سيّدُ وِجداننا

عامٌ على الرحيل… ثمانون ألف طن من الحقد انهالت على رجلٍ صنع الأسطورة ودخلها حيًّا قبل أن يرحل شهيدًا في ميدان الشرف. السيد حسن نصرالله… دلّنا على طريق القدس، وعلّمنا أن المقاومة إيمانٌ وجهدٌ وإبداع، وأن الاحتلال ليس قدرًا محتومًا. قائدٌ استثنائي جمع في شخصه الرؤيويَّ والمخطط الاستراتيجي، الخطيب المفوّه، رجل الدين التقي، المجاهد المتواضع، والسياسي الصادق. أيقونة للأحرار، شفيع للمظلومين، وحبيب للجماهير… شخصية تركت بصماتها على حاضرنا ومستقبلنا. واليوم، نسأل: ما سرّ تلك الهالة المشعّة التي نستمدّ منها العزم؟ وتلك الابتسامة التي تسكن القلوب؟ وتلك السبابة المرفوعة التي تمنحنا ثقة بالمستقبل؟ مع مرور الأيام، نزداد يقينًا أن سيّد شهداء الأمة حاضرٌ في وجداننا… إنه بطلنا الحميم، وسيد وجداننا.

نص الحلقة

 

بيار أبي صعب: مساء الخير، عامٌ كامل مضى على تلك اللحظة الفظيعة التي خلّفت هوّةً سحيقة في تاريخنا وذاكِرتنا. ثمانون طناً من الحقد انهالت على الرجل الذي صنع الأسطورة ودخلها في حياته عقوداً قبل استشهاده في ميدان الشرف. السيّد حسن نصر الله دلّنا على طريق القدس وعلّمنا أن المقاومة إيمان وإبداع وجهدٌ دؤوب، وأن الاحتلال ليس قَدَراً محتوماً. شخصيةٌ استثنائية طبعت عصرها وتركت بصماتها على الأزمنة المقبلة، أيقونة لأحرار العالم وشفيع المظلومين والمُضطهدين وحبيب الجماهير. جَمَع رجالاً في رجل، القائد الرؤيوي والمُخطّط الاستراتيجي والخطيب المُفوّه ورجل الدين التقيّ والمُجاهد المتواضع والسياسي الصادق الذي يحتوي الحلفاء والخصوم. وها نحن اليوم نحاول أن نتلمّس أثره فينا، تُرى ما سرّ تلك الهالة المُشعّة التي ما زلنا نستعين بها على وعورة الدرب، وتلك الابتسامة السحرية المُعشّشة في قلوب الناس؟ ما سرّ تلك الطِيْبة الفائضة التي تُبلسم الجِراح وتلك السُبّابة المرفوعة في الهواء تمنحنا ثقةً بالمستقبل. مع مرور الأيام نكتشف كم أن سيّد شهداء الأمّة راهن وقريب، إنه بطلنا الحميم وسيّد وجداننا.

ضيوفنا في هذه الحلقة الخاصة =المُمثّل والكاتِب والمخرج اللبناني رودني حداد معنا في الاستوديو، معنا أيضاً في بيروت في الاستوديو الشاعر والصحافي العراقي أحمد عبد السادة، ومن مدينة ليل الفرنسية يلتحق بنا الباحِث والناشِط السياسي التونسي غسان المختومي، أهلاً بكم جميعاً. رودني من خلال موقعك الاجتماعي والثقافي وبيئتك ماذا أحببتَ في السيّد حسن نصر الله؟ وما علاقتك بهذا الرمز الذي طَبَعَ وجودنا وغيَّر مسار حياتنا الفردية؟

 

رودني حداد: أوّل ما يشدّك إلى السيّد نصر الله هو ما كان يتكلّم به، كما هو معروف في لبنان والعالم أن صورة الشيخ المُعمّم كانت مُشوّهة وكانت ترتبط بالإرهاب، هو ألغى هذه الصورة وأول ما يشدّك إليه هو ما كان يتفوّه به، وكما قال سعيد عقل عن الإمام علي بن أبي طالب "كلامي على ربّ الكلام هوىً صعب"، كان مُتفوّهاً جدّاً، الحضور من خلال عملي كمُمثّل يقف على المسرح، جميل أن نذكر ذلك في ذكرى استشهاده، حين كان يقف على المنبر لساعةٍ ونصف الساعة، لنفترض أن ممثّل مونودراما يمتلك الموهبة والحضور والإمكانية لا يمكن أن يبقى ساعة ونصف الساعة على المسرح، هذه القُدرة هي عقلية بالأساس.

 

بيار أبي صعب: إسمح لي أن أقاطعك لأنني سأسألك بعد قليل عن أدائه، أخبرني عن علاقتك الشخصية به.

