أفريقيا ساحة مواجهة: كيف خسِر العرب نفوذهم لصالح "إسرائيل"؟
رفضت العديد من الدول الأفريقية إقامة علاقة ديبلوماسية مع كيان الاحتلال، انسجاماً مع الموقف الذي اتخذته الدول العربية الأفريقية الداعمة لفلسطين، لكن ذلك بدأ يتغير في السنوات الفائتة.
-
أفريقيا ساحة مواجهة: كيف خسِر العرب نفوذهم لصالح "إسرائيل"؟
بدأ الإسرائيليون في الاهتمام بأفريقيا قبل إنشاء كيان الاحتلال الإسرائيلي سنة 1948. حيث وقع اختيار ثيودور هرتزل على كينيا/أوغندا لتكون وطناً بديلاً لليهود. لكن المؤتمر الصهيوني السادس عام 1903 تبنى فلسطين موقعاً وحيداً للمشروع الاستيطاني الصهيوني.
بعد قيام "إسرائيل" اعتبر قاداتها أن القارة السمراء تشكل العمق الاستراتيجي للدول العربية وبالتالي جعلوها فضاءاً للصراع لإضعاف الأمن الاستراتيجي لهذه الدول.
"إسرائيل" والتوظيف الأيديولوجي للزنجية في أفريقيا
توظف "إسرائيل" المداخل الديبلوماسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والدينية للتغلغل داخل القارة الأفريقية، كما توظف الزنجية، من خلال الترويج لفكرة "التاريخ المشترك" التي طرحها ثيودور هيرتزل حيث يقول في هذا الصدد: "بالنظر إلى تاريخ كل من اليهود في الشتات والسود في أفريقيا، يمكن رصد عدد من الخبرات المشتركة وخاصة فيما يتعلق بالعنت الذي لاقاه الإثنان على مر تاريخهم وسط اليأس الذي تعاني منه الشعوب الأفريقية، والذي لم يحل حتى الآن، والذي لا يمكن فهم مأساته بالكامل إلا من قبل يهودي".
ويقول: "يكفي أن نتذكر كل تلك الحلقات الرهيبة، عبودية البشر، الذين، لمجرد أنهم سود، تم أسرهم، وتم القبض عليهم، وبيعهم كالمواشي. نشأ أطفالهم في بلدان غريبة عنهم، وتم انتقاصهم، وتعرضوا للعداء لمجرد أن لون بشرتهم كان مختلفاً".
وقد تبنى القادة والنخب الإسرائيليون فكرة التاريخ المشترك، خصوصاً أنها عرفت بعض النجاح في الولايات المتحدة الأميركية حيث استطاعت المنظمات اليهودية ربط علاقات وثيقة بالحركة الزنجية الأميركية.
وقد يسترعي الانتباه التحامل الكبير على العرب من طرف النخب الأفريقية القريبة من "إسرائيل"، أو تلك الواقعة تحت تأثير الدعاية الصهيونية، إذ يتهمون العرب بالاتجار بالأفارقة واستعبادهم وينسبون إليهم المآسي التي طالت الأفارقة لقرون جراء هذا الأمر.
نعم، لا يمكن نفي حدوث ممارسات مشينة ندينها ونشجبها لتجار العبيد من العرب ومن غيرهم. لكن هذه الممارسات الفظيعة قد مورست أيضاً من طرف تجار رقيق يهود ولا ترتقي أبداً إلى ما فعله الإستعمار الغربي (الأوروبي والأميركي) بالإنسان الأفريقي من استعباد وظلم واستغلال. وتحميل العرب فقط ويلات الرق والعبودية، استغلال ديماغوجي للتغطية على صفحات مضيئة من العلاقات العربية الأفريقية.
العرب وأفريقيا
منذ نشأة "إسرائيل" رفضت العديد من الدول الأفريقية إقامة علاقة ديبلوماسية مع كيان الاحتلال، انسجاماً مع الموقف الذي اتخذته الدول العربية الأفريقية الداعمة لفلسطين.
ولقد كان لمصر في عهد جمال عبد الناصر، في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، سياسة أفريقية تقوم على تقديم الدعم الاقتصادي والثقافي لدول غرب ووسط وشرق القارة، كغانا وسيراليون ونيجيريا وكينيا وتنزانيا، وعلى مساندة حركات التحرر الأفريقية. من جهتها نجحت الديبلوماسية الإسرائيلية خلال الستينات في تحقيق اختراقات في القارة السمراء.
لكن بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 أتيحت للعرب فرصة ذهبية حينما عقدت منظمة الوحدة الأفريقية اجتماعاً في أديس أبابا حضرته 42 دولة أفريقية وعربية صدر عنه بيان دعا فيه جميع الدول الأعضاء في منظمة الوحدة الأفريقية إلى فرض حظر اقتصادي على "إسرائيل" والبرتغال وجنوب أفريقيا كما دعا إلى إقامة علاقات وثيقة للتعاون بين أعضاء منظمة الوحدة الأفريقية والجامعة العربية.
وفي مؤتمر القمة العربية في الرباط (1974)، تمت الدعوة لعقد مؤتمر قمة للتعاون العربي الأفريقي المشترك لتمتين العلاقة بينهما، وبالفعل عقدت أول قمة عام (1977) في القاهرة، والتي حددت مجموعة من المبادئ والأهداف ستؤطر التعاون العربي الأفريقي، لكن النتائج لم ترتقي يوماً إلى مستوى التطلعات المشتركة. وبمرور الوقت بدأ الاهتمام العربي بأفريقيا يفقد زخمه، ويتراجع شيئاً فشيئاً. نتيجة غياب رؤية عربية استراتيجية موحدة للعلاقات مع أفريقيا باعتبارها المحيط والعمق الاستراتيجي للعالم العربي.
