السيد الأمة من المقاومة الوطنية إلى المقاومة الإسلامية - حوار خاص مع رياض صوما

نص الحلقة

السيّد الأمة - من المقاومة الوطنية الى المقاومة الإسلامية - رياض صوما

 

 

راميا الابراهيم: مرحباً بكم مشاهدينا. حزيران يونيو من عام 1982 اجتاحت اسرائيل لبنان، وما هي سوى أيام قليلة حتى كانت الدبابات الاسرائيلية تعبر بسلاسة محتلّة الساحل اللبناني من الناقورة جنوباً حتى العاصمة بيروت، في آب أغسطس من العام نفسه رعت واشنطن اتّفاقاً تغادر على إثره منظمة التحرير الفلسطينية لبنان وهي الذريعة التي بررت بها اسرائيل اجتياحها له، غادرت المنظمة ولم تنسحب اسرائيل. في السادس عشر من أيلول سبتمبر بينما كان الجيش الاسرائيلي يرتكب واحدةً من أبشع مجازره في مخيّمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين انطلقت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية جمّول لمواجهته، أيّامٌ قليلة من المقاومة كانت كفيلة بإطلاق جيش الاحتلال الاسرائيلي نداءه الشهير "يا أهل بيروت نحن خارجون لا تُطلقوا النار". واستمر العمل المقاوِم وانطلقت وشاركت قوى مقاومة لبنانية في مواجهة الاحتلال ومن بينها المقاومة الإسلامية حزب الله والتي تأسست حينها، توقّف بعضها فيما تواصل المسار حتى تحقيق التحرير عام 2000.

في هذه الحلقة مشاهدينا من سلسلة حلقات السيّد الأمة في تغطية الميادين في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، نرصد مسار العمل المقاوِم في لبنان من المقاومة الوطنية الى المقاومة الإسلامية، نسأل عن الأثر الذي زرعه السيد نصرالله في مفهوم المقاومة ونهجِها في لبنان وفي خارجه، ونبحث كذلك في مستقبل المقاومة في ظلّ ما يعيشه لبنان اليوم من اعتداءاتٍ واحتلالٍ اسرائيلي لأراضٍ في الجنوب.

في هذه الحلقة يسرّنا أن نستضيف العضو السابق في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني السيد رياض صوما، مرحباً بك.

 

 

رياض صوما: أسعد الله مساءك ومساء المشاهدين جميعاً.

 

 

راميا الابراهيم: أهلاً بك. نعرّف قليلاً المشاهدين عنك ولماذا أنت معنا في هذه الحلقة بما تحمله من مضامين مهمة، في هذا أيضاً العنوان، ونحن في الذكرى السنوية الأولى لارتقاء السيّد الأمّة الشهيد السيد حسن نصرالله. كانت مسؤوليتكم في الحزب الشيوعي في المجال السياسي، التنظيمي، الإعلامي، وكنتَ نائب كذلك المسؤول التثقيفي المركزي في الحزب الشيوعي في لبنان، وعضو المجلس الوطني، وهذه أيضاً مهمة، لأننا في هذه المرحلة في ثمانينيات القرن الماضي سنستذكر محطات مهمة من عمل المقاومة الوطنية في لبنان، وكذلك في ما بعد عضو اللجنة المركزية في الحزب. هذه المحطات نعرّف من خلالها عنك، وقبل أن نفتح النقاش ونفتح بعض التفاصيل في هذه المحطة المهمة من تاريخ لبنان انطلاق المقاومة الوطنية، سنستذكر وإياك ما قاله السيّد الأمة الشهيد السيد حسن نصرالله في احتفالية أبجدية النصر قبل ثلاث سنوات تطرّق فيها مشاهدينا السيد نصرالله لظروف تأسيس المقاومة وكيف تشاركت القوى والمجموعات المختلفة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، نتابع.

 

 

السيّد نصرالله: "هنا أتحدث بالتحديد عن حزب الله، ولا أختصر كل المقاومة وكل فصائل المقاومة وكل التضحيات التي قام بها بقيّة الأعزاء والأصدقاء والحلفاء. المشاركة في مواجهة الاجتياح الاسرائيلي من خلال المجموعات الأولى التي تشكّلت في أكثر من مكان ومنطقة الى جانب كل المقاومين، في 82 الناس الذين قاوموا وفي مقدّمهم الأخوة أفواج المقاومة اللبنانية أمل، والقوى الوطنية والإسلامية وفصائل المقاومة الفلسطينية والجيش العربي السوري، تلك المرحلة كانت لا زالت حال مواجهة، وأنا تكلّمت في مناسبة سابقة أن حزب الله لم يُشكَّل في مؤتمر بقدر ما تشكّل في الميدان والأرض. البدء بعمليات المقاومة من خلال التشكيل الجديد والإسم الجديد المقاومة الإسلامية والمساهمة الى جانب جميع قوى المقاومة في إنجاز التحرير عام 2000، باستثناء باقي ما بقي محتلاً، يعني مزارع شبعا، تلال كفرشوبا والجزء اللبناني من الغجر. نحن دائماً نقول مساهمة، لا ندخل بالنسب المئوية، لا شك أن مساهمة حزب الله كانت مساهمة أساسية في التحرير، لكن لا نقول نحن لوحدنا مَن أنجز التحرير، كل القوى التي قاومت والتي شاركت صنعت هذا التحرير، ولذلك أنا أستخدم عبارة المساهمة."

 

 

راميا الابراهيم: هذا مهم جداً ونحن ننطلق وإياك أستاذ رياض صوما لنبدأ من حيث ما شكّله نداء جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية كمنعطَف حقيقةً تاريخي، فاتحة للطريق أمام العمل المقاوِم اللبناني في مواجهة الاحتلال، أنتَ كنتَ في هذه المحطة، كيف يمكن استذكارها وكيف تشكّلت القوى وأُخذ القرار في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي؟

 

 

رياض صوما: طبعاً احتلال بيروت هو الذي كان دافع أساسي بعد أن خرجت المقاومة الفلسطينية كان الشعب اللبناني كله بحال إحباط، حتى قوى المقاوِمة التي كانت شريكة للثورة الفلسطينية قسم كبير منها كان محبَط، وكان هناك ضرورة لأن يُبادر أحدهم أو فصيل أو أكثر لكسر هذه الحالة من الإحباط، في تلك اللحظة اتُفق على اجتماع في بيت الشهيد كمال جنبلاط في وطى المصيطبة على أن يضم قسم من قيادات الحركة الوطنية خاصة الرفيق جورج حاوي والرفيق محسن ابراهيم والدكتور سمير صبّاغ والرفيق إنعام رعد وآخرين.

