السيد عبدالله صفي الدين - ممثل حزب الله في إيران (الجزء 02)
في الجزء الثاني من الحوار مع السيد عبدالله صفي الدين، نغوص في سيرة أخيه السيد الشهيد هاشم صفي الدين.. شخصيته، مسيرته، وأبرز المحطات التي شكّلت مساره. من مواقفه في الميدان إلى علاقاته داخل بيئة المقاومة، أحداثٌ مميزة تكشف جوانب إنسانية وقيادية. كيف كان يفكّر ويعمل؟ وما الذي ميّزه في أصعب اللحظات؟
نص الحلقة
غسان بن جدو: مشاهدينا الكرام، أهلًا بكم في هذا الجزء الثاني من الحوار الخاص مع السيّد عبد الله صفي الدين، ممثّل حزب الله والمقاومة في إيران الجمهورية الإسلامية.
مرحبًا بكم سيّد عبد الله من جديد.
عبد الله صفي الدين: أهلًا وسهلًا.
غسان بن جدو: في الحلقة الأولى تحدَّثنا عن كثيرٍ من الملفات، ولا سيما ما يتعلّق بملف حزب الله في إيران، ملف إيران في لبنان مع حزب الله، وأيضًا جانب بسيط من العلاقة بين السيّد الخامنئي والسيّد حسن، رحمه الله تعالى.
في هذا الجزء نبدأ بالحديث عن السيّد هاشم صفي الدين، رحمه الله تعالى.
طبعًا هو شقيقك، ولكن في خلال السنوات الأخيرة – السنوات الأخيرة نتحدّث عن 30–40 سنة، مع أنك شاب – لكن حضرتك 35 سنة مسؤول عن الملف الإيراني نيابة عن السيّد حسن نصر الله في إيران الجمهورية الإسلامية.
كيف كان يتعاطى معك السيّد هاشم، كشقيقٍ أو كمسؤولٍ؟ وبالتالي، حضرتك كيف كنت تتعاطى معه، كشقيقٍ أكبر أو كمسؤولٍ أكبر كأولويّة؟
عبد الله صفي الدين: أولًا، السيّد هاشم الشهيد معروف بأخلاقه المُميَّزة وبصدره الواسع، وعنده مِيْزَة أخرى أنه كثير التحمُّل، ويملك أفقًا لكل ما يتحمَّل مسؤوليّته وبرنامجًا في ذِهنه.
هو طبعًا شقيق أصغر مني بسنتين، كثير الخَجَل، ربما لأنني أكبر منه، وهكذا تعاطيه مع كل الإخوة الذين كانوا أكبر منه بالعُمر كان خَجولًا جدًّا معهم، ولم أسمع يومًا أنه مثلاً أعطى أوامر أو قرارات بشكلٍ أنه يُسبِّب حَرَجًا لأحد على الإطلاق. بل كان يحاول أن يقنع الآخر بصوابيّة هذا القرار وعدم صوابيّة أيّ شيء آخر، يقتنع الأخ ويُنفّذ. لم يستعمل السلطة أو العنوان التنظيمي من أجل لا الضغط على أحد أو تنفيذ ما يدور في رأسه أبدًا.
كان يتعاطى بأخلاقٍ ومودَّة وبعاطفةٍ وبتواضع.
بالنسبة لي أولًا، هناك مكتب – ليس شخصياً – بالفترة الطويلة العريضة التي 35 عامًا، يمكن أن نقول إن أقسام المكتب هي مؤسّسة، وحتى في كثيرٍ من الأحيان كنت أضطر أن أغيب عن المكتب شهرًا وشهرين، والمكتب كانوا يُنْجِزون أعمالهم التي لها علاقة بكثيرٍ من المواضيع.
غسان بن جدو: سفارة؟
عبد الله صفي الدين: مثلاً موضوع الطلاب، نحن عندنا عدد كبير من الطلاب، عدد كبير ويحتاجون إلى رعايةٍ وإلى مُتابعة، مُتابعات من كل النواحي، إضافة لموضوع الإخوة في الحوزة العلمية في قُمْ، إضافة للعلاقات العادية، الإعلام، وسائل الإعلام. فعمليًّا كانت الأمور تسير ضمن سياقها المُتعارَف عليه. أكثر من ذلك، كان يحتاج إلى إذنٍ من السيّد هاشم، شخصيًّا كنت حريصًا أن السيّد حسن يُعطي الموافقة الأوّلية، والسيّد هاشم كذلك في كثيرٍ من الأحيان كانا يتفاهمان. بعض الأحيان لا يمكن أن ألتقي مع سماحة السيّد حسن، ممكن أن يتفاهما. مثلاً، كانت العلاقة علاقة عمل، الأمور كانت مُنْضَبِطة بآلية عمل لا تُراعي أن فلانًا أخ السيّد هاشم أو أن فلانًا له مثلاً محبّة خاصة، لا أبدًا على الإطلاق.
مثلاً، في كثيرٍ من الأحيان نحن في شهر رمضان، تعرف الإخوة يصومون، كنا نحاول أن لا يأتينا ضيوف. عندنا برنامج زيارات مثلاً لبعض العوائل، لبعض الجرحى، نحاول ألا يأتي، لأن الإخوة كلهم مشغولون بالصيام أو أنهم يأخذون إجازات إلى مناطقهم. الإخوة الإيرانيون الموجودون كانوا يتجاوبون. بعض الأحيان لا، يضطر أن يرسلوا شخصًا مُعيّنًا، مثلاً يُرسل عادياً. إذا كانت هناك إمكانية أن تقوم بكذا وكذا، طبيعة السيّد هاشم مع الجميع كانت موجودة معي مئة في المئة.
يبقى: أنا هل أسأت الاستخدام لهذه الرابِطة الأخوية أم لا؟ الناس يمكن أن يحكموا. في العموم كنا حريصين على أن تكون المؤسّسة هي الأصل، وأن هذه المسائل العاطفية تبقى في مستواها العاطفي والعائلي.
غسان بن جدو: هل تذكر كواليس، خفايا، أحداث حصلت لافِتة في علاقة السيّد هاشم صفي الدين بالقيادة الإيرانية؟
عبد الله صفي الدين: حصل الكثير. مثلاً، عدّة مرات كان سماحة القائد في كثيرٍ من الأحيان إما يكون لديه لقاء مُصغَّر مع بعض الناس، عوائل الشهداء، أو نذهب إلى الصلاة مثلاً. فمحبّة السيّد القائد، كان عندما يراني يبتسم، يأخذني بالأحضان، ويسألني أولًا عن سماحة الشهيد السيّد حسن: كيف صحّته؟ وما هي أخباره؟ وعن عائلته وكذا، ثم يسألني عن السيّد هاشم. أنا عدّة مرات قال لي: أنا يوميًّا أدفع صَدَقة عن هذين السيّدين.
غسان بن جدو: سبحان الله.
