المؤتمر القومي العربي... ورهانات المستقبل

في لحظة عربية شديدة الاضطراب، احتضنت بيروت الدورة الرابعة والثلاثين لـ"المؤتمر القومي العربي"، بمشاركة أكثر من 250 شخصية فكرية وسياسية وإعلامية من مختلف الأقطار والمهاجر. مؤتمرٌ أعاد التأكيد على مركزية فلسطين، ورفض الاستتباع، وضرورة تجديد الفكر القومي. وبين تشخيص التحديات ورسم أهداف المرحلة، برزت الأسئلة الكبرى: كيف نواجه الهيمنة والاحتلال؟ وهل يمكن عبور الانهيارات من دون نقد البُنى السلطوية؟ وأي مشروع جامع ممكن في زمن التفكك؟

نص الحلقة

 

بيار أبي صعب: مساء الخير، في هذه اللحظة العربية الصعبة احتضنت بيروت المؤتمر القومي العربي في دورته الرابعة والثلاثين. في زمن توحّش الإمبراطورية وخيانة الغرب لقِيَمه، وخسارة الشرعية الدولية لصدقيّتها وتخلّي النظام العربي عن مسؤولياته، أما عاصمة العروبة والمقاومة، مئتان وخمسون شخصية فكرية وسياسية وإعلامية وثقافية ودينية واجتماعية من مختلف الأقطار والمهاجِر، ومن خلفياتٍ وانتماءاتٍ شتّى. جاء هؤلاء لمناقشة قضايا الأمّة، وتشخيص التحدّيات، ورَسْم أهداف المرحلة. انتخب المؤتمر الدكتور ماهر الطاهر أميناً عاماً، والأستاذ غسان بن جدو نائباً للأمين العام، وشدّد على الهمّ الوحدوي، ورفض الاستتباع، ومركزية القضية الفلسطينية، وأثبت مجدّداً حضوره الرائِد على الساحة العربية، وقُدرته على استقطاب التيّارات والقوى الفاعِلة، وصياغة الرؤى الإستراتيجية وطرح الأسئلة الراهِنة. كيف يكون اليوم التصدّي للهيمنة والاحتلال؟ هل بالإمكان مواجهة الانهيارات والتحدّيات، من دون نقد البُنى السلطوية والأيديولوجية؟ أيُّ مشروعٍ جامِع في زمن التفتُّت والحروب الأهلية وتفكّك الدول المركزية؟ وأخيراً كيف السبيل إلى مراجعة الفكر القومي العربي وتجديده؟

 

لمناقشة الموضوع معنا الليلة في الاستوديو الكاتب والسياسي الأستاذ معن بشور رئيس المركز العربي الدولي للتواصُل والتضامُن، والإعلامي والباحث في الشؤون الإقليمية الأستاذ محمد حسب الرسول، ومعنا من الجزائر الأستاذ كريم رزقي، الناشِط في العمل الإغاثي والإنساني. أهلاً بضيوفنا وأهلاً بكم أعزّائي المشاهدين في هذه الحلقة الجديدة من "على محمل الجد".

أستاذ معن بشور يسرّنا وجودك معنا الليلة، أنت الرئيس المؤسّس للمُنتدى القومي العربي والأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي، ومن أبرز قادة العمل الوحدوي في العالم العربي وقد كرَّستَ حياتك في خدمة القضية الفلسطينية والقضايا القومية، ولا تزال حاضراً على كل الجبهات، الآن بعدما أُسْدِلَت الستارة عن الدورة الرابعة والثلاثين من المؤتمر القومي العربي ما تقييمك لهذه الدورة؟ وما هي أبرز إنجازاتها وإضافاتها؟

 

