الصين: العثور على جمجمة عمرها مليون سنة قد تعيد رسم الخط الزمني لتطور الإنسان

العلماء يعيدون بناء جمجمة رقمياً ويعتقدون أنها تعود إلى مليون سنة تقريباً، وتنتمي إلى سلالة تُسمّى بـ"رجل التنين" والـ"دينيسوفانيين"، وهي مجموعة غامضة ومكتشفة حديثاً من البشر من أصول غامضة.

0:00
  • الصين: العثور على جمجمة عمرها مليون سنة قد تعيد رسم الخط الزمني لتطور الانسان
    الصين: العثور على جمجمة عمرها مليون سنة قد تعيد رسم الخط الزمني لتطوّر الإنسان

عثر علماء على جمجمة متضرّرة بشكل كبير قبل عقود، على ضفاف نهر في وسط الصين، كان يصعب تصنيفها في السابق، لكنها الآن تُحدث اضطراباً في شجرة العائلة البشرية، وفقاً لتحليل جديد.

وأعاد العلماء بناء الجمجمة رقمياً، حيث يعتقدون أنها تعود إلى مليون سنة تقريباً، وتشير خصائصها إلى أنّ الحفرية تنتمي إلى السلالة ذاتها التي ينتمي إليها نموذج بارز يُسمّى "رجل التنين" والـ"دينيسوفانيين"، وهي مجموعة غامضة ومكتشفة حديثاً من البشر ما قبل التاريخ من ذوي أصول غامضة.

يعني عمر الجمجمة وتصنيفها كأحد أسلاف "الدينيسوفانيين" الأوائل أنّ هذه المجموعة نشأت أبكر ممّا كان يُعتقد.

كما أنّ التحليل الأوسع الذي أجراه الباحثون، استناداً إلى إعادة البناء وأكثر من 100 جمجمة أخرى، رسم صورة مختلفة تماماً حول تطوّر البشر، وفق الدراسة التي نشرت في مجلة Science، فالنتائج تعدّل بشكل كبير الجدول الزمني لأنواع مثل الإنسان الحديث، Homo sapiens، والإنسان "النياندرتالي"، Homo neanderthalensis. 

 يُعرف عن "النياندرتاليين" أنهم بشرٌ قديمون عاشوا في أوروبا وآسيا الوسطى قبل أن يختفوا منذ نحو 40 ألف سنة، أنهم عاشوا في الفترة ذاتها مع "الدينيسوفانيين" وتزاوجوا معهم.

وقال كريس سترينجر، عالم الإنسان القديم، وأحد مؤلفي الدراسة، والمشرف على أبحاث تطوّر الإنسان في المتحف الطبيعي بلندن، لـشبكة "سي أن أن": "هذا يُغيّر الكثير من المفاهيم، لأنه يُشير إلى أنه قبل مليون سنة، كان أسلافنا قد انقسموا بالفعل إلى مجموعات مميّزة، ما يدلّ على انقسام تطوّري بشري أقدم وأكثر تعقيداً ممّا اعتُقد سابقاً". 

وإذا ما تمّ قبول هذه النتائج على نطاق واسع، فستؤخّر ظهور نوعنا البشري بمقدار 400 ألف سنة، وستعيد بشكل جذري تشكيل ما نعرفه عن أصول الإنسان.

أصل متشابك

تُعدّ هذه الجمجمة واحدة من عيّنتين متحجّرتين جزئياً، عُثر عليهما في العامين 1989 و1990، بمنطقة يونشيان في مدينة شيان، بمقاطعة هوبي وسط الصين.

وأشار سترينجر إلى أنّ جمجمة ثالثة اكتُشفت بالقرب من الموقع العام 2022، ولم تُوصَف بعد رسمياً في الأدبيات العلمية.

كذلك أفاد شياوبو فنغ، مؤلف الدراسة الأول، وأستاذ في جامعة شانشي بالصين، في بيان: "قرّرنا دراسة هذه الحفرية مجدّداً لأنها تمتلك تأريخاً جيولوجياً موثوقاً، وهي واحدة من حفريات البشر التي يبلغ عمرها مليون سنة تقريباً. حفريات بهذا العمر حاسمة لإعادة بناء شجرة عائلتنا".

كانت الجمجمتان من يونشيان مشوّهتين نتيجة بقائهما آلاف السنين تحت الأرض، لكن الثانية، المعروفة باسم "يونشيان 2"، كانت محفوظة بشكل أفضل. وقد شكّلت هذه العيّنة أساس إعادة البناء الجديدة، التي استخدمت تقنيات المسح المقطعي المتقدّم، والتصوير الضوئي، والتقنيات الافتراضية لفصل العظام عن مصفوفة الصخور التي كانت تحيط بها، وتصحيح التشوّهات الموجودة في الحفرية.

اقرأ أيضاً: علماء يكتشفون أقدم دليل على التحنيط البشري في آسيا القديمة

عمر الجمجمة، الذي تمّ تحديده من خلال تأريخ طبقة الرواسب التي وُجدت فيها، والحفريات الحيوانية في الطبقة ذاتها، دفع بعض الخبراء إلى الاعتقاد بأنها تعود إلى Homo erectus، وهو نوع بشري بدائي معروف بوجوده في مناطق عديدة حول العالم في تلك الحقبة. ومع أنّ حجم الدماغ الكبير والمسطح لـ"يونشيان 2" يشبه دماغ Homo erectus، فإنّ ميزات أخرى في الجمجمة، مثل عظام الخد المسطحة والضحلة، لم تكن مماثلة.