عبد الله صفي الدين: يوميًّا، ولا يكاد يخلو يوم من أن أتذكّرهما في الصلاة وفي الدُعاء. هذا الموضوع ليس مرة أو إثنتين أو ثلاث، عشرات المرّات. حتى أتذكّر مرة كنت في خدمة الشهيد السيّد هاشم، وزرنا سماحة القائد. طبعًا عندما رآه سماحة القائد، أخذه بالأحضان، وكان الشَيْب قد بان عليه كثيرًا، قال: سيّدنا، ماذا فعل بك الزمن وحزب الله؟ ماذا فعل بك؟ المهمّ كان واضحًا أنه يشعر بالسعادة ويطمئّن. حتى في عدّة مرات كنا مع سماحة السيّد حسن، رحمة الله عليه، كان يسأله عن السيّد هاشم: كيف أحوال السيّد هاشم؟ صحّته؟ يطمئّن.
واضح أن له محبّة خاصة في قلب سماحة القائد، وفي قلب الإخوة، حتى بعد فترة. الإخوة المسؤولون أولًا ربما لأنه يُتْقِن الفارسية مثل الشهيد السيّد حسن كذلك، وثانيًا لأنهم هم كانوا يأتون إلى لبنان وينظرون ماذا يفعل، يُعجبون بطريقة إدارته وبوسْعَة اتّساع المعلومات والمتابعة الدقيقة التي كان يتابع بها. هذه كلها شكّلت محبّة خاصة عند القائد وعند كثير من المسؤولين في الجمهورية الإسلامية.
غسان بن جدو: وهنا كذلك كان حاضرًا أنه ربما يكون هو خليفة السيّد حسن؟
عبد الله صفي الدين: أنا سمعت كثيرًا من هذا الكلام قبل أن أسمع شيئاً من لبنان. كانوا يقولون كذا: إن السيّد هاشم، إذا لا سمح الله – وإن شاء الله لا يحصل – أنا كنت أمزح معهم، قلت: لا يوجد، أحد الأشخاص قال لنا إن السيّد هاشم يستشهد قبلي وقبل السيّد حسن. حتى السيّد حسن في بعض الأحيان كان يمزح. مرة قلت له وضعه الأمني للسيّد هاشم، قال لا، نحن متّفقون سويًّا أنه يستشهد قبلي.
كانوا طبعًا هم يشدّدون. سماحة القائد كان يطالب دائمًا أن تُشدَّد الإجراءات على السيّد حسن وعلى السيّد هاشم. وأعتقد مرة نزل أحد الوفود من هنا فقط لأجل هذا الموضوع، يهتّمون.
غسان بن جدو: بمعنى ماذا؟
عبد الله صفي الدين: بمعنى الإجراءات الأمنية: كيف تفعلون؟ تعرف واحدة من القضايا التي نستفيد منها من الجمهورية الإسلامية على المستوى الميداني هي نقل التجارب، إنْ كان العسكرية، إنْ كان السياسية، الاقتصادية، الزراعة. وهذا الموضوع، نقل التجارب بالنسبة لنا قد يكون أهمّ من الإمكانيات في كثيرٍ من الأحيان. ومنها موضوع الحماية والحراسات.
غسان بن جدو: نزل وفد من طهران إلى لبنان لينقل التجربة؟
عبد الله صفي الدين: إلى لبنان، بناءً على طلب سماحة القائد.
غسان بن جدو: ينقل هذه التجربة بشكلٍ أساسي؟
عبد الله صفي الدين: ينقلها ويحافظ على السيّدين الشهيدين، يعمل لهما إجراءات، ويرى ما هي الإجراءات.
غسان بن جدو: كيف كانت نظرة السيّد هاشم للسيّد خامنئي؟
عبد الله صفي الدين: السيّد هاشم مع السيّد خامنئي كان لا تقلّ نظرته عن السيّد حسن أبدًا. نظرة السيّد حسن، نحن نذكر في السنوات الأولى لانتصار الثورة الإسلامية، وفّقنا الله أن نأتي إلى قُمْ لأجل الدراسة. في تلك الأيام، في السنة الأولى، سنة 1980 ميلاديًّا، فكانت لغتنا الفارسية ليست كافية، ولكن نفهم. تلك الأيام كان الإمام، رحمة الله عليه، كل يومين – وكانت الأحداث كبيرة وقتها – يكون عنده لقاء، ويبثّ هذا اللقاء بعد نشرة أخبار الساعة الثامنة مساءً، أعتقد في تلك الأيام، وكانوا بعدها يبثّون كلام الإمام. كنا نتابع هذا الموضوع. استمرّ مع الشهيد السيّد هاشم إلى آخر أيامه، حتى أصبحت خُطَب سماحة الإمام القائد السيّد الخامنئي، حفظه الله، أصبحت تُطْبَع. افترضنا الآن تحدّث القائد في حسينية الإمام الخميني أو في أيّ مكان آخر، بعد ساعات يكون ما قاله مطبوعًا وموزَّعًا على =عددٍ من المسؤولين.
غسان بن جدو: في لبنان؟
عبد الله صفي الدين: في لبنان، من باب أنه يُسمع. بالنهاية خبر. فالسيّد هاشم كان يتابع بدقّة، يتابع مثلاً مُلاحظاته، نظرته في مواضيع السياسة في المنطقة، بعض الرؤى السياسية التي يعتقد بها الإمام الخامنئي، وحتى في مسائل لها علاقة بالجانب الديني والفكري والثقافي العام، كان مُتابعًا دقيقًا. السيّد هاشم كان يعتبر أن القائد، كما قلت، هو المرجع، وفي نفس الوقت هو الموجِّه، وبِيَدِه البوصلة التي تُحدّد المسار للنجاة.
غسان بن جدو: ما هي نظرة السيّد هاشم، رحمه الله، للسيّد حسن؟
عبد الله صفي الدين: السيّد هاشم أولًا تراه من خلال بيان النعي للسيّد حسن الذي كتبه بخطّ يده، عندما قال له العبد الصالح. السيّد هاشم كان يعتقد أن وجود السيّد حسن في هذه الدنيا وجود كوجود بلا قياس، كوجود الأنبياء بين قومه، أيّ نبيّ مع قومه.
السيّد حسن كان خَشَبَة الخلاص، كان يعتبره السيّد هاشم، وقال عنها هذا الوجود الاستثنائي، الرجل الاستثنائي، القائد الاستثنائي. السيّد هاشم كان يرى كل هذه المسيرة لولا بَرَكة وجود سماحة السيّد حسن ودماء الشهداء ليس لها هذا الوجود اللافِت، والذي أعطاها هذا الرَوْنَق، هذا الوجود المُبارك للسيّد حسن. السيّد حسن، حسب فَهْم السيّد هاشم – وأنا واكبت هذا الموضوع – هو كان يعتبر أن السيّد حسن إنسان غير عادي، وحتمًا له صِلة، له عمل قام به في هذه الدنيا جعله الله من المُسدَّدين والمُوفّقين والمُنتصرين إلى آخر لحظةٍ في حياته. السيّد حسن، السيّد هاشم كان يعتقد به، وكان يقول عدّة مرات أنا أفضِّل الموت على أن أخالِف السيّد حسن في وجهة نظر، ليس في رأي، أو أن لا أطيعه. هذا موضوع محسوم. كان يعتبر أن ما يقوله السيّد حسن يجب أن يلتزم به، يجب أن يعمل به، وإن كان عنده رأي خاص لا يقوله.