 

رودني حداد: علاقتي به كمُستمع، نحن انتقلنا مع السيّد نصر الله من مكانٍ إلى مكان، بدأت بعدم الاستماع إليه كما يُروَّج اليوم لا تستمعوا إليهم ولا تتحدّثوا معهم، كنا جزءاً من هذا المجتمع الذي يتأثّر بوسائل الإعلام في ظّل التقسيم المناطقي حيث لا يمكنك الاستماع إلى الإعلام الآخر. إذا كنتَ صاحب عقل سترى مرآتك في هذا الرجل رحمه الله، الأهمية هي للكلمة، هناك قصّة صينية تقول إنه قيل لمسؤول ما هو أول أمر ستفعله قال أن أتقن الكلام لأنه إذا لم أتقن الكلام فكيف سيتمّ التنفيذ الصحيح، الكلمة هي الأهمّ وهو في ذلك كان أكثر من مُتمكّن.

بيار أبي صعب: هل كان يُقنعك؟  

 

رودني حداد: بالطبع، حتى حينما كان يدافع عن أمرٍ لا يجب الدفاع عنه كان صاحب حِجّة ومنطق لغوي، اللغوي هو مَن يُتقن اللغة وصاحب الحِجّة، ولأنه كان إنساناً صادقاً كان مُقنعاً في ما يقوله، هذه هي قوّة الشخص المُتكلّم بأن يكون صاحب حِجّة وصاحب منطق وقُدرة على انتقاء الكلمات. قال لي خايرو كويست وهو أحد تلامذة جيرزي غروتوفسكي.

 

بيار أبي صعب: المسرحي البولوني الشهير جيرزي غروتوفسكي.

 

رودني حداد: علّمنا سوياً وحصل جِدال وتدخّلتُ لفضّه، قال لي كان معنا في الفرقة ممثّل عظيم، سألناه كيف تُتْقِن الكلام إلى هذا الحدّ فأجاب أنه كان ينظر إلى اللغة وينتقي منها. السيّد حسن نصر الله كان مُتمكّناً من اللغة وكان ينتقي كلماته التي تطرق قلوبنا أحياناً وعقولنا أحياناً أخرى، وكان قادراً على تجييش الجماهير لأنه كان يتحدّث من الناحية الإنسانية. القادة في العالم اليوم هم مَدْعاة للضحك، هو كان يعرف كيف يتوجّه إلى الرأي العام وهذا هو أخطر سلاح.

 

بيار أبي صعب: كان العدو الإسرائيلي ينتظر خطابه أكثر منا في العالم العربي.

 

رودني حداد: لأن قادتهم لا يُجيدون التحدّث إليهم.

بيار أبي صعب: أستاذ أحمد أسألك السؤال نفسه من وجهة نظر عراقية، كيف تنظر إلى هذه الشخصية التي طبعت تاريخنا المُعاصر؟ وبرأيك ما هي المكانة التي احتّلها السيّد حسن نصر الله في التاريخ؟

 

أحمد عبد السادة: في أحد حوارات الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز قال "عندما أتحدّث عن بحر الكاريبي لا أستطيع أن أتوقّف"، عند الحديث عن سيّد شهداء الأمّة والمقاومة السيّد حسن نصر الله لا نستطيع أن نتوقّف ولا نعرف من أين نبدأ. ثانياً عندما أتذكّر السيّد حسن يأتي في ذِهني مباشرةً بيت المُتنبيّ القائل "وأفجع مَن فقدنا مَن وجدنا قبيل الفَقْد مفقود المثال". السيّد حسن طوال مسيرته المُشرّفة المقاوِمة أصبح أمثولة كما قال الضيف الكريم، أصبح أمثولة لأناسٍ مُتعطّشين للأمثولة ومُتعطّشين للأسطورة. في العراق مباشرةً بعد استشهاد السيّد حسن لُقّب بحسين العصر، هو ليس امتداداً فقط للإمام الحسين وإنما أصبح حسيناً جديداً في هذا العصر. كاريزما السيّد حسن وأركان أسطورته تتكوّن من عدّة عناصر بالتأكيد، الشجاعة، الأمانة، النزاهة، الفصاحة، البلاغة واكتملت هذه العناصر بالشهادة وكأنما استشهاد السيّد حسن ليس تتويجاً لمسيرته العظيمة فقط وإنما هو اكتمال اللأسطورة. كان لا بدّ كما يقال حتمية تاريخية، أنا أؤمن بأن استشهاد السيّد حسن هو حتمية تاريخية، شخص وقائد عظيم مثل السيّد حسن وأنا أسمّيه قائد القادة. المُتنبيّ يقول "إليّ لعمري قصد كل عجيبة كأني عجيب في عيون العجائب". السيّد حسن هو قائد على القادة، القادة العُظماء ينظرون إلى السيّد حسن بأنه قائدهم. هنا يعني تكمُن فَرادة وعَظَمة السيّد حسن.

 

بيار أبي صعب: ومكانته في تاريخنا وذاكِرتنا المعاصرة. 

 

أحمد عبد السادة: السيّد حسن كان لا بدّ كحتميّة تاريخية أن يستشهد بهذه الطريقة، هو صنع الأسطورة الاستشهاده، اكتلمت أسطورته وكأنه هو الذي اختار هذه الخاتِمة، تخيّل السيّد حسن بهذه المسيرة العظيمة والمُشرّفة تخيّل أن يموت ميتةً طبيعية. 

