"المونيتور": الشفاء من خلال الفن.. فنانو سوريا يسعون إلى توحيد أمة ممزقة

من دمشق إلى إدلب، يستعيد جيل جديد من الفنانين السوريين الفضاء العام ويعيد بناء الحياة الثقافية من خلال الفن المعاصر.

0:00
  • "المونيتور": الشفاء من خلال الفن... فنانو سوريا يسعون إلى توحيد أمة ممزقة

موقع "المونيتور" الأميركي ينشر مقالاً يتناول مشروع "مسار 2" للفن المعاصر في سوريا، وهو معرض متنقّل تنظمه مؤسسة "مدد للفنون"، يجوب خمس محافظات سورية (دمشق، حلب، حمص، اللاذقية، إدلب)، بهدف إحياء الحياة الثقافية والفنية في الأماكن العامة التي دمرتها الحرب.

يعرض النص كيف يستخدم الفنانون السوريون الفن كوسيلة للتواصل وإعادة البناء النفسي والاجتماعي، من خلال أعمال فنية تفاعلية وتركيبية تعالج مفاهيم مثل الهوية، والمنفى، والضغط، والفقد، والتسامح.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

في قاعة خافتة الإضاءة بإدلب، يستقبل الزوار انعكاساتهم الخاصة. مرآة مدمجة في تركيب فيديو تلتقط صورة كل شخص بينما يتصاعد الصوت من حوله. يرفض عمل الفنانة هالة نهار "ولادة جديدة" المشاهدة السلبية. ينبض بالحياة فقط عندما يدخل الجمهور. يميل الناس، يترددون، ثم يمكثون، يشاهدون أنفسهم يصبحون جزءاً من العمل الفني.

"ولادة جديدة" هو واحد من عشرات التركيبات الفنية التي تجوب أنحاء سوريا كجزء من "مسار 2"، وهو معرض متعدد المدن تنظمه مؤسسة مدد للفنون، ويعيد الفن المعاصر، وشعوراً هشاً بالترابط، إلى الأماكن العامة التي شوهتها الحرب.

تمتد المبادرة إلى خمس محافظات: دمشق، وحلب، وحمص، واللاذقية، وإدلب. وتشغل عمداً مساحات عامة ورمزية ومهجورة منذ زمن: محطات القطارات، والمراكز الثقافية، والمباني المهجورة، والساحات التي تحولت إلى صالات عرض مفتوحة.

إنّ رهان "مدد" في إدارة المعرض بسيط وجريء: نقل الفن المعاصر إلى الناس، والسماح للمجتمعات بالمشاركة في خلق التجربة وإعادة بناء الحياة الثقافية في هذه العملية.

تقول نهار لـ"المونيتور": "كفنان، كانت زيارة إدلب وعرض أعمالي فيها تجربة فريدة من نوعها، لم يتوقعها الكثيرون".

لا يتعلق الإحساس بالمشاهدة بقدر ما يتعلق بالتواصل. تتذكر نهار أنّ جمهور إدلب كان خجولاً في البداية. "وصف الناس أعمالي بأنها غريبة، لكنها مؤثرة للغاية".

مسارات شخصية، رحلات مشتركة

في جميع أنحاء البلاد، يُردد الفنانون الشباب صدى الانتقال من التأمل الخاص إلى التواصل العام.

تصل نور ديب، البالغة من العمر 26 عاماً، إلى معرض "مسار" رافضةً تماماً إضفاء طابع عاطفي على الحاضر. قالت: "بالنسبة لي، لم يعد "مسار" يعني رحلة واضحة للأمام؛ إنه خريطة يُعاد رسمها باستمرار بقوى خارجة عن سيطرتنا. إنه ليس طريقاً نسير فيه، بل متاهة نُوضع داخلها".

وذكرت: "عملي الفني "رفاهية الاختيار" يعكس رحلتنا السورية الجماعية، عقدًا من الزمن أصبح فيه حتى أبسط الخيارات، كالعيش أو البقاء، مستحيلًا. وأشارت إلى أنّ "الغربان السلكية الثلاثة في عملها الفنيّ تمثل: الفناء والصمت والمنفى".

يستكشف فارس الدين بعكر، البالغ من العمر 21 عاماً، سيكولوجية الضغط والتمزق. يُعلّق عمله الفني عشرة حبال في الهواء، تسعة منها مهترئة لدرجة كادت أن تنقطع، والحبل الأخير سليم.

يقول بعكر: "كلمة "مسار" كلمةٌ كبيرة، قد تعني شيئاً مختلفاً لكل شخص. بالنسبة لي، شكّلت رحلتي مع هذا العمل الفني. أردتُ أن أُطلق العنان لمشاعري، وأن أخرج من "مسار" شعرتُ أنني عالق فيه لفترة طويلة"، مضيفاً: "في هذا العمل الفني، يزداد كل ممر بين الحبال إحكاماً، حتى ينغلق في النهاية".

