ما بين تصريحات سموترتش وقرداحي

سموترتش يستحضر صورة العربي في المخيال الغربي، كمجتمع جامد متطرّف، مقابل "الحداثة الإسرائيلية"، وهذه الاستعارة تكشف جوهر الخطاب الصهيوني، الذي يقوم على نزع الإنسانية عن الآخر.

0:00
  • تصريحات وزير المالية الصهيوني سموترتش تكشف حجم الخيبة التي تعيشها الأمة.
    تصريحات وزير المالية الصهيوني سموترتش تكشف حجم الخيبة التي تعيشها الأمة.

لم تكن تصريحات وزير المالية الصهيوني المتطرّف بتسلئيل سموترتش تجاه المملكة العربية السعودية وليدة اللحظة، إذ إنه وبن غفير ووزراء آخرين صرّحوا بما يكفي عن المملكة ودول عربية أخرى ذات ثقل في المنطقة، لكنّ حيّز التركيز الإعلامي تسبّب للأخيرة بالحرج، وربما تمنّت السعودية لو لم يحظ بهذا الزخم، كي تخرج من الحرج أمام العالم العربي والإسلامي الذي سينتظر ردّة فعل دول الخليج، أسوة بما جرى مع لبنان إبان تصريحات وزير الإعلام الأسبق جورج قرداحي.

فقد خطب سموترتش مؤخّراً خلال مؤتمر داخل "دولة" الاحتلال قائلاً: "إذا عرضت علينا السعودية التطبيع مقابل دولة فلسطينية، فأقول: لا شكراً، استمروا في ركوب الجمال في صحراء السعودية ونحن سنواصل التطوير..". هذه الجملة المثقلة بالرموز العنصرية المتطرّفة والتي تعبّر عن ازدراء العربي الذي يرى فيه الصهاينة صورة البدوي الذي يركب الجمال فقط، مقابل الإسرائيلي المتفوّق تقنياً والمتطوّر فكرياً، وقد أخد التصريح حيّزاً واضحاً على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخّراً. 

لكن قبل تحليل خطاب سموترتش وردّات فعل المسؤولين الصهاينة، وجب العودة إلى ما قامت به السعودية وبعض بلدان الخليج في آذار/مارس 2015 تجاه اليمن، حيث قامت بإطلاق عملية عاصفة الحزم ضدّ جماعة الحوثي التي كانت تسيطر على صنعاء وأجزاء واسعة من اليمن، وعمل المشاركون في تلك العملية الدموية في الشعب اليمني قتلاً وتدميراً وتجويعاً، لكن بسبب صمود اليمن ومقاومته غير المتوقّعة توقّفت العملية بعد شهر واحد، وبدأت عملية جديدة باسم إعادة الأمل بوساطة عمانية إيرانية، والتي كان إطارها العامّ دعم الحلول السياسية والإغاثة الإنسانية، رغم أنّ الحقيقة هي أنّ التراجع الخليجي ضدّ اليمن كان بسبب دقّة الاستهدافات التي قام بها الحوثي والأماكن التي وصل إليها، إضافة إلى المخاوف الكبيرة من نقل الفوضى إلى السعودية، خصوصاً مناطق الجنوب الشيعية، واستمرار الاستنزاف الذي كانت ستدفع ثمنه تلك المملكة التي تصمت اليوم إزاء إبادة الشعب الفلسطيني لمدة عامين كاملين، باستثناء تصريحات رفع الحرج، شأن معظم الدول العربية الأخرى، إن لم يكن جميعها باستثناء دول محور المقاومة. 

وإزاء ما جرى في اليمن، وخلال برنامج "برلمان شعب" على إحدى القنوات الفضائية العربية، قال قرداحي: "الحوثيون يدافعون عن أنفسهم في وجه اعتداء خارجي منذ سنوات، هل يعقل أن تستمر الحرب سبع سنوات؟ هذه حرب عبثية، ويجب أن تتوقّف. ما يحصل في اليمن هو عدوان، واليمن لم يعتد على أحد، بل يتعرّض لهجوم من الخارج". وعلى أثر هذا التصريح استنفرت السعودية ومعظم البلدان الخليجية غضبها ضدّ لبنان، معتبرين تلك التصريحات "مسيئة وتمسّ المملكة ودورها في دعم الشرعية اليمنية"، وهنا يتساءل المواطن العادي: من الذي يمنح الشعوب الشرعية؟ الخارج أم الداخل؟ أم أن "شرطي العالم" المتمثّل في الولايات المتحدة الأميركية والأنظمة الشمولية وجوقة الأوركسترا هم من يقرّرون ذلك، حيث يجب أن يتسيّد من يدور في فلك تلك الأنظمة التي تخلّت عن قوميّتها ودينها من أجل البقاء في سدّة الحكم. ولا يزال المفكّرون العرب يؤكّدون ويقولون إنّ المتغطّي بأميركا عريان، لكنّ العراة الحفاة لا يريدون أن يفقهوا ذلك، حيث إنهم مجرّد حجارة دومينو في يد اللاعب الأشقر للأسف. 