 

 

راميا الابراهيم: يعني نحن نتحدث هنا عن منظمة العمل الشيوعي، عن الحزب الشيوعي، الحزب القومي الاجتماعي.

 

 

رياض صوما: والمرابطون. عملياً، تواجد ربّما لأسباب أمنية لم يستطع الجميع أن يحضر، لكن كان الرفيق محسن فأصدروا النداء الذي تحدثتِ عنه وممكن أن تذكريه يكون من المناسب، هذا النداء  كان يدعو لحمل السلاح وتحرير الوطن من المحتل. بعد أيام قليلة كان الرفيق جورج شخصياً يتابع تنظيم أول عمليات في بيروت وعملية بسترس التي كانت..

 

 

راميا ابراهيم: يعني كان هناك رغبة أن لا ينطلق البيان دون أن يكون مباشرةً في عملية ذات أثر.

 

 

رياض صوما: بالضبط، البيان العسكري جاء بعد التنفيذ وليس قبل. المهم أن جورج شخصياً، هذا ما أردت قوله أنه هو الذي كان يتابع العملية وليس أحد آخَر. 

 

 

راميا الابراهيم: تأخرت قليلاً العملية.

 

 

رياض صوما: تأخرت قليلاً لأنه مرّ في فترة كان غاضب بعض الشيء لكن المهم لم تتأخر كثيراً، جرى التنفيذ في الوقت الذي كان مناسباً لأن الهدف بات تحت النيران، وشارك بها ثلاثة رفاق منهم مازن عبود، الرفيق الذي توفي من بضعة أيام كنّا في ذكراه، 16 أيلول كنّا نضع إكليل تكريماً لذكراه، وهو بالمناسبة صديق شخصي وعائلي، يعني عائلته وعائلتي أصدقاء. طبعاً بعد هذه العملية تتابعت العملية الثانية بجانب محطة أيوب في بيروت الغربية، أيضاً بعد فترة قصيرة عملية ثالثة بجانب المبنى الذي كان يحوي جريدة الهدف التابعة للجبهة الشعبية قرب منظمة التحرير، عندها تبيّن أنه بدأ العمل المنظّم يعطي نتائجه، الرفاق القوميين نفّذوا عملية في مقهى الويمبي وقُتل بها ضابطين، كانت عملية ناجحة جداً، عندها بدأ الاسرائيليون يجولون في الشوارع ويقولون يا أهل بيروت لا تطلقوا النار إننا منسحبون، فعلاً بعد عشرة أيام انسحبوا ولكنهم أبقوا طوقاً عسكرياً يمتد من خلدة الى الأشرفية، يعني انسحبوا من بيروت الغربية والمخيمات ولكن استمروا بحصار بيروت لمدة طويلة تعدّت السنة حتى. 

في ذلك الوقت بدأت العمليات تحدث على امتداد الجغرافيا، يعني في الجبل، في منطقة صيدا والجنوب، وسارت العمليات وتواصلت حتى 89 تقريباً.

 

 

راميا الابراهيم: سأتحدث عن هذا المسار، وكنتَ قد ذكرت عملية الويمبي التي نفّذها الشهيد خالد علوان وبدأ هناك زخم للعمليات حقيقةً وصار هناك نبض، يعني من الإحباط الى رفع العنويات وتوسّعت المشاركة، كيف توسعت؟ ذكرنا بعض القوى اللبنانية التي كانت ضمن المقاومة الوطنية اللبنانية، كيف توسّعت المشاركة هنا؟ أتحدث هنا عن 82.

 

 

رياض صوما: نتحدث هنا عن أسابيع بين مبادرة الحزب الشيوعي الحزب القومي ومنظمة العمل وبين اشتراك الآخرين لم تكن المدة طويلة، بضعة أيام وبضعة أسابيع، انخرطت بعض القوى من الحركة الوطنية، انخرط أيضاً بعض القوى الفلسطينية ولكن ليس بعناوين فلسطينية، يعني بعض القوى المقرَّبة من الجبهة الشعبية حزب العمل، أيضاً بعض مجموعات من حركة أمل شاركت لاحقاً، وكان حزب الله..

 

 

راميا الابراهيم: بدأت تخرج مجموعات إسلامية.

 

 

رياض صوما: بالضبط، لاحقاً أخذت اسم معلَن. أيضاً كما قال السيّد حسن رضوان الله عليه، كان قد بدأت المجموعات تشكّل حزب الله، كما قال تشكّل في الميدان لم يكن قد أُعلن بعد كحزب الله.

 

 

راميا الابراهيم: يعني كان هناك عمليات دون أن تُعلَن الجهة التي نفّذتها أو يكون منظمة.

 

 

رياض صوما: نعم، لكن تكن باسم حزب الله إنما بأسماء أخرى. كما قلت توسّعت أفقياً بمعنى بات هناك أطراف أخرى تشارك، وجغرافياً، يعني لم تعد العمليات في بيروت وضواحيها، يعني مثلاً عملية تدمير مركز الحاكم العسكري في صور ونفّذها أحد المنتسبين لحزب الله دون الإعلان عن ذلك.

 

 

راميا الابراهيم: الذي اعترف به أو أعلنه في ما بعد، لكن في الشهر الحادي عشر من عام 1982 عندما نفّذ هذه العملية لم يتم الإعلان عنه على أنه في حزب الله.

 

 

رياض صوما: هذا ما قصدته، يعني كانت تجري عمليات في مناطق قريبة من بيروت وفي العمق وفي البقاع الغربي، يعني انتشرت العمليات تقريباً، في وادي زينة صارت عمليات للحزب الشيوعي كانت ممتازة أيضاً، فعلى امتداد بضع سنوات..

 

 

راميا الابراهيم: كيف كان الاستقبال؟ يعني نحن نحدثنا عن انطلاق المقاومة الوطنية في لبنان وتتحدث أيضاً عن انطلاق هذه المجموعات بخلفية إسلامية، كيف كان التفاعل حينها بين هذه القوى أو استقبال مثل هكذا عمليات؟

 

 

رياض صوما: واقعياً كان كل تنظيم عنده قيادة خاصة، يعني لمي تشكّل قيادة واحدة لكل الفصائل، كانت العلاقة جيدة، كانت العلاقة بين الأحزاب الوطنية التي كانت في القوى الوطنية ممتازة وكان هناك تبادل معلومات، وبعض الأحيان كان هناك عمليات مشتركة كتقديم ذخائر إن كان هناك نقص ذخائر في مكان ما..

