الدبلوماسية الصداميّة في زمن الهيمنة

بسمارك، موحد ألمانيا، كان يعتبر أن "الدبلوماسية من دون سلاح، كالموسيقى من دون آلات". المشكلة مع الولايات المتحدة اليوم، أنها تمتلك أفضل الآلات، آلات الدمار والقتل الخارقة المتطورة، لكنها لا تعزف الموسيقى. من بايدن إلى ترامب، بقي شعار الإدارة الأميركية هو: الدبلوماسية أولاً. لكن ما الذي يبقى من الدبلوماسية، حين تكون أداءً فوقياً، صدامياً، قوامه الإملاءات والتهديد؟ ما الذي يبقى من الدبلوماسية، حين تكون فرضاً لقرارات مسبقة، أُخذت من طرف واحد، في واشنطن أو "تل أبيب"؟ ما الذي يبقى من الدبلوماسية، تحت وطأة سياسات خارجية تزدري الدول، وتنظر إلى حقوق الشعوب كعناصر ضمن صفقة تجارية أو استثمارية؟ أما زلنا ندفع، في هذه المنطقة من العالم، أثمان الأحادية القطبية التي أنجبت عقيدة الهيمنة الليبرالية؟ وهل ستؤدي الشروخ في صرح هذه الهيمنة، إلى شكل من أشكال التصحيح؟

نص الحلقة

 

بيار أبي صعب: مساء الخير، بسمارك موحّد ألمانيا كان يعتبر أن الدبلوماسية من دون سلاح كالموسيقى من دون آلات، المشكلة مع الولايات المتحدة اليوم أنها تمتلك أفضل الآلات، آلات الدمار والقتل الخارقة المتطورة لكنها لا تعزف الموسيقى. من بايدن إلى ترامب بقي شعار الإدارة الأميركية هو الدبلوماسية أولاً، لكن ما الذي يبقى من الدبلوماسية حين تكون أداءً فوقياً صدامياً قوامه الإملاءات والتهديد؟ ما الذي يبقى من الدبلوماسية حين تكون فرضاً لقراراتٍ مسبقة أُخذت من طرفٍ واحد في واشنطن أو تل أبيب؟ ما الذي يبقى من الدبلوماسية تحت وطأة سياساتٍ خارجية تزدري الدول وتسخّر حقوق الشعوب في صفقاتٍ تجارية؟ أما زلنا ندفع في هذه المنطقة من العالم أثمان الأحادية القطبية التي أنجبت عقيدة الهيمنة الليبرالية؟ وهل ستؤدي الشروخ في صرح هذه الهيمنة إلى شكلٍ من أشكال الحرية؟

 

لمناقشة هذا الموضوع أعزائي المشاهدين معنا في الاستوديو الأكاديمي والوزير السابق عدنان السيد حسين، ومن واشنطن الأكاديمي والدبلوماسي الأميركي السابق نبيل خوري، ومن القاهرة الأكاديمي والدبلوماسي المصري السابق عبد الله الأشعل، أهلاً بكم جميعاً. دكتور عدنان فكرة التغوّل والهجوم وحرب الوعي الناعمة التي تخوضها أميركا على مجتمعاتنا وشعوبنا، إلى أي مدى تندرج في سياق الدبلوماسية؟

عدنان السيد حسين: شكراً لكم، هناك نوعان من الدبلوماسية، الدبلوماسية الإكراهية والدبلوماسية التصالحية، الدبلوماسية التصالحية تقوم على مبدأ الوصول إلى تسوية بين الأطراف. الدبلوماسية الإكراهية أو القسرية التي مارسها هتلر في الحرب العالمية التانية قبيل غزو أوروبا الوسطى تمارسها إسرائيل بكفاءة عند كل مفاوضات بما فيها مفاوضات كامب ديفيد بين مصر إسرائيل إلى اوسلو إلى وادي عربة وصولاً اليوم إلى دبلوماسية الولايات المتحدة. لماذا هذه الدبلوماسية مترافقة مع عقوبات اقتصادية علماً أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قالت منذ أكثر من عشرين سنة حرامٌ أن تطال العقوبات الشعوب ولا تطال الحكام. إذا كنتَ تريد معاقبة حاكم معيّن مثل صدام في العراق كما زعمت أميركا فقتلت مليون طفل عراقي إلى آخره. اليوم هناك عقوبة للشعب الفلسطيني في غزة وفي الضفة وفي أخرى في العالم. لماذا الدبلوماسية الأميركية تشيح بوجهها عن الجوع في غزة في الوقت الذي تُغدق فيه بوعود كاذبة، وهذه الوعود تترافق مع حملة عنف وتصدير سلاح إلى آخره. أنا أعتقد أن الليبرالية وفي الاقتصاد الرأسمالي وصلت إلى التمركز بالمعنى السلبي اللا إنساني، ولا أبالغ إذا قلتُ غير الأخلاقي، تشومسكي كان على حق عندما تحدّث عن مسار السياسة الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية وصولاً إلى اليوم، لنقل إنه منذ سقوط الاتحاد السوفياتي إلى اليوم لم تستطع هذه الدبلوماسية الأميركية أن تقنع حتى قسماً كبيراً من الأميركيين بأنها دبلوماسية حضارية ذات مضمون إنساني، هي دبلوماسية قسرية تعتمد القوة، وأنا أتصوّر أن الأمم المتحدة باعتراف أمينها العام أنطونيو غوتيريش "نحن نعيش أسوأ مراحل تطبيقات القانون الدولي في العالم"، وأذكّر أيضاً أن كوفي أنان في سنة 2000 قال إنه يفكر بعقد مؤتمر عالمي لنطرح فيه أسباب الإخفاق في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وتطبيقات القانون الدولي.