غسان بن جدو: لا يناقشه؟
عبد الله صفي الدين: لا يناقشه بعنوان هذا رأي، أنت ماذا تريد أن أفعل؟ ولكن إذا تريد نفكّر في هذا الاتجاه، ليس بعنوان أنني أنا أريد جدًّا. كان دقيقًا مع السيّد حسن. السيّد حسن إنسان، والسيّد هاشم كان يعرف قيمة هذا الإنسان. السيّد هاشم كان يعرف قيمة الشهيد السيّد حسن، قيمته على المستوى الديني، وعلى المستوى العلاقة مع الله سبحانه وتعالى، وعلى مستوى الوعي والذكاء. أنا مثلاً سألت السيّد هاشم، رحمة الله عليه، سنة 89، عندما أتى السيّد الشهيد السيّد حسن إلى قُمْ مع عائلته ليدرس سنوات، كان في لبنان في العمل وفي المقاومة وفي التبليغ والتدريس، والتدريس ليس الحوزوي كثيرًا. عندما رجع بعد أسبوع، بدأوا دراسة هنا ومباحثات علمية بين بعضهم البعض مع أحد العلماء. فسألت السيّد هاشم كيف السيّد حسن؟ هل هو حاضر؟ هل هو يتذكّر كل الدروس السابقة؟ لا يحتاج إلى مراجعات علمية؟ قال أصلًا لم أشعر لحظة بأنه ترك الحوزة العلمية، لأنه كل المطالب العلمية التي قبل عدة سنوات كان يُطالعها ويتابعها ما زالت حاضِرة في ذِهنه وموجودة. السيّد حسن كان لديه ذكاء غير عادي.
غسان بن جدو: معروف عنه وذاكِرة حديدية بشكلٍ كبير.
عبد الله صفي الدين: ذاكِرة قوية وذكاء حادّ.
غسان بن جدو: الآن أنت تكشف، سيّد عبد الله، أنه السيّد حسن والسيّد هاشم كانا هنا عند فتح هذا المكتب، وهما مَن نصح بك، مع أن السيّد حسن لم يكن أمينًا عامًّا، كان وقتها الشيخ صبحي؟
عبد الله صفي الدين: سماحة القائد قال له: أنت تفتح مكتباً، أنت تفتح مكتباً وتكون أنت السفير للسيدّ حسن. فالسيّد حسن قال: أنا أدرس وكذا. قال: أنت رتّب الموضوع. الأصل هكذا. بعد سنة، بالمناسبة، قال لي بهدوء: أنا يجب أن أنزل. وبلّغني سماحة القائد أنه الآن الوضع موضوع الفتنة.
غسان بن جدو: الفتنة المقصودة كانت بين حركة أمل وحزب الله؟
عبد الله صفي الدين: حركة أمل وحزب الله، لأنه الوحيد القادر كان على الجَمْع، لاعتقاداته الخاصة، السيّد حسن، رحمة الله عليه، بالإمام الصدر ومحبته، ولديه رؤية خاصة، السيّد حسن، رحمة الله عليه. فقلت له: أنت تتركني هنا وتذهب؟ فقال لي: لا، أنت تبقى هنا، وأنت امتداد لوجودي، وأنت يجب أن تبقى هنا لو سمحت.
غسان بن جدو: سيّد عبد الله، هل السيّد هاشم صفي الدين كان يتعاطى بالأمور العسكرية والجهادية؟
عبد الله صفي الدين: نعم، هو في فترة الجنوب، عندما كان مسؤولًا للجنوب لفترةٍ قبل التحرير، كان هو عمليًّا مَن يتابع مع الإخوة الآخرين شؤون المقاومة والعمليات. أما عندما رجع إلى بيروت، فهو لفترةٍ مُعيّنة عمل المندوب الجهادي في شورى القيادة في حزب الله. وبعد ذلك، عندما أصبح رئيسًا للتنفيذ، كان هو يحضر جلسات المجلس الجهادي. والأهمّ من ذلك كله أنه كان بعنوان أنه كان يشعر بأنه يجب أن يكون مَعِينًا لسماحة السيّد ويُخفّف عن كاهله قَدْر ما يستطيع. على رغم انشغالاته – وتعرف أنت العمل التنفيذي كبير جدًّا في الحزب ومُتشعّب – ومع هذا كله، فكثير من الأمور التي كانت تُثْقِل كاهل وتُزْعِج السيّد حسن وتأخذ من وقته، كان وراءها السيّد هاشم، يحوّلها إلى السيّد هاشم، والسيّد هاشم يحلّها. وكثير من الأجهزة وقسم من الأجهزة التي كانت تتبع للعمل الجهادي، كان هو يُشرف عليها ويضع لها البرامج. هو كان حاضِرًا. طبعًا، كثيرٌ من الإخوة كانوا يقترحون أن يكون السيّد هاشم يترك المجلس التنفيذي ويأتي ليكون مُعاونًا جهاديًّا.
غسان بن جدو: معاون جهادي؟
عبد الله صفي الدين: ليُخفّف عن السيّد حسن. ولكن...
غسان بن جدو: التنفيذي كان يحتاج شخصية قوية مثل السيّد هاشم. معذرة، سيّد عبد الله، على المستوى الشخصي، كيف تلقّيت خبر استشهاد السيّد هاشم؟ طبعًا هو حصل عدوان وغارة، وبقي فترة في المكان الذي كان موجودًا فيه؟
عبد الله صفي الدين: عندما حصلت الغارة في آخر الليل، هناك شخص يعرف أين السيّد هاشم، شخص من المُقرّبين، تواصلتُ معه بطريقةٍ ما.