خلال القمة العربية الأفريقية الرابعة التي استضافتها غينيا الاستوائية بين 17 و 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 تحت عنوان "معاً لتنمية مستدامة وتعاون اقتصادي" نشبت خلافات سياسية عربية عربية أفسدت القمة وأدت إلى انسحاب ثماني دول عربية فاعلة على رأسها السعودية والإمارات العربية والمغرب احتجاجاً على مشاركة جبهة البوليساريو فيها.
تراجع دور الجامعة العربية كإطار فاعل في تأطير العلاقة العربية الأفريقية بسبب عجز العرب في إقامة السوق العربية المشتركة أو أسواق عربية إقليمية، في وقت سعى الأفارقة إلى وضع خطط ملموسة في هذا الشأن كخطة الجماعة الاقتصادية الأفريقية 2028، والجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا "إيكواس"، والجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي "سادك"، والسوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي "كوميسا"، بل إن بعض هذه التكتلات الفرعية دخلت في تكامل واتحاد فيما بينها مثل تحالف الكوميسا والسادك، والإيكا.
عجز العرب عن إنشاء سوق عربية مشتركة أفشل قيام سوق عربية أفريقية مشتركة برغم التأكيد عليها في البيان الختامي لقمتي الكويت (المؤتمر الثالث 2013) وغينيا (مالابو 2019).
ليس معنى هذا أن التعامل والتعاون بين العرب والأفارقة قد توقف، بل أصبح يتم فردياً، تحدده المصالح الخاصة والأولويات المتنوعة لكل بلد عربي، وربما حتى العلاقة مع "إسرائيل"، حيث يلعب البعض دور الوسيط لها في الساحات التي تجد صعوبات في اختراقها.
ويقدر حجم التبادل التجاري بين الدول العربية والأفريقية (قرابة 70 دولة) بنحو 30 مليار دولار سنوياً، ويميل الميزان التجاري فيه لصالح الدول العربية التي تزود أفريقيا بالنفط، وهو مبلغ صغير مقارنة بحجم التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا الذي يفوق 130 مليار دولار سنوياً.
المؤسف والخطير أن بعض الدول العربية لا تترد اليوم من أجل الحصول على استغلال منجم ذهب أو ماس أو التموقع في ميناء كميناء بربرة عند باب المندب أن تتصرف كدول مارقة فتبادر إلى إثارة الفوضى وإشعال الحروب الأهلية وتسليح المتحاربين وصناعة الإرهاب وتشجيع الانفصال مما يتسبب في تهجير المدنيين وارتكاب مجازر ترقى إلى جرائم حرب وإبادة جماعية وتطهير عرقي.
وسواء بُنيت العلاقة العربية الأفريقية على مستوى المؤسسات (جامعة الدول العربية – الاتحاد الأفريقي)، أو على مستوى الأسواق الاقتصادية المشتركة، أو في إطار علاقة ثنائية، فإن العرب مطالبون ابتداءاً بتصحيح الصورة النمطية والتمثلات الخاطئة عنهم لدى الأفارقة والتي غذتها وتغذيها البروباغاندا الصهيواستعمارية وتحاول تكريسها نخب أفريقية متصهينة. فهذه التمثلات السلبية عن العرب تساعد "إسرائيل" على النجاح في التحريض ضدهم وزرع الشقاق بينهم وبين الأفارقة.
لقد كان باستطاعة المال العربي أن يلعب دوراً بارزاً في ضمان استمرار دعم الأفارقة للقضية فلسطينية، لكن هذا لم يحصل لأن مصر والأردن والسلطة الفلسطينية حينما وقعوا على اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني، فإنهم قد "وقّعوا في الحقيقة على نهاية الصراع العربي الإسرائيلي" من وجهة نظر الدول الأفريقية.
أما العرب الموقعين على اتفاقيات إبراهام فقد وضعوا حداً للتضامن العربي مع فلسطين وهو ما نشهد آثاره اليوم في غزة منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023 حيث تساهم دول عربية مطبعة في الحصار وتجويع الشعب الفلسطيني وتتعاون أخرى مع الكيان العنصري أمنياً واستخباراتياً فضلاً عن التعاون العسكري. وبعضهم مارس الضغوط وسعى إلى إفشال عمل محكمة العدل الدولية بناءاً على الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا التي تتهم نتنياهو وبعض القادة العسكريين الإسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني.
في ظل تفريط العرب في قضية فلسطين، من الصعب مطالبة الدول الأفريقية باتخاذ موقف أبعد من استنكار وشجب ما يجري في غزة، هذا لا يعني أن على أحرار العالم العربي من مثقفين ومفكرين وسياسيين الوقوف موقف المتفرج بل يجب عليهم في الحد الأدنى القيام بمجهودات تجاه النخب الأفريقية لإقناعهم بخطورة تسرب الكيان الصهيوني إلى مفاصل دولهم الإقتصادية والأمنية . فـ "إسرائيل" كأي كيان طفيلي يعيش على حساب مضيفه وينتهي به الأمر بقتله.