم لم يعد خطراً يتعلّق باستهداف الفلسطينيين رغم أنه باق وإنما هو خطر يتعلّق بالإقليم بأسره. ماذا يعني تهجير الفلسطينيين من الضفة أو من غزة؟ هذا يعني عملياً أن هذا العدو ّيمكن أن يتمدّد ببساطةٍ باتجاهاتٍ أخرى عندما يفرض موقفه على دول مجاورة ويرسل إليها ملايين الفلسطينيين رغبت أم لم ترغب، وافقت أم لم توافق، هذا يعني أنه لا يعترف فضلاً عن عدم اعترافه بالحقوق الفلسطينية فهو لا يعترف بسيادةٍ لدول في المنطقة لا على أرضها ولا على أجوائها ولا على مياهها. وهذا معنى يؤكّد ما كنا نقوله دائماً أن الخطر الحقيقي في المنطقة هو الاحتلال وهو الكيان الصهيوني، وما لم يُعالَج هذا الخطر بإزالته فإن المنطقة ستظلّ عُرضةً للاشتعال والانفجار في أية لحظة.

 

محمد زيني: سيّد حمدان طالما أتيت على ذِكر العدوان على الدوحة، أمير قطر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يقول إن نتنياهو يريد أن تصبح المنطقة العربية منطقة نفوذ إسرائيلي. أولاً بعد العدوان الإسرائيلي على الدوحة واستهداف قيادة حماس المُفاوِضة في الدوحة كيف تقيّم الحركة خطورة ما حصل؟ والشقّ الآخر من السؤال وهناك أيضاً تهديدات إسرائيلية أنه ربما يتوسّع هذا العدوان أو يتكرّر في عواصم أخرى، كيف تتعاطون مع هذا التهديد؟

 

أسامة حمدان: أولاً في ما يتعلّق بخطورة ما جرى أن هذا الأمر لا يتعلّق بحماس وحدها أو بالمقاومة الفلسطينية وحدها بل هو يتعلّق بالمنطقة بأسرها. وكما تفضّل أمير قطر أن الاحتلال أو الكيان الصهيوني لا يعترف لأحدٍ بسيادة وهو يريد أن يفرض هيمنته على المنطقة، وعليك أن تكون شاكِراً لأن العدوان كان محدوداً ومُهدّفاً بشكل دقيق ربما لم يكن أوسع مما قدّر المُعتدي. هذا الأمر يحتاج إلى وقفة، كنا نقول سابقاً إن المقاومة هي جدار الدفاع عن الأمّة وهي جدار الدفاع عنها في مواجهة الهيمنة الصهيونية والتي تُدْعَم =أميركياً. اليوم بات هذا واضحاً، لذلك فالمطلوب اليوم هو وقفة ليس للدفاع عن الفلسطينيين وإنما للدفاع عن الذات. أما التهديدات التي أطلقها الإسرائيلي وبعضها معلن بعد قصف الدوحة بدقائق كان تعليق رئيس الكنيست الصهيوني "اليوم الدوحة وغداً إسطنبول" بمعنى أن هذا شيء مُتّفق عليه داخل مؤسّسة صناعة القرار الصهيوني وليس رعونةً ارتُكِبَت أو حماقةً وقعت بل هي حماقة جمعية إن صحّ التعبير. نحن نتعامل مع هذا التهديد بجدّية عندما أقول ذلك فيجب أن يعرف الجميع ما معنى الجدّية بالنسبة لنا، أولاً نعم. نحن لن نضنّ بدمائنا ولا بأرواحنا على شعبنا ولا على قضيّتنا ولا في الدفاع عن مقدّساتنا ومقاومتنا. وفي هذه المعركة بلغت تضحياتنا 65 ألفاً من الشهداء من النساء والأطفال والرجال والمُجاهدين والقادة، وكلهم عزيزون علينا وهم ليسوا أرقاماً، هم رأوا لأنفسهم مستقبلاً تكون بلادهم فيه عزيزة وكريمة مُحرّرة وتقدّموا في هذا الطريق حتى ارتقوا شهداء، لذلك نحن على هذا الطريق وأنا أقول للجميع إن الفرد فينا هو مشروع شهادة ولكن المشروع بكليّته والشعب بكليّته هو مشروع انتصار، لذلك فإن حجم هذه التضحيات لن يُثنينا ولن يدفعنا إلى الوراء، واهمٌ مَن يظنّ أننا سنقدّم تنازُلات في حقوق شعبنا وعلى حساب شعبنا، وواهمٌ مَن يظنّ أن المقاومة ستضعف إذا ما تقدّم قادتها شهداء أو أبناؤها وكوادرها شهداء، وهذا تاريخنا ممتدّ، منذ بدء الصراع مع هذا الكيان لم تتراجع المقاومة رغم عظيم التضحيات التي قُدّمت على مستوى الشعب وعلى مستوى الكوادر.

