المنطقة الاقتصادية الترامبية في الجولان وجنوب لبنان
عقب سيطرة الكيان الصهيوني على مناطق واسعة من الجنوب السوري ومن بينها الجولان، يظهر مشروع المنطقة الاقتصادية بواسطة الأميركيين مرة أخرى، والذي يستهدف الجولان والجنوب اللبناني.
-
هل يتمكن الأميركيون والكيان الصهيوني بالفعل من تحقيق هذه المشروعات؟
في أعقاب حرب 5 يونيو/ حزيران 1967، ودخول القوات الصهيونية إلى الجولان، لاحظ بعض الفاعلين والقيادات الدرزية في مجدل شمس أن القوات الصهيونية تسعى لإفراغ الجولان من السنة والمسيحيين والإبقاء على الدروز فقط، الأمر الذي دفعهم إلى التشكيك في نوايا الكيان الصهيوني من هذا التدليل للدروز خصوصاً، وعلى رأسهم القيادي الدرزي كمال كنج.
يقول الكاتب محمد خالد قطمة في كتابة " قصة الدولتين المارونية والدرزية مع الوثائق والمستندات "، أن الصهاينة في أعقاب حرب 1967، حاولوا التواصل مع زعماء دروز في مجدل شمس، ولا سيما الزعيم كمال كنج، عضو البرلمان السوري السابق، ورغم رفض الأخير أكثر من مرة فإنهم نجحوا في التواصل معه في النهاية تحت ضغط التهديد في حال لم يحصلوا على التعاون اللازم، ومع نصائح من الشيخ طريف شيخ عقل دروز فلسطين المحتلة بعدم الصدام خوفاً من الترحيل.
قام وزير الدفاع موشي دايان ووزير العمل إيغال ألون بعرض مشروع تأسيس إمارة درزية تحت رعايتهم على كمال كنج أبو صالح. ويذكر الكاتب أن كمال كنج قرر مجاراة الصهاينة والاستعانة بأحد المثقفين الدروز في لبنان وهو كمال أبو لطيف (ضابط سابق في الجيش السوري) كممثل عن دروز لبنان، حتى يتمكن من الحصول على الوثائق اللازمة لفضح المشروع وإفشاله.
يشير الكاتب إلى أن كلاً من كمال كنج وكمال أبو لطيف، عقب حصولهما على كل المعلومات الضرورية حول المخطط الصهيوني، توجها إلى لبنان وتم إبلاغ كمال جنبلاط بتفاصيل المشروع الصهيوني لتفتيت كل من لبنان وسوريا إلى دويلات طائفية وعرقية، عبر التأسيس لدولة درزية في الجولان وجنوب لبنان، دولة علوية في الساحل السوري، دولة مسيحية في لبنان، دولة سنية في الداخل السوري وطرابلس ودولة كردية في الشمال السوري. بدوره، قام كمال جنبلاط بإبلاغ الزعيم جمال عبد الناصر بما توفر لديه من معلومات، كما قام كمال أبو لطيف بالتوجه إلى دمشق لإبلاغ عبد الكريم الجندي، رئيس شعبة المخابرات آنذاك بالمشروع.
ومع تسريب المعلومات لوسائل الإعلام العربية، وإعلان كل من سوريا والعراق والأردن تشكيل الجبهة الشرقية تحت قيادة أحد الضباط المصريين، ومحاولة سد المحاور التي وردت في المشروع الصهيوني، أدرك الكيان أن خطته تم فضحها، فقام بإلقاء القبض على كمال كنج ومحاكمته في محكمة عسكرية التي عاقبته بالسجن 208 سنوات في سنة 1970، واغتيال كمال أبو لطيف لاحقاً في بلدته عيحا.
الملاحظ أنه في الفترة نفسها التي شهدت مشروع التأسيس لدولة درزية، برز مشروع أميركي لتأسيس منطقة اقتصادية في الجولان وجنوب لبنان، وتم طرح المشروع على الرئيس اللبناني شارل حلو الذي قام برفضه، بالرغم من الأزمات الاقتصادية التي تعرض لها لبنان في هذه الفترة بعد أزمة بنك انترا 1966 وتزايد حزام البؤس حول العاصمة اللبنانية.