غسان بن جدو: ما زال على قَيْدِ الحياة هذا الشخص؟
عبد الله صفي الدين: نعم، تواصلت معه وقلت: أين هو؟ قال: في هذا المكان. هو يعرف باللحظة أين هو. حينها تملّكني شعور أنه استُشْهِد. تملّكني شعور. وفي المناسبة، كنت أتجهّز للذهاب إلى صلاة الجمعة، وجمعة النصر التي دعا إليها سماحة القائد عند العاشرة والنصف، فكنت أجهّز نفسي للذهاب، وكان الوقت صباحًا. هناك التقيت مع أحد الأشخاص، سألني، قال لي: بأن سماحة القائد – ونحن في طريقنا إلى الصلاة – سألني: سمعت شيئاً له علاقة بالسيّد هاشم؟ تحقّق من هذا الموضوع. قال: صحيح؟ هو كان يُشكّك أصلًا، الخبر غير صحيح. قلت له: مع الأسف، أقول لك: تقول لسماحة القائد إنه هو موجود هناك. طبعًا هو أُصيب بصدمة. بالنسبة لي شخصيًّا، أنا قلت لك بعد استشهاد سماحة السيّد حسن، وكان الله يريد أن يُدرّبنا ويُجهّز الناس – ليس فقط بالنسبة للسيّد هاشم، بالنسبة لعدد الشهداء الكبير الذي حصل – عندما استُشْهِد السيّد حسن، قلت لك إنه تملّكني شعور أو حالة لا شعور، حالة لا يوجد فيها شعور ولا إحساس بأيّ شيء. حقيقة أقول لك بصراحة: ما هو تفسيره؟ ما هو معناه؟ لست أدري. أقول لك: قلبي ماذا يقول؟ وعقلي ماذا يقول؟ أنا كنت أعتقد – وهذا اعتقادي الشخصي – أن كل هؤلاء الشهداء الذين استُشْهدوا، كما قال الحاج قاسم، هم عاشوا شهداء فاستحقّوا الشهادة. وسماحة السيّد حسن واقعًا، على رغم الفارق الكبير، ولكن من ناحية عقلية تقول أنه فاز وانتصر، كما كان يقول دائمًا: إذا انتصرنا فانتصرنا، وإذا استُشْهدنا انتصرنا كذلك. هو انتصار على الذات، انتصار على الأهواء، انتصار على الدنيا، وهذا قمّة الانتصارات برأيي.
الإحساس الذي تملّكني بعد السيّد حسن نفسه تملّكني بعد استشهاد السيّد هاشم، وأصبحت أردِّد جملة: عندما يسألوني ما الإحساس، قلت لهم: إن هذين السيّدين الجليلين استطاعا أن يلعبا بهذه الدنيا ولا تلعب بهما، لذلك هما فازا. لا أقول ذلك من أجل أن أعزّي نفسي، ولكن أقوله اعتقادًا بأنه مَن وصل إلى هذه المواقع والمناصِب والمسؤوليات ومحبّة الناس وكذا، لم ينغر، ولم تأخذه العزّة بالإثم والعدوان، ولم يصبح إنسانًا شيطانيًّا، بل بقي على ما هو عليه من السموّ حتى اختاره الله شهيدًا. وهذا توفيق كبير. هذا العقل يقول هكذا.
هذا القلب والعاطفة طبعًا قوية جدًّا، وخاصة أن العائلة والبيئة المُحيطة كلها تشعر بالنكسة والفِراق للسيّد الذي كان هو يغطّي كل وجدان العائلة والأقارب والأرحام والأصدقاء.
غسان بن جدو: السيّد هاشم، كما تراه، وحضرتك الآن تقول مباشرة: تملّكك شعور أنه قد استُشْهد، لكن لم يُعْلَن عن هذا الاستشهاد إلا بعد فترة طويلة، على عكس السيّد حسن، بعد ساعات قليلة. خلال هذه الفترة، كيف كنتم تتابعون وتراقبون الأمر، سواء كشخصٍ، كعائلةٍ، أو كإيران الجمهورية الإسلامية؟
عبد الله صفي الدين: كانوا يتابعون. أرسلوا لي عدّة =أشخاص، وجاء عدّة مسؤولين إيرانيين، قالوا: نحن جاهزون أن نذهب، ليس كأشخاصٍ، مع تجهيزاتهم، مع مع مع... قلت لهم: إن الموضوع ليس تجهيزات. نحن كنا نتابع يوميًّا. الإخوة الأعزّاء، جزاهم الله ألف خير، في الدفاع المدني والهيئة الصحية، كل الجسم، المانِع الأصلي كان هو التهديد الإسرائيلي.
غسان بن جدو: استمرار الغارات.
عبد الله صفي الدين: تعرف التهديد الإسرائيلي والغارات الإسرائيلية على نفس المكان حتى يطمئّنوا بأنه لم يبقَ أحياء ما بين الموجودين. بإيران كانوا يعرضون يوميًّا خدماتهم. نحن كنا نتابع يوميًّا، حتى كنت أتابع مع بعض الأشخاص الذين في النهاية تحدّوا كل شيء وعرَّضوا أنفسهم للخطر. الإخوة في الدفاع المدني وبعض الأصدقاء وصلوا إلى الجثمان الطاهر مع إخوانه وأحبّته.
غسان بن جدو: السيّد خامنئي كيف تابع الموضوع، حسب معلوماتك؟
عبد الله صفي الدين: كان دائمًا هذا الأخ الذي قلت عنه إنه مُقرَّب جدًّا يتابع، يسأل.
غسان بن جدو: مُقرَّب جدًّا؟ صار بدنا تحقيق استقصائي حتى نعرف من هذا المُقرَّب الكبير؟
عبد الله صفي الدين: إن شاء الله تتعرّف عليه. فكان دائمًا عندما ألتقيه أو يتّصل أحيانًا بشيء جديد، كان يتابع بشكلٍ دائمٍ ويومي، وكان يقول: إن القائد قلق ويريد أن يعرف أيّ شيء جديد. وتعرف، قلت له: لا يمكن أن نقول شيئاً إلى أن نصل إلى الواقع والحقيقة. الوضع هنا كانت الناس تعرِض خدماتها: مسؤولون، أجهزة الهلال الأحمر، أجهزة الدفاع المدني، كانوا جاهزين، ولكن لا يحتاج الموضوع.
غسان بن جدو: هذه الحادثة التي رواها الشيخ نعيم بأنه منذ اليوم الأول عرض – ليس عرض، هو فاتَحَ – السيّد هاشم صفي الدين أنه بطبيعة الحال أنه يجب أن تكون حضرتك أمينًا عامًّا، والسيّد هاشم – رغم أنه كان مُهيّأً لهذا الأمر على مدة سنوات – وإن كان لافتًا بالنسبة لنا كمُراقبين ما قاله الشيخ نعيم أنه حتى السيّد هاشم الذي كان مُهيّأً كأنه تمنَّع بداية عن هذا الأمر؟
عبد الله صفي الدين: تعرف سماحة الشيخ نعيم هو من الجيل المؤسّس لكل هذه الحالة الإسلامية، ومنها حزب الله والمقاومة. طبيعي جدًّا أن لطبيعة العلاقة مع الشيخ نعيم أولًا كِبَر السن وحضوره – هو نائب الأمين العام – طبيعي أن القيادة عندنا ليست في حزب الله بشكلٍ عام هي أو الموقع أو المنصب. في الحقيقة، هو يجب أن يطلب منه الإنسان العاقِل الفرار، فرار الطريدة من الذئب. موضوع حسّاس جدًّا. لذلك من الطبيعي جدًّا من باب الأخلاق ومن باب الأدب أن يتكلّم سماحة الشيخ نعيم. كان يعرف، كما تفضّلتم وكما قال، أن المحبّة والعلاقة بين السيّدين كيف هي، وأن السيّد حسن كان، رحمة الله عليه، يرغب بأن يكون السيّد هاشم. طبيعي، على رغم هذا، ولكن السيّد هاشم من باب الأدب والأخلاق قال: تفضّل أنت، وأنا أكون في خدمتك. وحتى لو حصل هذا، حتمًا السيّد هاشم كان يلتزم بما يأمر به الشيخ نعيم.
