إبستين... أسرار النخب القذرة
من خلف ناطحات السحاب إلى أروقة السياسة.. أكثر من مذنب... فضيحة تكشف منظومة "سجلات إبستين القذرة"... ماذا وراء الجزيرة؟ روابط بشركات استخبارية، علاقات دولية، شبكات مالية سرية وثراء يحمي الجريمة، وتشابك للأموال والنفوذ والفشل المؤسسي... كيف أفسدت العدالة؟ إدارة ترامب وسط معركة سياسية... لماذا خضت السجلات السود الدولة الأميركية؟
نص الحلقة
مايا رزق: جزيرة صغيرة، شخصيات كبيرة، فضائح من الوزن الثقيل وأسرار دفينة قديمة.
مايا رزق: تعود القصة إلى بدايات القرن العشرين، وإلى بُقعة جغرافية في منطقة البحر الكاريبي: هنا جزر الهند الغربية الدنماركية، جزر لطالما استُخْدِمَت في تجارة الرقّ، إلى حين تجريم العبودية، ما ترك الدنمارك وسط أزمة اقتصادية، فكان لا بدّ من صفقةٍ لبيعها. عام 1917، رفعت الولايات المتحدة الأمريكية عَلَمها على الجزر.
تسألون: لماذا هذه الصفقة؟ وقتها أرادت واشنطن منع ألمانيا من استخدام هذه الجزر كقاعدةٍ للغوّاصات الحربية.
إنها جزر العذراء التي تحوّلت بعد عقود إلى ملكية خاصة، وملاذ للهاربين من الضريبة، ومُجدّداً لسوق لتجارة البشر، وتحديداً الأطفال.
مايا رزق: لعقدين من الزمن، ملك إبستين واحدة من جزر العذراء: " Little Saint James"، أو كما يعرفها المجتمع الأمريكي: "جزيرة البيدوفيليا ".
مايا رزق: وهنا تحديداً تكمُن القصة. ليس جديداً أن نسمع عن تصرّفات مُخلّة بالأخلاق والإنسانية من شخصيات معروفة فاحِشة الثراء، وليس جديداً أن نسمع عن هَوَسٍ مقيت باستغلال الأطفال واستخدامهم والتجارة بهم كسلعةٍ جنسية. إلا أن ما حصل على جزيرة إبستين أخطر وأقذر، ويمسّ نادي الكبار في العُمق، كاشفاً أمراً يتخطّى الملفات الجنسية المرضية.
مايا رزق: واللائحة تطول وتطول وتطال الكثيرين داخل الولايات المتحدة وخارجها. تخيّلوا أن أحداً من هؤلاء الذين شاركوا في حفلات إبستين العلنية وتلك السرّية لم يأتِ على ذِكر أن الأخير استغلّ وتاجر بما يزيد عن 5000 طفلة، عُمر بعضهن لا يتعدّى الـ14.
يبقى السؤال: لماذا؟
وقد تتفاوت الإجابة: لماذا بين مَن قرّر النأي بنفسه عما رآه أو سمعه أو استشعره على مدى عقدين من الزمن، ومَن انخرط به، ومَن قرّر استثماره.
فهذه الجزيرة، وانطلاقاً مما وُجِد عليها، تعدّ بئرة استخبارية. كل الشخصيات التي وصلت إلى هنا يُقال إنه تمّ اختراق هواتفها، وصُوِّرت حيث كانت. تنتشر كاميرات المراقبة في كل شبر من الجزيرة، وكل شيء مُسجّل وموجود في مكان ما. فأية منفعة من تجميع كل هذه البيانات هناك؟ أكثر من فرضية.
يبقى أبرزها: الابتزاز – ليس لجني المزيد من الأموال التي لم يكن يحتاجها أصلاً إبستين الملياردير – بل بحثاً، ربما، عن المزيد من السلطة العالمية.
مايا رزق: واضح ما أرادت ماغي تايلر قوله، انطلاقاً من آلاف الوثائق التي تمّ الكشف عنها. ولكن ماذا عن الوثائق التي تظلّ طيّ الكِتمان، والتي قرّر ترامب الإفراج عنها أخيراً.
مايا رزق: مَن وماذا ستكشف هذه الوثائق التي يُقال إنها بحوزة الـFBI أصلاً منذ انتحار إبستين داخل زنزانته عام 2019؟ مَن وماذا ستكشف هذه الوثائق؟ وهل ستتطابق مع ما ذكرته فيرجينيا جيوفري، الشاهِدة الأبرز على جرائم إبستين وأهمّ أصدقائه وشركائه العالميين، والتي انتحرت هي أيضاً؟ أم أن ما سيتمّ إخفاؤه يبقى أعظم؟
بحسب ما يقول شقيق إبستين نفسه، الذي يحذّر من عملية تطهير لهذه الملفات، ما كُشِف حتى الآن لا شكّ أنه يقرع جرس إنذار حول شبكة قَذِرة وخطِرة. لا نبالغ إذا قلنا إنها تهزّ الوسط =السياسي الأمريكي، وكأنها كرة نار الكل يتقاذفها باتجاه الكل. فماذا بعد؟
إبستين: أسرار النُخَب القَذِرة. اذهب أعمق، تفهم أكثر.
مايا رزق: أهلاً ومرحباً بكم، مشاهدينا الكرام. معنا من نيوجيرسي، الأستاذ المُشارِك في عِلم الاجتماع في كلية ستاتن آيلاند، الأستاذ توماس فولشو. أهلاً ومرحباً بك.
وعلى أن ينضمّ إلينا بعد قليل من نيويورك، الصحافي والكاتِب السياسي، مرتزا حسين.
أبدأ معك، سيّد توماس: مَن هو جيفري إبستين؟ ما حجم ما نعرفه مُقارنة بما لا يزال خفيّاً؟
توماس فولشو: السيّد إبستين هو شخص يُبْرِم الصفقات حول السلطة حول العالم، ولديه خلفية في المجال المالي في وول ستريت، وفي المجالات الاستشارية المالية أيضاً. لذلك كان عنصراً أساسياً ومهمّاً جداً حول العالم، وهو ساعدهم على إخفاء أموالهم من الضرائب. لذلك هذه هي خلفيّته. وهو شخصية من غير المُرجّح أن تظهر وتكون قوية، لأنه يأتي من طبقةٍ عاملة.