الآن، وعقب سيطرة الكيان الصهيوني على مناطق واسعة من الجنوب السوري ومن بينها الجولان، يظهر مشروع المنطقة الاقتصادية بواسطة الأميركيين مرة أخرى، والذي يستهدف الجولان والجنوب اللبناني.
ترجع قصة هذا المشروع الحديث إلى كانون الثاني/يناير من عام 2020 الذي طرح فيه ترامب ما يطلق عليه "صفقة القرن"، والتي تضمنت:
1- الاعتراف الأميركي بسيادة الكيان الصهيوني على الجولان المحتل (تم في 2019).
2- اقتراح إقامة منطقة اقتصادية تنموية مشتركة في الجولان وجنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة، تدار بالشراكة بين الكيان الصهيوني ورأس المال الخليجي (الإمارات والسعودية خصوصاً).
3- ربط هذه المنطقة بممرات تجارية ومشاريع طاقة ومياه تمتد حتى الأردن والخليج.
4- طرحت "صفقة القرن" ممرات تجارية من حيفا نحو البقاع الغربي تمر بمناطق درزية ومسيحية متجنبة الجنوب ذا الغالبية الشيعية، في محاولة للالتفاف الاقتصادي حول المقاومة الإسلامية والعاصمة السورية دمشق (في فترة نظام البعث العربي).
والملاحظ أن المناطق التي حددتها إدارة ترامب للمنطقة الاقتصادية تتطابق مع الامتداد الجغرافي الذي طرحته خطة الدولة الدرزية السابق ذكرها، بمعنى أن هذا المشروع الاقتصادي لم يكن منفصلاً عن مشروع الدولة الدرزية، بل مجرد إعادة تسويق ناعم لهذا المشروع الطائفي بصيغ اقتصادية ومدنية.
لكن، يبدو أن بعض تفاصيل هذا المشروع تغيّرت مع أحداث "طوفان الأقصى"، إذ توقّع كل من الأميركيين والصهاينة أن قوى المقاومة صارت في وضع أضعف عقب استشهاد قائد المقاومة السيد حسن نصر الله (قده)، وسقوط نظام حزب البعث العربي في سوريا، بما يمكنهم من عمل بعض التعديلات التي تفيد الكيان الصهيوني وتمكّنه من خلق مناطق عازلة في مواجهة كل من سوريا ولبنان.
في زيارة للوفد الأميركي إلى بيروت والذي ضمّ توماس براك ونائبته مورغان أورتاغوس والسيناتور الأميركي ليندسي غراهام، تم طرح مشروع تأسيس منطقة اقتصادية عازلة في جنوب لبنان لجذب الاستثمارات وخلق فرص عمل، بحسب العرض الأميركي، وسوف يقترن المشروع بترحيل السكان ذوي الغالبية الشيعية، وخاصة قرى: الخيام، كفر كلا، مركبا، العديسة، عيتا الشعب، حولا، طير حرفا، ميس الجبل، بليدا، عيترون، يارون، الضهيرة، الناقورة، يارين، مروحين.
ومع العرض الأميركي، أعلنت كل من السعودية وقطر عن إطلاق مشروع منطقة اقتصادية مشتركة في جنوب لبنان، يهدف إلى جذب الاستثمارات وخلق آلاف فرص العمل في قطاعات الصناعة والخدمات والزراعة، بما يعني أن الدولتين شريكتان في المشروع الأميركي، وقد اعتبرت الدولتان أن المشروع يأتي ضمن حزمة حوافز تهدف إلى تشجيع عناصر حزب الله على التخلي عن العمل العسكري، توازياً مع الخطة التي يعمل عليها الجيش اللبناني لنزع السلاح.
