"فورين بوليسي": هوس ترامب بجائزة نوبل للسلام لم ينته بعد
غرور الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعمل على إعادة تشكيل جيوبوليتيكي جديد، ويفتح الطريق للتلاعب بالتوجّهات السياسية الأميركية.
-
"فورين بوليسي": هوس ترامب بجائزة نوبل للسلام لم ينته بعد
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً يتناول هوس الرئيس الأميركي دونالد ترامب بجائزة نوبل للسلام وكيف يؤثّر هذا الطموح الشخصي في تشكيل سياسات الولايات المتحدة الخارجية وتحرّكاتها الدبلوماسية.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
عام آخر، ومحاولة أخرى فاشلة تظهر عجز الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الفوز بجائزة نوبل للسلام، بينما ما تزال فرص فوزه بالجائزة مستقبلاً ضئيلةً. إلا أنّ هذه النكسة الأخيرة ستضاعف على الأرجح من رغبة ترامب في الفوز في السنوات المقبلة، ممّا يعزّز زخم إحدى أهمّ القوى التي تشكّل السياسة الخارجية الأميركية، وإن لم تُقدّر حقّ قدرها.
قبل ولاية ترامب الرئاسية الثانية، تحدّث العديد من المراقبين عن أخذ تصريحاته "على محمل الجدّ، ولكن ليس حرفياً". ومع أنّ هذا حكم نمطي أحمق، لكنّه صحيح بشكل خاص فيما يتعلّق بهوس ترامب الواضح بنيل جائزة نوبل. وبعيداً عن مجرّد الغرور، ستستمر هذه الرغبة في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية العالمية، بينما من المرجح أن يتفاقم الوضع أكثر بعد التجاهل الأخير الذي تعرّض له ترامب.
إنّ استعداد ترامب لإجبار بنيامين نتنياهو على قبول اتفاق سلام في غزّة ليس سوى أحدث مثال على الخطوات التي يستعدّ لاتخاذها للحصول على لقب صانع سلام. ولقد كانت هناك صفقة مماثلة للحالية تقريباً طُرحت خلال الفترة الأخيرة من ولاية الرئيس السابق جو بايدن، الذي لم يكن مُستعدّاً للضغط على "إسرائيل" لقبولها. لقد راهن ترامب على الفوز بجائزة نوبل للسلام المحتمل، وكانت النتيجة اتفاق سلام هشّ.
قد يتوقّف ترامب هذا الشهر لفترة وجيزة في ماليزيا خلال قمة "آسيان" السنوية لرابطة دول جنوب شرق آسيا، في حين كان القادة الأميركيون في السابق يتجنّبون هذه التجمّعات بشكل روتيني، ممّا أثار استياء لدى هذه الدول، إلا أنّ ترامب يرى فرصة سانحة، وهي الشروع في وساطة لفضّ الاشتباكات الحدودية بين كمبوديا وتايلاند، حيث إنّ أيّ صحيفة تبرز مصداقيّته في التوسّط من أجل السلام تجعل الرحلة جديرة باهتمام الرئيس فجأة.
وخلال خطابه الأخير في الأمم المتحدة، ذكر ترامب 7 حروب نجح في إنهائها وإحلال السلام بدلاً عنها. لكن من غير الواضح أيّ صراعات كان يقصد، ومن المرجح أنّها تشمل جهود الوساطة بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وبين أرمينيا وأذربيجان، ومحاولات استئناف المفاوضات بين صربيا وكوسوفو. وفي كلّ منها، يرى ترامب أنّ هناك ما يشير إلى ترشيحه لجائزة نوبل للسلام.
لهذا الدافع نحو صنع السلام جوانب إيجابية عديدة، كما يشير دور ترامب في اتفاق غزّة الجديد. وبينما يُدرك فريق ترامب أهمية التقدير الذي يسعى إليه، ممّا يؤدي إلى انخراط دبلوماسي أميركي جديد في أماكن نادراً ما تحظى به. وفي جميع أنحاء الجنوب العالمي، غالباً ما تعرب الحكومات عن أسفها لميل واشنطن إلى التركيز على التنافس بين القوى العظمى، بدلاً من إيجاد حلول للصراعات الإقليمية المعقّدة. والآن يفرض تعطّش ترامب لجائزة نوبل، مهما كان أنانيّاً ومتناقضاً، اهتماماً مستمراً بالنزاعات من آسيا الوسطى إلى وسط أفريقيا.
مع ذلك، هناك عدد من المشكلات الرئيسية، أبرزها أنّ الحكومات الأجنبية تتعلّم بسرعة استغلال هذا الدافع، من بينها باكستان التي تقدّم مثالاً واضحاً على ذلك. وكانت حكومة إسلام آباد قد أعلنت في حزيران/يونيو الماضي عن "توصية" رسمية لمنح الرئيس دونالد ترامب جائزة نوبل للسلام للعام المقبل، "تقديراً لتدخّله الدبلوماسي الحاسم وقيادته المحورية خلال الأزمة الهندية الباكستانية الأخيرة.