 

محمد زيني: سيّد حمدان بالعودة إلى خطر التهجير وهذا التهديد الذي يتحدّث به الإسرائيلي، صحيح الخطر موجود في الضفة وموجود أيضاً في غزّة بشكلٍ أكبر، وتابعنا أيضاً كلمة رئيس الوزراء المصري في الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما جدّد الموقف المصري برفض تهجير أهالي قطاع غزّة. طبعا ًهناك تحشيد إسرائيلي كبير على مصر لرفضها وعدم تعاونها بهذا، بعيداً عن أهالي غزّة الذين يرفضون الخروج من غزّة أيضاً. ما مستقبل هذا المشروع؟ وهل إسرائيل لوحدها قادرة أو هل الولايات المتحدة مُستعدّة لإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل بأن تُهجّر أهالي قطاع غزّة فعلاً؟

 


أسامة حمدان: أنا أعتقد أن التحشيد الإسرائيلي ضدّ مصر  لسببين رئيسيين، السبب الأول كما تفضّلتَ هو رفض مصر للتهجير وهو أمرٌ مُقدّر من قِبَل شعبنا ومن قِبَلنا لأنه لا يمكن أن يُهجَّر الشعب بأية حالٍ من الأحوال، هذه أرضنا وأرض آبائنا وأجدادنا ونحن لا يمكن أن ننزاح عنها أو نخرج منها أو نغادرها بل بالعكس نحن نريد موقفاً عربياً رافضاَ للتهجير وموقفاً دولياً رافضاً للتهجير بل وداعمًا لصمود شعبنا وكاسِراً لهذا الحصار ومدخلاً لكل أسباب الصمود التي يمكن أن تعين الشعب على الاستمرار في مواجهة الاحتلال. القضية الثانية أن الكيان الصهيوني بالاتفاق مع الإدارة الأميركية يحاول أن يُسوّق مبادرةً يقودها توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق والذي يعرف الجميع مدى تورّطه في المجزرة التي وقعت في العراق وأدّت إلى استشهاد أكثر من مليونين من أبناء الشعب العراقي، يُعْرَف تورّطه في الكثير من القضايا التي وقعت في العالم. هذه الخطة هي خطة تريد أن تحلّ محلّ المبادرة المصرية التي اعتُمدت عربياً وإسلامياً في منظّمة التعاون الإسلامي لإعمار غزّة، وبالتالي هناك هجوم أيضاً على هذه الفكرة من خلال طرح فكرةٍ بديلة. الهجوم على مصر يريد أن يُسوّق للأمرين، للتهجير ولخطة توني بلير. في كل الأحوال نحن نعتقد أن المطلوب اليوم هو التماسُك في الموقف العربي والإسلامي والإقليمي، وإدراك أن هذا الخطر ليس خطراً يواجه الفلسطينيين وحدهم أو حتى دول الجوار كمصر والأردن وسوريا ولبنان التي يُعتدى عليها في كل لحظة، الاعتداءات لم تتوقّف حتى اللحظة رغم دخول وقف إطلاق النار منذ عام حيّز التنفيذ الاعتداءات لم تتوقّف على لبنان ولم تتوقّف على سوريا التي يعلن قادتها أنهم يريدون اتفاقاً أمنياً وربّما سلاماً قادماً مع الكيان الصهيوني، ورغم ذلك فإن الاعتداءات لم تتوقّف. لهذا أنا أقول إن المطلوب اليوم هو موقف جَمْعي على مستوى المنطقة يرفض هذا الاحتلال ويسعى لإنهائه، والاعتراف الدولي المُتزايد بالدولة الفلسطينية يمثّل نقطةً مهمّة ومحطّة لا بدّ من أن يُستفاد منها لتحقيق هذا الأمر.