لكن القصة هكذا غير مكتملة، فالمنطقة الاقتصادية لن تقتصر على الجنوب اللبناني، وإنما ستبدأ من الجولان الغني بمصادر الطاقة والمياه ليمتد إلى جنوب لبنان كي يصل إلى البحر المتوسط، وكان الوصول إلى البحر المتوسط وإقامة ميناء من شروط المساهمين في المشروع ومن بينهم قطر والسعودية. وفكرة حصول الأميركيين على حق استخراج الطاقة من الجولان ليست حديثة، وإنما بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي ورفضها إسحق رابين، الذي أراد منح السوريين إشارات بحسن نواياه في السلام.
وبديهي أن المشروع إذا كان سيخضع للأميركيين، فإن حمايته أمنياً ستكون على عاتق الأميركيين كذلك، بما يعني دخول قوات أميركية إلى منطقة الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وهنا يجب أن يطرح التساؤل حول طبيعة السكان والعمال الذين سيوجدون في المنطقة من الجولان إلى جنوب لبنان والبحر المتوسط؟! وهل سيشمل السكان الصهاينة؟ لم يتم توضيح هذه التفاصيل من المشروع، لكن اقتران المشروع بطرح مسألة تأسيس كيان درزي في الجنوب السوري يشير إلى احتمالات امتداد هذا الكيان إلى جنوب لبنان والشوف عبر المنطقة الاقتصادية كأمر واقع.
لكن، هل مشروع الدولة الدرزية الجديد هو المشروع القديم نفسه؟
الواقع أن المشروع القديم كان يستهدف منح الكيان الصهيوني هوية وشرعية للبقاء عبر تفتيت المنطقة إلى دويلات طائفية وعرقية مشابهة لطبيعة الكيان ذاته، لكن المشروع الجديد لا يحتاج الآن إلى هذه الكيانات من أجل الشرعية وإنما من أجل الوصاية عليها، فمثل هذه الكيانات سوف تكون تابعة وتحت إشراف الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ذاته، وهذا لن يمنع من أن يتم بناء مستوطنات صهيونية في أماكن هذه الدويلات، وهو ما يطالب به اليمين الصهيوني حالياً، كما تبرز تصريحات بعض الوزراء الصهاينة بضرورة الوصول إلى نهر الليطاني في صيدا، وهو طلب كانت الحركة الصهيونية تلحّ عليه منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.
لماذا البدء بالدروز؟ يدرك الكيان الصهيوني أن الشام عموماً تحمل تنوّعات طائفية وعرقية كثيرة، لكن الميزة الأساسية للدروز كطائفة أنهم لا امتداد لهم خارج الشام، على العكس من باقي الطوائف الإسلامية والمسيحية، فالموارنة والروم الأرثوذكس لهم امتدادهم في أوروبا، بينما يمتلك السنة امتداداً كبيراً في العالم الإسلامي، وهناك امتداد للشيعة في العراق وإيران، ويمتلك العلويون (فرع من الشيعة الإثني عشرية) امتداداً في تركيا ذاتها وإيران وأذربيجان ومناطق في أوروبا كمقدونيا وألبانيا. لكن الدروز كطائفة غير تبشيرية لا يوجد امتداد لها خارج الشام، وبالتالي يشعر الدروز، نتيجة بعض الدعايات السلفية، أنهم كطائفة مرفوضة من الناحية العقائدية من المحيط الإسلامي ومهددة في وجودها. وبالتالي، فإن الاعتماد على الدروز، بحسب وجهة النظر الصهيونية، يمثل الوجهة الأبرز كحائط صد في مواجهة الرفض الإسلامي السني والشيعي للوجود الصهيوني في فلسطين، بالرغم من التراث النضالي والعروبي الكبير للدروز.
