التوكتوك في العراق: جدلٌ بين البدل المنخفض والفوضى المرورية
تحوّل "التوكتوك" في بغداد من وسيلة نقل بسيطة إلى ظاهرة اجتماعية واقتصادية لافتة، خلقت فرص عمل للشباب لكنها أثارت جدلاً واسعاً حول الأمن والمظهر الحضري في المدن العراقية.
-
التوكتوك في العراق: جدلٌ بين البدل المنخفض والفوضى المرورية
بين السيارات المكتظة والازدحام الخانق في شوارع العاصمة العراقية بغداد، يبرز "التوكتوك" كوسيلة نقل انسيابية ومنخفضة التكلفة، ليكون منافساً قوياً لسيارات الأجرة التقليدية، والتي غالباً ما تكون مرتفعة التكلفة في أوقات الذروة تحديداً.
وقد تحولت المركبة ذات الثلاث عجلات المعروفة محلياً باسم "التوكتوك" إلى أسلوب حياة يومي في بغداد، وعدد من المحافظات العراقية الأخرى، نظراً لكونها خياراً اقتصادياً مقبولاً، ولقدرتها على العمل في الأماكن الشعبية الضيّقة والمزدحمة، مما جعلها وسيلة نقل فعّالة داخل المدن، على الرغم من الانتقادات الكبيرة التي تتعرض لها، سواء من ناحية المخاطر التي تمثلها أو من ناحية تشويهها للمظهر العام.
في العام 2016، بلغ سعر "التوكتوك" -يتسع لراكبين اثنين بالمقعد الخلفي والسائق في المقدمة- نحو مليوني دينار عراقي (1400 دولار أميركي)، إلا أن هذا السعر تضاعف أكثر من مرة في الأعوام اللاحقة، خاصّة بعد القرار الحكومي الذي صدر عام 2022 بإيقاف استيراد تلك المركبات، ليصل السعر اليوم إلى نحو 8 ملايين دينار (5500 دولار).
ويُعتبر السعر كبيراً مقارنة بأسعار سيارات الأجرة التقليدية مثل "سايبا" الإيرانية الموجودة في العراق بكثرة، حيث يبلغ سعرها نحو 4 ملايين دينار (2800 دولار)، إلا أن غالبية الشباب باتوا يفضلون "التوكتوك" على السيارات.
التغلغل في المجتمع بسرعة
منذ أن دخل إلى الأراضي العراقية للمرة الأولى عام 2015، استطاع "التوكتوك" التغلغل في المجتمع، عبر جذب شريحة واسعة من الشباب للعمل عليه، حتى وصل العدد الكلّي لهذه المركبات في عموم العراق إلى مليون مركبة، وفقاً لإحصائيات شبه رسمية.
وبرغم عدم وجود أوراق رسمية للعمل عليها كسيّارات أجرة، والملاحقات التي تتعرّض لها من شرطة المرور لمنع استخدامها، إلا أن "التوكتوك" نجح في التمدد من مدينة إلى أخرى خلال سنوات قليلة.
كما شكّلت أحداث تشرين خلال عام 2019 في العراق، نقطة تحوّل في استخدام "التوكتوك"، حيث لعبت المركبات الصغيرة دوراً فاعلاً في نقل الجرحى والمصابين من ساحات التظاهرات إلى المشافي في بغداد، ليبدأ بعد ذلك الانتشار الواسع لـ "التوكتوك" في عموم البلاد.
ومع ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات قياسية، يجد الكثير من العراقيين في "التوكتوك" فرصة عمل مناسبة، خاصّة أن البطالة تعد من أبرز التحديات التي تواجه البلاد في الوقت الحالي، فحسب آخر مسح أجرته هيئة الإحصاء الحكومية في عام 2021، تبلغ نسب البطالة 16.5%، في حين تؤكد مؤسسات غير حكومية أن النسبة ارتفعت خلال العامين الماضيين.