مايا رزق: كيف يمكن أن نفسّر هذه الازدواجية في شخصيّة إبستين؟ نحن نتحدّث عن شخصٍ كان يدرس في إحدى المدارس في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحوّل إلى هذه الشخصية التي تُوصَف على أنها أشبه باختطاف في هذا العالم المُخْمَلي؟
توماس فولشو: الأمر المُثير للاهتمام حول إبستين هو الطريقة التي استطاع بها الوصول إلى هذه الدوائر المُخملية، وذلك من خلال الخِدَعة والزَيْف. هو قام بالكذب من أجل الوصول إلى مدرسته التي علّم فيها. كان أستاذاً سيّئاً للغاية، كما أنه لم يكن يذهب إلى وظيفته في الكثير من الأحيان. كما أنه كان يقوم بإعطاء العلامات للتلاميذ بشكلٍ مُزوّر. لذلك أراد الأساتذة أن يتخلّصوا منه.
كما أن أحد الأهالي لاحظ أنه جيّد للغاية في مجال الرياضيات. ووول ستريت لم يكن لديها الكثير من الحواسيب في ذلك الوقت. لذلك أعجب شخص ما بـ إبستين، الذي استطاع أن يقوم بالحسابات الرياضية، ورآه شخصاً مفيداً في ذلك الوقت.
وما فعله هو أنه قام بعملية، قام باستراتيجية لوضع الأسعار في وول ستريت، واستطاع أن يحقّق نجاحاً كبيراً. بات شريكاً كبيراً في وول ستريت، أو شريكاً محدوداً في وول ستريت، وذلك بسبب عدم قُدرته على اتّباع القواعد. كما أنه قام باستغلال الحسابات الخاصة به. وعلى الأغلب، كان جزءاً من عملية التجارة بشكلٍ أو معرفة أفضل بالأمور التجارية بسبب وظيفته. لذلك كان مُنخرطاً في هذه العمليات المُزوّرة، ولذلك طُلِبَ منه أن يقدّم استقالته.
هذه هي الطريقة التي استطاع بها أن يدخل إلى هذا العالم المُخملي، واستمرّ بهذا المجال، واستمرّ لفترةٍ مطولة. وكانت هناك فترات عاش فيها في لندن. وبالنهاية، استطاع أن يسيطر على أموال وزلي لاكسنر.
مايا رزق: دكتور توماس، خلال سنوات بحثكم العِلمي الماضية، تركّزون كثيراً على ما يُعْرَف بانحراف النُخبة. عاينتم الكثير مما يُعْرَف بجرائم هذه النُخبة أو جرائم أصحاب السلطة. أكثر ما ترككم في حالٍ من الدهشة في قصّة إبستين، ما هو؟ يعني، ما الذي قرأتموه، اكتشفتموه، تعلّمتموه عنه، وقلت عندما شاهدته: "لا أصدّق أنه فعل هذا أو ذاك؟"
توماس فولشو: بكل تأكيد، أعتقد أن ما صدمني هو عدد الضحايا الهائل. وعند الحديث مع هؤلاء الضحايا، بإمكانكم أن تتعرّفوا على الخديعة التي استطاع أن يقوم بها ضدّ هؤلاء الناس.
هؤلاء هم الأشخاص الذين لم يكن لديهم الكثير من الأموال، ولكنهم كانوا يريدون الذهاب إلى الجامعة. وهو وعدهم، وهو قطع وعوداً استطاع أن يخدعهم من خلالها إلى منزله. وبهذه الطريقة استغلّهم.
كما أنه كان شخصاً ينوي استغلال الناس الذين لم يكن لديهم مال. وبعض الفتيات اللواتي استغلّهن لم يكن لديهن ما يكفي من الطعام حتى في منازلهن. وفي بعض الأحيان، الضحايا كانوا حتى من أولئك الذين لا يملكون منزلاً.
إذاً، قام بالافتراء على هؤلاء الضحايا وتلاعَبَ بهم. وفي بعض الأحيان، أجبرهم على تجنيد فتيات أخريات من أجل اللقاء به، حتى ولو قالوا إنهم لا يريدون ذلك. هو قال: "أنا لا أبالي بذلك، عليكنّ القيام بذلك". أي: أجبرهنّ على الخضوع إليه.
وتمّ توقيفه من قِبَل الشرطة عام 2006. تلاعَب بالنظام من أجل الحصول على صفقةٍ مع المحكمة. وبفضل هذه الطريقة، لم يُعاقَب أبداً على جرائمه.
وفي اللحظة التي خرج فيها من السجن، في مركز الشرطة، قرّر أن يذهب إلى أوروبا، وإلى روسيا، إلى فرنسا، ولربما أيضاً إلى السويد، لكي يجد الضحايا الذين لم يعلموا مَن هو.
مايا رزق: ونتحدّث بأن عُمر الكثير من الفتيات كان في بعض الأحيان 11 عاماً، 13 عاماً، أو 14 عاماً.
تعدّون كتاباً، دكتور توماس، عن جيفري إبستين وبيتر نيغارد. هل إبستين مجرّد حال فردية، أم أنها تعبّر ربما عن خَلَل بنيوي أعمق في النظام الاجتماعي والسياسي الغربي، وتحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية؟
توماس فولشو: أنا أخاف وأنا أقلق أن هناك الكثير من أشباه إبستين. وعندما تعلّمت معلومات عن إبستين، اعتقدت أن هذا شخص فريد من نوعه، وأنه كان فعّالاً للغاية في التلاعُب بالنظام الجنائي والعدلي، واستطاع أن يتلاعَب بهذا النظام لكي يتخلّص من العقوبة.
وثمّة حالات وقضايا أخرى، مثل بيتر نيغارد، وشخص كندي يعمل في مجال المنسوجات، ولديه شركة حتى في مجال الأزياء. وبعض الأمور المُنْحَرِفة التي قام بها هي أمور لم نسمع بها أبداً. هي أمور قَذِرة للغاية ومُقزّزة. وحتى لم أعلم أن هناك أشخاصاً يقومون بمثل هذه الأمور أصلاً. ووصلت به الأمور إلى حدّ أنه لم يكن فقط يقوم بتهريب أو بالاتّجار بالفتيات الصغيرات في جزر البهاما وأمريكا اللاتينية والبرازيل وكندا، إنما أيضاً وصل به الحدّ إلى أنه قام بالاتّجار بالفتيات ليس فقط للأعمال الجنسية القَذِرة، بل أيضاً الاتّجار بهن من أجل خلايا الجذع، لكي يقوم بعكس عملية التقدّم في العُمر، خاصة به.