ولقد كان هذا الدعم بدوره جزءاً مُهمّاً من عملية أوسع نطاقاً، عزّزت من خلالها إسلام آباد بذكاء العلاقات الأميركية الباكستانية في الأشهر الأخيرة، بينما تمرّ العلاقات الأميركية الهندية بأسوأ فتراتها منذ عقد أو أكثر. والنتيجة هي إعادة توازن كبير في السياسة الأميركية، مع ما قد يترتّب على ذلك من آثار كبيرة على دور واشنطن في جنوب آسيا وخارجها.
يعرف القادة الأجانب أنّ ترامب يحب فرص التقاط الصور أكثر من النتائج الجوهرية، ممّا يسمح لهم بفرض تنازلات مقابل لفتات رخيصة، حيث لا تخاطر واشنطن بالتخلّي عن الكثير فحسب، بل يعني هذا على الأرجح أنّ ترامب سيقبل اتفاقيات معيبةً تُوهم بالسلام من دون معالجة التوترات الكامنة.
وفي الأساس يبدو أنّ ترامب يعتقد أنّ الكمّ الهائل من مبادرات صنع السلام سيجبر لجنة نوبل على منحه الجائزة، مع أنّه لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بصحة هذا الأمر، ولكن من الجدير التفكير في تداعياته على الدبلوماسية الأميركية المستقبلية.
يبقى الشرق الأوسط المسرح الأكثر ترجيحاً لمساعي ترامب. فالرئيس وفريق إدارته لا يزالون حريصين على توسيع نطاق "اتفاقيات أبراهام" لتشمل المملكة العربية السعودية، تحت عنوان أنّ الاتفاق مع "إسرائيل" من شأنه أن يعيد تشكيل ميزان القوى الإقليمي.
يرى ترامب أنّ قراره بقصف المواقع النووية الإيرانية في حزيران/يونيو الماضي، يعتبر ضمن جهوده الأوسع لإحلال السلام، بالنظر إلى وقف إطلاق النار الذي أعقبه. كما أنّ أيّ اختراق بشأن اتفاق سعودي إسرائيلي، سيرسّخ رؤية ترامب لنفسه كصانع صفقات تاريخي في الشرق الأوسط، ويبعث رسالة لامعة للجنة جائزة نوبل المشكّكة في أوسلو.
كما تعتبر شبه الجزيرة الكورية خياراً ثانياً محتملاً لمساعي ترامب، حيث تمثّل كوريا الشمالية مسألة عالقة بعد محاولات ترامب المتقطّعة وغير الناجحة لإحراز تقدّم من خلال المحادثات مع زعيم البلاد كيم جونغ أون خلال ولايته الأولى.
وفي آب/أغسطس الماضي التقى ترامب بالرئيس الكوري الجنوبي الجديد، لي جاي ميونغ في البيت الأبيض للمرة الأولى، وخلال الاجتماع أعلن ترامب عن أمله في لقاء كيم "هذا العام"، ممّا أثار تكهّنات باحتمال عقد لقاء على هامش قمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ التي تعقد هذا الشهر في كوريا الجنوبية. ورغم أنّ احتمالات سفر الرئيس كيم إلى الجنوب ضئيلة، إلّا أنّ مواصلة الولايات المتحدة جهودها لإحلال السلام في شبه الجزيرة الكورية تبدو أكثر ترجيحاً.
في النهاية، أسلوب ترامب الفوضوي في صنع السياسات وميله إلى تقويض المفاوضين وعكس المواقف، وإعطاء الأولوية للعلاقات الشخصية على العملية السياسية ستمنعه من الفوز بالجائزة التي يسعى إليها بشدة، حيث تُقدّر لجنة جائزة نوبل، المساعي الدبلوماسية المستدامة لا المؤتمرات الصحفية المرتّبة مسبقاً.
مع ذلك، ستواصل دول أخرى استغلال هذه الدوافع لمصلحتها. هذا العام، التقيت دبلوماسياً صينياً رفيع المستوى في بكين، استفسر بلطف عن طموحات ترامب في صنع السلام وتداعياتها على سياسة كوريا الشمالية. وقد كان وراء هذا الحديث الذي بدا عابراً حسابات واضحة، هي أنّ الصين تُقيّم كيفية استخدام نفوذها على بيونغ يانغ أو دعمها في مفاوضات أوسع نطاقاً مع واشنطن.
وإذا كانت بكين تستغلّ شغف ترامب بجائزة نوبل، فإنّ كلّ وزارة خارجية متطوّرة لأيّ دولة ستفعل الشيء نفسه. فسعي ترامب الفريد أصبح الآن دليلاً ثابتاً بشكل ملحوظ على السياسة الأميركية، بل ربّما يكون المؤشّر الأكثر موثوقيةً على مسار الطاقة الدبلوماسية لواشنطن، أو بتعبير آخر، أصبح طموح ترامب في صنع السلام الآن متغيّراً أساسياً في العلاقات الدولية، وهو متغيّر يجب أن يؤخذ حرفياً على محمل الجدّ.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.