فزعة أهالي السويداء.. مبادرات أهلية لمساندة المتضررين والمهجَّرين
تشهد السويداء جنوب سوريا أوضاعاً إنسانية كارثية بعد الهجمات الدموية الأخيرة، مع انعدام الرعاية الصحية ونقص الغذاء والمياه والدواء وارتفاع الأسعار بشكل جنوني. وبرغم ذلك، يبرز التكافل الأهلي والمبادرات الشعبية لتأمين المساعدات الأساسية.
-
فزعة أهالي السويداء.. مبادرات أهلية لمساندة المتضررين والمهجَّرين
تواجه السويداء في سوريا واقعاً إنسانياً مأساوياً، إذ تنعدم الرعاية الصحية، وتنقطع المياه النظيفة، ولا تصل كميات كافية من المواد الغذائية، في حين تتوقف الأفران عن العمل، وتمتنع محطات الوقود عن استقبال السيارات لعدم توفر المحروقات، بينما تعمل المشافي بطاقاتها القصوى لتأمين العلاج والدواء للمرضى.
وبمقابل حالة السواد هذه التي تعمّ السويداء جنوب سوريا، ينبثق الضوء من نافذة المبادرات الإنسانية، ليعبّر الأهالي عن تكافلهم المشترك، ورغبتهم بتجاوز الكارثة التي ألمّت بهم في تموز/يوليو الماضي، أثناء هجوم القوات الحكومية وفصائل العشائر على السويداء، وما نتج عنه من وقوع مئات الضحايا وتهجير آلاف المدنيين.
في منطقة "صلخد" جنوب السويداء، يحضّر نورس حمدان مع أصدقائه سلل غذائية لتوزيعها على العائلات الأكثر ضرراً في المنطقة، ضمن مبادرة اجتماعية لإعانة المدنيين المتضررين من الأحداث التي شهدتها المدينة قبل نحو شهرين.
يقول حمدان للميادين نت: "نستغلّ الإمكانات القليلة المتوفّرة بين أيدينا لتأمين المساعدات الغذائية، وتوزيعها بشكل عادل على العائلات التي فقدت مصدر رزقها بعد أحداث تموز الماضي، لكن هذه المبادرة تواجه صعوبة كبيرة في تأمين المساعدات نتيجة قلّة الكميات الواردة إلى المدينة، ما يحدّ من قدرتنا على الوصول إلى شريحة واسعة من المتضررين".
ويضيف حمدان: "العائلات داخل السويداء، وخصوصاً التي هُجّرت من منازلها، تعاني من غياب الرعاية الصحية والمساعدات الغذائية، إضافة إلى عدم توفر المياه النظيفة، وبالتالي فإنها بحاجة ماسّة إلى المساعدة بأيّ شكل من الأشكال، ومن هنا جاءت فكرة المبادرة التي تهدف إلى توفير أبسط مقومات الحياة للمدنيين المتضررين".
المبادرة الشبابية في منطقة "صلخد" ليست الوحيدة داخل السويداء، فالعديد من المنظمات الإنسانية، والجمعيات الأهلية، والحركات الشبابية، استنفرت لتقديم الدعم الإنساني للأهالي المتضررين، في مشهد يعكس التكافل الاجتماعي الذي تعيشه المدينة "المنكوبة" في الجنوب السوري.
جهود منسّقة للتوزيع
في منطقة "شهبا" شمال السويداء، تستنفر النساء من قرى مختلفة لإعداد وجبات طعام بما يتوّفر من المستلزمات المُتاحة، من أجل توزيعها على العائلات المهجّرة التي تقطن في مراكز الإيواء المؤقتة، حيث يتم تحضير مئات الوجبات وتوزيعها يومياً.
وتعتمد النساء في غالب الأحيان على الخضار والفواكه المتوفرة في المدينة، أما عمليات الطهي فغالباً ما تتم على الحطب، لصعوبة تأمين المحروقات، في حين تتولى عمليات التوزيع لجان شبابية متخصصة لتأمين أكبر قدر من العدالة في إيصال المساعدات.
وحول عمليات التوزيع، يؤكد رامز حجلي أحد العاملين في المجال الإغاثي للميادين نت أن المنظمات الإنسانية داخل السويداء أعدّت قوائم بأسماء المهجرين وأماكن توزعهم في مراكز الإيواء المؤقت، حتى يكون التوزيع منسّقاً وعادلاً بدرجة مقبولة، كما تم إعداد قوائم بالعائلات الأكثر تضرراً ممن خسرت مصدر رزقها وفقدت بعض أفرادها.