ومن ثم نظرت إلى تاريخه، إلى سجّله التاريخي، ورأيت أن طريقة وَصْف الناس له لم تكن على ما يرام. لكن رأيت أن هناك =أحد رؤساء شركة غال هاري بلمان، وكان يقوم بالاتّجار بالفتيات عبر المحيط الهادئ، عبر الفلبين وفيتنام، وكان يعيش على الأراضي الأمريكية مثل إبستين.
ولذلك، الكثير مما يقوم به هؤلاء الأشخاص هو أنهم يبحثون عن الملاذ الآمِن للضرائب: أي مكان لا يضطرّون فيه لدفع الضرائب. يقومون بذلك برشوة الحكومة، ويستطيعون من خلال هذه الرشاوى أن ينخرطوا بأنشطةٍ إجراميةٍ فظيعةٍ للغاية، يستغلّون فيها الفتيات بشكلٍ أساسي، ولكنهم أيضاً يستغلّون الصِبية.
مايا رزق: بين ما كُشِفَ مشاهدينا وما ظلّ خفيّاً، ملفات إبستين صُداع لشبكةٍ من النُخبة تتعدّى دائرة السياسة. فما المعروف عن هذه الشبكة تحديداً؟
60 قطعة من الأدلّة المادية: ألبومات صوَر، سجّلات رحلات بالقارِب إلى جزيرة إبستين، وجواز سفر نمساوي يحمل صورته، وأكثر من 300 غيغابايت من البيانات، و40 حاسوباً، و26 قُرص تخزين، كما يبدو هنا على الشاشة، وأكثر من 70 أسطوانة، ضبطتها السلطات الأمريكية من ممتلكات إبستين.
ذلك بالإضافة إلى الوثائق والملفّات لدى المحكمة، ما يؤكّد وفق مُحلّلين وجود بنية خلفية كاملة.
أسماء كثيرة وردت في دفاتر الاتّصالات وسجّلات الرحلات الخاصة، ما بينها، كما ذكرنا، شخصيات كدونالد ترامب وبيل كلينتون والأمير أندرو، لكن من دون إشارة إلى تورّط هؤلاء في شبكة إبستين حتى اللحظة.
غالبها جاء في "كتاب عيد الميلاد الخمسين" الذي أعدّته غيسلين ماكسويل، التي تقبع اليوم في السجن، وتَعِدُ بكشف الكثير من آثار الكبار، شرط ضمان حمايتها.
عشرات الآلاف من الوثائق، مشاهدينا، كشفت وثائق بين إبستين وشخصيات أخرى بارزة في السياسة والإعلام وهوليوود والشؤون الخارجية، منها المُستشارة السابقة للبيت الأبيض في إدارة أوباما كاترين رومر، وهي طبعاً ديمقراطية.
أما الجمهوري ستيفان بن، مُستشار ترامب السابق، فكان قد تلقّى عرضاً من إبستين لترتيب لقاءات مع مسؤولين في الخارج.
لورانس سامرز من الأسماء التي تكرّرت: إنه الخبير الاقتصادي البارز في إدارتيّ كلينتون وأوباما، وكان يرأس جامعة هارفارد سابقاً، وضمن مجلس إدارة شركة "أوبين إيه آي".
ملفّات إبستين تضمّنت أيضاً مؤسّس "باي بال"، مُستثمر التكنولوجيا بيتر تيل، المعروف جداً، وهو اليوم شريك نائب الرئيس الحالي جيه دي فانس.
أما في العلاقات المالية، فجيفري إبستين لم يكن خارج نادي كبار الشخصيات في وول ستريت، كما ذكر ضيفنا قبل قليل.
فقد تمّ تسليم الكونغرس قائمة تضمّ أكثر من 20 مصرفاً كانت تحتفظ بحسابات لها ولقيادات مُرتبطة به. كما أن الوثائق تظهر أنه في السنوات التي سبقت وفاة إبستين، نقل ما لا يقلّ عن 60 مليون دولار إلى أحد الصناديق الاستثمارية، ووضع أسهماً في شركة خاصة بقيمة 15 مليون دولار إلى مُستثمرٍ في العملات المُشفّرة، وغير ذلك.
ينضمّ إلينا الصحافي والكاتِب السياسي، الأستاذ مرتزا حسين. أهلاً ومرحباً بك في "اذهب أعمق".
إذاً، كل هذه العلاقات، نتحدّث عن شبكة كبيرة واسعة، فيها الكثير ممّن يُصنّفون على أنهم ضمن نادي الكبار. هذه القائمة عُمرها ليس عاماً أو عامين، بل عقود. كيف فعلها إبستين سرّاً من دون أن يتعرّض حتى ولو لمُساءلة على مدى كل السنوات الماضية؟
مرتزا حسين: تعرفون، كما لاحظ الضيف، جرى اعتقاله مرتين في إحدى المرّات بسبب تجارة الجنس. وبعد ذلك، وبعد مرور وقت، لكن هناك عنصران في موضوع إبستين، وهناك ارتباط بين الجزءين. ويجب أن نفهم الجزء الأول بالعلاقة مع الجزء الثاني.
كان نعم يقوم بالاتّجار بالجنس، وكان يُسهّل الجرائم الجنسية ضدّ الأطفال. ولكن بالإضافة إلى ذلك، كان الشخص في موقف أو في موقع حيث تمكّن من أن يكون، أن يلعب دور السلطة العالمية.
بعض التقارير، بناءً على اتصالات إبستين وأيضاً رسائل البريد الإلكتروني من رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، كل هذا أظهر بأن إبستين لعب دوراً كبيراً في مُساعدة باراك ومُساعدة الحكومة الإسرائيلية والشركات الخاصة المُرتبطة بالاستخبارات الإسرائيلية، مساعداً هذه الأطراف على إبرام الصفقات حول العالم.