 

بيار أبي صعب: أستاذ غسان المختومي سؤال شخصي أيضاً، أنت التقدّمي التونسي إذا جاز التصنيف، اعذرني إذا كان التوصيف غير دقيق، حدّثني عن علاقتك الفكرية والوجدانية بالسيّد حسن الذي نُحيي هذه الأيام ذِكرى استشهاده الأولى.

 

غسان المختومي: تحية لك ولقناة الميادين ولضيوفك من العراق ومن لبنان، وإجابةً على سؤالك عمّا يمثّل سماحة السيّد الشيخ حسن نصر الله الأمين العام الشهيد لي ولجيل كامل من رفاقٍ ومن شبابٍ وُلدنا كبرنا على رؤية والاستماع والإنصات إلى سماحة السيّد. أنا طالب وباحث في التاريخ، سماحة السيّد هو امتداد لأبطال مثله كانوا يمثّلون الجهاد والتحرير، كنتُ أرى في حسن نصر الله أبطالاً لم أرهم في سنواتٍ وقرونٍ وعقودٍ سابقة. حسن نصر الله لا يختلف عن الإمام المهدي في السودان، حسن نصر الله لا يختلف عن الأمير عبدالقادر الجزائري في الجزائر، لا يختلف عن عبد الكريم الخطابي في المغرب، لا يختلف عن سلطان باشا الأطرش، لا يختلف عن حسن سلامة،  السيّد حسن لا يختلف عن عزّ الدين القسّام. حسن نصر الله هو استمرارية للدين عندما يكون حقيقياً مصحوباً ومُتبنّياً لقضية النضال الوطني والمقاومة، ربّما هو تجاوز حتى ياسر عرفات وجورج حبش في أكثر شخص قاتل وقاوم وواجه مسؤولي الكيان الصهيوني ضدّ بيغين ثم ضدّ شارون ثم ضدّ رابين ثم ضدّ باراك ثم ضدّ نتنياهو ولابيد وبينيت، هو إنسان حمل الراية وقاوَم حتى الرمق الأخير، وكما قال ضيفك العراقي اختار الشهادة ولم يختر الموت الطبيعي، سأستعير تلك الجملة التي كانت تُقال في المُتنبيّ، نعم هو شخص ملأ الدنيا وشغل الناس سواءً من مُحبّيه وسواءً كنا معه ونتشارك معه أو نختلف معه، وحتى ضدّ العدو الصهيوني وضدّ الأعداء وضدّ الإمبريالية كان هو الرقم واحد ورقم المعادلة الصعبة، لذلك سيظلّ محفوراً في الذاكِرة التاريخية.

 

بيار أبي صعب: الكاتب والصحافي الفرنسي آلان جريش زار بيروت في العام 2007 بعد أشهر من نصر تموز برفقة السينمائي جان فرانسوا بوييه وصوّرا فيلماً بعنوان "لغز حزب الله". طلبنا منه أن يستعيد لقاءه بسيّد المقاومة، نستمع معاً. 

آلان جريش: التقيتُ السيّد حسن في ربيع 2007 أي بعد حرب ال 33 يومأً أو حرب تموز 2006 وكانت الظروف مُتوتّرة جدّاً، لذا فإن مجرّد اللقاء معه كان مسألةً غاية في الصعوبة، وكنا قد طلبنا موعداً إذا كنتُ أعمل على فيلم مع صديق عن حزب الله. طلبنا موعداً وانتظرنا طويلاً قبل الحصول عليه. في يوم اللقاء بدّلنا السيارة 5 مرات قبل بلوغ وجهتنا وأعتقد أننا مررنا في عدّة أنفاق ثم وصلنا إلى مكان اللقاء، وهناك وجدنا رجلاً في مُنتهى الهدوء، رجل يسعى إلى إقناع مُحدّثيه ويستند في نقاشه إلى حِجَج. كان يعرف أنه مُسْتَهْدف من قِبَل الإسرائيليين منذ فترةٍ طويلة، لكن مع انتصار حزب الله في عام 2006 ازداد الخطر عليه. خلال حديثنا لفتني كما قلتُ هدوءه وحرصه على الإقناع، تطرّق الحديث إلى عدّة مواضيع مثل الوضع في لبنان والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فضلاً عن الوضع في المنطقة والسياسة الأميركية. وقتها كانت قد أقيمت الانتخابات في فلسطين وتمّ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بين حماس وفتح، وقال لنا السيّد حسن نصر الله حينها إن الفلسطينيين هم مَن يُقرّرون مصيرهم ويُحدّدون الاتفاقات التي تناسبهم ولا يعود لحزب الله أن يقرّر حلّ المسألة الفلسطينية، وإن كان هو يفضّل حلّ الدولة الديمقراطية على كامل الأراضي الفلسطينية حيث يتعايش معاً المسلمون والمسيحيون واليهود. ما لفتني حينها في فترة 2006/2007 هو أن الانتصار الذي حقّقه حزب الله وكان السيّد نصر الله رمز هذا النصر قد ولّد موجات عارِمة من التضامن في مُجمل أنحاء العالم العربي، وكنا نجد صوَر السيّد حسن نصر الله مرفوعة في شوارع القاهرة كما في لبنان وفي كل مكان، متجاوزةً أية انقساماتٍ دينية بين مسلم ومسيحي أو بين سنّي وشيعي. عرف السيّد كيف يجسّد المقاومة للنزعة التوسعية الإسرائيلية والأميركية – الإسرائيلية. ومن بين الأشياء التي قالها حينها وأثارت اهتمامي كثيراً إننا اليوم رمز مقاومة الهيمنة، اليوم حزب الله هو رمز هذه المقاومة. في الماضي القريب كانت منظّمة التحرير الفلسطينية وغداً قد تكون جهة أخرى، لكن ما أراد قوله وأظنّ أنه كان قد فَهِمَ مسألة مهمّة أن هذه المقاومة ستدوم طالما استمرّ بَطْش الاحتلال، ومع الوقت فإن الأشكال والقوى التي ترفع راية المقاومة قد تتبدّل، وهذه الرؤية المُنفتحة كانت قد أثّرت بي كثيراً.