الحقيقة، العلاقة هي علاقة إخوّة ومحبّة بين كل الأعزّاء الذين كانوا في الشورى.
غسان بن جدو: سيّد عبد الله، بأمانةٍ، كل هذه الانتخابات تمّت في لبنان؟
عبد الله صفي الدين: نعم.
غسان بن جدو: استُشْهد السيّد حسن، تولّى السيّد هاشم، ثم استُشْهد السيّد هاشم، تولّى الشيخ نعيم. كلها اختيارات لبنانية ولم تكن اختيارات إيرانية؟
عبد الله صفي الدين: نعم، اختيارات لبنانية خالِصة مئة بالمئة، وأنا لديّ الأدلّة، اختيارات.
غسان بن جدو: إثباتات؟
عبد الله صفي الدين: توجد آلية تنظيمية. هذه الآلية ليست صعبة، لأن انتخاب الأمين العام من أعضاء الشورى، وليس من مجمع عمومي أو مجلس خاص يحتاج إلى جَمْع الجميع. مجلس عدد قليل من الأعضاء، هم عددهم قليل، أعضاء الشورى، فهم الاتصال معهم إن لم يكن ممكنًا من خلال الهاتف العادي، رسالة ويأتي بالجواب. وهذا حصل.
غسان بن جدو: ولم يكن قرارًا إيرانيًّا؟
عبد الله صفي الدين: لا، أصلًا لا يتدخّلون في هذا الموضوع. وفي كلا الحالين هم باركوا. سماحة القائد يأتيه الخبر بأنهم اتّفقوا على فلان، هو يبارك ويؤيّد ويعطيه الدعم. الدعم بمعنى: إني سأكون معك كما كنت مع السيّد حسن.
غسان بن جدو: بارك ودعم السيّد هاشم؟
عبد الله صفي الدين: طبعًا.
غسان بن جدو: بماذا؟ برسالة؟
عبد الله صفي الدين: برسالة.
غسان بن جدو: رسالة شفهية أو خطيّة؟
عبد الله صفي الدين: خطيّة، موجودة أعتقد.
غسان بن جدو: موجودة عندك؟
عبد الله صفي الدين: لا، ليست عندي.
غسان بن جدو: عند الحزب؟
عبد الله صفي الدين: لأنهم أرسلوها مباشرة، يرسلوها إليهم. والشيخ نعيم نفس الأمر.
غسان بن جدو: مُباركة خطيّة، والشيخ نعيم؟
عبد الله صفي الدين: والشيخ نعيم، رسالة خطيّة، وأنا قرأتها أحد الإخوة المعنيين مَن أوصل هذه الرسالة قال.
غسان بن جدو: وفيها دعم كامل؟
عبد الله صفي الدين: كامل لسماحة الشيخ نعيم، دعم كامل ودعم واضح وصريح وعلني: إني أنا سأكون معك. هذه العبارة: سأكون إلى جانبك ومعك كما كنت مع السيّد حسن نصر الله، رحمة الله عليه.
غسان بن جدو: لهذه الدرجة؟
عبد الله صفي الدين: نعم.
غسان بن جدو: قالها صراحة؟
عبد الله صفي الدين: نعم. لذلك الشيخ نعيم هو أمين عام بكل المواصفات القيادية، إضافة لانتخاب أعضاء الشورى له.
غسان بن جدو: سيّد عبد الله، عندما نتحدّث عن السيّد هاشم الإنسان، ماذا تُحدِّثنا عنه كشقيق؟
عبد الله صفي الدين: السيّد هاشم هو عاطفي، ويستطيع أن يُسخّر العقل لعاطفته، ويستطيع أن يُسخّر العاطفة بعقله. وهذه مُعادلة تحتاج إلى قُدرة غير عادية. في نفس الوقت الذي هو إنسان عاقل، كان يتعاطى مع الذين يشتبهون، يُخطئون، وعددهم كبير: ما بين مُشتبه وما بين مُستعجل وما بين مُصيب. كان يشتغل معهم على قاعدة العقلية الأساسية. ومَن يشتبه أو مَن كان يُخطئ أو كذا، كان يتعاطى معه على قاعدة كذلك الأمر العقل، ولكن من أجل أن يُنقذه من هذا الاشتباه أو يُخلّصه من هذا الخطأ الذي وقع به حتى لا يرتكب محظورًا أو شُبهة وما إلى ذلك.
بشكلٍ عام، هو عنده هذه القُدرة. وهذه ليست بسيطة في الإدارة. مَن يستطيع أن يتحكّم في هذا الموضوع في إدارته، يُرضي جميع الناس من حوله. وهذه واحدة من أسباب أن السيّد هاشم كل مَن عمل معه كان مُرتاحًا. وطبعًا السِتْر والحفظ والعون حتى بهدوء. مثلاً، أنا بالصدفة عرفت أن أحد الأشخاص لديه مشكلة معيّنة، أحد المسؤولين بالمجلس التنفيذي. ففي يوم كنت أجلس مع السيّد هاشم، أشرت له إشارة. تعجّب السيّد هاشم. بعد يومين أو ثلاثة، هذا الأخ التقيت معه صدفة، قال لي: «ليك، أنت تحدّثت مع السيّد هاشم؟» قلت له: «لماذا؟» بخصوص قال لي: «بخصوصي». قلت له: «ربما لا أريد أن أقول له شيئاً». قلت له: «ربما، لماذا؟ ما القصة؟» قال: «لأن الموضوع الفلاني الذي تعرفه حُلّ». قلت له: «يشهد الله إني لمحّت تلميحًا». والسيّد هاشم التقيته عدّة مرات وذكرنا هذا الأخ، ولم يقل لي بأنه عالج الموضوع. يحفظ الآخرين. هذه جميعها تجعل الإنسان يحضن الجميع. هذه الحالة التي كانت عنده في موضوع العائلة.
موضوع العائلة، بسبب وضعه الأمني، كنت كلما أنزل إلى لبنان كنت أتولّى نيابة عنه كثير من الأمور، أتابعها وأعالجها. خلال نقاشي مع السيّد هاشم، كان يُخصّص وقتًا للعائلة، مع ملاحظة الموضوع الأمني، ويعطي وقتًا غير عادي، غير عادي على الإطلاق، على مستوى عائلته. كان يعطي وقتًا خاصًّا. مثلاً، عنده إبنة واحدة وشابان. مثلاً، كان يعطي وقتًا لابنته الدكتورة فاطمة، يعطيها وقتًا غير عادي، يجلس معها ساعات وساعات.
