عصر الذهب الجديد: ملاذ آمن بين ضعف الدولار وحروب الأسواق

تشير كل المؤشرات الاقتصادية، من ضعف الدولار والتضخم والديون، إلى جانب الصراعات الجيوسياسية والحروب التجارية، إلى عودة الذهب إلى واجهة المشهد العالمي.

0:00
  • ما العوامل التي تعزّز مكانة الذهب وتدفعه مجدداً إلى واجهة النظام المالي العالمي؟
    ما العوامل التي تعزّز مكانة الذهب وتدفعه مجدداً إلى واجهة النظام المالي العالمي؟

في زمن تتقاذفه الأزمات وتضطرب فيه موازين القوى الاقتصادية والسياسية، يعود الذهب ليتصدّر الواجهة كعنوانٍ للثبات في عالم يميل إلى الهشاشة. لم يعد المعدن الأصفر مجرد سلعة فاخرة أو مخزناً تقليدياً للقيمة، بل تحوّل إلى محور استراتيجي يوجّه قرارات المستثمرين والبنوك المركزية على حد سواء. ومع تراجع الدولار وتفاقم الديون وتصاعد التوترات الجيوسياسية من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، يتعزز موقع الذهب كملاذ آمن يفرض نفسه على الأسواق العالمية. إنه ليس مرآةً لاضطراب النظام المالي فحسب، بل هو أيضاً رهان على المستقبل، إذ يبحث العالم عن نقطة ارتكاز جديدة وسط عاصفة الاضطرابات.

وفي ضوء هذه التحولات، يمكن تحديد جملة من العوامل التي تعزّز مكانة الذهب وتدفعه مجدداً إلى واجهة النظام المالي العالمي، أبرزها:

1- ضعف الدولار الأميركي

تراجع قيمة الدولار يجعل الذهب أرخص نسبياً وأكثر جاذبية للمشترين، ما يعزز الطلب عليه. وعادةً ما يدفع انخفاض العملة الخضراء المستثمرين نحو الأصول الثابتة مثل الذهب.

2- مشتريات البنوك المركزية الكبرى

تشهد المصارف المركزية، خصوصاً في الصين والهند وتركيا، زيادة في احتياطياتها من الذهب، في محاولة لتعزيز استقرارها المالي وتقليل اعتمادها على الدولار.

3- توقعات خفض الفائدة الأميركية

كلما ارتفعت التوقعات بخفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، ازدادت جاذبية الذهب مقارنة بالأصول ذات العائد الثابت، إذ يفضّل المستثمرون حفظ القيمة على عوائد متدنية.

4- القلق من التضخم

استمرار التضخم فوق المستويات المستهدفة في العديد من الاقتصادات يدفع العالم إلى إعادة النظر في العملات الورقية، ليصبح الذهب خط الدفاع الأول في مواجهة تآكل القوة الشرائية.

5-  التوترات الجيوسياسية

من الحرب الروسية – الأوكرانية إلى النزاعات في الشرق الأوسط (غزة، لبنان، العراق، سوريا)، تزداد جاذبية الذهب كلما اشتعلت جبهة جديدة؛ ففي أزمنة الدم والنار يتجه المستثمرون نحو المعدن الذي لا يتأثر بالانقسامات.

6-  الحرب التجارية العالمية

الرسوم الجمركية الأميركية على واردات متعددة تضغط على النمو الاقتصادي العالمي وتثير المخاوف من تباطؤ التجارة والإنتاج، ما يعزز الإقبال على الذهب.

7- تباطؤ النمو في أكبر اقتصادين

الولايات المتحدة والصين تعيشان مرحلة حرجة من الصراع التجاري والتكنولوجي والمالي، وأي تعثّر إضافي قد يدفع نحو انتقال تدريجي إلى العملات الرقمية، وهو سيناريو مقلق عالمياً ويزيد من مكانة الذهب كبديل تقليدي ثابت.

8- الطلب الاستثماري المتزايد

الصناديق الاستثمارية تشتري الذهب بوتيرة تتجاوز العرض، في إشارة إلى إيمان واسع بأن قيمته ستزداد في المستقبل القريب.

9- المخاوف من انهيار أسواق الأسهم

تعيش أسواق المال العالمية حالة من التقلّب وعدم اليقين، وخصوصاً بعد جائحة كورونا وردود الفعل السياسية المتوترة، ما يدفع المستثمرين إلى البحث عن ملاذات أكثر أماناً.

10- العجز والديون الأميركية المتصاعدة

بلغ العجز الأميركي نحو 1200 مليار دولار، فيما ارتفع الدين العام إلى نحو 37 تريليون دولار مقابل ناتج محلي يقدّر بـ26 تريليوناً. هذا العبء المالي الضخم يثير مخاوف من ضعف العملة وتراجع ثقة المستثمرين.

ماذا تستفيد الولايات المتحدة من هذه المعطيات؟

تمتلك الولايات المتحدة أكبر احتياطي ذهبي في العالم، يبلغ نحو 8,133 طناً، ما يضعها في موقع قوة اقتصادي ومالي استثنائي.

تتوزع هذه الكمية على ثلاثة مواقع رئيسية:

· فورت نوكس: يضم نحو 147.3 مليون أوقية، أي أكثر من نصف احتياطي الخزانة.

· منشأة ويسبوينت: تخزّن جزءاً من الاحتياطيات.

· منشأة دنفر: تحتفظ بالباقي، إضافة إلى كمية أصغر مخصّصة للإنتاج والتداول.

في المحصلة، تشير كل المؤشرات الاقتصادية، من ضعف الدولار والتضخم والديون، إلى جانب الصراعات الجيوسياسية والحروب التجارية، إلى عودة الذهب إلى واجهة المشهد العالمي. في المقابل، تستفيد الولايات المتحدة، رغم أزماتها، من احتياطها الذهبي الهائل كخط دفاع استراتيجي.

وبينما يتغير العالم بسرعة، يعود الذهب ليكون عنوان المرحلة المقبلة، فهل نحن أمام دورة جديدة من هيمنة المعدن الأصفر أم أن النظام المالي العالمي ما زال قادراً على امتصاص الصدمات؟