 

بيار أبي صعب: أستاذ رودني حداد خسارة السيّد حسن هي خسارة سياسية بالدرجة الأولى، خسارة بالصِراع مع العدو الإسرائيلي ولكنها أيضاً خسارة حميمة وكأن الكثير من الناس عاشوها كخسارةٍ شخصيةٍ وفرديةٍ، كيف عشتَ هذه الخسارة؟

 

رودني حداد: يلزمنا الكثير من الوقت لنتعامل مع هذه الواقعة، شخصياً حتى الآن ليس بإمكاني الاستماع إلى صوته، وكنت أتمنّى لو تأخّرت هذه الشهادة ولكن ليس بوسعنا شيء. هم يستعملون تعبير الشهادة كخسارةٍ لنا، نحن نعتبرها خسارة ولكنها ليست هزيمة لأن القادة الذين استشهدوا عبر التاريخ قلّة، ولكن أن يستشهد القائد ويستشهد إبنه، في لبنان كم رجل سياسة إبنه في الجيش؟ لا أحد، عندما يكون القائد في مكانٍ ويتحدّث عن الدولة والقوّة إذا لم يستشهد إبنه فهذا يعني أنه كاذب، حينما يستشهد إبنك تكون قد أدّيتَ قِسُْطك وليس أصعب من فُقدان النفس إلا فُقدان الولد. من الصعوبة بمكان الفراغ الذي يتركه استشهاد قائد بهذا الحجم والهالة.

 

بيار أبي صعب: هل لا زلتَ تعيش لحظة الحِداد؟ أنا أقصد بالخسارة الفَقْد وليس الهزيمة. 

رودني حداد: نحن لا زلنا نعيش أجواء الحرب، ربّما تنكر الحكومة اللبنانية أو رئاسة الجمهورية أننا في حال حرب ولكن نحن نعلم ذلك، لا زلنا في =مُنتصف المعركة ولا ندري متى يشتدّ زُخمها. لم يكن لدينا مُتّسع من الوقت للحِداد، لا زلنا خائفين على العِباد والبلاد، عدّاد الشهداء في ازدياد يومياً.

 

بيار أبي صعب: أستاذ أحمد السؤال من وجهة نظر عراقية، السيّد حسن قائد تاريخي وشخصية تتجاوز حدود لبنان إلى حدٍّ بعيد وأعرف أنه محبوب في العراق، الشعب العراقي الذي قاوَم الأميركيين وطردهم، من وجهة نظرك كيف ترى محاولة استغياب السيّد حسن نصر الله اليوم ومحاولة التواطؤ على المقاومة وعزلها وجرّ لبنان إلى التطبيع مع العدو الإسرائيلي.

 

أحمد عبد السادة: في البداية لا بدّ من أن نعترف بأن السيّد حسن هو قائد لا يمكن تعويضه بأيّ شكلٍ من الأشكال، هو ليس قائداً مرحلياً بل هو قائد صنع أمّة، بإمكاننا أن نقول بأن هناك أمّة إسمها أمّة السيّد حسن. صحيح هو نِتاج هذه الأمّة المقاوِمة لكنه أيضاً بشخصيّته الكاريزماتية وبحضوره وبمسيرته وباستشهاده تحوّل إلى أمّةٍ وأيضاً صنع أمّة، بمعنى أنه مُنْتَج ومُنْتِج، هو قائد مُنْتَج من بيئةٍ مقاوِمة ومُنْتِج لبيئة وأمّة. الأمّة المقاومة بوجود السيّد حسن ليست كما قبلها، أصبح هناك قائد مُلْهم، حتى بعد استشهاده قاتل الأبطال المقاومون في جنوب لبنان بروح السيّد حسن، قاتلوا بكلمات السيّد حسن.

 

بيار أبي صعب: حتى اليوم الأخير قبل وقف إطلاق النار.