غسان بن جدو: لماذا الدكتورة فاطمة تحديدًا؟
عبد الله صفي الدين: هي أصبحت دكتورة.
غسان بن جدو: لماذا هي تحديدًا؟
عبد الله صفي الدين: هي له علاقة خاصة بها. هي لديها كثير من صفات والدها على المستوى العقلي والفكري. والسيّد هاشم كان ذكيّاً جدًّا في الفيزياء والرياضيات، وهي كذلك أنهت دكتوراه في الفيزياء. هي لديها طاقات، ولكن عاطفته عليها غير عادية، وعقله كان يهتمّ بها كثيرًا. وكذلك الشباب أبناؤه، كان يعطيهم أوقاتاً طويلة ويهتمّ بهم بشكل خاص.
كان يعطي كل شيء حقّه في هذه الدنيا. وهذه واحدة من أسباب أنه كان إنسانًا مُنظّمًا ومُبَرْمجًا، ولديه جَدْولة بكل برامج حياته، وحتى أعماله الواسعة كان يُبَرْمَجها.
غسان بن جدو: سرّ العلاقة بينه وبين السيّد حسن: أولًا على مستوى شخصي، ثانيًا على مستوى حزبي، ثالثًا على مستوى إداري تنفيذي، رابعًا على مستوى مقاومة؟
عبد الله صفي الدين: بداية، جرت حادثة في بداية الشباب، بعد مجيء الشهيد السيّد حسن والشهيد السيّد عباس من العراق إلى بعلبك وافتتاح حوزة الإمام المُنتظر بعد انتصار الثورة الإسلامية بأشهرٍ قليلة. بيت أهل الشهيد السيّد عباس يبعُد عن بيت أهلي شارع. فيوم أنا ذاهب لصلاة الجمعة – يوم الجمعة كان عطلة بالمدارس في لبنان بالثانوي، سنة 79 – أنا وذاهب، أرى سيارة عادية ترجّل منها خمسة مُعمّمين. نظرت، فرأيت السيّد عباس والسيّد حسن. السيّد حسن كنا نعرفه قديمًا، نعرفه معرفة سطحية من خلال الزيارات العائلية، هم كانوا يزورون جدّهم، وجدّه كبير العائلة، وعمّ الوالد، رحمهم الله جميعًا.
السيّد عباس هو جارنا، فسلّمت عليهم، قلت للجميع: نتغدّى سويًّا. قال: لا، أنت إلى أين ذاهب؟ قلت: ذاهب إلى الصلاة. قال: تعال، خذني بعد ساعة ونصف الساعة، ولا تنسَ أخيك هاشم، أريد أن أراه. السيّد هاشم، أريد أن أراه.
فبعد ساعة ونصف الساعة، عدت، قلت: سيّد، تفضّل. قال: أريد أن أعمل زيارة عائلية، صِلة رَحْم، بنفس الوقت أودّ أن أراك أنت والسيّد هاشم. هو كان سمع عنا أننا كنا في جو الاتحاد بعد أشهر من انتصار الثورة الإسلامية. فجلس وقدَّم مُطالعة طويلة، حوالى ساعتين، أكّد فيها على أنه الآن مستقبل يحتاج إلى عُلماء، عُلماء عاقلين رساليّين، إلى ما هنالك، وأكّد على أنه أنا والسيّد هاشم نذهب إلى الحوزة العلمية للدراسة.
وعدناه السيّد حسن. قوّة الجَذْب لديه غير طبيعية. إذا تجلس معه ساعة تُجْذَب، فكيف عندما يفتح مواضيع خاصة؟ وهكذا جرى. يمكنك أن تقول إن مجيء الشهيد السيّد هاشم إلى الحوزة أو شروعه بالدرس في لبنان لمدّة سنة في الحوزة في لبنان، وبعد ذلك مجيئه إلى إيران، كان بتشجيعٍ وتأكيدٍ من السيّد حسن. بعد ذلك، كان السيّد حسن يأتي ويلتقي، وكانت مجموعة مميّزة في القمّة. أنا اضطررت بعد الـ82 للعودة أثر وفاة الوالد. بقي السيّد هاشم في تلك الفترة. أعتقد أن السيّد حسن جاء مشوار فترة وأقام في إيران بقُمْ فترة معيّنة، فكان يوميًّا هو والسيّد هاشم والإخوان. صار العلاقة عاطفية أكثر وأكثر، وحصل الاجتياح. حدثت إطلالة على المقاومة، وكان السيّد هاشم دائمًا بالصيف – عادة ينزل الطلاب إلى لبنان – كان يتابع مع الإخوان في المقاومة. العلاقة مع السيّد حسن تطوّرت.
عندما عاد السيّد حسن إلى قُمْ =سنة 89، يمكنك أن تقول إن غالبيّة الوقت يبقى مع السيّد هاشم وإخوان آخرين، وأنا كنت في طهران. فالعلاقة توطّدت إلى حدٍّ كبيرٍ جدًّا جدًّا. وعندما عاد السيّد حسن إلى لبنان، السيّد حسن بلّغ أنكم تبقوا هنا، وأنا أرسل خلفكم مَن أجده مناسبًا أن ينزل إلى لبنان. نزل إلى لبنان بعد سنة. استُشْهد السيّد عباس. بعد فترة أرسل وراءهم ليعودوا، فنزلوا وبدأوا بالعمل سويًّا. هذه المقبوليّة أُسّس لها في قُمْ، واستمرّت مع العمل الميداني يومًا فيومًا، خاصة عندما ذهب السيّد هاشم إلى منطقة الجنوب، وهي منطقة المقاومة. وبعد ذلك تطوّرت العلاقة إلى حدّ هذه القناعات وهذه الرؤية وهذه المودّة والمحبّة والعشق الشخصي الكبير من السيّد هاشم للسيّد حسن لقناعته به، والذي كان يقول لي: أنا لست مُستعدًّا أن أخالف السيّد حسن لحظة في عُمري، وأسأل الله إذا كان الشيطان يريد أن يوسْوِس لي أن أموت قبله.
غسان بن جدو: هذا الكلام، سيّد عبد الله، بالنسبة للبيئة، وبالنسبة للأنصار، بالنسبة للمؤمنين المُتديّنين يُفْهَم، لكن بالنسبة للعامة، بالنسبة للنُخَب، قد لا يُسْتَوْعَب. بالنهاية هذا قيادي، كيف لا يناقش قائده؟ لماذا ما الإشكال؟ هم أعضاء شورى، ما الإشكال أن يتبادلا وجهات النظر، يختلفا؟ لا يوجد إشكال بهذا الموضوع؟
عبد الله صفي الدين: بهذا المقدار أقول لك: لا يناقش إلى حدّ الاختلاف. أما النقاش بمعنى تغذية الموضوع وتطوير الموضوع، ما في مشكل.