بين شوارع منطقة "الأعظمية" ببغداد، يتنقّل محمد اليخيتي (28 عاماً) على "التوكتوك" الذي يملكه في محاولة لتأمين مصدر رزق يساهم في تحسين مستوى معيشة عائلته، حيث قدّمت المركبة بنظر الشاب فرصة عمل استثنائية للعاطلين من العمل، مما يساعدهم في مواجهة الأزمات الاقتصادية التي يمرون بها، حيث يمكن للسائقين تحقيق دخل جيد خلال ساعات قليلة من العمل.
يقول اليخيتي للميادين نت: "بدأت العمل على المركبة عام 2020 بمعدل 4 ساعات يومياً، لكن مع مرور الوقت وارتفاع الطلبات بشكل يومي، أصبح المعدل اليومي يصل إلى 10 ساعات"، حيث أصبح "التوكتوك" جزءاً أساسياً من الحياة اليومية في بغداد، كونه يساعد على تقليل تكاليف النقل للمواطنين.
ويضيف اليخيتي: "لا يتجاوز سعر الطلب الواحد لمسافة قصيرة 2000 دينار، والطلبات الطويلة 3000 دينار، بينما لا تقل أجرة الطلب الواحد في سيارة الأجرة التقليدية عن 5000 دينار، فضلاً عن قدرة مركبات "التوكتوك" على المرور بسهولة من الاختناقات المرورية مما يساهم بتوفير الوقت على الركاب".
تشويه المظهر العام ومخاطر جسدية
ظهر "التوكتوك" للمرة الأول خلال القرن الماضي في اليابان، قبل أن يتم إدخال بعض التحديثات عليه، وبدأت لاحقاً عمليات تصديره إلى العالم، ولعلّ أبرز الدول التي تنتشر فيها هذه المركبات هي: الهند ومصر والعراق.
ومنذ دخوله إلى العراق، يواجه أصحاب "التوكتوك" انتقادات لاذعة من السكان والناشطين الاجتماعيين، تتعلق بـ"تشويه المظهر العام"، وفقاً لهم، ما دفع الحكومة لإصدار قرار بحظر استخدامه في بعض المناطق من بغداد، وكذلك الأمر في باقي المحافظات، وتحديداً في كربلاء، حيث تقوم الشرطة المحلية بحملات شبه يومية لمصادرة "التوكتوك" أو منعه من الاقتراب من الشوارع الرئيسية في أوقات الذروة.
إضافة إلى ذلك، فإن الانتقادات تتركز على خطورة استخدام "التوكتوك" كوسيلة نقل عامّة، نظراً لعدم التزامها بالقواعد المرورية وانعدام إجراءات السلامة فيها، ما يعرّض حياة الركاب للخطر.
وحول هذه النقطة يؤكد السائق حسن المعمولي من مدينة كربلاء للميادين نت، أن الخطر موجود في مختلف وسائل النقل العامّة، ويعود السبب إلى تهور السائق أثناء القيادة، وليس بسبب الوسيلة نفسها، أما فيما يتعلق بـ"المظهر الحضاري" فيرى المعمولي أن "التوكتوك" مثله مثل أيّ سيارة أجرة موجودة في كربلاء، لكنه أرخص نسبياً ويحظى بإقبال شعبي واسع.
ويضيف المعمولي أنه كان يملك سيارة أجرة تقليدية، لكنه قام ببيعها عام 2023 واشترى "توكتوك" عوضاً عنها، لأنه أكثر إقبالاً من الناس، كما أنه يحقق مردوداً مالياً جيداً، وأشار إلى أنه يتجنب المرور في أيام العطل بالقرب من مركز المدينة حيث توجد شرطة المرور بكثافة، كما طلب من الحكومة العمل على ترخيص استخدام "التوكتوك" لأنه يعيل آلاف العائلات في مختلف المدن العراقية.
وبين القدرة على الحد من مستويات البطالة وتأمين دخل مالي للعائلات التي تعاني ظروفاً معيشية صعبة، وبين الانتقادات المستمرة حول المخاطر الجسدية وتشويه المظهر العام، يبقى "التوكتوك" قضية جدلية في الأوساط العراقية بحاجة إلى حلول قانونية تحدد إمكانية استخدامه وأماكن انتشاره.