وبالرغم من أن المشروع الصهيوني القديم والحديث يتضمن إقامة دويلة مسيحية في لبنان، إلا أن التجربة السابقة (الفرنسية والصهيونية) أثبتت أن هذا المشروع من الناحية الجغرافية يعاني من نقاط ضعف كبيرة للغاية، فهو سيكون محاصراً من قبل المسلمين (سنةً وشيعةً ودروزاً وعلويين) من الجهات كافة باستثناء البحر، كما أنه سيكون فقيراً من الناحية الاقتصادية وغير مدعوم من قبل المحيط المسيحي الأكبر في المنطقة (الروم الأرثوذكس). لكن الامتداد الماروني المعتمد على العالم الكاثوليكي الأوروبي الغربي يمكن أن يمنحهم قوة في مواجهة الكيان الصهيوني لاحقاً، بينما الامتداد الوحيد للدروز لا يتجاوز الامتداد العربي العام، وهو ما يسعى الكيان الصهيوني لإسقاطه عبر استغلال أحداث السويداء.
ما موقف الدول الخليجية؟
بالنسبة إلى الإمارات، فقد أظهرت الوقائع مساهمتها الفاعلة في دعم مشروع تقسيم سوريا، وإشعال الأوضاع في السويداء والساحل العلوي، بالإضافة إلى دعمها الكرد في الشمال الشرقي. إذ يتهم العديد من المراقبين دولة الإمارات أنها كانت ضالعة في التحركات التي شهدتها منطقة الساحل ذات الغالبية العلوية، والتي أدّت إلى اشتباكات مع النظام الجديد في سوريا نتج عنها مذابح للمدنيين العلويين، في مسعى واضح لإيجاد حالة انفصالية علوية. كما يشير هؤلاء المراقبون إلى العلاقات بين الإمارات ودروز الكيان الصهيوني، والقيادات الدرزية في السويداء المتفاعلة مع الكيان الصهيوني مثل حكمت الهجري، ناهيك بالدعم الإماراتي لقوات "قسد" ضمن الدعم الأميركي.
هناك مصالح بالنسبة إلى الإمارات العربية في محاولة إسقاط الحكم الجديد في سوريا، فهذا الحكم يتسم بتوجهات جهادية متطرفة تثير قلق العديد من الحكومات في المنطقة، وعلى رأسها النظم الملكية التي تعاني من مشاكل كبيرة مع الإسلاميين. كما أن النفوذ التركي في سوريا وامتداده إلى لبنان، سوف يدعم النفوذ التركي في كل من ليبيا والسودان، المعتمد على الحركات الإسلامية في الدولتين، ما يهدد الوجود الإماراتي في شرق المتوسط والبحر الأحمر. وبالتالي، تسعى الإمارات لتحجيم الوجود التركي في سوريا كمقدمة لضرب نفوذها في ليبيا والسودان كذلك، وضمن مساعيها لضرب الاتجاهات الإسلامية عموماً.
على الجانب السعودي، فإن المشروع سوف يساهم في إسقاط فكرة المقاومة في لبنان المقترنة، من وجهة نظر السعودية، بالشيعة. لكن، في المقابل، فإن السعوديين يرغبون في استخدام هذه المنطقة الاقتصادية باعتبارها وسيلة لإيقاف الصراع وتبرير إعلان التطبيع مع الكيان الصهيوني، والأهم استعادة النفوذ في لبنان وسوريا في مواجهة النفوذ التركي والمسعى الإماراتي لصناعة نفوذ خاص في سوريا ولبنان، ويتميز بأنه غير مرتبط بطائفة وأكثر مرونة مقابل النفوذ السعودي المرتكز على الطائفة السنية.
لكن، هل تستمر السعودية وقطر في هذا المشروع بعد الاعتداء الصهيوني على الدوحة؟
إن الضغوط التي تمارسها المملكة السعودية وقطر على حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، للقبول بخطة الرئيس الأميركي ترامب للسلام في غزة، والضغوط التي تمارسها المملكة على الحكومة اللبنانية لتجريد حزب الله من سلاحه، تشير إلى أن المملكة وقطر لن تتراجعا عن هذا المشروع، خاصة أنه سيمنح المملكة الفرصة لمنافسة الصعود السريع للإمارات في الشراكة الاستراتيجية مع الأميركيين.