 

 

راميا الابراهيم: هذا ينسحب كذلك مع حزب الله؟

 

 

رياض صوما: في تلك الفترة لا، كان حزب الله منطلق بمناخ آخَر وبسرية مطلقة، إنّما لم يكن هناك أي تحسس، لم يكن هناك إحساس أن هناك طرف قادم لينافسنا، بالعكس، كان كلّما انخرطت قوى جديدة كنا نشعر أن الشعب اللبناني بكل قواه ينخرط في المعركة، كان ترحيب حقيقي.

 

 

راميا الابراهيم: وحدث في ما بعد تعاون؟

 

 

رياض صوما: في المراحل اللاحقة حصل تعاون سنتحدث عنه أكثر. في فترة ما بين 82 و89 لم يكن هناك تعاون منظم، يعني كان هناك تعاون أحياناً موضعي وحتى هناك بعض الاحتكاكات في أماكن.

 

 

راميا الابراهيم: ما كان نوع التعاون؟ لوجستي، عسكري، معلوماتي، ذخيرة؟

 

 

رياض صوما: لوجستي وتعاون معلوماتي، أكثر ما هو تعاون تنظيمي. أيضاً في الواقع في مرحلة ما كان هناك قدر من الفوضى، يعني في أماكن كان هناك بعض التنسيق وفي أماكن أخرى هناك توتر أو عدم تعاون، يعني لم تكن الوضعيات نفسها في كل المناطق، تعلمين المسؤولين المحليين أحياناً يلعبون دور في تحديد مستوى التنسيق أو التعاون.

 

 

راميا الابراهيم: لكن في تلك المرحلة كان هناك ترحيب بأن تبرز أيضاً هذه المجموعات.

 

 

رياض صوما: كان هناك أكثر من ترحيب، أنا أذكر أن الرئيس المرحوم حافظ الأسد بعد العملية الأولى التي وقعت في بسترس هو شخصياً اتّصل بإذاعة دمشق وطلب جعل خبر العملية الخبر الأول في نشرة الأخبار، كان الأخوان السوريون آنذاك ليس فقط موافقين إنّما أيضاً متحمسين لهذه الانطلاقة.

 

 

راميا الابراهيم: أنا أقصد أنه كان هناك ترحيب ودعم من المقاومة الوطنية باتّجاه أيضاً التيارات الأخرى أو المجموعات الأخرى التي دخلت العمل المقاوم بما فيها حزب الله، لم يكن هناك شعور لا منافسة أو أي شيء آخَر، كان هناك ترحيب.

 

 

رياض صوما: ترحيب أنه هناك فريق ينضم الى المقاومة طبعاً، وأريد القول ليس فقط العلاقة مع حزب الله، أصلاً لم يكن قد شُكّل بحضور قوي كما هو الآن أو كما أصبح لاحقاً، إنّما كان الحضور السوري هو الأهم. وددت أن أقول أن مرحلة الانطلاقة كان الجانب السوري داعم وحتى مر سلاح للمقاومة من خلاله، يعني كانت تتم المساعدة بالتسليح.

 

 

راميا الابراهيم: ما تقوله هذا أستاذ رياض يدفعنا للعودة أيضاً لنستمع عمّا قاله السيد حسن نصرالله كيف كانت حال الأحزاب الوطنية اللبنانية عند الاجتياح وما بعده، كيف واجهت هذه الحركات الاحتلال، وأي ظروف كانت سائدة عندما تأسس حزب الله؟ نتابع هذه الصوتية التي عُرضَت سابقاً في إطار حلقات أربعون وبعد على شاشة الميادين.

 

 

السيّد نصرالله: "الأحزاب الوطنية اللبنانية بالعموم كانت تتكئ على الفصائل الفلسطينية تمويلاً وتسليحاً وتدريباً، عندما خرجت الفصائل حجم الاجتياح وعدم القدرة على مواجهة الاجتياح أسقط الكثير من مصداقية هذه الأحزاب. طبعاً بعض هذه الأحزاب حاولت أن تستعيد نفسها، ترمم إمكاناتها، وشاركت في مقاومة الاحتلال خلال السنوات الأولى. ما كان موجوداً في الساحة بالتأكيد لم يكن كافياً، نحن لا نقول نضالكم أو مقاومتكم غير مجدية، وإنّما نقول بالتأكيد لم يكن كافياً، مواجهة الاحتلال الاسرائيلي كانت بحاجة الى أن تتجنّد كل فئات الشعب اللبناني وتنظّم أعمال مقاومة كلٌ على طريقته وبإمكانياته المتوفرة وقتال هذا العدو، في نهاية المطاف نحن كنّا بحاجة الى مقاومة شعبية شاملة لا يمكن أن نقول طيّب هناك الحزب الفلاني والحزب الفلاني والتنظيم الفلاني بأعداد معيّنة وإمكانات معيّنة، هم يقاتلون الاحتلال إذاً سقط التكليف عن الجميع، بالعكس، كل الذين قاتلوا لم يكن قتالهم كافياً، حتى نحن لم نكن نعتقد أن قتالنا سيكون كافياً، بل كنّا نؤمن بأنه يجب أن يقاتل الجميع وأن تتوجّه كل البنادق في مواجهة هذا الاحتلال، ولو تشكّل أُطر أخرى غيرنا أيضاً لم يكن هناك مشكلة، لأن الساحة كانت تتّسع لكل البنادق التي تتوجّه الى مكان واحد وهو صدور جنود الاحتلال."

 

 

راميا الابراهيم: هذا في جوهر ما كنتَ تتفضل به سيد رياض عن تلك الحالة التي كانت سائدة مع انطلاق عمل المقاومة في مواجهة الاحتلال، وقلتَ أنه كان أيضاً هناك تطلّع في المقاومة الوطنية اللبنانية الى أن يكون هناك مَن يدخل في هذا المعترك. عندما تتابع هذا الكلام للسيد حسن نصرالله ما الذي تستحضره في تلك المرحلة؟ يعني ينعكس مباشرةً صوراً على الأرض في عمليات المقاومة في حينها، إن كان المقاومة الوطنية أو المقاومة الإسلامية.

 

 

رياض صوما: للحقيقة في تلك الفترة لم يكن هناك ذاكرة مشتركة، هم سرّيون ونحن المقاومة السرّية، يعني أنا يمكنني أن أتكلم عن المناخ السياسي العام، المناخ السياسي العام كان نوع من استنهاض وطني عام، كان هناك شعور طبعاً بأننا نحقق انتصارات لأن العدو كل فترة كان يضطر أن ينسحب من منطقة، يعني انسحب للأوّلي ثمّ الى الشريط الحدودي، إنّما حين اقتربنا من اتّفاق الطائف، في الفترة الأخيرة تغيّر المناخ بعض الشيء.