 

محمد زيني: سيّد حمدان سؤال أخير حتى ننتقل إلى محور آخر في ما يتعلّق بالعملية العسكرية لاحتلال قطاع غزّة التي أطلقها جيش الاحتلال الإسرائيلي، كيف تردّ سياسياً على هذه العملية؟  

 

 أسامة حمدان: الاحتلال يظنّ أن بإمكانه أن يُحقّق انتصاراً في غزّة من خلال عملية الاحتلال، نتنياهو يريد أن يقول إنه قد احتلّ كامل القطاع ودمّر كل ما يستطيع تدميره من بُنى تحتية ومن بُنيان بنيناه، وأن هذا هو انتصاره على الشعب الفلسطيني وعلى مقاومته. هو واهم إن ظنّ أن هذا سيكون انتصاراً، هذه الأرض لن ينكسر أهلها ولن تنكسر وربّما ما حصل في الأيام الماضية من عملياتٍ للمقاومة في مناطق هو اعتبر أنه أنهى فيها العمل سواء الاحتلال أو التدمير في خان يونس ورفح وغيرها وفي الشمال في جباليا، كل هذا يشير إلى مسألة مُحدّدة وواضحة أن هذه الارض لن تُهْزَم ولن يُسجّل هذا العدو انتصاراً على الشعب الفلسطيني. نعم هو سجّل إبادةً، هو سجّل قتلاً بلا حساب وسجّل تدميراً بلا حساب لكنه لن يؤدّي به إلى إعلان انتصاره على الشعب الفلسطيني بأية حالٍ من الأحوال. أنا أعتقد أن الأمور ستنزاح باتجاه آخر، إسرائيل اليوم صارت مكشوفةً أمام العالم انها كيان مُعتدٍ، كيان يهدّد الأمن والاستقرار، وأن كل ما كان يُسوَّق من شعارات حول الهولوكوست والعداء للسامية الأعداء وغيرها اليوم لم تعد تخيف كثيراً من الساسة على مستوى العالم بل على العكس صاروا يرونها قَيِداً لا بدّ من أن ينكسر وقد كُسِر لدى بعض هذه الدول، ويجب ألا نستهين بهذا التحوّل في العالم خاصةً ةأنه يرتكز على صمودٍ ومقاومة ليست فلسطينية وحسب وإنما مقاومة على مستوى المنطقة. 

 

محمد زيني: سيّد أسامة حمدان ونحن على بُعد أيامٍ من الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد السيّد حسن نصر الله، بعد مرور عام تقريباً على هذه الحادثة كيف تقرأون الفراغ الذي تركه الشهيد نصر الله في المقاومة وجبهتها إذا صحّ التعبير؟

 