ويضيف حجلي أن المساعدات الإنسانية من خلال المعبر الوحيد القادم من دمشق شحيحة للغاية، وهي تصل إلى المراكز الرئيسية في المدينة، ليتم لاحقاً إعدادها بشكل مناسب وتوزيعها على المتضررين بشكل عاجل، لكنه يؤكد في الوقت نفسه صعوبة تقييم الأضرار في مختلف أرجاء السويداء نظراً لحجمها الكبير
وتشير المعلومات إلى أن عدد النازحين في السويداء وصل إلى أكثر من 115000 نازحاً، حيث عملت الجهات الفاعلة داخل المدينة على إعداد مراكز لإيواء النازحين في كل من "مقام عين الزمان ومدرسة جادو أبو محمود ومدرسة اللواء ومدرسة فاروق المصري وفندق زين بالاس وكنيسة الآباء الكبوشيين".
واقع مأساوي في شوارع المدينة
خلال الأيام الماضية، شهدت أسواق مدينة السويداء ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار المواد الغذائية الأساسية مقارنة بأسعار بقية المدن السورية، أما أسعار الخضار والفواكه فقد شهدت استقراراً نسبياً مؤخراً، نظراً لاعتماد الأهالي على أراضيهم الزراعية داخل المدينة، لكن بالمقابل فإن الأسعار بقيت متأرجحة بين محلٍ تجاري وآخر في ظل غياب الرقابة التموينية على الأسواق.
وترى مصادر أهلية من داخل السويداء، أن الأسعار تحافظ منذ أسابيع على استقرار نسبي، وتبقى ضمن الحدود المنطقية، مقارنة بالواقع الذي تعيشه المدينة وانقطاع الشحنات الغذائية الواصلة إليها، وهو ما يؤكد الرغبة في الحد من تأثير الأزمة الحالية على المدنيين الذين يعانون من أوضاع معيشية صعبة.
وتشير المعلومات إلى أن الأزمة المعيشية التي تواجه أهالي السويداء، تترافق مع انقطاع الرواتب الحكومية عن معظم الموظفين في الدوائر الرسمية منذ شهرين تقريباً، ولم تفلح الجهود الأهلية في إعادة الرواتب إلا لجزء صغير من العاملين في القطاع الحكومي.
وفي سياق متصل، كشف برنامج الأغذية العالمي أنه قدّم منذ تصاعد الأعمال العدائية في مدينة السويداء مساعدات غذائية طارئة لأكثر من 300 ألف شخص في السويداء ودرعا وريف دمشق، لكنه أكد بالمقابل أن حركة النقل التجاري إلى السويداء لا تزال محدودة في ظل الظروف الأمنية الحالية، وأكد أن استعادة الوصول التجاري من دون عوائق، إلى جانب استقرار البيئة الأمنية، أمر ضروري لضمان وصول المساعدات المنقذة للحياة بفعالية إلى السكان المتضررين، ومنع مزيد من تدهور الوضع الإنساني.
وعن الوضع العام داخل السويداء، يقول الصحافي فارس جاد الله للميادين نت، أن الأمور بشكل عام كارثية بعد أكثر من 60 يوماً على الهجمات الدموية التي تعرضت لها المدينة من القوات الأمنية وفصائل العشائر، فالوضع الغذائي اليوم سيئ جداً لأن قوافل المساعدات التي تدخل المدينة لا تلبي الحدود الدنيا من الاحتياجات الأساسية، كما تتعرض بعض القوافل للمصادرة أو إطلاق النار، ما يحدّ من قدرتها على الوصول إلى المدينة.
ويضيف جاد الله: "انخفاض كميات المساعدات الواصلة إلى السويداء أدى إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق بشكل جنوني، كما تسبب بإغلاق عدد من الأفران لعدم توفر الطحين والمحروقات، مما دفع الأهالي إلى استخدام طحين قديم محروق لإنتاج الخبز لسد حاجتهم اليومية برغم ضرره المحتمل على الصحة".
وفيما يتعلق بالقطاع الصحي، يؤكد الصحافي السوري أن السويداء تعاني نقصاً حاداً في مادة حليب الأطفال، إضافة إلى تفاقم مشكلة من يعانون من الأمراض المزمنة في ظل العجز الكامل عن تأمين أدويتهم الضرورية، كما أن الأدوية المتوفرة حالياً لا تغطي إلا 15% من الحاجة الفعلية".
إن ما يجري اليوم في السويداء من مبادرات أهلية، هو مشهد يعكس الرغبة الشعبية في تجاوز الأزمة التي تعيشها المدينة، لكن تلك المبادرات تبقى عاجزة عن تأمين الحاجات الأساسية للأهالي في ظل نقص الموارد المُتاحة، وهذا ما يفرض ضرورة تحرك الجهات المحلية والإقليمية والدولية الفاعلة، لفتح جميع المعابر وإيصال المساعدات بشكلٍ واسع إلى المدنيين داخل السويداء.