غسان بن جدو: موجود؟
عبد الله صفي الدين: موجود. نقاش لتطوير الموضوع، لتغذية أيّ موضوع، لتصويب أيّ موضوع، لإغناء أيّ موضوع، لا مشكل. لكن السيّد هاشم غير مُستعدّ بالنقاش إلى أن يصل إلى حدّ الاختلاف. والنقاش كان لأجل النقاش الإيجابي، إذا صحّ التعبير. بعض الأحيان الإنسان يناقش آخر لإقناعه برأيه بالمُطلق، لأنه يكون هناك خلاف بالموضوع. لم ينم يومًا السيّد هاشم وفي وجهة نظره وجهة نظر مُخالفة للسيّد حسن. هذه الحقيقة.
غسان بن جدو: مع ذلك، سيّد عبد الله، يُوصَف من قِبَل بعض العارفين أو حتى المراقبين بأن السيّد هاشم، رحمه الله، كان محافظًا دينيًّا أكثر، وعلى المستوى السياسي هو راديكالي أكثر في الحزب – وليس مُقارنة مع السيّد حسن – ولكن بقيادة الحزب هو محافظ دينيًّا أكثر، أصولي بالمعنى الآخر أكثر، وفي الموقف السياسي في الأداء السياسي هو راديكالي؟
عبد الله صفي الدين: أنا أوافق أنه كان أصوليًّا فكريًّا وثقافيًّا، ولكن في المواقف السياسية، بالعكس، كان السيّد هاشم كان يؤمِن بالعمل السياسي، ويؤمِن بأن العمل السياسي لا بدّ من أن يأخذ ويعطي، وأن يتنازل في ما لا يتعلّق باستراتيجيات، مع الحفاظ على الأصل. وكان بعض الأحيان أنا كنت أتابعه، بعض المواقف التي تصدر بالإعلام، يتفاجأ، أو بعض المواقف التي تصدر في بعض الدول وفي بعض الأماكن في العالم: ليس مضطرًّا أن يتحدّث هكذا، يمكن أن يقول كلاماً غير. لا، هو ليس هكذا أبدًا. مَن يدّعي هكذا يفتقد الدليل. وأهم دليل على ما أقول هو انسجامه في المواضيع السياسية مع كل أعضاء الشورى. ونعم، أقول لك: في المسائل الفكرية والثقافية هو أصولي، كما كان السيّد حسن أصوليًّا، كما هو واقعًا الآن معظم الإخوة في قيادة حزب الله هم أصوليون لا يتنازلون عن المسائل هكذا. وقد رأينا الآن مثلاً البعض كان يدّعي بأن الشيخ نعيم هو ممكن أن يكون سياسيًّا أكثر مما هو جهادي. الآن ما رأيناه.
غسان بن جدو: ذهب إلى المواجهة الكربلائية؟
عبد الله صفي الدين: هو ما رأيناه. هذه حقيقة الواقع. حقيقة الإخوة جميعًا: البعض لديه بطريقته، البعض ربما يعبُس، والبعض يبتسم، البعض يمزح، مثل سماحة السيّد في كثيرٍ من المسائل كان يمزح.
غسان بن جدو: علاقة السيّد هاشم بالشهيد قاسم سليماني، خصوصًا وأنه صارت عائلية؟
عبد الله صفي الدين: لا، قبل أن تكون عائلية، الحاج قاسم كان بعنوان أنه صديق. كان في إيران وله كلام خاص ومُسجّل، فكنت بشكلٍ دائمٍ على لقاء مع الحاج قاسم.
غسان بن جدو: كلام خاص مُسجّل؟ أين؟
عبد الله صفي الدين: هو مُسجّل في مكان، موجود عند زينب. أنا طلبت منها عدم نشره، لأن فيه أمر يتعلّق بي.
غسان بن جدو: كلام خاص عن السيّد هاشم؟
عبد الله صفي الدين: عني.
غسان بن جدو: عنك.
عبد الله صفي الدين: لو كان عن السيّد هاشم فقط لطلبت منها نشره. المهم، السيّد هاشم كان يرى فيه شخصًا يستطيع أن يساعد وأن يدعم وأن يُدير حركات للمقاومة في كل المنطقة. الكاريزما التي كان يمتلكها الحاج قاسم أسَرت السيّد هاشم وجعلته يعتقد ويتابع ويتعاطى على أن الحاج قاسم هو هذا الإنسان الذي تحتاجه هذه البلاد. طبعًا ليس لبنان، لأن الحاج قاسم شخصيًّا، رحمة الله عليه، كان يقول لي مثلاً، هو لديه جولة في العراق، سوريا، وأتى إلى لبنان ثم عاد. كنت بخدمته. قلت له: هل تتعب؟ قال لي: لا، أنا ممكن في مكانٍ ما أتعب، وهنا أتعب أكثر، لكن عندما أنزل إلى لبنان أنزل أرتاح. قلت له: كيف يعني ترتاح؟ ليس لديك عمل؟ قال لي: لا، السيّد حسن والسيّد هاشم حلّوا كل الإشكاليات، ولا يتركون شيئاً، ولا يحتاجون شيئاً. أنا أنزل أقول: ماذا تريدون؟ وما الذي يمكن أن أقدّمه كمساعدة فقط.
الحاج قاسم كان هيك. كان يثق كثيرًا بالسيّد حسن إلى حدّ كبير، وكان يعتقد بقُدرة السيّد هاشم غير العادية. وأنا التقيت معه مرة، زار السيّد هاشم إيران لمتابعة معيّنة، كان يتعاطى معه كما كان يتعاطى مع السيّد حسن عندما يأتي إلى إيران. حريص على أن يكون في الجلسات. مع أن السيّد هاشم كان يقول له: اذهب لعملك، أنا أعرف فارسي، وفلان وفلان موجود. ولكنه كان حريصًا على أن يحضر الحاج قاسم. والسيّد هاشم كان هناك علاقة مودّة غير عادية. والحاج قاسم كان يُظْهِر لي محبّته واعتقاده في المستقبل بالسيّد هاشم.
غسان بن جدو: السيّد هاشم والقضية الفلسطينية، والسيّد هاشم وطوفان الأقصى – طبعًا على فكرة، هو خلال طوفان الأقصى من أكثر القيادات التي نزلت إلى الميدان الخطابي، وكان لافتًا هذا الأمر. كيف يمكن أن تلخّصها، سيّد عبد الله؟
عبد الله صفي الدين: أقول لك: السيّد هاشم في آخر 15 سنة، بسبب الوضع الأمني لسماحة السيّد حسن، المكان الذي يجب أن يكون فيه السيّد حسن ولا يمكن ذلك أمنيًّا، كان السيّد هاشم يُغطّيه. وهذا أراح السيّد حسن كثيرًا. أنا أذكر لك على سبيل المثال: السيّد هاشم قبل ثلاث أربع سنوات لم يترك عائلة شهيد إلا والتقى معها. قام بجولاتٍ على كل عوائل الشهداء في لبنان. البعض كان يجمع في مكان معيّن، يجلس يتحدّث معه: أنت، ما هي مشكلتك بالإسم؟ ونتج من ن هذه الزيارات كثير من الأمور التي حُلّت. هذا العمل عادة سماحة الشهيد السيّد حسن هو يحب القيام به، لكنه لا يستطيع ذلك.