 

أحمد عبد السادة: قاتلوا بصوت السيّد حسن، هو مَنَح القوّة لهذه الأمّة وكما قال الأستاذ رودني صحيح أن فُقْدان السيّد حسن خسارة كبيرة  لكنه قائد من النوع المُلْهِم وهو نهج قبل أن يكون شخصاً. في العراق الفُقدان كبير جدّاً لأننا كنا نرى في السيّد حسن ليس مُجرّد قائد لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي بل كنا ننظر إليه بأنه قائد عظيم وكبير ومؤثّر بمقاومة المدّ التكفيري، وهذا ما صنع رمزيّةً مُضاعَفة للسيّد حسن في العراق، هو قائد ضدّ المدّ التكفيري وهو قائد ضدّ الاحتلال الإسرائيلي والأميركي. رمزيّة السيّد حسن في العراق مُضاعفة لأنه شارك أيضاً في القتال ضدّ تنظيم داعش الإرهابي.

 

بيار أبي صعب: أستاذ غسان المختومي في تونس أيضاً هناك وعي حادّ لأهمّية المقاومة ودورها، كيف نجح هذا قائد الاستثنائي وهو رجل دين يحمل عقيدةً جهادية واضحة في تجاوز كل الخنادق السياسية والانقسامات العقائدية. أعرف أنك تكلّمتَ قبل قليل عن الموضوع، شيعي، سنّي، عِلماني، ديني يساري، ليبرالي، تجاوز كل هذه الخنادق للوصول إليكم. 

 

غسان المختومي: علينا أن نتذكّر أنه بفضل سماحة السيّد وبفضل المقاومة وحرب تموز 2006 فرض على الكيان الصهيوني استعادة رُفات مقاومين شهداء من تونس سقطوا على أرض لبنان في عملياتٍ استشهادية وعمليات مقاومة من أجل تحرير الأرض الفلسطينية. في تونس منذ أن بدأنا ووُجدت لدينا شاشات التلفزيون غالبيّة الشعب التونسي كبرنا على متابعة بطولات المقاومة في جنوب لبنان والتحرير في العام 2000، المعارك في التسعينات ضدّ الكيان الغاصِب وصولاً إلى حرب 2006 وما بعدها. السيّد حسن نصر الله ساند وبارك الثورة التونسية في تحرّرها من الاستبداد وبالتالي كان شخصيةً جامِعة وحقيقية، كان صديقاً ومُحبّاً للمُثقّفين التونسيين. 

 

بيار أبي صعب: فاصل قصير ثم نشاهد مباشرة شهادة الوزير اللبناني السابق جون لوي قرداحي ونعود إلى حديثنا. 

 

جون لوي قرداحي: تعرّفتُ إلى سماحة السيّد حسن في العام 2001 حينما كنتُ وزيراً للاتصالات، وكانت تربطني به علاقة ثقة وإيمان بالوطن، كان داعماً لمسيرة الإصلاح التي قمنا بها حينها في وزارة الاتصالات بإخراج السياسيين والنافذين اللبنانيين والسوريين من قطاع الاتصالات واستعادة مداخيل الدولة ومُحاربة الفساد. قلتُ له ذات مرة إنه يجب أن تترافق مقاومة العدو الإسرائيلي مع مُحاربة الفساد الساري في الداخل، وكان مؤمناً بهذا المسار، مسار إصلاح البلد وإيجاد مساحة لكل المواطنين، لكل اللبنانيين على قَدَمٍ المساواة من دون تغليب لفريقٍ على آخر. كان إيمانه بالبلد راسِخاً وكان يعرف كيف يواجه التحدّيات الصعبة التي يمرّ بها البلد، مع رفيق الحريري في العام 2005 عرف كيف يتجاوز الظروف لكن الرئيس الحريري دفع ثمنها. مع المسيحيين كان مؤمناً بأنهم لا يتنازلون عن أيّ شبر ولا عن أيّ حقّ من حقوق الوطن. كان يؤمن بجميع الأطراف ويحمّلهم المسؤولية الوطنية أو يشاركهم بها. كان مؤمناً بأن الرئيس برّي هو حامل الأمانة، كان يهمّه التوافق معه على كافة الأمور، كانت لديه قناعة راسِخة بهذا البلد واستقلالية في القرار، لم يتأثّر يوماً بضغوطاتٍ بضغوطاتٍ داخليةٍ أو خارجية، حين كان يقتنع بموضوعٍ ما كان يمضي به حتى النهاية. اللقاء الأخير الذي جمعني به كان في العام 2018 أعرب لي خلاله عن ثقته بي وتناقشنا بشؤون البلد والمخاطِر في المنطقة، كان يرى الصورة العامة والشاملة في لبنان والمنطقة بأسرها، كان يعتبر دوماً بأن الوحدة الوطنية والتضامن الوطني هو الذي يحمي البلد، كان يرفض بأن يستقوي طرف على آخر لأن لبنان وطن نهائي للجميع. نموذج من الموازييك، هكذا كان إيمانه بالبلد، لبنان المُتنوّع غير العنصري، لبنان الانفتاح وليس لبنان المُنْغَلق على ذاته. هذا كان كلامي الأخير معه، للأسف الظروف حرمتنا رجالاً دولة من طراز سماحة السيّد. الرجال أصحاب الكلمة الثابتة والوعد الصادق كما سمّوه، نحن بحاجةٍ إلى رجال ونساء أصحاب وعود صادقة. سماحة السيّد هو رجل الصدق، هو الصديق الصدوق، كلامه لا غُبار عليه وإذا قال كلمةً يلتزم بها، أعتقد أن كلمة صاحب الوعد الصادق هي أفضل كلمة تُقال في حقّه.