أسامة حمدان: لا شكّ أن غياب سماحة السيّد حسن نصر الله رحمه الله ترك أثره. نحن نؤكّد أن ارتقاء القادة شهداء لن يكسر المقاومة، حزب الله سبق وأن ارتقى أمينه العام السيّد عباس الموسوي شهيداً عام 1992، وحزب الله كَبُر ونما ونجح في تحقيق التحرير عام 2000 وخاض معركةً بطولية عام 2006 بقيادة السيّد حسن نصر الله. غياب السيّد حسن نصر الله لا شكّ أنه يترك فراغاً، هناك علاقة عميقة نشأت بين المقاومة في فلسطين ولا سيّما حركة حماس والمقاومة في لبنان، أعني حزب الله قادها من جانب حزب الله سماحة السيّد حسن نصر الله، وهذه العلاقة نجحت في أن تخدم المقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني، =وحقّقت إنجازات ربّما بعضها صار ظاهراً وكثيرٌ منها لا يزال حتى اللحظة خافياً ولم نصل إلى الوقت المناسب للإعلان عنه. السيّد حسن نصر الله كان مؤمِناً إيماناً عميقاً بأن صلاح واقع هذه المنطقة هو بزوال هذا الكيان. هناك ثلاث قضايا نحن والإخوة في حزب الله التقينا عليها دوماً وعملنا معاً فيها. المسألة الأولى هي حقّنا في أن نقاوم هذا الكيان وحقّنا في أن ندحره عن أرضنا وأن نحرّرها، والقضية الثانية هي وحدة هذه الأمّة في مشاريعها الكبرى، في مشروع المقاومة ومشروع التحرير ووحدة هذه الأمّة في حماية مصالحها في مواجهة العدوان والهيمنة الغربية والأجنبية عليها. والمسألة الثالثة التي التقينا عليها هي أنه لا بدّ من أن تكون لهذه الأمّة قضية مركزية أساسية وكانت فلسطين هي القضية المركزية دائماً. يستلم قيادة حزب الله اليوم الشيخ نعيم قاسم وإخوانه، نعتقد أن هذا الطريق سيتواصل وأن غياب السيّد حسن يحمّلنا جميعاً مسؤولية أن نمضي في هذا الطريق وأن نكون أوفياء لهذه المسيرة التي قضى فيها آلاف الشهداء الكرام والأعزّاء من المُجاهدين والمُقاومين والقادة، وأن خير وفاءٍ لهذه المسيرة أن نصل إلى هدفها النهائي وهو إزالة هذا الكيان وتحرير أرضنا ومُقدّساتنا، وأظنّ أن هذه المسيرة ستحقّق بإذن الله سبحانه وتعالى في طريقها وحدةً حقيقية بين أبناء الأمّة لأن زوال هذا الكيان يتطلّب أيضاً أن تتماسك أمّتنا وأن تتوحّد في مواجهته.

 

محمد زيني: سيّد حمدان سؤال أخير إذا أردنا تلخيص إرث السيّد نصر الله برسالةٍ ما هي الرسالة التي يجب أن تُنْقَل إلى الأجيال الفلسطينية والعربية؟ طبعاً نحن هنا نتحدّث عن السيّد نصر الله لأن المناسبة قريبة لكن في طوفان الأقصى ذهبت رموز كبيرة من حماس ومن باقي حركات المقاومة على طريق القدس وضمن هذه المعركة.

 

أسامة حمدان: لعلّي إذا أردتُ أن ألخّص هذا الإرث وأرجو ألا يطول بي الحديث عن هذا الموضوع، ألخّصه في الرسالة التي سمعناها من سماحة الأمين العام يوم الثامن من أكتوبر بعد أقل من 24 ساعة من هذه العملية البطولية، عندما قال نحن قرّرنا أن نخوض معركة الإسناد وسنواصل في هذه المعركة حتى تتحقّق أهداف الطوفان حتى ولو كانت تداعياتها حرباً يعلنها العدو علينا. الرسالة الأساس هي أنك عندما تُحْسِن تعريف نفسك تستطيع أن تعرّف أعداءك وخصومك، أصدقاءك وحلفاءك، ولعلّ هذه هي القضية التي كانت واضحة دوماً بالنسبة للسيّد حسن نصر الله قائداً ومقاوماً وشهيداً.

محمد زيني: القيادي في حركة حماس السيّد أسامة حمدان شكراً جزيلاً لك على هذه المقابلة، شكراً جزيلا للمتابعة وفي أمان الله.