ما العلاقة بين مشروع الدويلة الدرزية ومشروع ممر داوود والممر الأوسط القادم من آسيا الوسطى؟
ثمة امتداد جغرافي واضح بين المشروعات الثلاثة، وخاصة المشروعين الأول والثاني. فكلاهما يرتكز على الجولان كنقطة التقاء، كما أن كليهما يستهدف تفكيك البيئة العربية المقاومة للكيان الصهيوني، وإنهاء كل من سوريا ولبنان. وبالتالي، لا يمكن الفصل بينهما، فإذا تم تشكيل الدويلة الدرزية بأي صيغة، وتمرير المنطقة الاقتصادية الترامبية، فسوف تتواصل مع مشروع ممر داوود، وهو بدوره سوف يسعى للتأسيس للكيان الكردي في شمال شرق سوريا والتواصل بينه وبين الكيان الكردي العراقي، ما يعني ربط ممر داوود بالممر الأوسط القادم من وسط آسيا، حيث يصبح الكيان الصهيوني والمنطقة الاقتصادية الترامبية موضع التقاء سلاسل توريد الطاقة والمعادن الحيوية إلى أوروبا والعالم عبر البحر، كما سيربط آسيا الوسطى بالبحر المتوسط بعيداً عن روسيا والصين وإيران ومصر، وحتى تركيا جزئياً.
وهنا، من الضروري التعرف على الموقف التركي من هذه المشروعات، فالأتراك يرغبون في الحصول على الكعكة السورية كاملة، إذ يدركون تماماً خطورة التقسيم الطائفي والعرقي لسوريا والذي سيمتد إليهم، كما يدركون أهمية السيطرة على لبنان لدعم سيطرتهم على سوريا.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن نجاح هذه المشروعات الأمريكوصهيونية يمثل منافسة لمساعيهم الدؤوبة لأن تكون تركيا هي فقط موضع التقاء الممرات التجارية التي تنقل الطاقة والبضائع من الشرق إلى الغرب، وفي حال تم تنفيذ هذه المشروعات، فإن تركيا ستعاني من منافسة الكيان الصهيوني لها، خاصة مع بروز مشروع طريق التوابل الهندي والذي سيربط بين الهند والكيان الصهيوني عبر الإمارات والسعودية، كما سيؤثر على أهمية ممر الرفاهية الذي يربطها بالخليج العربي عبر العراق وسيعزلها جغرافيا عن العالم العربي.
على الجانب المصري، تعد مصر من أكبر المتضررين في حالة إتمام هذه المشروعات، والتي ستقلل كثيراً من أهمية قناة السويس كممر مائي يربط بين الشرق والغرب، خاصة لو قام العدو الصهيوني بإتمام مشروع قناة بن غوريون التي تربط البحرين الأحمر والمتوسط، وقد أعلن عن هذا المشروع بالفعل في 2021، وهي قناة مؤلفة من ممرَين بعمق 50 مترًا وعرض 200 مترٍ على الأقل لكل منهما، أي بزيادة 10 أمتار بالعمق عن قناة السويس، لتستطيع السفن التي يصل طولها إلى 300 متر وعرضها إلى 110 أمتار، من عبور القناة.
وبحسب ادعاءات الكيان الصهيوني، فإن طبيعة الأرض التي ستنشأ عليها القناة صخرية، ما يعني أنها نادرًا ما تحتاج إلى صيانة وتتحمل ضغوطًا قوية، على عكس قناة السويس ذات الطبيعة الرملية وتحتاج دائمًا إلى متابعة ومراقبة. ويرى الكيان الصهيوني أن الوادي المحاذي لقطاع غزة، والذي يمتد من جبل شجرة البقر بالقرب من مستوطنة "سديه بوكر" إلى منطقة الزهراء شمال قطاع غزة يقسم قطاع غزة جغرافيًا إلى قسمَين: شمالي وجنوبي. ولهذا السبب في العدوان الصهيوني الأخير على غزة، تمّ تهجير أكثر من ثلثَي سكان شمال غزة البالغ عددهم نحو 1.1 مليون فلسطيني إلى جنوبها، لأن المنطقة المطلوب إخلاؤها هي منطقة الشمال، وسوف يتم جرف الوادي وتوسيعه ليصبح قناة ملاحية تستوعب حركة الملاحة البحرية وتسمح بمرور السفن الكبيرة.