ونحن نشرنا سلسلة من الروايات تحدّثت بالتفاصيل عن دور إبستين كقناةٍ خلفيةٍ دبلوماسيةٍ. في القنوات الخلفية، كان يُدير علاقات إسرائيل مع دول مثل ساحل العاج ومنغوليا وروسيا ونيجيريا والعديد من الدول الأخرى. ونحن نحاول أن نستمرّ بنشر هذه الروايات.
ولكن أعتقد أن هذا جزء مهمّ جداً على صعيد النقاش حول إبستين.
مايا رزق: سنتحدّث عن هذا الجزء بالتفصيل، بطبيعة الحال، أستاذ مرتزا. ولهذا أريد أن أسألك بداية، قبل أن نفصّل في ما يخصّ البلدان وكل دولة على حِدة: ما هو حجم انخراط إبستين بعالم السياسة؟ إلى أيّ عُمق وصل نفوذ هذا الرجل؟
مرتزا حسين: كما ذكرت، كان مُبْرِم الصفقات. إذاً، كان شخصاً يلعب دوراً كبيراً على صعيد مساعدة تسهيل الاتفاقات بين المسؤولين ورجال الأعمال من كافة أنحاء العالم.
كانت لديه علاقات عميقة ليس فقط مع إسرائيل، وإنما أيضاً مع روسيا والولايات المتحدة وشخصيات أوروبية، وفي إفريقيا، وفي الشرق الأوسط.
كان شخصية معروفة على أنه يمكن أن يُسهّل ليس فقط الصفقات التجارية، وإنما الدبلوماسية بين دولٍ مختلفة.
التقرير الذي قمنا بإعداده أظهر بأنه ساعد على التوصّل إلى اتفاقاتٍ أمنيةٍ بين حكومة إسرائيل وحكومات أخرى في العالم، وخلال المرحلة الأخيرة من حياته، وربما حتى قبل ذلك.
وبالتالي، من الواضح كان شخصاً لاعِباً مهمّاً جداً في السياسة العالمية. وحتى الآن، ليس معروفاً بشكلٍ كاملٍ الدور الذي لعبه.
مايا رزق: سنفصّل بعد الفاصل هذه الجزئية المهمّة جداً من حياة إبستين، وربما هي لا تزال غير مكشوفة. الإعلام يركّز على الفضائح في ما يخصّ الاعتداء على القاصِرات، بينما ربما الجزئية الأهمّ هي التي تصبّ في هذا الموضوع تحديداً.
أريد أن أسألك، سيّد مرتزا: لماذا برأيك قرّر ترامب، بعد أن كان قبل أشهر يهدّد "وول ستريت جورنال" وحتى يهدّد صديقه روبرت مردوخ بعدم نشر الملفّات الخاصة بإبستين، لماذا الآن يسمح للكونغرس بإقرار قانون لنشر هذه الملفّات تحديداً؟
مرتزا حسين: بدأ يتعرّض لضغوطٍ هائلة من المُنافسين السياسيين في الولايات المتحدة للإفراج عن هذه الملفّات. هناك رغبة كبيرة في المجتمع لمعرفة على ماذا تحتوي هذه السجّلات.
ترامب ترشّح على أنه سيكشف عن الأخطاء التي قام بها إبستين، على أنه سيكشف عن السلوك السيّئ للنُخَب، وإبستين كان جزءاً من ذلك.
بعد ذلك، تراجع عن هذا الوَعد بعد ما وصل للرئاسة. بالتالي، ما حصل هو أن الحزب الديمقراطي، بالإضافة إلى بعض الأعضاء من الجمهوريين الذين أخذوا الصف الآخر، دفعوا بهذا الاتجاه، وتقدّموا بهذه العريضة للكشف عن الملفّات. وهذا وضع الضغط على ترامب، وبالتالي اضطرّ إلى أن يستجيب.
ولكن بسرعةٍ. ليس لديّ آمال كبيرة على صعيد ما الذي سيكشف عنه ضمن ما يُسمّى بملفّات إبستين. بالطبع ستكون لديهم القُدرة على الاحتفاظ ببعض المواد على أساس الأمن القومي.
لا نعرف على ماذا تحتوي هذه الملفّات. وهناك أسباب وجيهة تدعو إلى أنهم يرسمون الخطاب بشكلٍ يفيد هذا الطرف في السلطة.
ولكن في نفس الوقت، سيكون هذا الموضوع تطوّراً مهمّاً، ويمكن التوصّل إلى استنتاجات بسبب الاتصالات التي كان يجريها.
مايا رزق: دكتور توماس، أعود إليك. بما أننا نتحدّث عن هذه الشبكة الكبيرة من العلاقات التي كان يتمتّع بها إبستين، ويبدو بأنها أيضاً تتعدّى الحدود الأمريكية، برأيك: ما هي السِمات النفسية وربما الاجتماعية المشتركة بين أفراد النُخْبة المُنْحَرِفة؟
وإبستين من بين الأسماء، مثلاً، استوقفني شخصياً لورانس سامرز. الرجل كان على رأس واحدة من أرقى الجامعات في العالم: هارفارد. أية فضيحة! أية شبكة هي هذه؟ وإلى أيّ مدى نتحدّث عن موضوعٍ خَطِر للغاية؟
توماس فولشو: نعم، هذه فضيحة قامت بخضّ العالم المُخملي العالمي. لذلك هي فضيحة كبيرة للغاية. أنا شخصياً متوقّع سوف تكون كبيرة لهذا الحدّ، وذلك لأن أغلب عمليات فَضْح هذه الملفّات، أو حتى اضطرار إدارة ترامب لِفَضْح هذه الملفّات، فهذه الملفّات تعود إلى تحقيقات حصلت منذ عام 2005 وعام 2008، والبعض منها حصل عام 2011.
ولكن بالتأكيد ستكون هناك حال من التوتّر حول موضوع فضح هذه الأسرار، وذلك لأن إبستين كان لديه أهمّ الملفّات حول العالم. ولذلك الكونغرس يستطيع الوصول إلى هذه الملفّات. وهذا هو ما حصل بالضبط. وهذا كان أمراً مُقْلِقاً للغاية.