 

بيار أبي صعب: لنرى معاً خصوصية عهد إدارة ترامب، أسأل الأستاذ نبيل خوري، دكتور نبيل هل هناك اليوم عقيدة دبلوماسية أميركية في الشرق الأوسط وكيف يمكن تحديدها؟ وإلى أي مدى تختلف عن الدبلوماسية أيام إدارة بايدن؟

 

نبيل خوري: بدايةً يجب أن نفرّق بين المرسال والرسالة، المرسال هو الدبلوماسي الذي يخرج إلى دول لها علاقة مع الولايات المتحدة أو الدولة الباعثة ويحاول أن يلطّف الأجواء ويقرّب من وجهات النظر. الرسالة تأتي من صانعي القرار في واشنطن وليس من الدبلوماسي، فإذاً يجب أن نفرّق بين السياسة الخارجية الأميركية والدبلوماسية كأداة. عندما بدأتُ عملي في الخارجية الأميركية كان هناك حوالي سبعة أو ثمانية آلاف دبلوماسي يعملون في الخارج من بينهم على الأقل ثلث هذا العدد، كان من خبراء المنطقة مثلاً في الشرق الأوسط كانوا يعرفون اللغة، يعرفون الثقافة ويحبّون التقرّب من الناس في تلك البلدان التي يعملون بها، أما الباقون كانوا بين بيروقراطيين وسواح، اليوم مع الأسف عدد الخبراء الحقيقيين تقلّص ويُصرف العدد الكبير من الدبلوماسيين لأن نظرة إدارة ترامب هي نظرة شخصية، هو يشعر بأنه لا يحتاج إلى دبلوماسيين، هو الدبلوماسي الأول ويعتقد أنه بالتكلم على الهاتف غالباً مع رؤساء الدول يستطيع أن يعطي الرسالة التي يريد أن يعطيها ولا يحتاج إلى خبرة شخص ينصحه أو لخبرة الدبلوماسي الذي يذهب للعمل في الخارج. فإذاً نحن نشهد دبلوماسية معتمدة على شخص الرئيس وأسلوبه وبعض المقرّبين منه الذين يرسلهم مثل توم برّاك ممّن لديهم نفس الشخصية والعجرفة.

 

بيار أبي صعب: سأسألك دكتور خوري أن شخصاً مثل توم برّاك المبعوث الاص بالمنطقة يقول للبنانيين إما أن تخضعوا للتعليمات أو أننا سنُلحقكم بسوريا، هل هذه الرسالة أو الرسول؟

 

نبيل خوري: الاثنان معاً، ربّما لو كان شخصاً ما غيره للطّف الكلام ولكن بالنهاية هذه هي الرسالة، ليس هنالك معرفة عميقة بالوضع اللبناني وبالتالي لا يعرفون المعضلة ولا يهتمّون بها، يريدون ما يريدون، فالرسالة من إدارة ترامب أنه يجب أن يخضع لبنان للأمر الواقع وبالتالي نملي عليه.

 

بيار أبي صعب: دكتور عبد الله الأشعل قيل الكثير عن الغطرسة والمزاجية والنرجسية والارتجال والشخصنةعند الرئيس ترامب وعن سياساته المتقلّبة القائمة على الابتزاز والتهديد، وعن فهمه للسياسة الدولية كفن عقد الصفقات على حساب الدول والشعوب. الأصدقاء قبل الخصوم على كل حال، ماذا بقي من فكرة الدبلوماسية والحوار والسلام مع أداء الرئيس الأميركي وإدارته.

 