معن بشور: أولاً لا بدّ من أن نستهلّ لقاءنا اليوم بتوجيه التحية لأبطالنا في غزّة ولأبطالنا المقاومين في لبنان وفي اليمن وفي كل أرضٍ عربية لأن استمرار هذا المؤتمر واستمرار كل عمل قومي وحدوي إنما يعتمد على هذه البطولات التي نراها سواءً في ميادين القِتال أو ميادين الشوارع التي تخرج إليها جماهير أمّتنا من المغرب حتى اليمن دعماً لما يجري في فلسطين. من روح هذه التحرّكات انطلق المؤتمر القومي العربي قبل 35 عاماً، ولا شكّ أن الدورة الأخيرة الرابعة والثلاثين تميّزت أولاً بحضورها الأشمل من كل المؤتمرات السابقة وبحرصها على أن تكون دورة الالتزام بالمقاومة، وقد تحدّث في الافتتاح كل المقاومين في الأمّة بدءاً من لبنان إلى فلسطين إلى اليمن والعراق إلى المقاومين بالنضال والفكر وعلى رأسهم المُناضل الكبير جورج إبراهيم عبد الله، وأيضاً ممثّلة أسطول الصمود الذي توجّه بعشرات السفن إلى غزّة، ناهيك عن مُنسّق عام المؤتمر القومي الإسلامي الذي يضمّ كل المؤتمرات العامِلة في الحقل العربي، وكذلك الإعلامي الكبير وأنا أعتبره مناضلاً كبيراً الأستاذ غسان بن جدو الذي ألقى كلمة الافتتاح جنباً إلى جنب مع أمين عام المؤتمر الشخصية المصرية الناصرية البارزة الأستاذ حمدين صباحي. كان هذا المؤتمر الذي تشرّفتُ برئاسة جلسة افتتاحه تعبيراً عن وحدة الأمّة حول المقاومة وخصوصاً أن عنوانه كان طوفان الأقصى، وهو ليس المؤتمر الأول الذي ينعقد تحت هذا العنوان بل إننا قبل سنة ونصف السنة عقدنا أيضاً مؤتمراً تحت هذا العنوان، لكن ما ميَّز هذا العنوان هي مجموعة أوراق وتقارير قُدِّمت من وحي ما يجري في طوفان الأقصى، الأبعاد السياسية والاستراتيجية والنضالية لما يجري في طوفان الأقصى سواءً كان التقرير السياسي الذي أعدّه الدكتور زياد حافظ، وكذلك الأمر الأوراق حول طوفان الأقصى في أبعاده =الفلسطينية، في أبعاده العربية والإسلامية وفي أبعاده الدولية ناهيك عن تقييمٍ لدور الحركة الشعبية العربية. وكان هناك تقرير عن حال الأمّة استعرض ما تمّ إنجازه من أهداف المشروع الحضاري العربي، الوحدة العربية، الاستقلال الوطني، الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، التنمية المستقلّة والتجدُّد الحضاري، بالإضافة إلى أوراق حول مُبادرات المؤتمر خلال عام أو عام ونصف العام ما بين الدورتين لأن هذه الدورة تأخّرت بسبب الظروف، وكذلك الأمر الأوضاع الداخلية للمؤتمر، وأيضاً تقييم تجربة الشباب القومي العربي الذي انطلق من رَحْم هذا المؤتمر كمؤسّسة للشباب العربي كانت تُعْقَد كل سنة مع المؤتمر القومي العربي لأن المؤتمر القومي العربي إذا كان لأصحاب تجربةٍ وخبرة في النضال فمُخيّمات الشباب كانت من أجل إمداد هذه الحِكمة بحيوية الشباب. 

 

بيار أبي صعب: علينا أن نلفت النظر إلى أن هناك تعدّدية تُغني هذا المؤتمر، معظم الإتّجاهات والمشارِب الفكرية موجودة. 

 

معن بشور: كل المؤمنين بالمشروع النهضوي العربي موجودين سواءً كانوا قوميين عرباً أو إسلاميين أو يساريين أو ليبراليين وطنيين، ولذلك كان نموذجاً لوحدة الأمّة كما يجب أن تكون. 

 

بيار أبي صعب: علينا أن نوجّه التحية إلى المناضِل البحريني إبراهيم شريف الذي شارك بالمؤتمر وفي طريق العودة اعْتُقل في المنامة والآن ينتظر مُحاكمته بتهمة نَشْر أخبار كاذِبة والإساءة إلى دولةٍ أجنبيةٍ وهي "إسرائيل".