 

 

راميا الابراهيم: سنتحدث عن ذلك، لأنك تحدّثت أنه كان هناك قاعدة وطنية تجمع الجميع على أساس مواجهة العدو الاسرائيلي ودفعه الى الانسحاب من الأراضي اللبنانية، نتحدث عن أن هناك مقاومة من كل أطيافها وكانت ناجحة وعلى مدى عامين وأكثر قليلاً كانت الوتيرة مرتفعة وقد وصلت الخسائر الاسرائيلية الى معدّل لا سابق لها، وحسب الإحصاءات مقتل جندي واحد اسرائيلي تقريباً كل يوم، هذا وضع الاسرائيلي تحت ضغط كبير وأجبر الجيش الاسرائيلي تنفيذ انسحاب جزئي في يونيو عام 1985 من القرن الماضي، من البقاع وجبل لبنان من صيدا وصور واستقرت القوات الاسرائيلية عند الشريط الحدودي المحتل أي المناطق التي احتلتها عام 78 من القرن الماضي، انسحبت الى هناك. هذه يمكن تسميتها بالسنوات الذهبية، أنت تريد أن تشير لاختلاف في مسار عمل المقاومة لا يزال قائماً؟

 

 

رياض صوما: يمكنني أن أقول أن قوى المقاومة كما قال السيد حسن لا تساهم كلها بنفس القدرات، لكن يمكنني القول أن مساهمة الحزب الشيوعي وباعتراف الجميع كانت هي الأكبر في تلك الفترة، ولكن للأسف بعد المؤتمر الخامس للحزب في 87 بدأ يحدث عندنا بعض المصاعب في الحزب، يعني كانت قد بدأت أزمة الاتّحاد السوفياتي والانهيار السوفياتي الذي أتى لاحقاً كان قد بدأ ينعكس على داخل الحزب، بات هناك بعض الصعوبات المالية، فبعد المؤتمر الخامس انخفضت قدرة الحزب على متابعة العمل.

 

 

راميا الابراهيم: انخفضت أو اتُّخد قرار؟

 

 

رياض صوما: لا، القرار أتى لاحقاً.

 

 

راميا الابراهيم: تخفيض العمل المقاوم وليس إيقافه.

 

 

رياض صوما: ليحدث توازن بيت قدرات الحزب وبين الضرورات، طبعاً ضرورات المعركة مستمرة ولكن الإمكانيات أقل، فجرى نوع من التعديل في المخطط بحيث تنخفض معدلات العمليات العسكرية المقاوِمة.

 

 

راميا الابراهيم: يعني في مؤتمر العام للحزب الشيوعي في فبراير عام 87 للنظر في هذه الظروف التي تحدّثتَ عنها وكان هناك مؤشرات انهيار الاتّحاد السوفياتي، وهناك حديث من التباينات خصوصاً وصراعات على الساحة الاقليمية في المنطقة أثّرت بالنسبة للعمل المقاومة للحزب الشيوعي.

 

 

رياض صوما: في الأربع سنوات الأولى كنّا نحن القوة الأساسبة في المقاومة.

 

 

راميا الابراهيم: أُخذ القرار بتقليص العمل الى عملية أو عمليتين في الشهر، وبعد ذلك ما الذي حدث؟ هنا نتحدث عن الحزب الشيوعي ماذا عن القوى الأخرى الوطنية ضمن المقاومة الوطنية؟

 

 

رياض صوما: تقريباً يمكن القول لدى الجميع صار هذا التراجع، التغيير النوعي حصل بعد اتّفاق الطائف، بعد اتّفاق الطائف الحزب القومي صار جزء من تركيبة الطائف وبالتالي أوقف العمل العسكري، على فكرة بعد الطائف كلنا سلّمنا سلاحنا، هذه يجب ذكرها، يعني ليس فقط بات هناك ضرورة لموازنة العمل مع الإمكانيات بل قرار الطائف التزمنا به جميعاً، فالحزب الشيوعي قدّم قسم كبير من سلاحه الى وليد جنبلاط الحزب الاشتراكي، الجيش الشعبي، وقسم للجيش اللبناني، الأحزاب الأخرى فعلت نفس الأمر، ولكن بقي قدر من السلاح في الجنوب لمتابعة العمليات على الشريط الحدودي. فيمكننا القول بعد الطائف ظهر الفرق بين عمل المقاومة بقيادة أحزاب الحركة الوطنية أو مَن بقي، كما قلت الحزب القومي بات جزء من السلطة، الاشتراكي بات جزء من السلطة، منظمة العمل لم تدخل السلطة ولكنها باتت جزء من المناخ السياسي للحريري، يعني أغلب كوادرنا باتت إمّا في تلفزيون المستقبل أو في جريدة المستقبل أو في الأركان والقوة السياسية للحريري، وبالتالي أيضاً أوقفت المقاومة.

 

 

راميا الابراهيم: يعني أشهر فصلت بين قرار كل هذه القوى ضمن المقاومة الوطنية اللبنانية لإيقاف العمل العسكري بناءً على ظروف كل منها، لكن بعد الطائف أخذتم قرار لم تعلنوه في الحزب الشيوعي لإيقاف هذا العمل.

 

 

رياض صوما: بعد الطائف بات وضع الحزب أكثر فأكثر صعوبة، يعني بعد الانهيار السوفياتي تفاقمت الانهيارات السياسية داخل الحزب حول الموقف مما جرى وحتى حول اسم الحزب، يعني وقتذاك طرح الرفيق جورج أن هناك مرحلة جديدة في العالم وفي البلد وفي المنطقة لا بد من تغيير اسم الحزب، لم يُوافَق على ذلك واحتفظ الحزب باسمه ولكن تناقضات في الداخل كانت مستمرة وحتى قسم منها ظهر على الصحافة، إذا راجعتِ صحف تلك المرحلة إن كان صحيفة الحزب أو الصحف الأخرى ظهر الخلاف علناً. المجلس الوطني كنت عضو فيه، ناقشنا جدوى الاستمرار والقدرة على الاستمرار، بات هناك انقسام بالرأي، قسم قال رغم الصعوبات لا بد من المتابعة، القسم الأكبر رأى أن القدرة على المتابعة لم تعد ممكنة لعدة أسباب، ولا أخفيكِ كانت في تلك الفترة العلاقة مع السوريين سيئة بعض الشيء لأننا الوحيدين تقريباً الذين لم نقبل باتّفاق الطائف، فالسوريين لم يرتاحوا أن يكون هناك قوة مقاوِمة وسياسية تعارض ما يرونه مصلحة قومية عليا. حزب الله لا، حزب الله كان موافقاً لكنه كان ينسّق مع السوريين أنه لا يتدخل في السياسة الداخلية إنّما أنا أركّز كل جهدي على المقاومة المسلّحة.