عبد الله الأشعل: أولاً الدبلوماسية هي فن إدارة العلاقات الدولية، وبالتالي لا نستطيع أن نقول إن هناك دبلوماسية صدامية ودبلوماسية توافقية. أنا قضيتُ في الخارجية المصرية أربعين عاماً، وخدمتُ في البعثات المصرية في كل أنحاء العالم بما فيها نيويورك، وتبيّن لي أن ترامب هو الصهيوني الأول في العالم لأن تجربة الولايات المتحدة في نهايات القرن الخامس عشر أثبتت أن علاقتها بإسرائيل، أنا أذكر في منتصف الستينيات كان المثقفون العرب يجادلون في طبيعة العلاقة بين أميركا وإسرائيل. ملحمة غزة أثبتت وترامب نفسه أثبت أن إسرائيل صورة مصغّرة من الولايات المتحدة الأميركية، الصهيونية معناها إبادة السكان الأصليين والحلول محلهم في الأرض. فالولايات المتحدة نشأت على جثث ما يسمّى بالهنود الحمر وهم ليسوا هنوداً ولا حمراً، نحن بحاجة إلى مراجعة كافة المصطلحات التي وردت إلينا من الغرب. حفلت الكتب العربية بهذه المصطلحات والثقافة العربية امتلأت بالخرافات. ولذلك فإن ترامب يريد شيئاً واحداً هو إسرائيل الكبرى والصراع القادم في المنطقة على هوية المنطقة، هل هي هوية عربية أو صهيونية؟ الشرق الأوسط مقابل العالم العربي. في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي كتب بيريز كتابه "الشرق الأوسط الجديد"، الرجل لم يكن يمزح، هو صمّم الشرق الأوسط على أساس آآ توزيع الأدوار ولكن ترامب يريد الشرق الأوسط الذي تتسيّد فيه إسرائيل وتبقى هي صانعة القرار الأساسي وأن يكون العرب خدماً لإسرائيل.

بيار أبي صعب: ويضمن ثروات المنطقة وأن يكون لديه كل الامتيازات لسرقة ثرواتنا.

 

عبد الله الأشعل: عينه على غزة لأسباب اقتصادية، غزة تعوم على بحر من الغاز والبترول. ولذلك فإن ترامب فت هو الصهيوني الأول في العالم ولذلك تماهى مع نتنياهو. وليس صحيحاً كما يقول المعلّقون العرب أن نتنياهو يتعلّق بالكرسي السياسي وأنه يريد الحرب لإطالة أمد بقائه على الكرسي ولكن  نتنياهو هو أكثر بُعداً عن هذا، هو يريد أن يسجّل في المجد الصهيوني أعلى مرتبة من بن غوريون، ولذلك فإن ترامب يتماهى مع نتنياهو، نفس القفص ونفس المزاج. 

 

بيار أبي صعب: سنعود إليك دكتور عبد الله، اسمحوا لي أن نعرض هذا الكليب، دعونا نتوقف عند شهادة الأستاذة سماهر الخطيب الخبيرة السورية في العلاقات الدولية والدبلوماسية حول العقيدة الترامبية أو دبلوماسية الصفقات. الدبلوماسية التي لم يعد هدفها بناء السلام الدولي تقول بل تحقيق المصالح الأميركية الضيّقة، نستمع إلى سماهر الخطيب.

 

سماهر الخطيب: بطبيعة الحال باتت الأسس التقليدية للدبلوماسية ومبادئ الشرعية الدولية موضوع تساؤل جوهري حول فعاليتها في ظل تحولات الجيوستراتيجية العميقة التي تشهدها الساحة الدولية مع إدارة ترامب الحالية التي شكّلت نقطة تحوُّل في السياسة الخارجية الأميركية ظهور ما يسمّى بمبدأ ترامب أو العقيدة الترامبية القائمة على المعاملات الاقتصادية والمواقف المناهضة للمؤسسات الدولية التقليدية، وبالتالي لم تعد الدبلوماسية تقتصر على المفاوضات السياسية والأمنية التقليدية بل باتت تقوم على المعاملات الاقتصادية والتجارية أو ما يُعرف بدبلوماسية الصفقات التي روّجت لها الإدارة الأميركية بهدف تعظيم المكاسب الأميركية وتقليل أو تخفيف الالتزامات تجاه الحلفاء والقضايا العالمية، بمعنى تفضيل المصالح المادية على حساب القيم والمبادئ الديموقراطية وتفضيل التحالفات الثنائية على التحالفات المتعددة الأطراف التي تعود بالفائدة الاستراتيجية للنظم العالمية ، وهذا بطبيعة الحال انعكس على الشرعية الدولية لهذه المنظمات ووضعها أمام تحديات وجودية، وحتى التحالفات التقليدية لم تعد مضمونة أمام توجهات ترامب فهو يقوم مثلاً بتقوية العلاقات مع روسيا وكوريا الشمالية العدوين التاريخيين للغرب. وبالتالي بات العالم اليوم أمام إعادة لتعريف المصطلحات الدبلوماسية وهيكلة أدوات الدبلوماسية لتتلاءم مع التوجه العالمي الجديد والنظام العالمي الذي يبدو إما شبيهاً بالنظام القائم في القرن التاسع عشر أو نظام متعدد الأقطاب تنوّعت فيه أدوات الدبلوماسية ولم تعد تقتصر على الدبلوماسية المتعددة الأطراف، كما لم تعد تقتصر على الأدوات التقليدية وسط وجود التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. 

