"فايننشال تايمز": كيف حلّت الكلاب محلّ الأطفال في إيطاليا؟

مع انخفاض معدلات الولادات، أضحت البلاد مولعة بالحيوانات الأليفة وتنفق عليها.

0:00
  • "فايننشال تايمز": كيف حلّت الكلاب محلّ الأطفال في إيطاليا؟

صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تنشر مقالاً يتناول افتتاح فندق فاخر مخصص للكلاب في مطار روما، بوصفه جزءاً من توسّع قطاع خدمات الحيوانات الأليفة في إيطاليا، في ظلّ تزايد مكانتها الاجتماعية والعاطفية لدى الإيطاليين، وتخصيص موارد مالية كبيرة لرعايتها، وصولاً إلى تشريعات حكومية تدعم أصحابها، وسط جدل مجتمعي وديني حول تفضيل الحيوانات على الأطفال.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

لقد تمّ تصميم أحدث فندق فاخر تابع لمطار روما ليكون ملاذاً هادئاً لضيوفه. يتسع فندق "دوغ ريلايس" (Dog Relais) لـ40 نزيلاً، وهو فندق مطار مخصص للكلاب، التي يحتاج أصحابها المسافرون، سواء كانوا من طاقم الطائرة أو رجال أعمال مسافرين أو مصطافين، إلى مأوى آمن لحيواناتهم الأليفة أثناء سفرهم.

وقال روبرتو تورتوريلا، مدير فندق "دوغ ريلايس" التابع للمطار: "نحن نتطلّع إلى توفير أفضل تجربة ممكنة للكلاب في غياب أصحابها. ويجب أن يكون ضيوفنا ذوو الأرجل الأربعة قادرين على التعبير عن أنفسهم بحرية، وتكوين صداقات، واللعب، والشعور بالحب".

يُعدّ الفندق، الذي تمّ افتتاحه في تموز/يوليو، جزءاً من قطاع خدمات الحيوانات الأليفة سريع التوسّع في البلاد، الذي يوفّر خدماته للحيوانات التي ارتفعت مكانتها بالتزامن مع انخفاض معدلات الولادات السنوية في إيطاليا. ومع وجود عدد أقلّ من الأطفال والأحفاد الذين يتباهون بهم، يوجّه الإيطاليون المزيد من طاقتهم العاطفية وأموالهم نحو مجموعة متزايدة من الحيوانات الأليفة المدللة. ويُعدّ الكلب الحيوان المفضّل لديهم. 

قد تظلّ المعدلات الرسمية لتربية الحيوانات الأليفة في إيطاليا (أفادت 40% من العائلات بامتلاك حيوان أليف واحد على الأقل) أقل بكثير من تلك الموجودة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، والتي تبلغ 60% و66% على التوالي. إلا أنّ تورتوريلا، الذي يُدير أيضاً حضانة للكلاب في قلب العاصمة روما، يقول إنه على الرغم من حب الإيطاليين الدائم للكلاب، "أصبحت الكلاب أو القطط في السنوات الـ10 الماضية تُعامل كأفراد من العائلة. إنها ثقافة جديدة تُرحّب بالحيوانات الأليفة. فهم يفعلون مع كلابهم ما يفعلونه مع الأطفال". وتلبّي الشركات الجديدة احتياجات دورة حياة الحيوانات الأليفة الكاملة. من رعاية الكلاب نهاراً وتوفير خدمات النقل لها إلى مختبرات علم الأمراض المتخصصة وتنظيم جنازات الحيوانات الأليفة المهيبة. 

في عام 2022، أنفق الإيطاليون 6.8 مليارات يورو على رعاية الحيوانات الأليفة، وفقاً لشركة "نوميسما" الإيطالية للاستشارات. وفي حين كان يتمّ في السابق إطعام الكلاب بقايا الطعام، بات الناس اليوم أكثر حرصاً على ما يُقدّمونه لها. وفي هذا الصدد، يقول تورتوريلا: "الناس باتوا مهتمين بنوعية الأكل الذي يُقدّم لحيواناتهم الأليفة وجودته. وهم يطبخون لهم اليوم". 

في روما، يُسمح للكلاب بدخول الأماكن العامة التي غالباً ما تكون محظورة على الحيوانات في أجزاء أخرى من العالم. ففي كاليفورنيا مثلاً، يُحظر اصطحاب الكلاب، باستثناء الحيوانات المخصصة للخدمة، إلى متاجر البقالة أو المطاعم. أما هنا، فلا أحد يكترث لرؤيتها في محلات المواد الغذائية أو المطاعم المغلقة أو مراكز التسوّق. حتى إنّ متجر البقالة المحليّ في منطقتي يُخصّص عربتي تسوّق للكلاب. إضافة إلى ذلك، اخترقت الكلاب أروقة السلطة. فقد حصلت السيناتور ميكايلا بيانكوفيوري مؤخراً على حق اصطحاب كلبها باغي، البالغ من العمر 12 عاماً، إلى العمل، الأمر الذي شكّل سابقة في هذا المجال. 

وقالت بيانكوفيوري من مكتبها بمجلس الشيوخ، بينما كان باغي يسترخي في الزاوية: "أعمل هنا من الصباح إلى المساء، ولا يُمكن ترك الكلب بمفرده طوال اليوم. جليسة الكلب لن تُوليه الاهتمام نفسه الذي يُوليه صاحبه". 

في المقابل، لا يؤيّد الجميع فكرة المكانة البارزة الجديدة للحيوانات الأليفة. وقد انتقد البابا الراحل فرانسيس مراراً الأزواج الذين يفضّلون امتلاك حيوانات أليفة بدل إنجاب الأطفال، معتبراً أنّ ذلك يُنقص من قيمة الإنسانية.

إلّا أنّ الساسة الإيطاليين يدعمون اليوم هذا التوجّه. فقد بدأت حكومة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني بتخصيص مبلغ 250 ألف يورو سنوياً كمكافأة لرعاية الحيوانات الأليفة لمساعدة كبار السن من أصحاب الحيوانات الأليفة ذوي الدخل المحدود على تغطية بعض نفقاتهم البيطرية. وموخراً، تمّ تشديد العقوبات على الجرائم ضد الحيوانات.

وأوضح غوغليلمو جيوردانو، مؤسس مختبر علم أمراض الحيوان سريع النمو "MyLav"، أنّ وضع الحيوانات الأليفة تغيّر بشكل كبير من مجرّد حيوانات إلى "مراكز للمودّة". وهذا يتناغم مع ما رأيته. ففي الحديقة المجاورة لمنزلي، تأثّرتُ برجل يحمل كلبته الألمانية المُسنة بين ذراعيه، ويضعها بلطف على العشب لتتمشى، ثم يحملها إلى المنزل من جديد.

بالنسبة للكثير من الإيطاليين، تُعتبر الكلاب رفاقاً أكثر وفاءً من سائر البشر. وكما قال لي أحد عمّال المطار: "الكلب لن يخونك".

نقلته إلى العربية: زينب منعم.