 

 

راميا الابراهيم: وهذا يدفعني للسؤال بشكل أو بآخَر، أنت تحدثت عن الكثير من العوامل التي ساهمت بقرار المقاومة الوطنية بإيقاف عملياتها العسكرية، لكن هل من عامل من ضمن هذه العوامل أنّ صعود حركات المقاومة الاسلامية وتحديداً حزب الله ساهم بشكل أو بآخَر بتقليل دور جمول أو التأثير عليها في العمل المقاوِم العسكري دفعها أو ساهم بالعوامل لدفعها لأخذ قرار توقيف العمل العسكري؟

 

 

رياض صوما: لا، لا، حزب الله كان مند فع كلياً لتنظيم عمله الخاص، وبدعم سوري مطلق. السوريون ضيّقوا علينا ومارسوا بعض الضغوط ولا أخفيكِ السبب ليس فقط حاجتهم أو عدم حاجتهم للمقاومة، حصر المقاومة مع حزب الله أو لا، هناك أسباب كثيرة لعبت دور وأهمها أنا برأيي أننا وقفنا مع أبو عمار في خلافه مع النظام السوري.

 

 

راميا الابراهيم: لكن لم يتمّ أي استخدام ربّما بشكل أو بآخَر لهذا الصعود لحركات المقاومة الاسلامية، ونتحدث هنا عن حزب الله، بشكل أو بآخَر ساهم أو دفع بتقليل الزخم أو العمل.

 

 

رياض صوما: لم يكونوا مضطرين.

 

 

راميا الابراهيم: أو استُخدم بشكل أو بآخَر لإقصاء جمول وعملها.

 

 

رياض صوما: أنا أقول لم يكونوا مضطرين أن يستخدموا حزب الله للضغط علينا، هم يستطيعون مباشرةً أن يضغطوا علينا، يعني الذي يقول الآن أن المقاومة أقصتنا أو أنّ المذهبية أقصتنا هذا غير صحيح، لم يكن السوريون مضطرين استخدام حزب الله أو أي طرف مقاوِم، كانوا يضغطون مباشرةً.

 

 

راميا الابراهيم: لافتة الجملة، خصوصاً عندما يتم الحديث عن مقاومة بخلفية إسلامية أو نموذج المقاومة الوطنية لم يشكّل ذلك بأي شكل من أشكال سبب للاحتكاك بحد ذاته ولا تحت عنوان مذهبة لعمل مقاومة أو ما الى ذلك.

 

 

رياض صوما: والدليل على ذلك أن بعد فترة، خاصة بعد استلام السيد حسن قيادة حزب الله العلاقة بدأت تتحسّن وصولاً الى إعطاءنا دعم عسكري ومالي، يعني لو كان السبب هو الخلاف الايديولوجي كان يجب أن يستمر، ولكن في تلك الفترة المضطربة التي كان السوريون فيها يحاولون التركيب بين التعاون مع السعوديين ورضا أميركي، يركّبون تركيبة جديدة في السلطة لصالح الحريري تحديداً، في تلك الفترة باتت علينا ضغوط نحن وأنا لا أنفي هذا الأمر، لكن الذي أريد تأكيده ليس لأن هناك طرف ما يأخذ عنوان ايديولوجية مذهبية وطرف علماني، لا ليس هذا هو السبب إطلاقاً.

 

 

راميا الابراهيم: بكل الأحوال سأعود لهذه النقطة التي تفضّلتَ بها، كيف تطوّرت العلاقة بين المقاومة الإسلامية في لبنان حزب الله والحزب الشيوعي ما بعد أن تسلّم الأمانة العامة في حزب الله السيد حسن نصرالله لأنك ذكرت موضوع الدعم بالسلاح والدعم المالي للحزب الشيوعي، سنعود إليها لكنم سنقف وإياك ومشاهدينا في استذكار أهم محطات المقاومة والتحرير في هذا العرض.

 

 

عرض من 1978 الى 2000 محطات المقاومة والتحرير

 

 

راميا الابراهيم: كنا نتابع هذه المحطات المهمة جداً وصولاً الى التحرير، وصلنا وإياك أيضاً في خضم هذه المحطات ما بعد أن تسلّم الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد الأمة السيد حسن نصرالله الأمانة العامة لحزب الله، صار هناك عنوان جديد أو طبيعة تعاون مختلفة؟ كيف تطوّرت العلاقة بين حزب الله والحزب الشيوعي؟

 

 

رياض صوما: للحقيقة في زمن الطفيلي إن كان لأسباب عامة أو لأسباب التوتر مع السوريين أو لأسباب عديدة كانت العلاقة تتراوح بين تعاون وتوتر أو مهادنة، في زمن السيد حسن الأمور أخذت طابع أكثر إيجابية لأن السدي حسن نظرته للعمل السياسي العام، نظرته للقوى الأخرى، نظرته لدور حزب الله في المجتمع اللبناني وفي السلطة اللبنانية مختلفة، وظروف أيضاً كانت باتت مختلفة، فبدأت العلاقات تتحسن من حوار الى تعاون الى ذروة التنسيق المشترك في 2006، طبعاً في 2000 هناك محطة حين نزلت الجماهير الجنوبية الى الجنوب والى قراها بعد الانسحاب الأول، كان حزبنا وجماهيرنا وجماهير حزب الله وحركة أمل كلها يد واحدة، لم يكن هناك أي تنافس وأي احتكاك، في 2006 العلاقات تطوّرات الى الاشتراك بالقتال، يعني نحن في أكثر من موقع شاركنا وسقط لنا شهداء في صريفا وفي الجمالية في بعلبك، وكان التعاون ليس فقط على صعيد تنسيق عام بل بات هناك تنسيق أكثر ميداني. ومنذ تلك الفترة وصعوداً جرى تنسيق منسق أكثر وكما قلت في تلك الفترة جرى دعم عسكري ومالي أيضاً، حزب الله كان إذا احتجنا لسلاح يقدّم لنا وذخيرة وكل حاجات ضمن حدود معينة، يعني حاجاتنا نحن، وأيضاً كان هناك دعم مالي لإذاعة صوت الشعب بعشرات ومئات آلاف الدولارات وليس دعماً قليلاً.