 

بيار أبي صعب: معالي الوزير لبنان قد يشكّل تجسيداً نموذجياً لما يمكن أن نسمّيه الدبلوماسية المتوحّشة أو الدبلوماسية الصدامية، استخفاف، ارتجال، فرض قسري للأمور، انقلاب على التعهدات، وصاية مباشرة سافرة، بمعزلٍ عن سلوك الدولة اللبنانية أو السلطة اللبنانية فهذا يستحق موضوع آخر، كيف تنظر إلى الدبلوماسية الأميركية في لبنان اليوم؟ 

 

عدنان السيد حسين: الواضح حتى الآن أن المصلحة الإسرائيلية تحت عنوان أمن إسرائيل هو الذي يحدد ليس فقط الدبلوماسية بل السياسة الخارجية الأميركية إلى حدٍّ بعيد وهذا أمر ليس بجديد، لا نقول كلاماً جديدًا إنما الشيء الذي استجدّ هو إطالة أمد الحرب في غزة، الهجوم على لبنان، إطلاق يد إسرائيل في سوريا، الخرائط التي جرى الحديث عنها والتي رفعها نتنياهو، حتى في العام ما قبل الماضي رفع في الجمعية العامة للأمم المتحدة خريطة جديدة في الشرق الأوسط. الإدارات الأميركية والدبلوماسية الأميركية لم تتعامل مع إسرائيل بشيء من الالتزامات، نفس الدبلوماسية الأميركية التي تسأل عنها رفضت الاستيطان في الضفة الغربية من ثلاثين عاماً، كانت ترفض تهويد القدس بالاستيطان سابقاً ولكن ترامب بدبلوماسيّته نقل السفارة إلى القدس صحيح وهذا تحدٍّ وتخلٍّ. أأسف أن أقول إن هذه الدبلوماسية تتّصف أيضاً بعدم الصدقية، بعدم الالتزام، عدم الالتزام لدولة عظمى متل الولايات المتحدة يُفقدها شرعيتها بالمعنى القانوني والمعنوي والإنساني وإلا لماذا شعار "سلام القوة"، سلام القوة يعني الغطرسة التي ذكرتها حضرتك في المقدمة هو ليس نوعاً من انفعال أو غضب،هم يقولون نحن نريد أن نفرض السلام بالقوة على طريقتنا. أنا كلبناني عربي منذ ثلاثين عاماً قالوا الأرض مقابل السلام في الشرق الأوسط، بعد عشر سنوات قال الإسرائيليون السلام مقابل السلام بتأييد أميركي، الآن يقولون السلام بالقوة، ماذا بقي لنا؟ أخشى نحن في لبنان أن نبقى تابعين لهذه الأطروحات دون أن ننطلق من وحدة حقيقية داخلية، لا أقول قطع العلاقات مع أميركا ولا أقول استنكاف ولا أقول الهجومات والانتقال إلى محور الشرق بقدر هو التمسّك بما جرى التوقيع عليه في 27 تشرين واتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل عام 1949 أين هي اليوم؟ أكبر حجّة قانونية وسياسية وأخلاقية بيد لبنان تجاه كل الضغوط التي يتعرّض لها لبنان. 

 

بيار أبي صعب: الموفد الأميركي قال انا لا أمون على إسرائيل.

 

عدنان السيد حسين: هذا كذب.

 

بيار أبي صعب: هي الضامنة للاتفاق. 

 

عدنان السيد حسين: هذا دجل، الكونغرس يصنعه الإيباك، اللوبي الصهيوني في أميركا، الشركات الكبرى خصوصاً في الإعلام وفي التحالف بين مصانع العسكر والشركات الاقتصادية. هذا موضوع خطير، للأسف بالنسبة لنا مَن راهن على الولايات المتحدة الأميركية في السياسات الخارجية يخسر ولكن ألا ننتبه إلى رأي عام غربي بدأ يكتشف هذه السياسة وهذه الدبلوماسية الأميركية وحتى داخل أميركا وداخل جامعاتها، هذا أمر يجب أن نتنبّه له ونلاحظه وأن نشجّعه نحن اللبنانيين والعرب لا أن نموت قبل أن نموت، من المبكر أن نموت.

 

بيار أبي صعب: أستاذ نبيل خوري كيف تقيّم سلوك ترامب وسياساته الخارجية عموماً من حروب التعيفة الجمركية إلى أدائه في أوكرانيا وتعامله مع حلفائه وصولاً إلى المنطقة العربية، دعم الإبادة والتوسّع، إعلان ريفيرا الشرق الأوسط، القائمة طويلة، التسوية الثنائية مع اليمن، وحضرتك شغلتَ مسؤوليات دبلوماسية في اليمن، ضرب إيران خلال التفاوض رغم التعهدات بعدم الضرب، الملف السوري وتبييض صفحة التكفير، الخفّة في التعامل مع الملف اللبناني. هل نحن أمام نهاية عصر في مسار العلاقات الدولية؟

 

