"فايننشال تايمز": الإسرائيليون يواجهون عزلة عالمية متزايدة
ردود الفعل العنيفة تجاه حرب غزة تثير مخاوف المسافرين ورجال الأعمال من أنّ البلاد تتجه نحو وضع المنبوذ.
-
"فايننشال تايمز": الإسرائيليون يواجهون عزلة عالمية متزايدة
صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تنشر مقالاً يتناول تدهور الوضع الدولي والإقليمي لـ "إسرائيل" بعد هجومها على غزة عام 2023، وعلى العزلة الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية المتزايدة للاحتلال، تأثير ذلك على صورته الدولية واستثماراته وعلاقاته مع الحلفاء التقليديين.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
انكسر هدوء الصيف في سيروس الشهر الماضي عندما تجمّع مئات السكان المحليين عند ميناء الجزيرة اليونانية الخلّابة، مردّدين شعار "فلسطين حرّة" واحتجاجاً على اقتراب سفينة سياحية إسرائيلية.
مُنع 1600 راكب على متن سفينة "كراون إيريس"، المقبلة من حيفا، من النزول، وأُعيد توجيههم إلى قبرص لأسباب أمنية.
دفعت هذه الحادثة العديد من الإسرائيليين إلى التساؤل: إذا لم يعد بإمكانهم الشعور بالترحيب في اليونان، التي تُعتبر بلا شك الوجهة السياحية الأكثر شعبية في "إسرائيل"، والمكان الذي تربطها به علاقات دبلوماسية وعسكرية وثقافية عميقة، فأين بقي لهم غير ذلك؟
بعد مرور ما يقرب من عامين على هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، الذي أثار رد فعل "إسرائيل" الانتقامي المدمّر على غزة، أصبح الاتجاه في معظم أنحاء العالم واضحاً: "إسرائيل" تتعرّض لانتقادات متزايدة، وتُعاقب وتُعزل، كلّ ذلك في حين يتزايد الدعم بين الحلفاء الغربيين للاعتراف بدولة فلسطينية. ولقد ذهب المعلّقون الإسرائيليون إلى وصف موجة الاستهجان بأنها "تسونامي دبلوماسي".
قال جيريمي يسخاروف، الدبلوماسي الإسرائيلي المتقاعد الذي شغل منصب السفير الإسرائيلي لدى ألمانيا: "لا أتذكّر وضعاً كان حرجاً إلى هذا الحد فيما يتعلّق بمكانتنا الدولية، والهجمات على شرعيّتنا، والانتقادات الموجّهة للحكومة.. بما في ذلك في الولايات المتحدة". وأضاف: "بعض أفضل أصدقائنا يرسلون إلينا إشارات سلبية للغاية".
مع ارتفاع عدد الضحايا ودفع القيود الإسرائيلية على المساعدات غزة إلى حافة المجاعة، اشتدت الإدانة العالمية للهجوم، حيث أثار قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي بتوسيع الحملة و"إنهاء المهمة" ضد حماس المزيد من الانتقادات من الحلفاء.
أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرز أنّ الردّ العسكري الإسرائيلي "لم يعد مبرّراً"، بينما انتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التصعيد الإسرائيلي المخطّط له ووصفه بأنه "كارثة تنتظر الحدوث".
أعربت أكثر من 12 دولة، بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا وكندا وأستراليا، عن نيّتها الاعتراف بدولة فلسطينية بحلول الشهر المقبل في اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك.
واتهم عدد متزايد من النقّاد الدوليين الأكثر شراسة "إسرائيل" بارتكاب إبادة جماعية، بينما يخضع نتنياهو نفسه منذ تشرين الثاني/نوفمبر لمذكّرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة "ارتكاب جرائم ضد الإنسانية". قال مسؤول إسرائيلي كبير سابق إنّ الرأي العام الإسرائيلي "يدرك أنّ هذا الوضع أعمق وأوسع نطاقاً وأكثر خطورة من أي وقت مضى"، مضيفاً أنّ الضغط الدولي المتزايد "تجاوز الحدود". ازداد حظر الأسلحة المفروض على "إسرائيل" على مدار الحرب، حيث علّقت ألمانيا، وهي مُصدّر رئيسي للأسلحة، ويعود دعمها القوي لـ "إسرائيل" إلى المحرقة، الأسبوع الماضي شحنات الأسلحة التي كان من الممكن استخدامها في غزة.