تقف الأختان رزان وملاذ معاً أمام عملهما الفني المشترك "البعد الخفي". تتحدثان كعقلٍ إبداعيٍ واحد، "عرابي"، عن هوية فنية مشتركة تستكشف الإدراك والخيال والفضاءات التي تلتقي فيها العوالم الداخلية والخارجية.

يتذكران فكرة فيلسوف شكّلت رؤيتهما: "الخيال ليس منفصلاً عن الواقع، بل ينمو منه". ويوضحان أنّ هذه الفكرة هي التي قادت تطوّر مشروعهما الجاري. وذكرتا: "يمكن للفن أن يسافر حيث لا يستطيع الناس، ويعيد ربطنا بعيداً من السياسة والانقسام".

خياطة ما تمزق

في هذه الأثناء، تستكشف مصممة الأعمال الفنية جودي شاخاتشيرو - إحدى المصممات الرئيسيات للمعرض - المواضيع نفسها بإبرة حرفية، تخيط التمزق بالإصلاح. قالت للمونيتور: "لم أتخيل يوماً أنّ "مسار" سيحمل كل هذا المعنى".

وذكرت: "شخصياً، إنه الطريق الذي اخترته، الطريق الذي شكّل شخصيتي. فنياً، هو نقطة التقاء قصتي مع الآخرين".

في عملها الفني، لم تعد الإبرة أداة، بل أصبحت الرسالة: "بإمكانها أن تقطع وتكشف، لكنها أيضاً قادرة على الخياطة والإصلاح". أكدت مشاهدة المعرض وهو يتنقل بين المحافظات أهمية هذا العمل.

هذا الاعتقاد - بأن الفن قادر على التحرك حتى حيث لا يستطيع الناس التحرك - هو خطٌّ واضحٌ في "مسار 2". وفي حلب، تعاونت مداد مع مجموعة "مشروع افتراضي" الفنية الشعبية في المدينة، وهي مركز لإنتاج الفن يعمل على إعادة تصور المباني المتضررة كأماكن ثقافية مؤقتة.

يقول يمان ناجح، أحد أعضاء المجموعة: "مشروع افتراضي هو مركز ثقافي حلبي يُعيد تشكيل المشهد الفني للمدينة. نُنتج معارض وفعاليات ثقافية من الصفر، ونُطور المواضيع والأعمال الفنية والأفكار بأنفسنا".

ويضيف: "كثيراً ما نختار مباني مهجورة أو مُتضررة ونُعيد بناءها وتحويلها إلى مساحات إبداعية. الهدف هو منح فناني حلب منصةً وإحياء أماكن بدت منسيةً في السابق".

يصف المشاركون شراكة "مدد" و"مشروع افتراضي" باستمرار بأنها من أقوى مشاريع التعاون الثقافي التي تُقام داخل البلاد هذا العام، وهو دليل على أن الخبرة المؤسسية والمبادرة المجتمعية يُمكن أن تلتقيا في منتصف الطريق، وبسرعة.

أجيال جديدة، أصوات جديدة

بالنسبة لسنا الإخلاصي، البالغة من العمر 23 عاماً، كان توقيت المعرض نقطة تحول شخصية.

تقول الفنانة المقيمة في حلب: "بالنسبة لي شخصياً، شكّل معرض "مسار" تحدياً كبيراً لأنه تزامن تماماً مع مشروع تخرجي. كفنانة، كانت تجربة جديدة كلياً؛ لقد أخذتني إلى ما هو أبعد من عالم اللوحات المعتاد".

وأضافت، واصفةً عملاً فنياً يركز على التسامح: "أعمالي تعكس الجميع، إنها تُعبّر عن التجربة الجماعية"، وأضافت: "التسامح شيء لا ينتهي أبداً، لذلك ليس لعملي مكان أو وقت ثابت. إنه شيء سيبقى مرتبطاً بذاكرتي مدى الحياة".

تُتيح منصة "مسار" وسيلةً لتسليط الضوء على الانقسامات الاجتماعية من دون الاستسلام لها، وفقاً لجاد تاتو، الذي أوضح لـ "المونيتور" أّن "مسار" كان أكثر من مجرد معرض.

وقال تاتو إنّ "مسار" هو "جسرٌ يربط السوريين رغم انقساماتهم. عملي يتحدث عن الفجوات داخل المجتمع وكيف تُشكّل هذه التصدعات مساراتنا الشخصية والجماعية".

ذكر أحد الفنانين: "خاصةً الآن، مع كل ما يحدث في سوريا، يُتيح لنا الفن التواصل من دون خوف أو قيود. يُذكرنا بمدى اختلافنا، ومع ذلك بمدى تشابهنا العميق، سواء في دمشق، أم في حمص، أم في حلب، أم في إدلب، أم في اللاذقية. كل ذلك جزء منا".

نقلته إلى العربية: بتول دياب.