بعد وقف القتال.. السويداء تواجه كارثة إنسانية ونقص بالغذاء والدواء
تشهد محافظة السويداء جنوب سوريا كارثة إنسانية متفاقمة بعد توقف المعارك، وسط نقص حاد في المواد الغذائية والدواء والمحروقات، وانهيار الخدمات الأساسية. وتحذّر منظمات دولية من أن المساعدات الحالية لا تلبي الحد الأدنى من الاحتياجات.
-
بعد وقف القتال.. السويداء تواجه كارثة إنسانية ونقص بالغذاء والدواء
أسواق خالية، ومخازن خاوية، ومحلّات مغلقة، ومخابز شبه متوقفة عن العمل، وطوابير طويلة أمام سيارات المساعدات الإنسانية "النادرة"، بينما لا تزال رائحة الموت تفوح من الجثث المتحللة على أرصفة الطرقات في القرى الريفية، ربما تختصر هذه المشاهد الوضع العام في السويداء جنوب سوريا، بعد انتهاء المعارك الدامية التي شهدتها المحافظة قبل أيام.
وما إن تم الإعلان عن وقف إطلاق النار، حتى تواترت الأخبار عن الوضع الإنساني الصعب للغاية الذي يعيشه سكان السويداء، حيث تؤكد المعلومات وجود نقص حاد في الطحين والمواد الغذائية والأدوية، إضافة إلى توقف وصول المحروقات اللازمة لتشغيل الأفران وسيارات النقل، مع استمرار انقطاع مياه الشرب والكهرباء عن أحياء المدينة، وسط تحذيرات من حدوث كارثة إنسانية ما لم يتم إدخال كميات كافية من المساعدات في وقت قريب.
وضع مأساوي
"المساعدات لا تغطي ربع الاحتياجات"، هذا ما أكده الناشط كرم خير الله من السويداء للميادين نت، والذي أشار إلى أن معظم أسواق المدينة ومحالها التجارية خالية تماماً من البضائع، بينما تُنتج الأفران كميات قليلة من الخبز بشكل لا يلبّي احتياجات الأهالي، حيث يقف المئات في طوابير طويلة أمام الأفران للحصول على ربطة خبز واحدة يومياً، أو ربما لا يحصلون عليها أصلاً.
كما نوّه الناشط السوري إلى أن السويداء تعرضت لدمار كبير نتيجة المعارك العنيفة التي شهدتها على مدار أيام، فيما لا تزال عمليات البحث مستمرة عن مفقودين من الأهالي.
ولفت خير الله إلى أن معظم أهالي السويداء يعتمدون على الحوالات المالية من أبنائهم في الخارج، لكن الأوضاع الأمنية أدّت إلى توقف مراكز استقبال الحوالات الخارجية عن العمل بشكل كامل، مما أدّى إلى ازدياد الوضع المعيشي سوءاً.
ومنذ الإعلان عن توقف المعارك في السويداء وريفها، بدأ الهلال الأحمر السوري بإدخال المساعدات إلى المدينة، لكنها بقيت دون المستوى المطلوب، في ظل الاحتياجات الكبيرة للمدنيين والانهيار الحاد بالخدمات الأساسية في المنطقة.
وفي هذا السياق، أكدت "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" أن الوضع الإنساني في السويداء "صعب"، وأن إدخال القوافل الإنسانية إلى المدينة يمثّل خطوة إيجابية في الاستجابة للاحتياجات المتزايدة للسكان.
وأكدت "اللجنة" أن الاحتياجات الحالية في المدينة تفوق قدرة أي منظمة إنسانية واحدة على تلبيتها بمفردها، وهذا ما يتطلب أهمية تعزيز التنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة في المجال الإغاثي.
إلى ذلك، كشفت مصادر طبية من داخل السويداء أنه وبرغم توقف المعارك، فإن عمليات البحث عن جثامين الضحايا وانتشالها مستمرة حتى اليوم.
وبحسب المصادر، تصل إلى المستشفيات جثامين بشكل يومي، بعضها معروف وبعضها الآخر مجهول الهوية، كذلك تؤكد المعلومات وجود عشرات الجثث في بعض القرى على أطراف السويداء، لكن يصعب الوصول إليها بسبب التوتر الأمني.
نازحون في السويداء
المعارك الأخيرة دفعت عدداً كبيراً من المدنيين للنزوح عن منازلهم من المناطق الريفية والتوجه إلى داخل السويداء، وهو ما فاقم الأزمة الإنسانية التي تعيشها المحافظة، خاصّة في ظل نقص المواد الإغاثية والمساعدات الإنسانية.