 

 

راميا الابراهيم: وهنا محطة 2006 تتحدث عن ارتقاء أيضاً شهداء في الحزب الشيوعي قاتلوا الى جانب حزب الله في مواجهة العدوان الاسرائيلي، وربّما من المفيد أن نستذكر وإياك ونحن في الذكرى السنوية الأولى لرحيل السيد حسن نصرالله، لشهادته، كذلك العلاقة التي جمعت السيد حسن نصرالله بالشهيد جورج حاوي الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، كيف كانت هذه العلاقة؟

 

 

رياض صوما: كانت علاقة احترام متبادل وتقدير متبادل، الرفيق جورج كان قد قابل السيد أكثر من مرة، وأنا شخصياً حظيت في حياتي بلقاء مع السيد في 2003، طبعاً لاحقاً الحزب الشيوعي تابع علاقاته، الرفيق خالد حدادة قابل السيد أكثر من مرة، يعني العملية استمرت سنوات يعني 2008، 2012، أنا شخصياً قابلته في 2003 مع الدكتور عصام نعمان وهاني فاخوري الذي كان رئيس حركة مساندة فتح.

 

 

راميا الابراهيم: هناك لقاءات عديدة جمعت السيد حس نصرالله كذلك بجورج حاوي، هذه اللقاءات على ماذا كانت تقوم، ما الذي كان يجمع بين الرجلين إن صحّ التعبير؟

 

 

رياض صوما: القاسم الأكبر هو العداء لاسرائيل، نحن حزب مقاوِم، حزب تقدّمي، حزب تغيير اجتماعي، حزب تحرري، وكان الشهيد سيد الشهداء من المميزين بين قيادات محور المقاومة في الربط الدائم، إذا لاحظنا كل خطاباته ربّما نتكلم عنها لاحقاً حين نتكلم عنه وعن دوره، لكن الآن لماماً بمان أنك سألتنا عمّا كان يجمعنا، يجمعنا الأهداف الكبرى المشتركة، نحن قوّتين صحيح بخلفية ايديولوجية مختلفة، نحن علمانيين وهو طبعاً رجل دين وايديولوجية دينية.

 

 

راميا الابراهيم: ما الذي كان يقوله الشهيد جورج حاوي عن السيد حسن نصرالله؟ أو كيف كان يراه في هذا العمل؟

 

 

رياض صوما: في خطاباته العامة كان يتكلم عن الحزب ككل، عن الحركة، عن تعاون عام، أما في جلساتنا الخاصة طبعاً كان يشيد بكفاءته، قائد كفوء، قائد صلب، قائد ذو رؤية، وأيضاً دمث في العلاقات، وأعتقد لا ضرورة ليقولها لأن كل الذين تعاملوا مع السيد حسن يعرفون هذا الأمر، إنّما كموقف مبدئي كان جورج ليس فقط يحكي إنّما كتب مرةً أيضاً ما معناه، طبعاً بالإشادة في هذا الدور المقاوِم، قال إسلامياً مقاوماً أقرب إليّ من شيوعي مهادن أو غير مشتبك مع العدو، يعني كان يميّز بين ما يربط بين القوى والأشخاص ايديولوجياً وبين الممارسة السياسية، وكان يعطي الأولوية المطلقة ورأي أي قائد سياسي يجب أن يفعل ذلك، الأهم هو الهدف المشترك وليس الأهم يشبهنا أو لا، يعني هل ننطلق من نفس الخلفية الفكرية أو لا.

 

 

راميا الابراهيم: سنستمع وإياك سيد رياض صوما لما قاله الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني الشهيد جورج حاوي عن المقاومة الاسلامية.

 

 

جورج حاوي: "المقاومة الاسلامية عززت الصمود في مناطق الاحتلال والمناطق المحاذية للاحتلال، أمكنها أن تستخدم الانسان والوسائط المادية المتقدمة والتقنية المتقدمة، واستطاعت أن تُثبت كفاءة هامة شكّلت تطويراً كبيراً لعمل المقاومة ككل، وبالتالي جعلت من المقاومة قضية أعلى مستوى، أكثر اتساعاً، أرقى تقنياً وأكثر ضرراً بالعدو، الأمر الذي عمّق المأزق الاسرائيل الداخلي."

 

 

راميا الابراهيم: هذه أيضاً مهمة وخصوصاً عندما نتحدث أنه حتى آخر المحطات قبل ارتقاء واستشهاد جورج حاوي كان هناك محطات تعاون ولقاء بين الرجلين، خصوصاً في محطات صعبة جداً في لبنان مثل 2005.

 

 

رياض صوما: للحقيقة أنا أُتيح لي مع أحد الرفاق كان وقتذاك عضو لجنة مركزية ومن ثمّ صار عضو مكتب سياسي، لن أذكر اسمه الآن ليس من الضروري، كنت في زيارة لجورج قبل أسبوعي من استشهاده في منزله في وطى المصيطبة، وكنّا نتكلم عن موضوع الانسحاب السوري وكيف يجب أن يتمّ الانسحاب، فكان جورج يقول أنا في تلك الفترة زرت رستم غزالي فعرض عليّ أن يأخذ لي موعداً مع الرئيس بشار الأسد فاعتذرت وقلت له ظرفي غير مساعِد ولكن سلّم لي على الرئيس ويهمّنا أن تبقى العلاقات جيدة رغم ما حدث، كان يُخبرنا، وأنا أقوم بجولة على القيادات السياسية بما فيها حزب الله ووليد جنبلاط وآخرين حتى على مقلب 14 آذار لأطرح فكرة أن يخرج السوري باتّفاق لبناني ودون إذلال للجيش السوري، لأنني حريص على مستقبل العلاقات بين سوريا ولبنان، لا يجب أن نعيش اللحظة ونترك المشاعر السلبية. طبعاً اتصل بالسيد حسن وطرح عليه الفكرة، فرحّب السيد حسن، وأضاف أنا من فترة قريبة ألقيت محاضرتين في مئات قادة المقاومة الإسلامية حول تجربة الحركة الوطنية في المقاومة، يعني كانت علاقة الرفيق جورج جيدة مع قيادة حزب الله حتى تلك الفترة الى حد أن يدعوه لإلقاء محاضرة أمام قياداتهم العسكرية، هذه مسألة ليست بتفصيل بسيط.

 

 

راميا الابراهيم: هذا موضوع غاية في الأهمية، الشهيد جورج حاوي ألقى محاضرتين ضمن قادة بالتنظيم العسكري لحزب الله، هذا مستوى عالٍ من التعاون والثقة أيضاً وهذا غير مسبوق.

