ميريام أديلسون: سيدة النفوذ الإسرائيلي في واشنطن.. كيف تؤثر بالسياسة الخارجية؟

تتصدّر ميريام أديلسون مشهد النفوذ السياسي في الولايات المتحدة، بوصفها ممولة كبرى للحزب الجمهوري وشخصية نافذة في تشكيل السياسات الأميركية تجاه "إسرائيل". فمن هي؟

  • الرئيس الأميركي دونالد ترامب وميريام أديلسون (أرشيفية)
    الرئيس الأميركي دونالد ترامب وميريام أديلسون (أرشيفية)

في ظل تصاعد الحديث عن النفوذ الإسرائيلي في السياسة الأميركية، تعود إلى الواجهة شخصية ميريام أديلسون، التي أشاد بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال كلمته الأخيرة أمام الكنيست الإسرائيلي. فمن هي هذه السيدة؟

ميريام أديلسون هي طبيبة أميركية من أصول إسرائيلية، وُلدت في "تل أبيب" عام 1945 لوالدين هاجرا من بولندا، وتخصصت في علاج الإدمان. في عام 1991، تزوجت من قطب الكازينوهات الأميركي شيلدون أديلسون، الذي أسس إمبراطورية "لاس فيغاس ساندز" للمقامرة، والتي باعتها العائلة لاحقاً مقابل 6.25 مليار دولار عام 2022.

ميريام هي أرملة شيلدون أديلسون ووريثته، وتُعد اليوم من أبرز المانحين للحزب الجمهوري الأميركي، إذ تبرعت هي وزوجها بأكثر من 600 مليون دولار لدعم الحملات الرئاسية الثلاث لدونالد ترامب، إلى جانب دعم مرشحين جمهوريين آخرين منذ عام 2015. كما تدير اللجنة السياسية "الحفاظ على أميركا" (Preserve America PAC)، والتي لعبت دوراً رئيسياً في إعادة ترامب إلى المشهد السياسي خلال الانتخابات الأخيرة.

ما علاقتها بـ"إسرائيل"؟

تملك ميريام اليوم صحيفة "إسرائيل هيوم"، التي أسسها زوجها، وتعد من أبرز الوسائل الإعلامية الداعمة لليمين الإسرائيلي. لم تحصر مساهماتها في الجانب المالي، بل امتدت إلى التأثير المباشر على صياغة سياسة ترامب الخارجية في "الشرق الأوسط"، لا سيما ما يتعلق بكيان الاحتلال.

وعملت ميريام وزوجها على توجيه سياسة ترامب في ملفات مركزية، مثل الاعتراف بالقدس عاصمةً لكيان الاحتلال عام 2017، نقل السفارة الأميركية من "تل أبيب" إلى القدس في العام نفسه ودعم الاعتراف الأميركي بسيادة الاحتلال الإسرائيلي على الجولان السوري المحتل عام 2019.

وقد أشار ترامب في كلمته يوم الاثنين أمام الكنيست إلى أديلسون، مشيداً بدورها السياسي، وروى كيف أنها تهرّبت عندما سُئلت عمّا إذا كانت تحب الولايات المتحدة أم "إسرائيل" أكثر، في إشارة إلى ولائها العميق لكيان الاحتلال.

وقال ترامب إنّ "ميريام وشيلدون كانا يدخلان المكتب البيضاوي. ويتصلان بي. أعتقد أنهما زارا البيت الأبيض أكثر من أي شخص آخر".

عقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، نشرت ميريام أديلسون مقالاً في صحيفة "إسرائيل هيوم" وصفت فيه منتقدي كيان الاحتلال حول العالم بـ"المؤيدين الأجانب لحماس"، مضيفة: "هم أعداؤنا، وهم الممكِّنون الأيديولوجيون في الغرب لمن سيبذلون قصارى جهدهم لاستئصالنا من الشرق الأوسط".

وفي فعالية انتخابية لليهود الأميركيين في أيلول/سبتمبر الماضي، قالت ميريام إن على اليهود "واجباً مقدساً" بدعم ترامب في الانتخابات المقبلة.

اقرأ أيضاً: الكونغرس الأميركي بيت نتنياهو الثاني

تدخلاتها بشأن الأسرى الإسرائيليين

برزت ميريام أديلسون مجدداً، كشخصية محورية في حشد الرئيس ترامب لدعم قضية الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس.

فمنذ صيف عام 2024، انخرطت عائلات الأسرى الإسرائيليين والأميركيين في حملة ضغط منظمة تهدف إلى التأثير في مواقف صنّاع القرار الأميركيين، وذلك من خلال تحالف واسع شمل متبرعين أثرياء، ومشاهير إعلاميين، ومئات المتطوعين، إلى جانب أقارب الأسرى الذين كرّسوا أنفسهم للعمل الدعائي بدوام كامل.

ولجأت العائلات إلى وسطاء يملكون تأثيراً مباشراً على ترامب، من بينهم مقدّم البودكاست الشهير بن شابيرو، الذي رتب اللقاء بين ترامب وعائلة الجندي الإسرائيلي الأميركي الأسير عيدان ألكسندر، بالإضافة إلى ميريام أديلسون، التي تُعرف بقربها الشديد منه.