ومن ثم لدينا وضع قامت به بروك سايد نيوز، قالت بأنها قامت بتحقيقٍ كبيرٍ للبريد الإلكتروني الخاص بإيهود باراك، وأدّى ذلك التحقيق إلى أنه يقوم بإبرام صفقات مع إبستين، ويقوم كذلك بوضع الحوافِز المالية وإنشاء الشركات المالية، بالإضافة إلى راف سايد، من أجل الاستثمار في هذه الشركات الناشِئة.
ولكن الانحراف في العالم المُخملي، والمسألة النفسية والاجتماعية التي تتحدّثين عنها، أعتقد أن هذا أمر مُخيف جدّاً. وهنا لدينا نُخبة تكره وتحتقر حتى الأشخاص العاديين.
مايا رزق: تفضّل بالبقاء معنا، سيّد توماس فولشو، وأيضاً الدعوة موجّهة لك، أستاذ مرتزا حسين. مشاهدينا الكرام، فاصل قصير ونعود. ابقوا معنا.
مايا رزق: من جديد، أهلاً ومرحباً بكم، مشاهدينا الكرام.
إسمه ارتبط بفضائح، لكن في كواليس علاقاته بالنُخَب، دور أدّاه جيفري إبستين في تسهيل صفقات وتعزيز روابط بين وكالات استخبارية في دولٍ مختلفة، وإسرائيل دائماً حاضِرة.
علاقات شخصية لإبستين مع مسؤولين إسرائيليين، وتبرّعات لمنظّمات مثل ما يُعرَف بـ"أصدقاء الجيش الإسرائيلي". موقع "دروب سايت" يُعيد نشر ما كشفه سابقاً، حنظلة، للفترة من 2013 إلى 2016، حول مُراسلات غالباً ما تكون يومية بين إيهود باراك وإبستين.
اللافِت أنها حصلت بعد إقراره بالذَنْب في تِهَم استدراج قاصِر للدعارة.
كذلك كان إبستين يستغلّ شبكته من النُخَب السياسية والمالية لمساعدة باراك – طبعاً – حكومته على زيادة تَغَلْغُل شركات تكنولوجيا التجسّس الإسرائيلية في الدول الأجنبية.
ووفق "دروب سايت" - وضيفنا الأستاذ مرتزا وهو واحد ممّن عمل على هذه التقارير - فقد دعم لإبستين قطاع الاستخبارات الإسرائيلي من خلال استثمارات رأس المال، وتبرّعات لمنظّمات خيرية تبيّن أنها مهّدت لعَقْد صفقات أمنية رسمية.
=جانب مُحدّد يتوسّع به الموقع وهو علاقة إبستين بسلالة روتشيلد المصرفية، عبر الرئيسة التنفيذية لمجموعة "إدموند دي روتشيلد".
وثائق من البريد المسرب لإيهود باراك تلقي الضوء على جهود إبستين باستغلال صداقاته معها لجمع الأموال من أجل تطوير أسلحة سيبرانية إسرائيلية.
وبعد انتهاء ولاية باراك عام 2013، جرى تعيين بافل كورفيتش، خريج وحدة التكنولوجيا السرّية "الـ82" في الجيش الإسرائيلي، لتأمين تمويل شركات ناشئة في المجال. وقد دفع إبستين بخطّة لتمويلها لكسب دعم دي روتشيلد.
ليس واضحاً ما إذا كان البنك قد شارك بشكل مباشر في هذه الجهود. لكن في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2015، تفاوَض دي روتشيلد على عقد بقيمة 25 مليون دولار مع شركة إبستين "ساذرن ترست"، وهي نفسها التي استخدمها لتمويل شركة "باراك ريبورتي هوم لاند سيكيوريتي" المُرتبطة بالاستخبارات.
إلى ذلك، تظهر رسائل مُسرّبة أن إبستين كان يعمل على تحويل بنك إلى يوني كورين، كبير مساعدي إيهود باراك، وهو ضابط في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية كان يُقيم بانتظام في شقّة إبستين.
وبعد انتهاء ولاية باراك، واصل كورين العمل كوسيط غير رسمي بين أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية.
لكن ما كشف لا يقف هنا، بل يتّسع ليرتبط مباشرة بجهود مع أطراف على مستوى حكومات ودول. فالوثائق أشارت إلى دور في تسهيل اتفاق بين منغوليا وإسرائيل.
ووفق "دروب سايت"، كانت لإبستين مساعٍ لفتح قناة تواصُل خلفية مع روسيا مع بدء الأحداث في سوريا قبل أكثر من عقد.
كما وصفته تسريبات بوسيطٍ رئيسي في اتفاقية أمنية بين إسرائيل ودولة في غرب إفريقيا.
أجدّد الترحيب بضيفي، الصحافي والكاتِب السياسي، مرتزا حسين، وهو أيضاً كاتِب وباحِث في "دروب سايت"، وأيضاً الأستاذ المُشارك في عِلم الاجتماع في كلية ستاتن آيلاند، البروفيسور توماس فولشو.
أعود إليك، سيّد حسين: أية علاقة بين إبستين وإسرائيل؟ هل نتحدّث عن علاقةٍ بين رجل وقادة مُعيّنين، أم لا؟ بين قادة وبين إبستين والمنظومة في إسرائيل التي قد تشمل إلى حدّ كبير ربما المؤسّسات الأمنية والعسكرية والسياسية؟
مرتزا حسين: أعتقد أن هناك تفصيلاً مهماً يجب أن نشير إليه: إن العلاقة ما بين القطاعين الخاص والعام في إسرائيل، هذه العلاقة ضبابية، ربما أكثر مما تبدو في الخارج.
أي أن إبستين كان شخصاً من القطاع الخاص، لم يكن وكيلًا للحكومة الإسرائيلية أو الاستخبارات الإسرائيلية.
ولكنه عمل مع شخصيات قوية في المؤسّسة السياسية والاستخباراتية الإسرائيلية، وأيضاً مع شخصيات من المؤسّسة الاستخباراتية الذين كانوا يعملون في القطاع الخاص والقطاع التكنولوجي، وذلك من أجل خدمة مصالحهم في الساحة العالمية: سياسياً واقتصادياً.
وترويج هذه المصالح أيضاً =مُرتبط بترويج وتعزيز مصالح دولة إسرائيل على صعيد الاتفاقيات الدبلوماسية المُبْرَمة والاتفاقيات الأمنية مع دولٍ خارجية.