 

بيار أبي صعب: أهلاً بكم مجدّداً أعزّائي المشاهدين في هذه الحلقة الخاصة من "على محمل الجد" في الذكرى الأولى لاستشهاد السيّد حسن نصر الله. اسمحوا لي أن أعيد الترحيب بضيوفي: رودني حداد وأحمد عبد السادة في بيروت، وغسان المختومي في ليل الفرنسية. نستمع الآن إلى هذه الشهادة من فلسطين المحتلّة، "كان يحتلّني حين يبتسم"، الممثّل والمخرج الفلسطيني محمد بكري في حضرة الغياب، نستمع معاً.

 

محمد بكري: ذهب الذين أحبّهم وبقيتُ مثل السيف فردا، أتذكّر هذه الجملة كلّما فقدتُ أحداً، هذه الجملة حضرتني بمرور سنة على رحيل السيّد حسن نصر الله. السيّد حسن نصر الله كان أباً للجميع، هناك أناس يسكنون البلاد وهناك بلاد تسكن في الناس، السيّد حسن كان من نوعٍ خاص، البلاد كانت تسكنه، كانت هموم الناس المظلومين تسكنه، كان صاحب مبدأ، كان صاحب مسؤولية، كان أباً. وأكثر ما يحضرني الآن في الحديث عن السيّد حسن هو أنه حَسَن المظهر، حَسَن الكلام، حَسَن البسمة، لا يمكنني أن أنسى ابتسامته، كان يحتلّني حينما يبتسم، البسمة كانت تعيده طفلاً صغيراً مليئاً بالبراءة والمحبّة والإنسانية والحب لكل ما يحيط به. كان مسيحياً ومسلماً، كان سنّياً وشيعياً ودرزياً، كان إنساناً يجمع بين كل الطوائف والأديان. لقد كان يمثّل كل إنسان مُسْتَضْعف ومظلوم، كانت له مفردات لا يمكن أن يقولها غيره، لقد خلق نوعاً من الكلام لم نسمعه من أيّ قائدٍ عربي في عصرنا هذا، وفُقدانه هو فُقدان القيادة والبوصلة. أقول بأن السيّد حسن يذكّرني بالفنان الرائع الراحل زياد الرحباني، كانت تجمعهما قضية واحدة وهمٌّ واحد، همّ لبنان والشعب العربي، همّ المظلومين. فقدناك وعدنا إلى بيوتنا ناقصين. 

 

بيار أبي صعب: أستاذ غسان المختومي قاطعتك قبل قليل سامحني، بالنسبة إلى كثيرين ما زال السيّد هنا يُدير المعركة ويشدّ العزائم ويستشرف النصر الآتي. ما تعليقك بإيجاز لو سمحت على هذه المُقاربة المجازية طبعاً؟

 

غسان المختومي: سماحة السيّد تحوّل إلى بطلٍ أسطوري يعيش في داخلنا لأنه كما قلتُ ملأ الدنيا وشَغِل الناس في زمنٍ اعتقدنا جميعاً أننا نسير نحو الهاوية ونحو التطبيع والاستسلام، كان هو الأمل الأخير والرَمَق الأخير. كان مثل جورج حبش في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، ككمال جنبلاط، كجورج حاوي، كأرنستو تشي غيفارا، كان بطلاً، لهذا نفهم لماذا ما زال الناس يتمسّكون ويرفضون فكرة رحيله. سماحة السيّد كان يُدرك حجم المسؤولية التي أوكِلَت له وحجم يعني قيادة دفّة المقاومة، ندرك جيّداً أن جنوب لبنان كان يرزح تحت الاحتلال، وأكثر من ذلك وجود عملاء للاحتلال في جنوب لبنان، حرّر الأرض ومن ثم توجّه نحو استهداف العدو الغاصِب للأرض أي في الأراضي المحتلّة. عشنا معه أكثر من ثلاثين عاماً كأمينٍ عام، لذا ليس من السهل ليس على الجماهير والناس وحتى لمَن عاشَره وصاحَبه وصادَقه أن يقبل تلك الفكرة. عندما يقول آلان جريش "عندما تحدّثتُ مع سماحة السيّد أنه يريد وطناً ديمقراطياً علمانياً يتعايش فيه المسلمون واليهود والمسيحيون". نذهب حتى أكثر من آلان جريش، تتذكّر كتاب جورج مالبرينو "الثوريون لا يموتون أبداً". ألا تتذكّر تلك الرسالة التي كتبها الحكيم جورج حبش لسماحة السيّد حسن نصر الله بمناسبة انتصار حرب تموز 2006؟ رسالة في قمّة الإنسانية وفي قمّة النُبل تحيل كما قال الصديق من لبنان والأخ من العراق إلى أن الرجل غير عادي.