من المؤكد أن القادة المصريين يدركون خطورة تنفيذ هذا المشروع على الأمن القومي المصري والعربي كذلك، فوجود هذه القناة يعني تهميش كل من مصر وموانئ الخليج العربي في الإمارات والسعودية، وحتى بالنسبة إلى كل من قطر والبحرين، وربما لهذا السبب وجّهت مصر تهديداتها إلى الكيان الصهيوني وعبّرت عن رفضها لمشروع هذه القناة، ومؤخراً أعلنت عن الاتفاق مع السعودية على أن تبقى جزيرتا تيران وصنافير تحت الإدارة المصرية، وكلتاهما قادرتان على إغلاق خليج العقبة، بالإضافة إلى السعي لتنمية إقليم قناة السويس والذي يتضمن 42 مشروعاً. وكانت مصر قد أنجزت بالفعل مشروع حفر قناة السويس الجديدة والذي تم افتتاحه في آب/ أغسطس 2015.
لكن، هل يتمكن الأميركيون والكيان الصهيوني بالفعل من تحقيق هذه المشروعات؟
من المؤكد أن هناك صعوبات كبيرة تواجه هذه المشروعات، لعل أهمها المعارضة الإيرانية والصينية وحتى الروسية لإتمامه، بالإضافة إلى المعارضة التركية التي أعلنها الرئيس التركي إردوغان مؤخراً، إذ أكد أن تركيا ستقاتل لإبقاء الأراضي السورية موحدة. وهذا هو الموقف المصري كذلك الرافض لأي تقسيم للدول العربية.
أما الصين فترى أن الولايات المتحدة الأميركية تستهدف من دعم مشروعات كهذه محاصرة دول مجموعة "بريكس"، ومواجهة مبادرة الحزام والطريق (طريق الحرير الجديد) الذي تقوده، كما سيمكنها من التأسيس لمحور منافس يؤدي إلى تقييد مجالات الحركة الصينية في آسيا الوسطى والمنطقة العربية. ومن هذا المنطلق، فإن الرفض الصيني لمثل هذه المشروعات يبدو بديهياً.
بالنسبة إلى الروس، فإن مشروعهم الأساسي هو إحياء الممر الشمالي المار بأراضيهم من الصين، ويرون أن الممر الأوسط يشكل منافساً لهم، كما أنه يجعلهم معزولين عن التأثير السياسي في آسيا الوسطى، التي تمثل مناطق نفوذ تاريخية لروسيا منذ القرن التاسع عشر. لكن المشكلة الأكبر هي في أنه سيفشل مشروعهم القومي في السيطرة على أسواق الطاقة في العالم.
في المقابل، يقوم المشروع الأمريكوصهيوني على سقوط المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق واليمن وتسليم سلاحها، وهو ما لم يتمكن من تحقيقه حتى الآن، بالرغم من ضغوطه على كل من العراق ولبنان، والضربات التي وجهها إلى اليمن وما سبقها من حرب سعودية/إماراتية عليه، والحرب التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة منذ عامين.
وبالتالي، يدرك الأميركيون والصهاينة وحلفاؤهم في المنطقة، أنه لا توجد أي إمكانية لتحقيق كل هذه المشروعات إلا بالقضاء على إيران الداعم الأساسي لكل قوى المقاومة في المناطق الثلاث. وهو ما أشار إليه توماس براك علناً عندما أكد أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني سيقضيان على إيران التي تمثل رأس الأفعى، على حد تعبيره.