بالتالي، إبستين كان أشبه بالمُساعِد للحكومة الإسرائيلية والشخصيات القوية في إسرائيل، بدل من أن يكون موظّفاً لديهم. وبالتالي، كان أقوى وأكثر تأثيراً من شخصٍ تابع لحكومة أو مؤسّسة استخباراتية. كانوا يعتمدون عليه لتقديم المساعدة، وقدّم هذه المساعدة في عدّة حالات، كما أشرت.
مايا رزق: أفهم منك، سيّد مرتزا: هل كان إبستين عميلاً للموساد، أم أن الموساد كان يستعين بإبستين، أو ربما يعمل لديه – إذا ما صحّ التعبير؟
مرتزا حسين: نعم، أعتقد النقطة الأخيرة: إن الاستخبارات الإسرائيلية والموساد كانت تعتمد على إبستين، وربما شخصيات أخرى شبيهة بإبستين – شخصيات قوية لديهم اتصالات وعلاقات – كما تفعل أجهزة الاستخبارات الأخرى، من أجل مساعدتهم على تحقيق أهداف معيّنة وإجراء التواصُل مع قادة أجانب.
وبالتالي، نعم، إبستين كان شخصاً حيث إن الشخصيات مثل باراك – وكان من أقوى الشخصيات حينها في المؤسّسة السياسية والاستخباراتية، على الأقلّ من الشخصيات الأكثر تأثيراً –وشخصيات من القطاع الخاص في إسرائيل كانوا على صِلة بالاستخبارات، كانوا بحاجةٍ لمساعدة إبستين للتواصُل مع العالم، للتمدُّد أو لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية.
وبالتالي، لم يكن شخصاً يعمل لهم، ويبدو أنهم كانوا يستعينون به، وكانوا يعوّلون على نفوذه.
مايا رزق: سأسألك بعد قليل: هم كانوا يعوّلون على نفوذه للاستفادة منه، ماذا كان يجني إبستين بالمقابل؟
ولكن أذهب إليك أيضاً، بروفيسور توماس، للمُشاركة في هذا النقاش، وربما تشرح لنا كيف تخطّى إبستين الحدود الأمريكية؟ شبكة النفوذ هذه: كيف يمكن أن نفهم صناعتها، وبالتالي نفكّكها؟
توماس فولشو: في كتابي وفي بحوثي، وأعتقد أن تقرير السيّد حسين منطقي للغاية. ما وجدته هو أن إبستين، سنة 1989، ذهب في رحلةٍ إلى الشرق الأوسط – ما نسمّيه الشرق الأوسط – وذهب إلى السعودية وإلى مصر وإلى إسرائيل.
وهناك كان مع أحد أعضاء مجلس النواب الأمريكي، والتقى بعددٍ من المسؤولين. أعتقد أنه كان جزءاً من هذا الوفد. كان رجل أعمال يقدّم الكثير من الأموال إلى الكونغرس، كان يسمّى واين أونز، وكان هذا الشخص من يوتا، وكان شخصاً جزءاً من الحزب الديمقراطي.
وأعتقد أن إبستين في ذلك الوقت كان شخصاً يُبْرِم الصفقات حول السياسة في العالم. ومن خلال قدرته كشخصٍ يعمل في المجال المالي، استطاع أن يُدْخِل نفسه في هذا العالم: عالم إبرام الصفقات العالمية.
وأعتقد أنه، كما قال السيّد حسين، وأنا أوافق معه أيضاً، أنه شخص – هو مواطِن أمريكي، هو مواطِن – ولكنه أيضاً في موقعٍ لا يمكن لأيّ شخص أن يملأه، ألا وهو أنه لديه دور يقوم بجمع الناس، يقوم ببناء علاقات مع الناس عبر الوقت، والمعلومات تتدفّق إليه بشكلٍ لا يمكن تدفّقه إلى أشخاص آخرين.
وأعتقد أنا: ما إذا رأينا ونظرنا إلى الرسائل – على الأقل الرسائل المتوفّرة لدينا، وهي موجودة على جي مايل – أعتقد، أو أن ما أعرفه: إن أحد المحامين الذي كان معه قال إنه كان إبستين يتّصل به، وكان على الهاتف يظهر رقم من أصفار فقط.
وكان يعتقد أنه في بعض الأحيان إبستين كان يعلم أموراً عن المفاوضات القانونية حتى قبل أن تحصل. في ذلك الوقت، لا أعلم ذلك قطعاً، ولكن بإمكاننا أن نعتقد أن إبستين كانت لديه برامج تجسّسية من بعض هؤلاء المسؤولين الحكوميين، ومن ثم يستخدم هذه البرامج في عملية الدفاع عن نفسه من موضوع الاتّهامات ضدّه.
ولكنه بالتأكيد كان شخصاً لديه معلومات من داخل الشركات ومن داخل المواقع التي استخدمها، واستغلّها. كان دائماً يعلم ما الذي سيحصل بسبب هذه المعلومات، وكانت لديه دائماً المعلومات القَذِرة عن الناس.
مايا رزق: أعود إليك، سيّد مرتزا. أريد أن أسألك وأتعمّق أكثر في ما يخصّ طبيعة العلاقة بين إبستين وإسرائيل. ما هي طبيعة العلاقة التي جمعت عميل الاستخبارات الإسرائيلي يوني كورين، الذي كان يقيم في إحدى شقق إبستين، كما ذكرنا، وكان يتواصل – وهنا اللافِت – مع ليون بانتا، وهو مدير الـCIA السابق، أية علاقة يمكن أن تفسّرها لنا بين هذا الثلاثي؟
مرتزا حسين: إذاً، يوني كورين – وهو توفى قبل عدة أعوام – كان ضابطاً رفيع المستوى في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وكان أيضاً رئيساً أو كبير موظّفي إيهود باراك لسنواتٍ عدّة.
السيّد كورين أقام وقتاً في شقّة إبستين لفتراتٍ طويلة، في عدّة مرات، لأسابيع مُتتالية. لدينا وثائق لذلك، على الأقلّ بين عامي 2013 و2015: هذا من الوثائق الحكومية، وجدول إبستين، وأيضاً رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بإبستين وباراك.
وبالتالي، كان يعيش في منزل وشقّة إبستين حينها في نيويورك. واتّهم إبستين أيضاً حينها بالتورّط بالتجارة الجنسية في نيويورك، واستخدام نفس هذه المنازل.