 

بيار أبي صعب: محاولة مدّ الجسور بين كل القادة وكل =الثوّار وكل الشرفاء في الأمّة. رودني أنت مخرج ومُمثّل وكاتب، أخبرني عن حسن نصر الله الذي لم يكن أداؤه عادياً، لا أتحدّث عنه كخطيبٍ مُفوّه، المؤدّي بملامِح وجهه ونبرة صوته، أصابعه، يده، مُخاطبته للناس خلق هذه المودّة في ما بينهم، هذا لا نجده دوماً عند أيّ زعيم سياسي أو حت عند كبار الخُطباء.

 

رودني حداد: يستحيل أن تجد مثله في يومنا هذا، كان يخطب في أكثر الأحيان أمام الكاميرا ويعرف أن هناك جمهوراً يتابعه، لقد أسميته "سوبر سوبر ستار"، كان خطيباً قوياً، وقد شكّل تاريخاً عاطفياً ومعنوياً في أذهان الناس، كان يستلهب الجمهور بحضوره كما قال محمد بكري، ابتسامته احتلّتهم وليتها احتّلتهم لكي يتحرّروا. الحضور لا يُدرَّس، والأهمّ هو الإمكانيات الفكرية، الإمكانيات الفكرية. لقد كان لديه الكثير لقوله ولكنه مُقيّد بوقتٍ مُعيّن وفي ظلّ التشديد الأمني عليه، كان يقول سنُكمل ما تبقّى في المناسبة القادمة. شخص يتكلّم لساعةٍ ونصف الساعة بمواضيع مهمّة، هذه قُدرة خارِقة لا تُدرَّس، بالممارسة تتطوّر لكنها لا تُدرَّس. أحد المخرجين الكبار قال له ممثّل علِّمني كيف أمتلك الحضور، فوضع عشرة كيلوغرامات على قدميه وقال له امشِ 13 ساعة يومياً ففشل، الحضور هو إشعاع داخلي يأتي من الأفكار.

 

بيار أبي صعب: هذا الحضور سيستمرّ بعد استشهاده لأجيالٍ في أذهاننا.

 

رودني حداد: كان "يأكل" الكاميرا، أما نبرة الصوت التي هي البصمة الأساسية عند كل ممثل كانت تطبعه، أحياناً كان يُلقي الخطابات ارتجالياً. لا شيء إسمه الوَحي، هو يأتي تلقائياً.

 

بيار أبي صعب: الوَحي أستاذ أحمد هذا الخطيب المُفوّه كانت لديه القدرة على الإقناع، على المنطق، على المُحاجَجَة وعلى أن يحترم الرأي العام، كان يتحدّث بصدقٍ وصراحةٍ ومباشرةٍ واحترامٍ للرأي العام،  كان ماكينةً إعلامية قائمة بذاتها. ما هو تقييمك كصحافي وإعلامي لهذه القُدرة الإعلامية على الوصول إلى دائرة كبرى من الناس في العالم العربي وما وراء العالم العربي وعند العدو الصهيوني أيضاً؟

 

أحمد عبد السادة: الجزء الأكبر من تأثير السيّد حسن هو الصدق، هذا الصدق لامَسَ وأَسَرَ قلوب مُحبّيه وأيضاً نال احترام أعدائه، يقول الشاعر" وشمائلٌ شَهِدَ العدو بفضلها والفضل ما شهدت به الأعداء". عندما يقول المجرم نتنياهو بأنه تمّ اغتيال محور المحور فهذا اعتراف بعَظَمَة السيّد حسن واعتراف بأن السيّد حسن كان السدّ المنيع أمام التمدّد الإسرائيلي أولاً وأمام التمدّد التكفيري ثانياً. وجود السيّد حسن كان يمنح الطمأنينة للناس وللأقلّيات، بعد استشهاد السيّد حسن أصبح هناك شعور نفسي عام ولا بدّ من أن نعترف بأنه كانت هناك خيمة ومظلّة للاطمئنان اختفت من المنطقة. 

 

بيار أبي صعب: ولكنه حاضِر حاضِر في غيابه ولديه القُدرة على إعطاء نَفْس الزُخم.

 

أحمد عبد السادة: بالتأكيد الشعور بالفُقدان لكن برأيي سيخرج جيل هو جيل السيّد حسن، كل القادة الذين استشهدوا هم رفاقه لكن القائد الميداني الشهيد السيّد حسن هو أخطر وأقوى وأعظم وأكثر تأثيراً من القائد الميداني الحيّ، وأتوقّع وهذا من المؤكّد كحتميةٍ تاريخيةٍ سيظهر جيل مقاوم جديد هم أبناء السيّد حسن، يحملون نَهْجه وهم صنيعته.

