"كنوز مدمرة".. سعي حثيث لاستعادة آثار السودان

تقول مديرة إدارة المتاحف في السودان "لقد تأثرت المعابد بالحرب وهذا التأثير كان تأثيراً كبيراً جداً جداً وظهر في أسقف المباني وفي الزجاج الخارجي المحيط بالمعبد.. ونحن نعمل على إجراء بعض الصيانة بإمكانيات شحيحة".

0:00
  • واجهة المتحف الوطني السوداني (الصورة: رويترز)
    واجهة المتحف الوطني السودان المدمرة (الصورة: رويترز)

تتناثر بقايا قطع الفخار الأثرية المحطمة وشظايا التماثيل القديمة بين الزجاج المهشم وفوارغ الطلقات في "متحف السودان القومي" الذي لا يبعد كثيراً عن نقطة التقاء النيل الأزرق والنيل الأبيض في العاصمة الخرطوم.

لكن جزءاً كبيراً من المدينة لا يزال أنقاضاً، بما في ذلك العديد من مواقعها التراثية. فقد تضررت الآثار خلال القتال، وسرق اللصوص المزيد منها وهربوها إلى الدول المجاورة.

ويبحث خبراء الحفاظ على الآثار، بين الحطام في محاولة لاستعادة وترميم ما يمكنهم.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) حذّرت في وقتٍ سابق، من أنّ "التهديد للثقافة في السودان وصل إلى مستوى "غير مسبوق" في الأسابيع الأخيرة، خصوصاً في ظل ورود تقارير عن "نهب المتاحف والمواقع التراثية والأثرية والمجموعات الخاصة".
وأكدت رحاب خضر الرشيد وهي رئيسة لجنة جرى تشكيلها لتقييم الأضرار وتأمين المتاحف والمواقع الأثرية في ولاية الخرطوم، وهي تقف في ردهة مليئة بالحطام "المتحف تضرر ضرر بالغ جداً جداً..  وسرقت كمية كبيرة من القطع الأثرية وهي بالنسبة لنا مهمة جداً جداً.. أي قطعة في المتحف لها قصة.. كل القطع مهمة لكن التي سرقت كانت بالغة الأهمية بالنسبة لنا نحن كآثاريين".

4000 قطعة أثرية مفقودة 

بدورها، قالت إخلاص عبد اللطيف مديرة إدارة المتاحف بالهيئة العامة للآثار والمتاحف إنه تم حتى الآن إحصاء نحو 4000 قطعة أثرية مفقودة بالسودان.
وأضافت أن هذه الآثار تشمل قطعاً أثرية من الخرطوم، بالإضافة إلى مناطق أخرى من البلاد، مثل إقليم دارفور في غرب السودان، حيث اختفت نحو 700 قطعة أثرية من متحفي مدينتي نيالا والجنينة. وفي الجنينة، قُتل أمين المتحف إثر قصف المبنى.

ويبدو أن العديد من هذه القطع جرى تهريبه إلى دول مجاورة. والسودان من بين قائمة طويلة من الدول، منها العراق وسوريا وليبيا ومصر، استشرى فيها تهريب الآثار في أعقاب الاضطرابات في البلاد.

نمط الخرطوم المعماري

ويعد المتحف القومي السوداني  الذي بوشرت الأعمال لتشييده عام 1955 وافتتح عام 1971  أحد أكبر المتاحف التي تضم مجموعات أثرية نوبية في العالم.

وكان أول مبنى في السودان يُصمم خصيصاً ليكون متحفاً، إذ كانت المتاحف السابقة تُقام في مبانٍ محوّلة عن وظيفتها الأصلية. يُعد المشروع جزءاً من ما يُعرف بـ"نمط الخرطوم المعماري"، وهو تفسير إقليمي للحداثة مرتبط بحركة العمارة الاستوائية.

  • صورة أرشيفية للمتحف الوطني السوداني (سونا)
    صورة أرشيفية للمتحف الوطني السوداني (سونا)

ونشأ تأسيس المتحف من سلسلة أحداث مرتبطة بالتاريخ السياسي للبلاد والتي تعود إلى ما قبل الاستقلال. وترتبط قصة انضمام الآثار النوبية  لتكون جزءاً من المتحف مع عملية تأسيسه.  

معبد "بوهين"... أكثر المعالم إثارة للإعجاب

ويضم فناء المتحف القومي  عدداً من المعابد والقطع الأثرية الأخرى التي جرى نقلها إلى الخرطوم من شمال البلاد في ستينات القرن الماضي للحفاظ عليها من الفيضانات الناجمة عن بناء السد العالي في أسوان بمصر.
ومن أكثر هذه المعالم إثارة للإعجاب معبد "بوهين"، الذي بنته الملكة المصرية "حتشبسوت" التي حكمت في حوالى عام 1500 قبل الميلاد.

وتعرّض المعبد لأضرار أثناء القتال، وتعمل السلطات على إصلاحه وإن كان "بإمكانيات شحيحة جداً جدًا"، وفق تعبير الرشيد .
وذكرت "تأثرت المعابد بالحرب وهذا التأثير كان تأثيراً كبيراً جداً جداً وظهر في أسقف المباني وفي الزجاج الخارجي المحيط بالمعبد.. نحن كفريق في الهيئة العامة للآثار والمتاحف نعمل على إجراء بعض الصيانة بإمكانيات شحيحة ونحن نسأل الجهات المختصة أو الوزارة بأنها تمد لنا يد العون لكي نتم ترميم هذه المعابد".
 
ولم يكن المتحف القومي الموقع الوحيد الذي لحقت به أضرار. فمتحف القصر الجمهوري بالخرطوم يمتلئ الآن بالحطام المتفحم. وتتوقف سيارات عتيقة خارج المتحف وسط الأنقاض وقد تحطمت نوافذها ومصابيحها الأمامية.

  • من مشاهد الدمار في متحف القصر الجمهوري (الصورة: أ ش أ)
    من مشاهد الدمار في متحف القصر الجمهوري (الصورة: أ ش إ)

وقدرّت إخلاص تكلفة ترميم وصيانة متاحف السودان وتأمين الآثار المتبقية بما يصل إلى 100 مليون دولار، وهو مبلغ من المستبعد أن يحصل عليه خبراء الحفاظ على الآثار قريبا في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد.

 وقالت مديرة إدارة المتاحف "عندنا حوالى 45 بعثة أثرية كانت تعمل في الحقل الأثري في السودان قبل الحرب.. بعد الحرب للأسف لا توجد أي بعثة أثرية تعمل في السودان.. كل البعثات توقفت بسبب الحرب ونحن نأمل أن تعود البعثات وتزاول عملها بإذن الله".

اقرأ أيضاً: في خضم الحرب.. نهب الآثار من متاحف السودان وبيعها عبر الانترنت

اخترنا لك