نبيل خوري: نحن والعالم في وضع سيء جداً حالياً،  أظن بالنسبة دونالد ترامب نفسه كشخص يعاني بحب الذات وكثير من الأنانية، معرفته بالعلاقات الدولية بشكلٍ عام هي معرفة سطحية جداً تقتصر على المنفعة الشخصية والعلاقات التجارية التي تدرّ عليه وعلى عائلته الربح وثانوياً ربّما على الولايات المتحدة، ولكن كثير من الضرائب التي تُفرض على الدول يقول الخبراء الاقتصاديون إنها مضرّة لمصالح أميركا الاقتصادية ولكنه يمارسها بطريقة فظّة لابتزاز الدول بأشياء ومصالح يريدها منهم. هذا دونالد ترامب ولكن من حوله أسوأ لأن دونالد ترامب كشخص ليس أيديولوجياً، كما قلتُ هو سطحي، وإذا وصل نائب الرئيس إلى السلطة أو آخرين من أصدقاء دونالد ترامب سيكونون أسوأ لأنهم أيديولوجيين هادفين وأذكى من الرئيس، وبالتالي اه يطبّقون سياسات يمينية متطرّفة في الداخل الأميركي وفي الخارج. بالنسبة لإسرائيل لم يتغيّر سوى الشكل، كان هناك دعم مطلق لإسرائيل ولم تكن أميركا أبداً حكماً عادلا بين الفلسطينيين والإسرائيليين. 

 

بيار أبي صعب: أستاذ عبد الله الأشعل إذا راجعنا محطات المفاوضات غير المباشرة بين الاحتلال وحركة حماس بوساطةٍ مصرية قطرية حول وقف النار في غزة وكيف تتملّص إسرائيل في كل مرة، أيُّ صدقيةٍ برأيك للضمانات التي تقدّمها الولايات المتحدة في مثل هذه المفاوضات؟

 

عبد الله الأشعل: الولايات المتحدة ليست وسيطاً إنما شريكاٍ كاملاً لإسرائيل في الإبادة، ولذلك تتوهّم أنها وسيط وأنها تتساوى مع مصر وقطر. من سوء الحظ أن الدول العربية أصبحت وسيطاً بين إسرائيل وحماس، هذه نقطة سلبية جداً، الدول العربية يجب أن تكون سنداً للعروبة وأن تكون فلسطين أمن قومي مصري وعربي وأن يكون العرب جميعاً على قلب رجل واحد لأن ترامب يريد إسرائيل سيّدة المنطقة ويريد أن يدمّر لبنان وسوريا والأردن ومصر، الخطوة الثانية هي مصر. أنا تفاوضتُ مع الإسرائيليين صراحةً أيام خدمتي في وزارة الخارجية. وقالوا لي إننا نريد مصر بلا مصريين ولذلك فالخطر على مصر لأن مصر هي المركز الأساسي للعروبة ولقد اشتغلوا عليها منذ أيام السادات. التقارب المصري الأميركي الإسرائيلي، وأنا كنتُ شاباً في الخدمة ورافقتُ أنور السادات في كامب ديفيد والسلام ورأيتُ بنفسي كيف أن بيغن فرض اتفاقية السلام على السادات، وإسرائيل لا تشاطر الدول العربية معنى السلام، ولذلك فان العرب لم يتوقفوا طويلاً أمام كلمة السلام، تحت السلام الإسرائيلي معناه أن إسرائيل تريد أن تعقد اتفاقية استسلام لرغباتها.

 

بيار أبي صعب: فاصل قصير ونعود.

 

أهلاً بكم مجدداً أعزائي المشاهدين في هذه الحلقة من "على محمل الجد"، اسمحوا لي أن أعيد الترحيب بضيوفي الأستاذ عدنان السيد حسين في بيروت، الأستاذ نبيل خوري في واشنطن، الأستاذ عبد الله الأشعل في القاهرة. نصل الآن إلى الجزء الثاني من حلقتنا مع فقرة "على محمل النقد". سألنا الباحث والكاتب العراقي كاظم الحاج عن تقييمه للدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط، فجاء جوابه قاطعاً "الولايات المتحدة لم تعد تمارس الدبلوماسية بقدر ما تمارس ابتزازاً منظّماً، نشاهد معاً.

 

