"رويترز": دونالد ترامب أضعف مما يبدو

أحرز ترامب تقدماً ضد كيانات ضعيفة منذ توليه منصبه لولاية ثانية، لم يحقق نجاحاً يُذكر ضد خصوم أقوى.

0:00
  • "رويترز": دونالد ترامب أضعف مما يبدو

وكالة "رويترز" الإخبارية تنشر مقال رأي يقدّم تحليلاً شاملاً لنفوذ ترامب، شارحاً نجاحاته المتفرقة، وإخفاقاته أمام خصوم أقوى، وآثار سياساته على المدى الطويل على نفوذه داخل الولايات المتحدة وعالمياً.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

من السهل الوقوع في فخ الاعتقاد بأن دونالد ترامب يتمتع بسلطة مطلقة، فقد خاض الرئيس الأميركي العديد من المعارك وفاز في بعضها، إلى درجة أن المقاومة قد تبدو بلا جدوى.

فعلى سبيل المثال، حقق ترامب إلى حد كبير ما يريده مع جهات مثل الاتحاد الأوروبي وشركة إنتل (INTC.O). فقد أجبر أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة على الموافقة على صفقة تجارية أحادية الجانب، وأجبر شركة صناعة الرقائق على قبول الحكومة كمساهم بنسبة 9.9%.

لكن هذا ليس سوى جزء من القصة. فبينما أحرز ترامب تقدماً ضد كيانات أضعف منذ توليه منصبه لولاية ثانية في كانون الثاني/يناير، لم يحقق نجاحاً يُذكر ضد خصوم أقوى. وفي الوقت نفسه، قضت محكمة استئناف أميركية يوم الجمعة بأن معظم الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب غير قانونية، على الرغم من أن المحكمة العليا ستكون لها الكلمة الفصل على الأرجح.

يندرج الاتحاد الأوروبي ضمن الفئة الأولى، الأضعف، وسيكون أمنه في خطر إذا تخلت الولايات المتحدة عن أوكرانيا. وقد استغل ترامب هذه الحقيقة أولاً لحث الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على التعهد بمضاعفة إنفاقها الدفاعي تقريباً. ثم استخدمها مرة أخرى لتأمين صفقة أعلن فيها التكتل التجاري أنه سيشتري بحلول عام 2028 ما قيمته 750 مليار دولار من الطاقة الأميركية، وأن شركاته ستستثمر نحو 600 مليار دولار في الولايات المتحدة بحلول ذلك العام.

لكن الإدارة الأميركية لم تُخضع الصين أو روسيا أو الهند لإرادتها، فهذه تحديات أصعب حلاً.

يبدو أن سيطرة بكين على المواد الأساسية دفعت ترامب إلى التفكير ملياً قبل رفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية. كما أحجم إلى حد كبير عن تشديد العقوبات على روسيا لرفضها الاتفاق على وقف إطلاق النار في أوكرانيا. وحتى الآن، فشل الرئيس الأميركي في إقناع نيودلهي بالتوقف عن شراء النفط الروسي، رغم فرضه رسوماً جمركية عقابية الأسبوع الماضي.

لم يُهزم الاحتياطي الفيدرالي بعد. ليزا كوك، المسؤولة التي حاول ترامب إقالتها، تُقاوم في المحاكم. أما رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، فرغم إشاراته إلى انفتاحه على سياسات أكثر مرونة، رفض الخضوع لضغوط ترامب. قد ينجح البيت الأبيض في النهاية في حملته لكبح استقلال الاحتياطي الفيدرالي، لكن المعركة لم تنتهِ بعد. وفي الوقت نفسه، تتراجع شعبية ترامب، ما قد يعيق قدرته على النجاح في هذه المعركة وغيرها.

القوة في جوهرها هي القدرة على إجبار الآخرين على القيام بأشياء رغماً عنهم. أما القدرة على إحداث الفوضى، وهو ما يفعله ترامب كثيراً، فلا تُعدّ قوة. الثور في متجر الخزف قد يُحدث تأثيراً كبيراً، لكنه ليس قوة.

إذا دققنا فيما حققه ترامب عمداً حتى الآن، فغالباً ما يكون على رأس القائمة ما يُسمى مشروع قانونه الضخم والجميل، حيث تجاهل المعارضة لتمرير تشريع خفض الضرائب. أما في أماكن أخرى، فالسجل متباين إلى حد ما.