غسان بن جدو: في ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية والطوفان، السيّد هاشم؟
عبد الله صفي الدين: بالقضية الفلسطينية، السيّد هاشم كان يتابع ويلتقي مع بعض القيادات الفلسطينية لحلّ بعض المشاكل اللوجستية. الموضوع الفلسطيني، تعرف سماحة السيّد حسن، رحمة الله عليه، كان يتابع بدقّة هذا الموضوع، والسيّد هاشم كان بعنوان متابع: ماذا توجد من مشاكل؟ وما التي يمكن حلّها؟ موضوع الإخوة الفلسطينيين في لبنان في =المُخيّمات، المُهجّرين، غير المُهجّرين، مشاكل عادية، يعطيها أولويّة.
أما على مستوى القضية الفلسطينية فكريًّا، أعتقد أن لديه ما ألّف وسَيُطْبَع.
غسان بن جدو: هناك كتاب سيصدر عن السيّد هاشم في ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية؟
عبد الله صفي الدين: هو كتب كتابًا، أذكر هذا.
غسان بن جدو: أنا عندما قلت، سيّد عبد الله، إنه كان يُعْتَبر راديكاليًّا سياسيًّا – وليس ربما في ما يتعلّق بالداخل – لكن تردّد، وأرجو أن تصحّح لنا هذا الأمر أو تُثبته: تردّد أنه في ما يتعلّق بمعركة الإسناد لحزب الله، السيّد هاشم كان يريد أن يذهب أبعد وأبكر.
مثلاً، عندما تمّ اغتيال الشيخ صالح العاروري، كان رأي السيّد هاشم أنه على حزب الله ضرب تل أبيب مباشرة: مُعادلة الضاحية – تل أبيب؟
عبد الله صفي الدين: نُقِل هذا الأمر صحيح، ولكنه لم نسمعه من السيّد هاشم.
غسان بن جدو: حضرتك لا تستطيع أن تُثبته؟
عبد الله صفي الدين: لا يمكن أن أثبته، لأن السيّد هاشم...
غسان بن جدو: ولا تنفيه؟ لا تُثبته ولا تنفيه؟
عبد الله صفي الدين: أنا أستبعده أكثر من هذا، لأن السيّد هاشم بهذا العالم كان يلحظ عدّة أمور. مثلما كان الشهيد السيّد حسن يفكّر، بالنهاية هناك نوع من التعاطي في المنطقة يؤثّر على كل المنطقة. السيّد هاشم إنسان عاقل وليس إنساناً غير عاقل. هل في تلك المرحلة المنطقة تتحمّل أو لا تتحمّل؟ أنا لا أحب جَلْدَ الذات. البعض الآن يَجْلد ذاته أنه: والله نحن من أول يوم نعمل يجب كذا، يسمحوا لنا فيها. معليش، ليس دفاعًا فقط عن الشهيد السيّد حسن وعن القيادة العسكرية الجهادية، ولكن الواقع عكس ذلك ويختلف تمامًا، يختلف تمامًا تمامًا.
غسان بن جدو: سيّد عبد الله، الحديث معك يحتاج ربما إلى ساعات أخرى، وأرجو أن تعدنا على الهواء أن تكون بيننا جلسة أخرى من أجل عمل توثيقي، إذا صحّ التعبير.
عبد الله صفي الدين: أنا بخدمتكم، أستاذ غسان عزيز. تحيّة كذلك للشهداء في قناة الميادين، ولكل قناة الميادين المقاوِمة والتي وقفت وتقف مع كل أحرار العالم.
غسان بن جدو: الله يعزّك، لكن آخر كلمة، سيّد عبد الله، من موقعك: ماذا تقول؟ تُخاطِب السيّد هاشم، رحمه الله، وهو الآن في الفردوس، تُحدّثه عن عائلته، عن بيئته، عن وضعه بشكلٍ عام. ماذا تقول؟
عبد الله صفي الدين: أولًا، السيّد هاشم، هذا المصير الذي وصل إليه هو رَسَمَه بعرقه وبتعبه، وهو خطّه بأنامله الرقيقة وبقلبه الحنون وقلبه الواعي وعقله الوقّاد والثابت وتصميمه وإرادته الجدّية والحازِمة.
أقول له: بأنك زرعت وحصدت. نحن العائلة رأينا هذا الزرع ورأينا الحِصاد. أنا شخصيًّا أعتقد أنه هنيئًا لكل مَن وضع حجرًا في مواجهة مشروع السيطرة العالمية على المُسْتَضْعَفين وعلى الشعوب. وأعتقد أن ما قام به السيّد هاشم من بُنيان وبناء وأسس لأجل مواجهة هذا المشروع في كل المجالات، هذا توفيق كبير من الله للسيّد هاشم، لحزب الله، للشهيد السيّد حسن، لكل هذه الأمّة.
هذه الأمّة حقيقة هي ابتُليت بهذا العدو وبهؤلاء الأعداء، ولكن في نفس الوقت الله سبحانه وتعالى أنعم عليها بتوفيق تقديم الدم وتقديم كل جُهد من أجل مواجهة هذا المشروع. إن الله سبحانه وتعالى، باعتقادي، عندما يرى هذه الأرواح وهذه النفوس الطوّاقة للمقاومة، الله سبحانه وتعالى يفتح لها آفاقًا عادية وغير عادية، منظورة وغير منظورة.
السيّد هاشم، كما حبيبه السيّد حسن وإخوانه الشهداء، هو وصل إلى حيث عمل، وحيث كان يعتقد بأنه يصل. عائلته الآن هي مُصمّمة أكثر، وهي صامِدة أكثر، وهي تواجِه هذا الفُراق بالدُعاء وبالصلاة وبالثبات. وإن كان هو له الأجر الكبير، فهي كذلك الآن تصبح شريكة بالتحمّل والصبر في هذا المصاب وفي هذا البُعد.
الله سبحانه وتعالى لن يَخْذل السيّد هاشم، ولن يَخْذل السيد حسن، حتى نرى جميعًا إن شاء الله عزّة هذه الأمّة وكرامة هذه الأمّة، والوصول إلى الحقيقة، وهي القضاء على هذه المجموعات الهمجية الوحشية التي انتهكت أعراض وكرامات البشر على مرّ التاريخ إلى يومنا هذا.
غسان بن جدو: شكرًا، سيّد عبد الله صفي الدين. رحم الله السيّد هاشم والشهداء جميعًا. شكرًا على هذا اللقاء.
شكرًا لكل مَن ساهم في إنجاز هذا اللقاء: أولًا فريقك المثابر والمُحْتَرِف مع الأخ جواد والسيّد حسن، وشكرًا لفريق الميادين الذي شرّفنا بالحضور هنا لإجراء هذه المقابلة الخاصة.
شكرًا لكم، مشاهدينا الكرام.