 

 

رياض صوما: بدون شكّ، هي العلاقة كما قلت لك كانت تتطور بشكل جيد ولكن غير معلَن وليس غير مسبوق، وللحقيقة هذه الحادثة ربّما غير معروفة لأن جورج لم يكن حريص على إعلانها ولا حزب الله، لكن أنا بالصدفة عرفتها ومن الرفيق جورج شخصياً وبحضور أحد الرفاق في المكتب السياسي الآن أتحفظ عن ذكر اسمه لأنني لم أقل له، ربّما لو قلت له كنت ذكرت اسمه.

 

 

راميا الابراهيم: وربّما هنا قد يسأل البعض، خصوصاً قرأت مقالة "جمّول بين الأمس واليوم بعيون أبطالها"، كانت في البناء، من ضمن ما قيل بعض الذين كانوا منخرطين في العمل أن توقيف جمول كان خطأً كبيراً، هل من إمكانية لإعادة إحياء هذه المقاومة الوطنية في لبنان ونحن نعيش هذه الظروف التي يواجهها لبنان، اعتداءات اسرائيلية واحتلال في أراضي جنوب لبنان؟

 

 

رياض صوما: أولاً أنا أتحفّظ عن قول أنه كان قراراً خاطئاً، لأنني أنا كنت من الموافقين على ذلك لسبب بسيط أننا لم نكن قادرين، لأن المقاومة تتطلّب دعم مالي، دعم عسكري، لوجستي، عليك أن تطبّبي الجرحى، يعني هناك أعباء هائلة، يعني حزب الله لو لم يكن يتلقى دعم مالي وعسكري من إيران وبدعم وغطاء سوري لما كان استطاع أن يقدّم الانجازات العظيمة. هذا في الماضي، لذلك كان القرار طبيعي ومنطقي وابن ظروفه. الآن هل يستطيع الحزب الشيوعي أو الأحزاب الوطنية أن تنظّم مجدداً مقاومة الى جانب المقاومة الاسلامية؟ نظرياً ممكن ولكن أيضاً معرفتي بوضع هذه الأحزاب وضعفها وعدم وجود حاضنة حقيقية لا إقليمية ولا دولية لها، أستبعد إلّا كقوّة إسناد لمَن سيتابع في المدى المنظور.

 

 

راميا الابراهيم: ما المقصود بقوة إسناد؟

 

 

رياض صوما: يعني ممكن دعم المقاومة بالسياسة، بالموقف السياسي، بالموقف الشعبي، مساعدتها بالخدمات الاجتماعية حيث عندنا نحن بعد كحزب شيوعي أو كعمل وطني عام، عندنا إمكانيات طبية، عندنا إمكانيات لوجستية ممكن دعمها، وأهم أمر في الموقف السياسي، أمّا حوال حاجة المنطقة الى بقاء المقاومة وتطويرها هذا أكثر من مؤكَّد، اليوم المنطقة العربية والمشرق خاصةً هو منطقة محتلة بالمعنى الحرفي للكلمة، يعني شكلياً يوجد دول ولكن أين السيادة؟ سوريا ممزقة ومحتلة، لبنان محتَل عملياً بالنفوذ الأميركي داخل السلطة وخارجها، والجنوب الوجود الاسرائيلي قائم أيضاً، بالتالي طالما الاحتلال الأميركي وأذرعه قائد فلا بد من استمرار ما هو موجود من مقاومة ولكن رفد ما هو موجود بمقاومات أخرى بخلفيات سياسية وطنية أو قومية أو ايديولوجية مختلفة، يعني المشرق بالحقيقة بحاجة لمقاومة متعددة الرؤى الفكرية والمذهبية وحتى القومية، يعني لا يمكن أن نتصور المشرق محرراً وموحداً إلّا بمقاومة يجد نفسه فيها العراقي الشيعي والعراقي السني والكردي، كذلك في سوريا يجب على كل مقومات الشعب السوري، وفي لبنان، يعني هذا الطيف الواسع طالما هو في علاقات سيئة طالما المستعمِر الأميركي والصهيوني يعلب على تناقضاتنا، سنبقى منطقة محتلة ممزقة غير قابلة لبناء أي دولة فعلية أو أي جيش فعلي كما هو حاصل فعلياً. لكسر هذه الحلقة المفرغة التي وضعنا بها الأميركان بعد احتلال العراق لا بد من، لا أقول استبدال المقاومة، هذا الفرق بين هذا الرأي والرأي الآخَر، أنه ينبغي بناء مقاومة متعددة الأطياف علمانية، هذا كلام صحيح ولكنه نظري، وإذا أردت بناء هذه المقاومة لماذا نتخلى عمّا هو قائم؟ هناك مقاومة قائمة في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفلسطين، الى جانب هذه المقاومات القائمة ممكن انخراط قوى أخرى كما حصل سابقاً في لبنان، يعني كما أنّ المقاومة جاءت تدريجياً بانخراط قوى مختلفة ولاحقاً بقوة ذات ايديولوجية دينية، لا يمنع أن يكون المشرق مساحة حركات مقاومة منسّقة وعابرة للأديان والمذاهب والقوميات. هذه الصورة لمقاومة من هذا النوع هي حتى اليوم تصوّر نظري ولكنها ضرورة تاريخية، وأنا برأيي لن يستقرّ المشرق إلّا عندما تنضح مقاومة من هذا النوع تبدأ مقاومة ثقافية، سياسية، لتصل يوماً ما الى مقاومة بأشكال أعلى من الكفاح.

 

 

راميا الابراهيم:هذا يدفعنا أيضاً للسؤال عن الأثر الذي زرعه السيد حسن نصرالله في مفهوم ونهج المقاومة، ليس فقط في لبنان وأوسع من لبنان، سنتابع إذاً هذا التقرير لنتحدث عن ما هو الغرس الذي تركه السيد الأمة وكيف يتكشّف اليوم.

 

 

تقرير

السيد نصرالله: "نحن لا نجاملهم حين نقول أشرف الناس وأكرم الناس وأطهر الناس، هؤلاء الناس احتضانهم، وفاءهم، حمايتهم، عنايتهم، تحملهم للمسؤولية، يعني هم المقاومة وليس أنهم حموا المقاومة."

 

الإرث الذي خلّده السيد حسن نصرالله لم يكن كلماتٍ تُحفَظ أو خطاباتٍ تُتداوَل بل هو نهجٌ متجذّرٌ في وجدان جمهورٍ حمله كما يحمل المرء عقيدته. إرثه لم ينته باستشهاده بل تحوّل الى عهدٍ جديد ثقيلٍ بقدر ما هو مشرّف.