كاظم الحاج: ليس من الواقعية أن نسمّي ما يجري دبلوماسية أميركية، الدبلوماسية الحقيقية تفترض اعترافاً بالندّية واحتراماً للسيادة وتفاوضاً على قاعدة التكافؤ، أما ما نشهده اليوم فهو إمبراطورية في طور أفول تحاول تعويض خسارتها في الميدان عبر لغة العصا والجزرة، عقوبات اقتصادية، قواعد عسكرية، تحالفات مضادة وضغوط إعلامية. ما يُعرض على شعوب المنطقة ليس تفاهماً بل معادلة إذعان، إما أن تذعنوا وإما أن تعاقَبوا. أميركا لا تمارس دبلوماسية تفاوضية بل هندسة صراع مُدار، هي تستعمل أدوات المفاوض لإخفاء سلوك المهيمن، وبالتالي جولات المسؤولين والمبعوثين الأميركيين إلى المنطقة والعالم ليس إلا واجهةً لمساراتٍ مرسومة في البنتاغون وفي تل أبيب ووكالة الطاقة الذرية ووزارة الخزانة الأميركية، بمعنى آخر أن البيان الدبلوماسي يصدر من الخارجية لكنه يصاغ في غرفة العمليات المشتركة، وعليه هذه ليست لغة سلام بل إدارة حربٍ بوسائل ناعمة وخشنة. وهنا المواجهة لا تكون بالانسحاب من الطاولة ولا بالقبول بشروط المنتصر المتخيّل بل عبر بناء معادلة ردع متعددة الأبعاد عسكرية واقتصادية وإعلامية والأهم شعبية، بحيث تجعل ثمن الإملاء أكبر من ثمن التفاوض، وبخلق شبكات تحالف بديلة مثل دول محور المقاومة مع روسيا والصين ودول أخرى لتفكيك احتكار أميركا لمسارات القرار، وأيضاً باعتماد الدبلوماسية المهاجمة أي أن تكون الرسالة نحن لا ندافع عن سيادتنا فقط بل نعيد تعريف قواعد اللعبة بتحويل كل فعلٍ مقاوم إلى صورة تهزّ وتصدّع النفوذ والهيمنة الأميركية الغربية كما فعلت إيران في حرب الإثني عشر يوماً، وكما يفعل اليمن الآن وكما فعل حزب الله في تموز 2006 وكما فعلت فصائل المقاومة الإسلامية في العراق في 2011. أميركا لم تعد تمارس دبلوماسية بقدر ما تمارس ابتزازاً منظّماً.والرد ليس في مجاراة خطابها بل في نقل الصراع من طاولة المفاوضات الشكلية إلى ساحة الميدان الواقعي حيث لا تُفرض الإملاءات بالقوة بل تُفرض المعادلات بالمقاومة والوعي والتحالفات المبنيّة وفق رؤيةٍ وطنية استراتيجية. 

 

بيار أبي صعب: دكتور نبيل خوري كيف قرأتَ قمة شنغهاي الأخيرة وضيوف احتفال بكين في الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب الثانية، هل يمكن للعالم أن يشهد نهاية الأحادية القطبية؟ 

 

نبيل خوري: بالطبع هذا شيء يتقدم تدريجياً منذ حوالى عشر سنوات، الصين تحضّر نفسها منذ عقدين أولاً اقتصادياً وتقوّي نفسها بعلاقات تجارية، واسعة ومؤخراً بدت مستعدة لأن تدخل في العالم الدبلوماسي كشريك في حل النزاعات حيث يمكن وأن تعرض خدماتها الدبلوماسية، فهي اليوم في هذه القمّة الأخيرة في شنغهاي تقول إنها مستعدة لأن تقود على الأقل فريقاً كبيراً في العالم، وأن تكون على الأقل نداً للولايات المتحدة. على كل حال أظن أن الوقت يأتي تدريجياً، اليوم عسكرياً ما زالت الولايات المتحدة هي القوة الاولى وبمساندتها ودعمها الكامل لإسرائيل جعلت من هذه الأخيرة دولة مهيمنة عسكرياً في المنطقة ولكن القوى السياسية بدأت تضعف منذ فترة، وهذا العام نشهد أكثر وأكثر هذا الضعف في الدبلوماسية وفي نظرة العالم إلى الولايات المتحدة. الشعوب في أوروبا تتحرك قبل الحكومات نصرةً الشعب الفلسطيني بينما حكوماتهم أغلبها يميني أو وسطي ولم يتأثر بعد بكل هذه المظاهر الشعبية. الولايات المتحدة نفس الشيء، الرأي العام يتغيّر ولكن الحكومة ما زالت مصرّة على السياسات القديمة. 

 

بيار أبي صعب: دكتور عدنان رأينا بوتين في الصين والمعاهدات التي وقعها مع الرئيس الرئيس شي جين بينغ، ماذا عن دور روسيا في المنطقة؟ هل تنازلت روسيا عن منطقة الشرق الأوسط للولايات المتحدة؟

 

عدنان السيد حسين: كلا، التنازل قد يكون تكتيكياً أكثر منه استراتيجياً في مرحلة تفاوض أميركي روسي حول أوكرانيا، وهذا الانسحاب الروسي التكتيكي جزئياً حصل في سوريا من شرق المتوسط لكن لا يمكن لروسيا أياً يكن العهد سياسياً أن تتخلى عن شرق المتوسط والمياه الدافئة، وهي وسّعت الآن إطلالتها على البحر الأسود وتقيم علاقات جيدة مع الأتراك. أما بشأن التحالف مع الصين نحن من القائلين إن التحالف الروسي الصيني ليس جديداً ولكنه يتعمّق ويزداد ومعه طبعاً كوريا الشمالية، ويحاولون إدخال الهند.

 

بيار أبي صعب: هناك تغريدة لترامب يقول فيها أنتم تتآمرون عليّ.

