اكتشاف جديد حول الأهرامات المصرية يناقض المعتقدات القديمة
دراسة حديثة تكشف أنّ الأهرامات المصرية احتضنت مدافن لعمال وحرفيين من الطبقات الدنيا إلى جانب النخبة، ما قد يغيّر الرواية التقليدية عن المجتمع المصري القديم.
-
أهرامات الجيزة في مصر.. تاريخ وتكشّف أسرار
كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة علم الآثار الأنثروبولوجي Journal of Anthropological Archaeology عن حقائق مغايرة قد تعيد كتابة التاريخ، بعد أن توصّل فريق من علماء الآثار الهولنديين والأميركيين إلى أدلّة تشير إلى أنّ هذه المقابر لم تكن مخصصة للملوك والنبلاء فقط، بل شملت أيضاً أفراداً من الطبقات الدنيا الذين كرّسوا حياتهم للعمل الشاق، لتقلب الحقائق التي سادت بأنّ الأهرامات المصرية كانت فقط رمزاً للسلطة والهيبة، حيث ساد الاعتقاد بأنّ هذه الصروح شُيّدت لتكون المدافن الحصرية للفراعنة وكبار النخبة السياسية والاجتماعية في مصرالقديمة.
هياكل عظمية لأشخاص من طبقات متواضعة
فقد عُثر الباحثون داخل بعض الهياكل الهرمية على هياكل عظمية تحمل علامات واضحة للإجهاد البدني، مثل تآكل مناطق ارتباط العضلات والأوتار بالعظام، وهي مؤشرات تدل على أنّ أصحابها مارسوا أعمالاً يدوية شاقة على مدى حياتهم. ودفعت هذه النتائج العلماء إلى الاعتقاد بأنّ المدفونين لم يكونوا جميعاً من عليّة القوم، بل شملوا عمّالاً وحرفيين خدموا المجتمع وربما ساهموا في تشييد هذه الصروح.
وقال فريق البحث في تقرير: "إنّ مقابر الأهرامات، والتي كان يُعتقد أنها مثوى خاص للنخبة، قد احتضنت أيضاً أشخاصاً من طبقات متواضعة، ممن مارسوا أعمالاً مضنية في خدمة الدولة والمجتمع"، مشيرين إلى أنّ "هذا الاكتشاف يتحدى إحدى أقدم الفرضيات الراسخة في علم المصريات".
المجتمع المصري القديم لم يكن مقسماً بحسب الطبقات
ومن خلال تحليل العظام، توصّل الباحثون إلى وجود فوارق بين من عاشوا حياة يسودها النشاط البدني الشديد ومن عاشوا في ظروف أقل مشقة. والمدهش في الأمر أنّ بعض هؤلاء الكادحين وُجدوا مدفونين جنباً إلى جنب مع أشخاص من ذوي المناصب الرفيعة، ما يشير إلى أنّ المجتمع لم يكن مقسماً بشكل صارم كما كان يُعتقد سابقاً.
ويؤكّد الباحثون أنهم لا يزعمون أنّ العمال البسطاء كانوا وراء بناء الأهرامات بقدراتهم الذاتية، بل إنّ المشروع كان بتمويل ورعاية من شخصيات رفيعة المستوى مثل القادة والنبلاء. غير أنّ وجود هؤلاء العاملين إلى جانبهم في المدافن يوحي بأنّ العلاقات الاجتماعية قد تكون اتسمت بدرجة من التوازن والاعتراف بجهود الطبقات الدنيا"، بحسب التقرير.
اقرأ أيضاً: اكتشاف نقوش هيروغليفية في هرم خوفو ستُغيّر تاريخ مصر القديمة
مجتمع "تومبوس": نموذج للتعايش والانفتاح
ويوضح التقرير أنّ الهياكل العظمية التي خضعت للدراسة وُجدت في منطقة كانت تُعرف قديماً باسم "تومبوس" (Tombos)، وهي مستوطنة يُعتقد أنها اتسمت بالسلام النسبي وربما تبنّت بعض القيم المساواتية. ورغم أنّ العلماء لا يستطيعون الجزم بالسبب الذي دفع النبلاء لدفن العمال إلى جوارهم، إلّا أنّ الاحتمال الأرجح هو أنّ طريقة الحياة في تلك المنطقة كانت أكثر انفتاحاً وتقديراً لمختلف شرائح المجتمع مقارنة بما كان شائعًا في مناطق أخرى من مصر القديمة.
ويقول الباحثون: "إذا كان هؤلاء الأفراد من ذوي المكانة المتواضعة فعلاً، فإنّ ذلك يغيّر الرواية التقليدية التي حصرت المدافن الضخمة في النخبة فقط".
إكتشاف قد يعيد كتابة التاريخ
هذه الاكتشافات الحديثة لا تعني فقط إعادة النظر في الغاية من بناء هذه الأهرامات، بل تفتح باباً لفهم أعمق حول طبيعة المجتمع المصري القديم، بما في ذلك العلاقة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة. فبينما اعتقد المؤرخون لعقود أنّ الأهرامات تجسّد الفجوة بين الحاكم والمحكوم، تكشف هذه الدراسة ربما أنّ "الواقع كان أكثر تعقيداً، وأنّ المصريين القدماء قد مارسوا أشكالاً من التقدير والاحترام المتبادل بين الفئات، ولو في حدود معينة، وفق التقرير.
وتخلص الدراسة الجديدة إلى أنّ هذا الاكتشاف قد يشكل خطوة مهمة نحو "إعادة تقييم الصورة النمطية عن الحضارة المصرية". كما أنه يطرح تساؤلات جديدة حول طبيعة السلطة، والعدالة الاجتماعية، ودور العمّال الذين ساهموا في بناء واحدة من أعظم عجائب العالم القديم.