وإزاء تلك الأزمة الدبلوماسية التي تسبّبت بسحب السفير السعودي من لبنان وطرد اللبناني من المملكة وكذلك من البحرين والكويت والإمارات، قرّر قرداحي في كانون الأول/ديسمبر عام 2021 إعلان استقالته، لحلّ الأزمة مع السعودية ودول الخليج.. والسؤال هنا: هل ستقوم المملكة بوقف الحوار حول التطبيع مع الاحتلال؟ هل ستتوقّف بلدان الخليج عن استقبال ضباط وحاخامات ومسؤولين إسرائيليين على أراضيها؟ أم أنّ الأمر يتعلّق بالدول العربية فقط، في حين أنّ "دولة" الاحتلال تتعامل بفوقيّة وتعالٍ تجاه كلّ ما هو عربي مسلم، من دون أيّ ردّ فعل دبلوماسي حقيقي.

تصريحات سموترتش التي تعبّر عن موقف أيديولوجي صهيوني، يرفض التنازل السياسي حتى مقابل التطبيع مع السعودية، التي يعتبر رئيس وزراء "دولة" الاحتلال نتنياهو أنّ جزءاً كبيراً منها يعود لـ "دولة إسرائيل الكبرى"، وقد صرّح بذلك علانية، فلم يحدث أيّ ردّ فعل حقيقي بحجم الأحلام التي ستتحقّق طالما بقي العربي رهينة الاستعمار. 

وهذه التصريحات التي استخدمها وزير المالية الصهيوني، ورمز فيها إلى الجمل، ليست بريئة بالمطلق، فهو يستحضر صورة العربي في المخيال الغربي، كمجتمع جامد متطرّف، مقابل الحداثة الإسرائيلية التي سبق الإشارة إليها، وهذه الاستعارة تكشف جوهر الخطاب الصهيوني، الذي يقوم على نزع الإنسانية عن الآخر، لتبرير السيطرة عليه. 

ولعلّ الأخطر في تلك التصريحات وما صدر لاحقاً من تصريحات أخرى عن مسؤولين "إسرائيليين" حولها من أنّ سموترتش عمل على خلخلة ما يتمّ العمل عليه منذ ستة أشهر، وهو أنّ هناك مفاوضات هادئة تجري خلف الكواليس بين الرياض و"تل أبيب"، في الوقت الذي كانت تمارس فيه "دولة" الاحتلال مزيداً من القتل والتدمير غير المسبوق لسكان مدينة غزة، فهل كان ذلك محضّ صدفة؟ أم أنّ هناك -بالفعل- أهدافاً مشتركة تتمثّل بالقضاء على محور المقاومة؟ وما هي الحكمة من الرضوخ الكامل لـ "دولة" الاحتلال؟ 

كان الأحرى بالمنطقة العربية أن تنتفض لأجل إخوة الدم والهوية، منذ بداية الحرب، من خلال إيقاف جميع التعاملات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية تجاه "دولة" الاحتلال والدول التي ساندت حرب الإبادة، وليس اعتقال أيّ متظاهر يصرخ لإيقاف تجويع النساء والأطفال، وكان الأحرى أيضاً بالأنظمة الشمولية أن تحاصر الاحتلال وليس العكس، حيث لا يغيب عن ذهن الفلسطيني البوارج التي عبرت الموانئ والقنوات العربية وهي تحمل الصواريخ لتقتل فيها المزيد من الشعب الفلسطيني المحتل.

باختصار، إنّ تصريحات وزير المالية الصهيوني سموترتش تكشف حجم الخيبة التي تعيشها الأمة، فهي كالأسد على أبنائها، بينما تعيش في دور الأرنب مع الاستعمار الذي لا يزال وسيظل يستنزف مقدّراتها كلّ يوم.