 

عدنان السيد حسين: صحيح، الأمر الثاني أن قضية التعددية والقطبية الواحدة انتهت، أوباما أدركها منذ 2014 عندما قال نحن لا نستطيع قيادة العالم بمفردنا، 46 تريليون دولار هو الدين العام في الولايات المتحدة وتراجُع الدولار والوضع الاقتصادي وصعود الصين وصمود روسيا في الحرب مع أوكرانيا رغم كل الضغوط والعقوبات الاقتصادية، وحتى إيران رغم الضربات العسركية التي وُجهت إليها لكنها لا تزال صامدة اقتصادياً. نعم نحن نتّجه تدريجياً إلى التعددية، صحيح أن هناك تراجع سياسي أميركي في قيادة العالم وتحت عنوان تراجع إنساني وأخلاقي وهذا أمر لطخة على الغرب أن يواجهه لكي يجّدد نفسه وإلا فنحن في خضمّ فوضى ضاربة لا يعلم إلا الله مداها. 

 

بيار أبي صعب: صحيح الغرب يفقد روحه فيما يحصل. دكتور عبد الله الأشعل سمعنا الأستاذ كاظم الحاج قبل قليل يقول إن جولات المسؤولين والمبعوثين الأميركيين للمنطقة ليست إلا واجهة لمسارات مرسومة في البنتاغون وفي تل أبيب ووكالة الطاقة الذرية ووزارة الخزانة الأميركية، ما تعليقك؟

 

عبد الله الأشعل: أنا أعتقد أن الولايات المتحدة لا تزال تقود الغرب نحو الأحادية القطبية، اعتقد ان الولايات المتحدة لا تزال تقود الغرب نحو احادية القطبية، هي لا تريد مشاركة روسيا والصين وإيران بل تريد أن يتفّوق الغرب ويعيد مرة أخرى العصر الإمبريالي على الشعوب العربية وشعوب العالم، ولذلك فإن الصراع في أوكرانيا ليس صراعاً أوكرانياً روسياً وإنما هو على الأراضي الأوكرانية بين روسيا من ناحية والغرب كله من ناحية أخرى، وقد شهدنا اليوم المؤتمر الصحافي الذي عقده زيلنسكي مع الرئيس الفرنسي وتصميم الغرب على ألا ينهزم أمام روسيا لأن القضية ليست هزيمة أو انتصار إنما القضية هي إخراج القوة الروسية من عداد القوى الكبرى. ولذلك فروسيا لا بدّ أن تحسم أمرها، إسرائيل قاعدة متقدّمة للغرب وتحارب روسيا في أوكرانيا، وهي قطعة من الغرب الأوروبي الأميركي، ولذلك يجب على روسيا أن تساند المقاومة العربية مساندةً كاسحة معقولة، هي لديها صواريخ تستطيع أن تغيّر الكفّة، والتركيز الآن على المقاومة ضد إسرائيل التي هي البرزة الحقيقية لمقاومة المنطقة وشعوب المنطقة ضد الإمبريالية الجديدة الصهيونية. 

 

بيار أبي صعب: أستاذ نبيل خوري سؤال أخير، قرأتُ لكم مرة أن استمرار إدارة ترامب في اعتماد السياسة المتساهلة تجاه إسرائيل التي اتّبعتها الإدارات السابقة المتعاقبة قد يُلحق الضرر بالمصالح الوطنية الأميركية في الأمد البعيد، كيف ذلك؟

 

نبيل خوري: بشكلٍ عام بأن تبدأ الشعوب بالتأثير على حكوماتها، إن لم تكن هنالك أعمال عنف تجاه مصالح أميركية فبالتأكيد يمكن أن تكون هنالك مقاطعة ورفض شراكة تجارية مع شركات أميركية إلى آخره. الغضب الشعبي يتحوّل بالنهاية إلى سياسات إما تنفذها حكومات أو شعوب. ما يحصل اليوم هو أخذ الدعم المطلق لإسرائيل إلى أقصاه، دائماً كان هنالك دعم أميركي منذ بداية إسرائيل ولكن بوش الأب مثلاً ووزير خارجيته وجيمس بيكر عملاا بجهد تجاه حل الدولتين. جيمي كارتر أيضاً ولكن لم لديه سوى إدارة واحدة، وبيل كلينتون حاول جاهداً فكان هاك نوع من التكافؤ أو محاولة لأن تلعب أميركا دور الوسيط ولكن هذا الدعم أُخذ إلى أقصاه، وما حصل خلال عامين في الهجوم على غزة لم يسبق له مثيل لا في الهجمات العسكرية الإسرائيلية ولا في أي عنف في التاريخ إلا إذا عدنا إلى النازيين في الحرب العالمية الثانية. فبالتالي لا يمكن برغم أن هنالك نوع من الاستخفاف بالأمور أو الانصراف عنها في العالم العربي، الشعوب تتحرك في الخارج أكثر بكثير من حركات معارضة في العالم العربي، ولكن بالنهاية هذا الغضب الذي يشعر به الكثيرون يحتقن ولا بدّ أن يخرج بصورةٍ أو بأخرى أعتقد أنها لن تكون لمصلحة الولايات المتحدة. وربّما بالنهاية لا ندري إذا استمرت حرب الإبادة بهذا الشكل وانتقلت من غزة إلى الضفة الغربية قد يكون قد تأخر الوقت بالنسبة للشعب الفلسطيني. 