أديلسون، التي لديها أبناء يقيمون في "إسرائيل"، ساهمت في تسهيل اللقاءات والاتصالات بين العائلات وترامب. كما شاركت بشكل رمزي في دعم الحملة، إذ حضرت حفل تنصيب الحزب الجمهوري اليهودي في كانون الثاني/يناير، مرتديةً فستانًا مزينًا بشرائط صفراء، وهي رمز الحملة المطالبة بإعادة الأسرى.

مليارات أديلسون في خدمة ترامب

في استمرار لدورها المتنامي في التأثير على السياسة الأميركية، قدّمت المليارديرة الإسرائيلية الأميركية ميريام أديلسون سلسلة من التبرعات الكبرى لدعم حملة الرئيس الأميركي، وبحسب وكالة "أسوشيتد برس"، قدمت أديلسون 4 تبرعات ضخمة خلال عام 2024.

بحيث أنّها قدّمت 25 مليون دولار في تموز/يوليو، و25 مليون دولار في آب/أغسطس، و45 مليون دولار في أيلول/سبتمبر. كما قدّمت مليون دولار إضافية للجنة العمل السياسي "سوبر باك" التابعة لحاكم ولاية جورجيا، برايان كيمب، في مؤشر إلى اتساع دائرة تدخلها في تمويل الحملات الجمهورية على المستويين الفيدرالي والولائي.

أديلسون، التي تُصنَّف خامس أغنى امرأة في العالم، تُعرف بمواقفها الصهيونية المتشددة، وتُعتبر اليوم من أكثر الشخصيات نفوذاً في تشكيل السياسات الأميركية تجاه "إسرائيل".

ووفق تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في حزيران/يونيو 2024، تناولت أديلسون العشاء مع ترامب 6 مرات بين عامي 2023 و2024. وتركزت أحاديثهما، بحسب الصحيفة، على السياسات المتعلّقة بكيان الاحتلال، بالإضافة إلى مناقشات شخصية تتعلّق بعائلاتهما، ما يُظهر الطابع الوثيق للعلاقة بين الطرفين، والذي يتجاوز حدود التمويل إلى التأثير المباشر في دوائر اتخاذ القرار.

التحريض على المتظاهرين المؤيدين لفلسطين

قادت ميريام أديلسون حملة إعلامية وسياسية تزامناً مع العدوان الإسرائيلي على غزة، سلطت فيها الضوء على خطاب تحريضي يتقاطع مع تمويل سياسي واسع النطاق لحملة ترامب، وعلى محاولة التأثير في الرأي العام الأميركي عبر تبني رواية أمنية مطلقة تنزع الشرعية عن أي احتجاج مؤيّد لفلسطين.

ووصفت التظاهرات المؤيّدة لفلسطين في المدن الغربية بأنها "احتفالات مرعبة"، معتبرة أن المشاركين فيها من "المسلمين المتطرفين ونشطاء حركة حياة السود مهمة، والتقدميين المتطرفين، والمحرضين المهنيين".

وفي هجوم آخر، قالت أديلسون إن: "وحوش حماس تأخرت في ارتكاب أسوأ مذبحة لليهود منذ الهولوكوست، بينما مشجعوهم الأجانب لم يصبروا. فبينما كان إطلاق النار والطعن والتقطيع والحرق والتعذيب والاغتصاب والخطف لا يزال مستمراً، خرج مؤيّدو فلسطين يهتفون دعماً لهم".

وانتقدت وسائل الإعلام الغربية التي وصفت هذه التحركات بأنها "احتجاجات"، معتبرة أن هذا التوصيف "زائف"، ومؤكدة أن ما حدث لم يكن احتجاجاً بل "حفلات شوارع" و"احتفالات هللويا على الأهوال"، على حد تعبيرها.

اقرأ أيضاً: عسكرة الجامعات الأميركية لقمع احتجاجات الطلّاب المؤيدين لفلسطين

"كير" يدعو السياسيين الأميركيين إلى قطع العلاقات مع أديلسون

من جانبه، دعا مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير)، وهو أكبر منظمة حقوق مدنية تمثل المسلمين في الولايات المتحدة، إلى قطع العلاقات مع المليارديرة ميريام أديلسون.

وجاءت هذه الدعوة بعد تصريحات أطلقها ترامب مؤخراً، كشف فيها عن حجم الضغط الذي مارسته أديلسون على إدارته لتبني سياسات منحازة بشكل كامل لكيان الاحتلال، بما في ذلك الاعتراف بالقدس عاصمةً للاحتلال ونقل السفارة الأميركية، وتأييد ضم الجولان المحتل.

من جانبها، قالت منظمة "كير أكشن"، الذراع السياسية للمجلس، إن النفوذ الذي تمارسه أديلسون يجب أن يكون "خطاً أحمر" لكل من يسعى للتمسك بمبادئ العدالة وحقوق الإنسان في السياسة الأميركية، داعيةً الساسة إلى مراجعة علاقتهم بها.

تبرز ميريام أديلسون اليوم بوصفها أكثر من مجرد متبرعة بارزة، بل كفاعل سياسي نافذ يستخدم أدوات النفوذ المالي والإعلامي لتوجيه السياسات الخارجية الأميركية وتجييرها لصالح "إسرائيل". وإذ يتسع حضورها في دوائر صنع القرار، خصوصاً مع فترة الرئيس ترامب، يزداد الحديث عن حدود هذا الدور وأبعاده الحقيقية. فهل يمكن اعتبار أديلسون تجلّياً واضحاً لمنظومة نفوذ أوسع وأعمق لا تزال تتحكم في بوصلة السياسة الخارجية الأميركية؟

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك