"فندق الأحلام": هل يوصلنا الذكاء الاصطناعي إلى السجن بسبب أحلامنا؟

تحمل هذه الرواية بعض الشبه بأدب كافكا، حتى إن سارة في أحد المشاهد تتناول روايته "الانمساخ" من مكتبة السجن.

  • ديستوبيا
    ديستوبيا "فندق الأحلام": ماذا لو كان بوسع الذكاء الاصطناعي قراءة أفكارنا ووضعنا في السجن بسبب أحلامنا؟

ليلى لالامي كاتبة وروائية مغربية-أميركية (1968) حاصلة على دكتوراه في علم اللغويات، ولها العديد من الكتب والروايات التي منحتها مكانة بارزة في المشهد الأدبي الأميركي. حازت بعض هذه الروايات على ترشيحات لجوائز عديدة منها البوكر، بوليتزر، جائزة الكتاب الوطني. تستمد العلمي كتابتها على وجه الخصوص من تجاربها كمهاجرة مغربية-أميركية. ففي كتابها "مواطنون مشروطون" (2020) مثلاً تتحدث عن النظام ثنائي المستوى في أميركا: "كيف أن الحقوق والحريات، عملياً، تمارَس بشكل مختلف للغاية باختلاف العرق، الطبقة، الجندر، والأصل القومي". وهذا النظام هو أحد المواضيع التي يتناولها أدبها، بالإضافة إلى مواضيع الهجرة والانتماء والاغتراب الذي تعانيه.

"فندق الأحلام" هي الرواية الخامسة لليلى لالامي، صدرت في آذار/مارس عام 2025 عن دار Pantheon، تقع في نحو ثلاثمئة وثلاثين صفحة، وقد وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة النساء للأدب. تلتفت العلمي هذه المرة إلى المستقبل، إذ تقدم رؤية مثيرة للاهتمام عن كيفية دخول الذكاء الاصطناعي في نسيج النظام ثنائي المستوى الذي تحدثت عنه في أعمالها السابقة. وتقارن من خلال بطلة الرواية سارة حسين بين "الحيادية الظاهرية لحقبة جديدة من الرقابة الرقمية والمعاملة العنصرية التي يتعرض لها المهاجرون، كما لو أن العنصريات المألوفة أصبحت مدمجة ضمن أدوات جديدة".

إقرأ أيضاً: قراءة في أهم روايات "الديستوبيا"

"فندق الأحلام" رواية ديستوبية تحدث في مستقبل قريب يبقى فيه الناس تحت مراقبة مستمرة حتى في أحلامهم وأفكارهم، ويُسجنون بالتالي لمجرد الشك في احتمال ارتكابهم الجرائم. وهي كذلك تصنَّف من روايات التخييل التأملي الذي يتأمل في مستقبَلات ممكنة، لكنها تجبرنا على النظر إلى واقعنا التكنولوجي الحالي. تقول العلمي إن ما ألهمها كتابة الرواية كان تلقيها تنبيهاً من هاتفها الذكي يذكّرها بموعدِ درسِ يوغا، رغم أنها لم تكن قد ضبطت ذلك المنبّه، ما يعني أن هاتفها كان ببساطة يتعقب عاداتها الشخصية. هذه الحادثة جعلتها تفكر في الحدود التي بدأت التكنولوجيا تتخطاها، وكيف صارت تتجسس على حيواتنا الأكثر خصوصية.

تتحدث "فندق الأحلام" عن امرأة تجد نفسها عالقة في نظام أميركي كابوسي مفتَرض قائم على الرقابة المستمرة والاحتجاز التعسفي. بطلة الرواية سارة حسين هي مغربية أميركية، مؤرخة مختصة في ما بعد الكولونيالية، أمينة أرشيف إلكتروني في متحف، في أواخر ثلاثينياتها، متزوجة من إلياس وأم لتوأم. وكأم حديثة تعاني الأرق، تجد سارة الراحة في اختراع يدعى "حافظة الأحلام" وهو عبارة عن أداة بديلة للأعصاب تُزرع في الجمجمة لتضمن النوم الجيد. لكن، من شروط الخدمة المرفقة بهذه الأداة عبارة تسمح باستخلاص البيانات الإحصائية البيولوجية للمستخدم وبيعها، بما فيها مضمون أحلامه، ومشاركة تلك الأحلام مع الحكومة. وهو شيء لا تدركه سارة إلا متأخرة. فعند عودتها إلى لوس أنجلوس، يطلب إليها ضباط الهجرة والجمارك في المطار أن تقف جانباً، ثم تؤخذ إلى غرفة الاستجواب بعد إخبارها أن "درجة خطورتها" عالية جداً. قد يُعدّ هذا المشهد مألوفاً لنا، لكن سارة تعيش في عالم جديد، بعد عقود عدة في المستقبل، وهي تُعتقل من قبل "إدارة تقييم الخطر" لأن "سكاوت"، نظام أمن الذكاء الاصطناعي في الدولة، أشار إلى وجود شيء مخالف للقواعد داخل عقلها. وهذه الإدارة هي وكالة فيدرالية تستخدم البيانات الإحصائية البيولوجية لتقييم ميول المواطنين واحتمال ارتكابهم جريمة بالاعتماد على معطيات مثل الأحلام. سارة لم تفعل شيئاً، لكن "درجة خطورتها" عالية بما يكفي لإرسالها إلى مركز الاحتجاز في ماديسون، لأنها حلمت بدسّ السمّ لزوجها وهو ما تعدّه الحكومة تعبيراً مباشراً عن الرغبة في القتل.

بالإضافة إلى الأحلام، تُقيَّم درجة خطورة الشخص وفق اعتبارات مثل وجود قريب في السجن، وجود تاريخ إجرامي أو تاريخ تعاطي مخدرات، منشورات على فيسبوك، وغيرها. وبناء على درجة الخطورة العالية، يُسجن الشخص بداية لمدة 21 يوماً، ثم يخضع لتقييم مستمر يمدد سجنه أحياناً إلى الأبد. فالمسؤولون هناك يجدون أسباباً مستمرة للتمديد، ودوماً يكسر المحتَجَزون قواعد لا يعلمون أصلاً بوجودها. في المقابل، تسجيل سلوك جيد بالإضافة إلى القيام بمهمات معينة مثل تغذية نماذج ذكاء صنعي يخفّض درجة الخطورة في مركز الاحتجاز. "ما إن تصبح داخل هذا النظام، يصبح واضحاً بسرعة أن احتجازك، الذي يعمل كلياً لمصلحة خوارزمية شمولية وخفية، هو في جوهره غير محدود". الهدف من كل هذا، كما تزعم الحكومة، هو الحفاظ على الشعب سالماً، لكن النتيجة المباشرة هي أن الجميع يشعر كما لو أنه في خطر دائم. تقول الروائية الأميركية فرانسين بروز عن منطق هذه الرواية: إن "قراءة سريعة لفرويد كان من شأنها أن تجعل الحكومة ترى حماقة أفكارها عن العلاقة بين الأنا الأعلى واللاوعي: الحلم بارتكاب جريمة لا يعني أنك قاتل". 

من ناحية أخرى، ترى مراجعة نشرتها "الغارديان" أن قراءة هذه الرواية تشكّل "تجربة مادية" محسوسة إذ إنها تثير إحساساً بالعجز والإحباط. كما أن الذكاء الاصطناعي في الرواية، كعادة التكنولوجيا، يجعل مستخدميه، أفراداً وحكومات، أذكى وأكثر غباءً في الآن ذاته. تتّبع ليلى لالامي تغلغلَ الذكاء الاصطناعي عبر النظم والبنى وصولاً إلى الحيوات الشخصية، العلاقات، والأفكار. بعد احتجازها لزمن طويل (تبدأ الرواية مع وجودها في مركز الاحتجاز منذ 281 يوماً)، تتساءل بطلة الرواية إن كان لديها فعلاً إمكانية خفية للعنف، "هل يمكن أن أؤذي أحداً؟ هل أنا شخص جيد؟"، كما لو أنها تُسحب إلى المنطق الغريب الذي يعمل وفقه السجن والنظام الحكومي ثنائي المستوى. إنها تخشى أن تحلم خوفاً من كيفية تفسير الخوارزمية لحلمها. وتشعر "كما لو أنهم يتكلمون لغة أجنبية، ليس فيها إلا صيغة الأمر"؛ لغة لا يمكن لها التحدث بها، بل إطاعتها فحسب. لكن، ورغم صعوبة التواصل الجيد مع الآخرين في السجن، تدرك سارة أن حلَّ مواجهة رأسمالية الرقابة هذه لا يكمن في العزلة بل في التضامن: "الحرية مكتظة ومعقدة ونعم، خطيرة، ولا يمكن أن تُكتَب إلا برفقة الآخرين".

تستخدم الرواية طريقة السرد بضمير الغائب، أي الراوي العليم، ما يبقينا قريبين من أفكار سارة. كذلك، تلجأ الرواية إلى المذكرات، ملاحظات اجتماعات المنشأة، الإيميلات، التقارير التأديبية؛ وتعدّ هذه مناورة ذكية تتيح للقراء الاطلاع على معلومات توضيحية لا يمكن أن يغطيها السرد بضمير الغائب. كذلك، تتكشف الأحداث من خلال فصول متناوبة بين زمنين، قبل وبعد احتجاز سارة.

يرى النقاد أن رواية "فندق الأحلام" تحمل شبهاً برواية مارغريت آتوود الشهيرة "حكاية الخادمة"، فمثل تلك الرواية تبني لالامي هنا على أحداث حالية لتخلق ديستوبيا مقنعة عن مستقبل قريب مفترض. لكن سيناريو العلمي فريد ومتخيل على نحو جيد، ويستخدم غنائية مؤثرة لفضح البيروقراطية القاسية التي تعلق سارة في فخها. في واحدة من رسائل الرواية، تجيب سارة ردّاً على موظف بيروقراطي يقول لها إن البيانات لا تكذب: "إنها لا تقول الحقيقة، أيضاً". كذلك، فكرة الرواية قريبة جداً من نوفيلا فيليب ك.ديك "تقرير الأقلية" (1956) الذي تحدث عن مستقبل يُسجن فيه الناس جرّاء جرائم لم يرتكبوها بعد بناء على تقرير آلة تقرأ أفكارهم. تحمل هذه الرواية أيضاً بعض الشبه بأدب كافكا، حتى إن سارة في أحد المشاهد تتناول روايته "الانمساخ" من مكتبة السجن.

"فندق الأحلام" رواية تحذيرية عن الرقابة، التنقيب عن البيانات في رؤوسنا، السجن الجماعي، والاستبداد المتحيز ضد النساء وضد المهاجرين. وهي ترسم عالماً تُستَخرج فيه الجوانب الأكثر خصوصية من حيوات الناس الداخلية وتباع؛ عالماً تُسلِّم فيه الشخصيات حريتها وخصوصيتها للتكنولوجيا عن دراية أو لأنهم يوقعون شروط خدمة الأدوات التي يستخدمونها من دون قراءتها، ومن دون أن يتوقعوا كيف يمكن لبياناتهم أن تؤدي إلى هلاكهم. وهذا بدوره يعرّي مستقبلاً نخدع أنفسنا إن قلنا إنه بعيد عن مستقبلنا، لأنه سلفاً قريب من الواقع الحالي الذي نعيشه. ولعل أكثر الروايات الديستوبية إثارة للذعر ليست تلك التي تتحدث عن أشياء خيالية، بل التي تأخذ واقعاً يومياً فعلياً وتعدّله تعديلات طفيفة، أو كثيرة. فإذا كان بوسعنا أن نتعامل مع روايات الخيال العلمي بوصفها غير واقعية، فلا مهرب لنا من ذعرِ رواياتٍ تحذّرنا من تداعياتِ واقع نعيشه سلفاً.

اخترنا لك