ماذا كان يفعله في ذلك الوقت حينها؟ لا نعرف. نرى من رسائل البريد الإلكتروني أن إبستين كان يقوم بتحويل الأموال إلى السيّد كورين.
والسيّد كورين كان شخصاً معروفاً جداً في المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية، وأيضاً في المؤسّسة الاستخباراتية الأمريكية، من خلال التواصُل. عمل كضابط اتصال بين باراك وشخصيات أخرى قوية في الاستخبارات الأمريكية، وأجرى ترتيبات للقاءات.
وبالتالي، هذا جزء لافِت في الموضوع. قمنا بإعداد تقرير حول بقاء كورين في منزل إبستين.
ولكن ما الذي كان يفعله هناك؟ هل كان متورّطاً بالنشاطات الإجرامية أو التخمينات عن التورّط باستغلال أو ابتزاز الأشخاص الذين شاركوا بهذه الأمور في هذه الأماكن؟ لا نعرف كل ذلك بشكلٍ مؤكّد.
ولكن بالتأكيد، بقاؤه هناك، وبقاء أي عميل أجنبي في أحد منازل إبستين، هذا يدعو إلى القلق. والسيّد كورين هو من بين الشخصيات الذين فعلوا ذلك.
مايا رزق: ماذا عن عائلة ماكسويل؟ وهي تعدّ اليد اليمنى لإبستين. هي قابِعة الآن في السجن. يُقال بأن لوالدها كانت هناك علاقات بأجهزة استخبارية خارجية، وربما أكثر من ذلك: شبكات تُعنى بموضوع تجارة الأسلحة.
أنت تفيدنا أكثر في هذه الجزئية. وهل الحديث عن هذا الموضوع هو مجرّد خيال، أم أن هناك حقائق على الأرض في ما يخصّ هذه العلاقة؟
مرتزا حسين: روبرت ماكسويل كان بمثابة الجاسوس الأكبر. اتصال ليس مع الاستخبارات الإسرائيلية، ولكن الاستخبارات البريطانية وأجهزة أخرى.
ويُقال إن إبستين – وهو تزوّج إبنته غيسلين ماكسويل – ورث هذا الدور بعد وفاة السيّد ماكسويل في ظروفٍ غامضة: سقط وتوفّى.
وكما ذكرت سابقاً، وذكر زميلي: إبستين كان شخصاً يستعدّ للعب هذا الدور: كوسيطٍ وضابطِ ارتباط أو ناشطٍ استخباراتي بين دول مختلفة.
إذاً، أن يرث السيّد إبستين هذا الدور، هذا يحافظ على تقليد العائلة التي تزوّج منها.
وإليك نقطة مهمّة: إنه شخص كان من الطبقة الوسطى العاملة من بروكلين، لم يُولَد في الدوائر النُخْبوية. ولكن بشكلٍ من الأشكال، أصبح جزءاً من ذلك، وذلك من خلال العلاقة مع ماكسويل، وليز وكسنر، وغيرهم.
وبالتالي، في نهاية حياتهم – وقمنا بتوثيق ذلك بالتقارير التي قمنا بنشرها – القادة العالميون من أعلى المراتِب كانوا يعتمدون على السيّد إبستين من أجل ترتيب الشؤون الدبلوماسية والأكاديمية.
كيف حصل ذلك؟ وما هو تسلسُل الأحداث؟ أعتقد أن هذا الأمر لا نزال نعمل عليه.
ولكن بالتأكيد، علاقته مع أسرة ماكسويل، وروبرت ماكسويل، وغيسلين ماكسويل، بالطبع هذا موضوع مهمّ جدّاً كي نفهم كيف أصبح إبستين هذه الشخصية.
مايا رزق: سيّد توماس، هل نبالغ إذا قلنا بأن إبستين كان فوق كل الشخصيات والحكومات والأنظمة التي كان على اتصال بها بشكلٍ أو بآخر؟
توماس فولشو: أنا لا أعلم ما إذا كان أعلى منهم، أو كان في مكانٍ آخر. هو تمّ القبض عليه في أمريكا، وتمّت محاكمته أيضاً في أمريكا.
وأعتقد أن هناك انتقالاً أو نقلة ثقافية في هذا الموضوع، لأنه تمّ توقيفه من قبل، واستطاع أن يتلاعَب بالنظام لكي يتهرّب من هذه العقوبة.
ولكنه استمرّ بسلوكه. ولكن حركة "ميتو" في أمريكا أثارت الاهتمام حول موضوع الاستغلال الجنسي، وأعتقد أن ذلك كان عنصراً أساسياً مما غيّر المُعادلة بالنسبة له، حتى بطريقةٍ هو لم يعتقد أنها موجودة.
وأعتقد أنه قلّل من إمكانية أو من أهمية أو من قُدرة النيابة العامة على محاكمته.
أعتقد أن عائلة ماكسويل أمرٌ مثيرُ للاهتمام. وأنا قمت بالغوص في التحقيق في هذا المجال، واستطعت كذلك أن أصل إلى وثيقة فرجينيا تشير إلى أن روبرت ماكسويل قام بتعيين شخص من وزارة العدل يعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات.
لذلك، أعتقد أنه في ثمانينيات القرن الماضي – وأعتقد أن هذا الشخص كان خبيراً في مجال البرامج، برامج مُحدّدة – قام إبستين ببيعها إلى عددٍ من الحكومات، بما في ذلك إسرائيل بالتأكيد. وهذا البرنامج كانت فيه قنوات خلفية تسمح له بخرق الهواتف، مثلاً. ولكن تمّ إنشاء هذا البرنامج من أجل تعقُّب شخص ما، أو تعقُّب ما هي قضايا الموجودة على هذا الشخص. يمكن استخدام هذا البرنامج في هذا الموضوع القضائي في المحكمة. أعتقد أنه يسمّى "برومز".
ولكن ماكسويل – وأنا قمت ببعض المقابلات مع الناس الذين كانوا أقارب أو قريبين من إبستين – وقالوا إن ماكسويل عادة ما كان يذهب إلى لوس ألاموس، ويحاول أن يُجنّد بعض العُلماء النوويين، ومن ثم يحاول أن يُدْخلهم إلى عمله.