 

بيار أبي صعب: دكتور عبد الله الأشعل اعذرني قاطعتك، كنتَ تتحدّث عن المقاومة كحل بديل، الأستاذ كاظم الحاج تحدّث عن خلق شبكات تحالف بديلة، وحضرتك كتبتَ مقالاً عن دبلوماسية المقاومة، هل يمكنك بإيجاز أن توضح لنا هذه الفكرة المركزية؟

 

عبد الله الأشعل: الفكرة أن المشروع الصهيوني قائم ومتمسكة به إسرائيل والولايات المتحدة والغرب ولا ممدوحة في ذلك. المشروع الصهيوني معناه التهام فلسطين وطرد سكانها وإبادتهم والانتقال إلى الدول العربية المجاورة في صورة إسرائيل كبرى. ولذلك فالمنطقة مقدمة على صراع هوية، إما هوية عربية وإما هوية صهيونية شرق أوسطية، ولذلك لا بدّ من أن يكون هناك نخب صارمة وحازمة تقاوم الإمبريالية الجديدة التي تريد أن تلتهم العالم العربي وتغيّر هويته وتستعبد الشعوب العربية، وأنا أتوقّع أن الحكام العرب باعتبار أنهم نتاج المجتمع العربي في قاع شخصياتهم هناك عروبة مركّزة، المفروض أن نستنهض هذه العروبة ونحن أولى بحكامنا من أعدائنا.

 

بيار أبي صعب: أشكرك، دكتور عدنان إلى متى سنعيش تحت وطأة هذه الدبلوماسية المتوحّشة؟ وهل دخل العرب الزمن الأميركي إلى أجل غير منظور وغير مسمّى؟

 

عدنان السيد حسين: الموضوع ليس محسوماً بهذا التصور بأن إسرائيل انتصرت على غزة وعلى الضفة وضربت لبنان وتقدّمت نحو دمشق جغرافياً إلى ما هنالك. هذا حصل بالقوة الأميركية وبدعمٍ غربي عام ومن بعض الدول الأوربية ولكن هذا استنهض قوى عالمية رسمية وشعبية وإلا كيف نفسّر تأييد أكثر من 150 دولة لقيام دولة فلسطينية في الجمعية العامة خلال شهر سبتمبر الحالي، هذا موضوع في غاية الأهمية. صحيح أن الولايات المتحدة سابقاً  قبل عشرين سنة وأكثر لمّحت إلى فكرة الدولتين ولكن الإدارة الحالية تخلّت عن هذه الفكرة.

 

بيار أبي صعب: وإسرائيل صوّتت ضد ذلك. 

 

عدنان السيد حسين: والمؤسف أنه في إحدى جلسات التصويت لمجلس الأمن الدولة الوحيدة التي عارضت وقف الحرب في غزة هي الولايات المتحدة الأميركية وإلا كان القرار قد عُمل به بموجب الفصل السابع وتُلزم. معنى ذلك أنه لم يعد هناك حل وسط لكن أنا أعتقد بأن النصر لن يكون لصالح إسرائيل ليس من باب أننا لبنانيون وعرب ونتعاطف مع القضية الفلسطينية ونؤيدها وإنما لأن هذه الغطرسة وسياسة القوة التي مورست في العلاقات الدولية وصلت إلى السقف وهي في حالة انحدارأمام تحركات داخل الغرب، أعيدوا للعلاقات الدولية شيئاً من توازنها واستقرارها، شيئاً من القانون الدولي الذي أصبح من الماضي، شيئاً من الأخلاق الدولية، أعيدوا للدبلوماسية جوهر التفاوض الذي يقوم على مبدأ السلم والتعاون الدولي. لماذا تمزّقون ميثاق الأمم المتحدة الذي أتى بعد الحرب العالمية الثانية وكأننا مقبلون على حربٍ عالمية ثالثة. أعتقد أنه لا بدّ أن يجلس الكبار في نهاية المطاف على الطاولة وسوف يكون هناك تعدد، وسوف تكون هناك روسيا والصين ودول أخرى يفكرون في نظام عالمي ليس واضحاً الآن في كل ملامحه لكنه سيكون نظاماً جديداً. 

 

بيار أبي صعب: نختم مع الأمين العام السابق للأمم المتحدة الراحل بطرس بطرس غالي "استغرقني وقتٌ طويل قبل أن أدرك أن الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى الدبلوماسية، القوة تكفيها، الإمبراطورية الرومانية لم تكن لديها دبلوماسية، وحدهم الضعفاء يعتمدون على الدبلوماسية". 

 

شكراً لضيوفي مع حفظ الألقاب: عدنان السّيد حسين، نبيل خوري، عبد الله الأشعل، شكراً على المتابعة وإلى الأسبوع المقبل.