 

بيار أبي صعب: أستاذ غسان المختومي في ليل إسمح لي بسؤالٍ أخير، "إنّا على العهد" يقول جمهور المقاومة للسّيدين الشهيدين، كيف تنظر إلى مستقبل الصراع ضدّ التبعية والتوحّش بعد السيّد حسن نصر الله؟

 

غسان المختومي: استشهد غيفارا ولكن هل استسلمت أميركا اللاتينية؟ كلا، استشهد جان مولان عظيم المقاومة الفرنسية ضدّ النازية، هل انتهت المقاومة الفرنسية؟ كلا يل واصلت نضالها ضدّ النازية، استشهد أنطونيو غرامشي ورفاقه الشيوعيين فهل استسلمت إيطاليا للفاشية؟ بتاتاً، حتى في لبنان، نعم استشهد الأخ والقائد الأمين العام حسن نصر الله وقبله الأخ والقائد عباس الموسوي هل توقّفت المقاومة؟ كلا، ما دام هناك ظلم رفيقي بيار فمن الطبيعي أن تكون هنا مقاومة ونضال.

 

بيار أبي صعب: أشكرك أستاذ غسان المختومي نواصل هذا الحوار في مناسبات أخرى إن شاء الله. أستاذ أحمد عبد السادة السنتان الصعبتان الأخيرتان كيف انعكستا على العراق عموماً وعلى الجيل الجديد في العراق، جيل الحِراك، جيل التغيير، هل هناك صحوة وعي بعد غزّة وبعد استشهاد القادة وإلى آخره  لدى الجيل الجديد في العراق؟

 

أحمد عبد السادة: نعم بالتأكيد، =الأحداث أثبتت بأن الجانب الأميركي هو الذي يتحكّم بالمشهد العراقي، وحتى الفساد المالي والسياسي هو بضوءٍ أخضر أميركي، هذا الأمر يؤكّد صوابية ورؤية السيّد حسن بأن الأميركيين هم العدو الأساسي في العراق وهم الذين جلبوا الخراب للعراق وهم الذين يساهمون الآن بتعطيل مشروع التنمية في العراق. كل الأحداث أثبت بأن السيّد حسن يمتلك هذا الاستشراف العالي ويمتلك الرؤية العميقة التي تُشخّص العدو والصديق، وبالتالي أتوقّع =بأنه حتى هذا الجيل الجديد الذي كان جزء منه ضدّ السيّد حسن سيعود إلى السيّد حسن وسيعود إلى جميع خطاباته لمعرفة البوصلة من جديد. 

 

بيار أبي صعب: أستاذ رودني حداد ننتهي إلى لبنان، الطبقة السياسية في لبنان كانت تتعامل مع السيّد حسن باحترام وبخشية، بعد استشهاده باتت هناك ركاكة وإسفاف في الحياة السياسية ومحاولات للاستقواء بالاحتلال الإسرائيلي والانتصار على الأطراف الأخرى من خلال الدبّابة الإسرائيلية، ما هي قراءتك الشاملة لهذه اللحظة بعد عامٍ على غياب السيّد حسن. 

 

رودني حداد: هو لم يكن قائداً عربياً أو إسلامياً بل هو تخطّى هذه الحدود، هو يُعْتَبر من القادة المقاومين في العالم، الشعوب ترى فيه بطلاً، المقصود هو أن تُكْسَر صورة المقاومة باستشهاده لذلك كان هو مُسْتَهْدف دوماً. في لبنان قلّةٌ هم الإعلاميون المحترمون من أمثالك ولكن الإعلاميين الجُدُد يعملون كجماعات ضغط، وتشويه صورة السيّد  حسن نصر الله بدأت  باغتيال الشهيد رفيق الحريري لكَسْر فكرة أن هذا الشخص المُعمّم يُلغي صورة القائد الذي يذبح، هم يسعون إلى إلغاء صورة الجندي في حزب الله الذي وقف أمام صورة السيّدة العذراء ويؤدّي للتحية، لذلك كانوا يستهدفونه شخصياً.

 

بيار أبي صعب: ولكن الرأي العام اللبناني لم يقع في هذا الفخّ رغم الهيمنة الإعلامية. الإحصاءات تفيد بأن أكثرية اللبنانيين ليسوا ضدّ سلاح المقاومة.

 

رودني حداد: بغضّ النظر، حتى وإن كان البعض يفكّر بهذه الطريقة ولكن كم الوعي لتنقل أحداً من جهة إلى أخرى تستلزم وقتاً ووعياً وإصراراً من قِبَلنا، هناك أموال تُدْفَع من أجل تشويه هذه الصورة، علينا ألا نصدّق ما يقولونه. مَن يستشهد إبنه في المعركة هو قائد يجب أن يُحْتَرم.

 

بيار أبي صعب: الكلمة ما قبل الأخيرة للكاتب المصري الراحل محمود السعدني "القائد الحقيقي ليس الذي يقود في حياته بل الذي يترك خلفه مصابيح تُضيء الطريق من بعده". ومسك الختام مع سيّد شهداء الأمّة "نحن أقوى من الخوف وأقوى من الموت وأقوى من الإرهاب والتهديد، نحن أقوى من الفتنة التي يريدون إشعالها في لبنان، هذه الفتنة سنواجهها بوعينا وصبرنا كلبنانيين جميعاً بالحِكمة وبالدموع حتى لو احتاج الأمر بالتضحيات والدماء". شكراً لضيوفي: رودني حداد، أحمد عبد السادة، غسان المختومي، شكراً على المتابعة وإلى الأسبوع المقبل.