وكان حتى جاسوساً ثلاثياً. مثل ربما إبستين، يمكنه أن نصفه على أنه عميل أو يعمل مع عددٍ من الحكومات، وهو يستطيع أن يصل إلى عددٍ من الأشخاص الذين يعملون في مجال الاستخبارات لحكومات مُتعدّدة.
والرسائل في البريد الإلكتروني التي نراها – لربما هو استخدام أمور غير البريد الإلكتروني – لا نعلم ذلك بالتأكيد.
ولكن بالتأكيد كان لديه هذا الدور: الدور الاستخباراتي. وهذا الدور كان أساسياً. وهذا يغيّر فَهْمَنا لإبستين.
مايا رزق: وهذه جزئيّة مهمّة جداً تثبت بأن ما خفيَ حتى الآن هو أعظم وأكبر بكثير مما يتمّ التداول به عبر الإعلام، الذي يُغيّب هذه المهمذة التي كان يقوم بها إبستين.
نحن نتحدّث عن مستوى متقدّم جداً من العَبَث أو من تحريك السياسات الخارجية والدولية، بطبيعة الحال.
أعود إليك، سيّد مرتزا: نشرتم، كما ذكرت، 4 مقالات على "دروب سايت" بخصوص هذه العلاقة التي جمعت إبستين بالسياسة الخارجية والسياسة العالمية. هل ننتظر المزيد في هذا الإطار؟
مرتزا حسين: نعم، في الواقع قمنا بنشر ستة تقارير. قمنا بنشر تقرير مُنتصف ليل أمس، تقرير قصير حول علاقات إبستين مع شخصياتٍ بارزةٍ في الحكومة الهندية، وجرى نشر هذا التقرير بالتوقيت الهندي ليصادف مع التوقيت الهندي. ولكن التقرير متوافر على "دروب سايت" الآن.
وأيضًا، هناك العديد من التقارير القادمة. هناك الكثير من رسائل البريد الإلكتروني والوثائق حول السيّد ابستين، ليست فقط من الحكومة، وإنما أيضاً التواصُل مع السيّد باراك.
وبالتأكيد، لدينا الكثير من التقارير القادمة حول التعامُلات =مع دولٍ أخرى في العالم: في إفريقيا، الشرق الأوسط، في العديد من الأماكن، حتى في الولايات المتحدة.
وستصدر هذه التقارير قريباً. وأعتقد أن اللافِت هو أن "دروب سايت" منظّمة صغيرة، ولكن لدينا صحافيون محترفون.
ولكن نحن على استعداد لنشر هذه التقارير. وحتى الآن، وسائل الإعلام التقليدية في الولايات المتحدة لم تكن مستعدّة للبحث بدقّة وللنظر عن كَثَب.
وهم يركّزون على تورّط إبستين في جرائم جنسية. وهذه قضية مهمّة جداً وتستحقّ التدقيق. ولكن البُعد الغائب الذي ذكرته سابقاً، عن دوره كوسيطٍ عالمي، هذا لم يلقَ ذلك الاهتمام في التغطية الإعلامية من وسائل الإعلام التقليدية.
لا يمكن أن نعرف الأسباب. ولكن بالتأكيد، نحن سنواصل نشر تقارير حول هذا الموضوع في "دروب سايت"، ولدينا كمٌ كبير من المعلومات.
مايا رزق: نتشوّق للاطّلاع على كل هذه المعلومات التي تعدِون العالم بها، على أمل أن تنال الكثير من التغطية الإعلامية، وخصوصاً في الإعلام التقليدي الأمريكي.
أختم معك، بروفيسور توماس. كما ذكرت في مُستهلّ الحلقة، أنت تعدّ كتاباً عن جيفري إبستين. ماذا علينا أن نتوقّع من هذا الكتاب؟ وهل تتوقّعون فعلاً أن يتمّ كشف كل المستور في ما يخصّ ملفات إبستين، عِلماً بأنه يُقال إنه ورّط كل شيء على جزيرته أو حتى في منازله المُتفرّقة في عواصم العالم؟
توماس فولشو: نعم، أنا أعتقد بأن "دروب سايت" أو مقالات "دروب سايت" قامت بتحريك الكثير من موضوع التغطية الإعلامية، وكانت بالتأكيد عنصراً أساسياً في الإعلام الأمريكي، لأن الإعلام الأمريكي حتى لم يكن يريد أن يتعامل مع موضوع إبستين، لأن رسائل إيهود باراك كانت موجودة ومتوافرة للجميع لأشهر متعدّدة.
وبإمكان الضيف أن يصحّح لي إذا كنت مُخطئاً، ولكن أعتقد أنه على مستوى ملف إبستين السلوكي – أي شخص مثل إبستين، وبسلوك مثل إبستين – ما يمكن أن تتوقّعه هو أنه شخص بالتأكيد يقوم بتصوير أعمال الاستغلال الجنسي، ومن ثم يشاهدونها. وفي بعض الأحيان، هذه المُقتنيات هي الأثمن بالنسبة لهم.
ثمة فرصة جيّدة للغاية أن هناك أشخاصاً آخرين علِموا أن هناك تصويراً لما يحصل من استغلال جنسي.
ولكن وصولاً إلى فكرة استخدام هذه المواد كاستغلال أو كابتزاز، نعم، يمكن أن يحصل ذلك، لأنه شخص قوي للغاية، وبإمكان أشخاص آخرين أقوياء – سياسيين – بإمكانهم أن يتعاونوا ضدّه.
إذاً، كتابي: ثمّة الكثير من المعلومات الإضافية، وذلك لأن جهة إبرام الصفقات الخاصة بإبستين قد بات أمراً أساسياً، خاصة بفضل التقرير الذي قام به الضيف. لذلك سأختم هنا.
مايا رزق: شكراً جزيلاً لك، بروفيسور توماس فولشو، وأنت أستاذ مشارك في عِلم الاجتماع في كلية ستاتن آيلاند، كنت معنا في نيوجيرسي.
وأيضاً أشكر الأستاذ مرتزا حسين، الصحافي الاستقصائي والكاتِب السياسي، وناشِر أهمّ المقالات المتخصّصة في ما يخصّ جيفري إبستين، في ما يخصّ "دروب سايت"، كنت معنا من نيويورك.