أعلن صندوق النفط النرويجي، الذي تبلغ قيمته تريليوني دولار أميركي، وهو أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم، هذا الأسبوع أنه باع خُمس استثماراته في "إسرائيل" وقطع علاقاته مع مديري الصناديق الإسرائيليين رداً على الحرب.
صرّح رئيس الوزراء النرويجي، يوناس غار ستور، في بودكاست: "المأساة الحالية هي تضرّر سمعة إسرائيل في دول لطالما تعاطفت معها". وأضاف: "سيكون لذلك تأثير مع مرور الوقت، وأعتقد أنه سيكون دراماتيكياً للغاية على إسرائيل".
بدأت الأزمة الاقتصادية تظهر بالفعل في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، وخاصةً من المستثمرين الأوروبيين، وفقاً لرسائل خاصة اطلعت عليها صحيفة "فايننشال تايمز" في منتدى إلكتروني يضمّ مئات من المستثمرين الإسرائيليين واليهود.
جاء في إحدى الرسائل من شريك محدود: "إنّ فكرة الاستثمار في دولة تمنع بشكل مباشر تدفّق المساعدات الضرورية [إلى غزة] أمرٌ نكافحه لأسباب أخلاقية". ونقل مدير صندوق آخر: "إسرائيل غير مرغوب فيها في الدنمارك".
قال أمير مزروش، مستشار الاتصالات العالمية المقيم في "تل أبيب"، إنّ روّاد الأعمال الإسرائيليين "يشعرون وكأنهم أصبحوا روسيا من دون العقوبات الرسمية". وأضاف مزروش أنّه مع كون الأموال الأوروبية تُمثّل جزءاً ضئيلاً من الاستثمار الأميركي، فإنّ القلق الأكبر يكمن في احتمال تضرّر التعاون البحثي والأكاديمي المشترك في مجالات مثل أشباه الموصلات وتصميم الرقائق، ومن خلال برنامج "هورايزون" لتمويل العلوم التابع للاتحاد الأوروبي. وقد فشلت محاولات استبعاد "إسرائيل" من البرنامج، إلى جانب اتفاقية الشراكة الأوسع نطاقاً مع الاتحاد الأوروبي، بسبب معارضة حكومات، بما في ذلك ألمانيا وهنغاريا. لكن لا يزال من غير الواضح إلى متى سيصمد هذا الوضع، خاصة إذا اتسع نطاق حرب غزة.
حتى الدعم في الولايات المتحدة، الحليف الأقوى لـ "إسرائيل"، قد تراجع، وخاصة بين الديمقراطيين والمستقلين. فقد أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة غالوب الشهر الماضي أنّ 32% فقط من الجمهور يدعمون العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة.
ومع ذلك، يبدو أنّ دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يتضاءل حتى الآن، على الرغم من بوادر المعارضة داخل جناح "ماغا" في الحزب الجمهوري. وباستثناء أيّ تغيير جذري في موقف ترامب، يبدو أنّ حكومة نتنياهو غير عابئة بالضجيج العالمي.
صوّر الوزراء الإسرائيليون الاعتراف بالدولة الفلسطينية على أنه "مكافأة" لحماس، مشيرين إلى أنّ القادة الأوروبيين قد "استسلموا" للضغوط الداخلية من وسائل الإعلام والجماعات اليسارية و"أقليّاتهم المسلمة".
في حين أنّ هذه الخطوات لم تؤثر فعلياً على الحياة اليومية في "إسرائيل"، فقد امتلأت وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال الشهر الماضي بتقارير عن محاربين قدامى في "الجيش" يُلاحقون بتهمة ارتكاب جرائم حرب عند زيارتهم لأميركا اللاتينية وأوروبا، وعن تخريب مطاعم إسرائيلية في سيدني وبرلين.
كما حُذف اسم منسّق موسيقى إسرائيلي من قائمة المشاركين في مهرجان موسيقي بلجيكي بسبب "مخاوف أمنية" غامضة، وتعرّض المصطافون للاعتداء في أثينا، مما دفع السلطات الإسرائيلية إلى نصح المسافرين إلى الخارج بـ"التقليل" من علامات جنسيتهم.
ويتمثّل القلق بين المسؤولين الإسرائيليين الحاليين والسابقين في احتمال فرض عقوبات إضافية، مما يجبرهم على التفكير في مستقبل تُمنع فيه "إسرائيل" من المشاركة في الفعّاليات الدولية، وتخضع لحظر أوسع على الأسلحة، ويُلغى السفر من دون تأشيرة.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.