واستنتج سترينجر وزملاؤه أنّ "يونشيان 2" ينتمي إلى أحد أسلاف رجل التنين المبكرين، المعروف رسمياً باسم Homo longi. وتمّ التعرّف إلى أرجل التنين" في العام 2021، من جمجمة وُجدت في قاع بئر بشمال شرق الصين، واستخدم مؤلفو دراسة حزيران/يونيو الماضي، الحمض النووي القديم لربط Homo longi بالـ"دينيسوفانيين"، وهي مجموعة غامضة معروفة من معلومات وراثية مستخرجة من بقايا حفريات قليلة، ويُعتقد أنها عاشت في أجزاء واسعة من آسيا.

التحليلات الأخيرة تشيرة أيضاً إلى أنّ حفريات أخرى صعبة التصنيف عُثر عليها في الصين ينبغي جمعها مع Homo longi والدينيسوفانيين، ضمناً، حفريات اقترح فريق بحث آخر في الآونة الأخيرة، أنها نوع جديد أطلقوا عليه اسم Homo juluensis، وهو اسم يترجم تقريباً إلى "الرجل ذو الرأس الكبير".

وقال سترينجر إنّ الجمجمة الثالثة من يونشيان، بمجرّد أن يتمّ إعدادها ودراستها بالتفصيل، ستمكّن الفريق من اختبار دقة إعادة البناء وتحديد مكانها ضمن شجرة العائلة البشرية.

إعادة كتابة تاريخ تطوّر الإنسان

تُعدّ الجماجم غنية بالمعلومات في دراسة تطوّر الإنسان بسبب النتوءات والحواف المميّزة التي تحملها، وغالباً ما تكون الجمجمة هي العيّنة التي يمكن أن تؤكّد بشكل قاطع اكتشاف نوع جديد من البشر.

وعبر استخدام المعلومات المستخلصة من إعادة البناء الرقمية الجديدة والمعلومات التشريحية من 104 جماجم وفكوك في سجل الحفريات البشرية، أعاد كريس سترينجر وزميله شيجون ني، أستاذ في معهد علم الحفريات الفقارية والأنثروبولوجيا القديمة ببكين، بناء العلاقات التطورية بين المجموعات المختلفة بواسطة برنامج رياضي يُستخدم في علم الأحياء التطوّري. ثم جمع الفريق المعلومات لتشكيل ما يُعرف بالشجرة التطورية، التي توضح كيف قد تكون الأنواع البشرية المختلفة قد تفرّعت من بعضها خلال المليون سنة الماضية.

وبحسب الدراسة تشير التحليلات إلى أنّ أصول الإنسان الحديث، و"الدينيسوفانيين"، و"النياندرتاليين" أقدم بكثير مما كان يُعتقد سابقاً.

تتحدّى هذه النتائج الرؤية التقليدية، المستندة إلى دراسات الحمض النووي القديم، التي كانت ترى أنّ الأنواع الثلاثة بدأت في التفرّع من سلف مشترك منذ نحو 700 ألف إلى 500 ألف سنة، رغم أنه لم يكن واضحاً أبداً من هو هذا السلف، الذي يُلقّب أحياناً بـ "السلف X".

ووفقاً للتحليل الجديد، شارك "الدينيسوفانيون" والإنسان الحديث آخر سلف مشترك لهم منذ نحو 1.32 مليون سنة، حيث تشير الدراسة إلى أنّ "النياندرتاليين" انفصلوا عن هذا الخط التطوري في وقت أبكر، منذ نحو 1.38 مليون سنة.

وتفيد النتائج أنّ "الدينيسوفانيين" أقرب إلينا من "النياندرتاليين"، الذين كان يُنظر إليهم سابقاً على أنهم أقرب أنواع شقيقة للإنسان الحديث، وفق ما كتب الباحثون.

وقال ريان ماكراي، عالم الإنسان القديم في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في سميثسونيان بواشنطن: "في هذه المرحلة، أعتقد أنّ الأكثر أماناً قوله إنّ مجموعة Homo longi/ "الدينيسوفانيين" والإنسان الحديث (بما في ذلك الحفريات القديمة جداً والإنسان الحديث الحالي) تبدو أكثر تشابهاً مع بعضها البعض مقارنة بالنياندرتاليين". 

وأشار ماكراي إلى أنه "إذا كان التوقيت المشار إليه في هذه الدراسة دقيقاً، فإنّ المرشح الوحيد للسلف المشترك بين Homo sapiens وHomo longi وHomo neanderthalensis سيكون Homo erectus"، لافتاً إلى "عدم وجود أي أنواع معروفة أخرى حقيقة من فترة نحو 1.5 مليون سنة، يمكن أن تكون معقولة". 

كذلك قال إنّ النوع البشري Homo antecessor كان معروفاً أنه عاش منذ نحو مليون سنة، ونوعاً آخر، Homo heidelbergensis، منذ نحو 700 ألف سنة.

بدوره قال سترينجر إنه توقّع أن تُثير هذه النتائج بعض الشكوك، وأضاف أنّ الباحثين يخطّطون لتوسيع تحليلاتهم كي تشمل مصادر بيانات إضافية وحفريات أخرى، مع المزيد من العيّنات من أفريقيا، بهدف تحسين وتوضيح الصورة بشكل أدقّ.

وأوضح سترينجر أنّ الدراسة تثير سؤالاً أوسع حول مكان عيش السكان الأوائل لكلّ من Homo sapiens، "النياندرتاليين" وHomo longi، هل كانوا في أفريقيا أم خارجها، مع العلم أنّ أفريقيا تُعدّ على نطاق واسع مهد البشرية.

اقرأ أيضاً: علماء يعثرون على جمجمة تكشف وجوه مجموعة غامضة من البشر القدماء

اخترنا لك