وفي هذا السياق أكد رامز حجلي أحد العاملين في المجال الإغاثي داخل السويداء للميادين نت، أن عدد النازحين في المدينة وصل إلى أكثر من 115000 نازحاً، مشيراً إلى أن الجهات الفاعلة عملت على إعداد مراكز لإيواء النازحين في كل من "مقام عين الزمان ومدرسة جادو أبو محمود ومدرسة اللواء ومدرسة فاروق المصري وفندق زين بالاس وكنيسة الآباء الكبوشيين".
وأشار حجلي إلى أن المساعدات الإنسانية تصل فقط عبر الهلال الأحمر السوري، وهي لا تغطي الحد الأدنى من الاحتياجات اللازمة للأهالي والنازحين، لذلك فإن المطلوب هو العمل على فتح معابر إنسانية سريعاً ومضاعفة كمية المساعدات الواردة من مختلف المنظمات لمنع انهيار الوضع المعيشي في السويداء.
إلى ذلك، أطلقت جمعية أصدقاء مرضى السرطان في السويداء، نداء استغاثة إلى المنظمات الدولية، والمجتمع المدني، لمساعدة مرضى السرطان داخل المدينة، وحذّرت من النتائج الكارثية الناجمة عن نقص الأدوية.
وطالب رئيس الجمعية عدنان مقلّد، بالوقوف مع 1500 مريض سرطان تقطعت بهم السبل للحصول على العلاج، مشدداً على ضرورة تأمين الأدوية اللازمة للمرضى، بشكل عاجل.
السويداء مدينة منكوبة
بعد أن خمدت فوهات البنادق، أعلنت المرجعية الروحية في السويداء عن تشكيل "لجنة قانونية عليا" من أصحاب الخبرة والاختصاص لتتولى عملية إيصال المساعدات إلى مستحقيها، بما يضمن العدالة في التوزيع وحفظ الحقوق وتفادي الفوضى، بعيداً عن التسييس والمحسوبيات.
وفي اجتماعها الأول، أعلنت "اللجنة" أن السويداء أصبحت "منطقة منكوبة" بموجب القانون الدولي الإنساني، نتيجة ما وصفته بـ"الهجمات البرية والجوية الممنهجة" التي تعرضت لها من قبل فصائل متطرفة وقوات أمنية، وما خلّفته من دمار واسع في البنى التحتية وسقوط مئات الضحايا من المدنيين.
ودعت اللجنة إلى تدخل فوري من قبل المنظمات الدولية المعنية، وتوثيق الانتهاكات المرتكبة، مشيرةً إلى وقوع عمليات حصار، وإبادة جماعية، وتطهير عرقي، واستهداف للكوادر الطبية، وحرائق متعمدة في المنازل.
وبالتوازي مع بيان اللجنة، شهدت الساحات العامّة والشوارع في السويداء خروج تظاهرات شعبية واسعة تطالب برفع "الحصار" عن المحافظة وإدخال المساعدات الإنسانية.
وردّاً على الاتهامات التي تعرّضت لها الحكومة السورية بفرض حصار على محافظة السويداء، نفى المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، تلك الاتهامات، واصفاً إياها بأنها محض كذب وتضليل.
وقال البابا إن الحكومة السورية فتحت ممرات إنسانية لإدخال المساعدات إلى المدنيين داخل السويداء بالتعاون مع المنظمات الإنسانية المحلية والدولية، ولتسهيل الخروج المؤقت لمن شاء منهم خارج مناطق سيطرة المجموعات "الخارجة عن القانون".
وأضاف: "مزاعم الحصار دعاية أطلقتها المجموعات الخارجة عن القانون لتسويق فتح معابر غير نظامية مع محيط السويداء داخل الجمهورية وخارجها، لإنعاش تجارة السلاح والكبتاغون التي تُشكّل مصدر تمويل أساسياً لهذه المجموعات".
إن ما يجري في السويداء اليوم يؤكد ضرورة إبعاد المدنيين عن التجاذبات والخلافات السياسية، وعدم استخدامهم كورقة ضغط من أيّ طرف كان، إضافة إلى ضرورة إيجاد حلول سريعة للأوضاع الإنسانية التي يعيشها أهالي السويداء حالياً، عبر إدخال كميات كافية من المساعدات التي تلبي حاجة المحافظة، مع إيجاد حلول مستدامة لإنهاء الأزمة الحاصلة في الجنوب السوري.