لنأخذ التجارة كمثال. لقد فرض البيت الأبيض صفقات أحادية الجانب مع اليابان والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وفيتنام وإندونيسيا ودول أخرى، وربما يُحرز تقدّماً مع كندا والمكسيك. لكنه فشل في القيام بالمثل على نطاق واسع، ولا سيما مع الصين والهند. علاوة على ذلك، يقاوم الاتحاد الأوروبي حتى الآن الضغوط لتغيير بعض القواعد التي وصفها ترامب بأنها غير عادلة، مثل لوائح الخدمات الرقمية.

وبالمثل، لم يُخضع الرئيس الأميركي جامعة هارفرد بالكامل بعد، رغم نجاحه مع بعض المؤسسات الأضعف مثل جامعة كولومبيا. كما أن حملة ترامب على الهجرة متباينة إلى حد ما، فقد أدت تكتيكاته الصارمة إلى مضاعفة عدد المهاجرين الذين جرى اعتقالهم مقارنة بالعقد الماضي، لكن بعض الأفراد، مثل محمود خليل، الناشط المؤيد للفلسطينيين، نجحوا في تأمين حريتهم.

وفي القضية الأبرز، أعادت الإدارة كيلمار أبريغو، الذي جرى ترحيله بشكل غير قانوني إلى السلفادور، بعد أن أمرتها المحكمة العليا بتسهيل عودته. ورغم أنها ألقت القبض عليه مرة أخرى وهددت بترحيله إلى أوغندا، أوقفت المحاكم ذلك حتى الآن.

خطر رد الفعل العكسي

قد تُضعف معارك ترامب قوته أيضاً. ومن المخاطر الكبيرة التي تهدد نفوذ الولايات المتحدة على المدى الطويل، تشابكها المتزامن مع العديد من الدول مثل الهند والبرازيل، ما قد يدفعها إلى التقارب مع الصين وروسيا. وإذا حدث ذلك، فستكون بكين وموسكو أكبر الرابحين من تنمر الرئيس الأميركي.

في الوقت نفسه، يستاء الاتحاد الأوروبي من التسلط الأميركي، وقد يسعى إلى تقليل اعتماده على الولايات المتحدة في السنوات المقبلة. وإذا حصل ذلك، فقد لا تتمكن الولايات المتحدة من الاعتماد عليه كحليف عند الحاجة، على سبيل المثال في صراع مستقبلي مع الصين.

وقد يكون لبعض انتصارات ترامب أيضاً تأثير سلبي. على سبيل المثال، كانت الهجرة يوماً إحدى أكثر سياساته شعبية، لكن معظم الأميركيين الآن لا يوافقون على ما يفعله، وفقاً لاستطلاعات رويترز/إبسوس. وبالمثل، فإن قرار الرئيس الأميركي بإرسال الحرس الوطني لتأمين واشنطن العاصمة لا يحظى بشعبية. والأكثر خطورة هو مشروع قانونه "الضخم والجميل"، الذي يتضمن تخفيضات في المزايا الاجتماعية العامة، إضافة إلى تخفيضات ضريبية للأغنياء، والذي لا يحظى بدعم واسع وفقاً لاستطلاعات مركز بيو للأبحاث.

وبالمثل، قد يؤدي رفع ترامب للرسوم الجمركية على الواردات إلى ارتفاع الأسعار وتراجع فرص العمل. وحتى الآن، لا يزال التأثير السلبي طفيفاً، لكن 37% فقط من الأميركيين يوافقون على طريقة تعامله مع الاقتصاد، وفقاً لاستطلاعات رويترز/إبسوس، وهو ما كان نقطة قوته خلال ولايته الأولى في البيت الأبيض.

هدأ الدولار والسندات الأميركية، اللذان شهدا انخفاضاً حاداً عندما شن ترامب حربه التجارية في أبريل/نيسان، لذا لا يكبحان تحركاته حالياً. لكن اتخاذ المزيد من الإجراءات للضغط على الاحتياطي الفيدرالي أو التدخل في الإحصاءات الاقتصادية قد يُسبّبان مشاكل في السوق.

لعلّ أكبر عائق أمام نفوذ ترامب هو "الناخبون". فقد استمر تراجع نسبة تأييده منذ وصوله إلى البيت الأبيض، لتصل الآن إلى 40%. ويعني هذا أن حزب ترامب الجمهوري سيخسر السيطرة على مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر المقبل. وإذا حدث ذلك، فقد تكون سلطة ترامب قد اقتربت من ذروتها، أو ربما تجاوزتها بالفعل.

نقله إلى العربية: الميادين نت.