 

السيّد نصرالله: "تغيّر لي قناعتي بالشتائم، تخوّفني حين تسبّني! فأنا أحمل دمي على كفّي في الليل وفي النهار."

 

هنا تكمن عظمة الإرث، لم يكن إرث فردٍ إنّما هو مدرسةٌ جعلت من كل مؤمنٍ مقاومٍ مشروع قائد.

 

السيد نصرالله: "فشكرٌ لكم إذ قبلتموني واحداً منكم وأخاً لكم، لأنكم أنت القادة وأنتم السادة، وأنتم تاج الرؤوس، ومفخرة الأمّة ورجال الله الذين بهم ننتصر."

 

الحزب الذي قاده نصرالله يواجه اليوم ضغطاً غير مسبوق داخلياً من بيئةٍ مثقلةٍ بالهموم والدماء، وخارجياً من عدوٍ يظنّ أن الرأس إذا غاب انفرط العقد. لكن إرث الرجل يقول غير ذلك، إن الخط الذي رسمه بالدم والفكر ما زال ممتداً، وإن المستقبل يُكتَب بخطى الذين شبّوا على نهجه. 

الغياب موجِع لكن الوجع لم يُسقط اليقين، بل جعل الأسلة أكثر إلحاحاً، كيف يحافظ الحزب الى تماسكه، كيف يترجم وصايا قائده في معركةٍ طويلة النفس؟ وكيف يحمي هذا الإرث من التبدد تحت ركام الضغوط؟

هنا يتجلى معنى الإرث الحقيقي، أن يتحوّل الشهيد من فردٍ الى ضميرٍ جمعي ومن قائدٍ الى عهد، إرث نصرالله ليس في ما ترك بل في مَن تركهم، جمهورٌ يرى في دمائه معنى البقاء وفي غيابه دافعاً لمواصلة الطريق.

 

السيد نصرالله: "ماذا أقول لكم؟ وهل هناك قولْ يفي لكم بعض حقّكم ومقامكم؟ سأقول لكم أنا وإخواني فداؤكم أرواحنا ودماؤنا وأنفسنا، فداءُ لدموعكم وجراحكم وصمودكم وشموخكم"

 

 

راميا الابراهيم: تُطرَح هذه الأسئلة سيد رياض صوما عن استمرار المقاومة، هناك مَن يقول أن المقاومة اليوم في لبنان أو حتى مفهوم المقاومة في مواجهة وجودية إن صحّ التعبير، ويدفعنا السؤال هنا ما الذي غرسه فعلاً، أي أثر تركه السيد نصرالله ليس فقط في المسار ونهج ومفهوم المقاومة، لا نتحدث عن لبنان فقط؟

 

 

رياض صوما: أنا أعتقد أن السيد حسن الشهيد، سيد الشهداء، بعد جمال عبدالناصر هو أهم زعيم عربي، أهم قائد عربي، وبالتالي تجربته، صفاته، ستبقى والى أجيالٍ ملهمةً لأجيال جديدة من المناضلين، السيد حسن من القلّة من القادة الذين كانوا دائماً حريصين على أن يربطوا تحرير فلسطين بنهضة المنطقة، بوحدة المنطقة، بالقتال ضد الهيمنة الأميركية في العالم، يعني هذا ليس تفصيل بل هو نقطة تقاطع كبيرة جداً بيينا نحن كمقاومين وطنيين علمانيين، وبين السيد حسن وأي مقاوِم آخر، حتى حماس، إنّما الذي يميّز السيد حسن أنه كان دائماً يربط بين هذه المعركة المباشرة من أجل غزة أو فلسطين أو لبنان، وبين نضال المنطقة بوجه الهيمنة الأميركية والسيطرة الأميركية، وأنا الآن أعتقد جازماً بأن حتى لو انتهت هذه الجولة والجولات القادمة بكسر جزئي للهيمنة الاسرائيلية، لو افترضنا ذلك نظرياً، طالما الأميركي محتلّ للخليج ولسيناء وللأردن وللبنان، ماذا سيتغير جوهرياً؟ سنبقى دولاً ممزقة بدون جيوش ، بدون قرار مستقل، بدون سيطرة على ثرواتنا. بهذا المعنى المقاومات القادمة التي سيكون قسم منها إسلامي التوجّه ولكن هناك قسم كما قلت قد يكون عابر للأديان والذاهب والقوميات ذي توجّه إقليمي أو تحرري عام.

 

 

راميا الابراهيم ربّما هنا، عفواً ولو قاطعتك سامحني، وأنت تقول ذلك ولأننا نتحدث عن الأثر والإرث للسيد نصرالله، هو كان عابراً للتقسيمات أياً كانت تسميتها، مناطقية، مذهبية، دينية، كان أميناً عاماً لحزب الله، حركة مقاومة إسلامية بجوهر وعائي كامل.

 

 

رياض صوما: هذا ما أقوله، ما ميّز السيد حسن أنه بتجربته وبطرحه النظري والثقافي أسس لهذا الحلف الواسع الذي سيتابع المعركة، يعني ربّما لو كان قائد ديني آخَر منغلق ما كان ممكن أن يتّسع لاحقاً الى مروحة أوسع من القوى المقاوِمة، فما أقوله أن المشرق سيتكئ، سيستوعب، سيكون شريك للمقاومة التي أسسها السيد حسن على مدى المنطقة، يعني أنا أتكلم عن المحور الراهن الذي بنضاله يخدم كل المقوّمات والمكوّنات ولكن بحكم طبيعته بحاجة لشركاء من الأطياف الأخرى والمكّونات الأخرى في المنطقة. السيد حسن بطرحه، بممارسته هو مدرسة وهو المرجع لتأسيس هذا النوع من المقاومة لاحقاً، المقاومة لا تكون محصورة ببيئة واحدة، تكون مقاومة متعددة البيئات السنية والمسيحية والعلوية، متعددة الإثنيات أيضاً، كردية، عربية، فهذا النوع من التشكّل المتعدد الجداول تجربة السيد حسن وطرحه وإرثه يؤسس ويسهّل ولادة هذا النوع من المقاومة.

 

 

راميا الابراهيم: شكراً جزيلاً لك عضو اللجنة المركزية السابق في الحزب الشيوعي اللبناني السيد رياض صوما على المشاركة معنا في هذه الحلقة. 

والشكر لكم مشاهدينا الى اللقاء.