 

معن بشور: إبراهيم شريف مناضل كبير وقد عرضنا عليه أمانة عام المؤتمر كما قال الأمين العام الدكتور ماهر الطاهرولكنه اعتذر، وكان دائماً مُلبّياً لكل نداءات المؤتمر. أريد أن أوضِح نقطة هامّة جدّاً أن المؤتمر القومي العربي ليس أداة عمل بل هو أداة إطلاق مُبادرات وإطار فكري للنقاش تخرج منه مُبادرات عملية يقوم بتنفيذها أعضاء المؤتمر الذين ينتمون إلى أحزابٍ من كل التيّارات وإلى نقاباتٍ وهيئاتٍ إعلاميةٍ وسياسيةٍ وثقافيةٍ وإلى آخره.

 

بيار أبي صعب: أستاذ محمد حسب الرسول أنت مُطّلع على المشهد السياسي كإعلامي وكخبيرٍ استراتيجي ولكنك أيضاً نائب الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي وكنتَ من الناشطين في الكواليس بصناعة هذا المؤتمر ونجاحه.

 

معن بشور: وهو مُعدٌّ لأوراق مهمّة في المؤتمر وكان مُشرفاً على لجنة التحضير.

 

بيار أبي صعب: أسألك من موقعك كيف تنظر إلى دور المؤتمر القومي العربي في هذه المرحلة الصعبة من التاريخ العربي والإسلامي؟

 

محمد حسب الرسول: أولاً أشكرك على هذا اللقاء وعلى هذا السؤال، وأحيّي كذلك كل الذين يعملون من أجل نهضة هذه الأمّة ومن أجل دَفْع الاحتلال والمحاولات والمشروعات الصهيونية والإمبريالية التي تريد أن تُهيمن على أمّتنا. التحيّة لكل العاملين في هذا الحقل الكبير الواسع المُمتدّ من المشرق العربي إلى مغربه. في الحقيقة للحديث عن المؤتمر القومي العربي في هذه الدورة يجب أن نتحدّث عن فلسفة المؤتمر نفسه، ولعلّ الإشارة الأخيرة التي تفضّل بها الأستاذ معن حول تركيبة هذا المؤتمر وطريقة عمله هي إشارة ومدخل للحديث عن فلسفة المؤتمر. فلسفة المؤتمر التي وضعها مؤسّسو هذا المؤتمر وعلى رأسهم الأستاذ معن بشور والدكتور خير الدين حسيب وأحمد صدقي الدجاني ورجالٌ عِظام أسّسوا هذا المؤتمر ليكون منصّةً عربية حقيقية حرّة ومستقلّة وفي الوقت نفسه تجمع الطَيْف السياسي والفكري العربي، وتجمع على هذه المنصّة كذلك الفاعلين العرب بمختلف مشاربهم وبمختلف ألوان طَيْفهم ومن مختلف الأقطار والمهاجِر العربية من أجل البحث عن المُشتركات والعمل على تثبيتها، ثم مواجهة كل التحدّيات التي تواجه الأمّة من خلال هذه المنصّة في سياق حَشْد وتوظيف الطاقات العربية لأجل هذا الهدف الكبير، هدف نهضة الأمّة ومواجهة التحدّيات الكبيرة. وبالتالي هذا المؤتمر بحُكم أنه أُسِّس على فكرة الحرية والاستقلال وعلى وحدة العمل المُشترك وعلى وحدة جهود الأمّة استمرّ في نضالاته المختلفة على هذا السياق خدمةً لهذه الفلسفة وتكريساً لها وبسببها كذلك. ولذلك في كل دورةٍ من دورات المؤتمر كان المؤتمر حاضِراً جدّاً في قراءة المشهد العربي وفي قراءة المشهد الدولي والإقليمي بكل تأكيد.

 

بيار أبي صعب: ولكن لهذه الدورة خصوصيّتها لأننا في قلب أزمة صعبة وفي لحظةٍ مفصلية.

محمد حسب الرسول: بكل =تأكيد وهذه الدورة في حقيقتها يمكننا أن نسمّيها استمراراً للدورة السابقة التي انعقدت بعد عامٍ واحدٍ من ملحمة طوفان الأقصى، وناقشت فكرة الطوفان ومشروعه وتداعياته على الصعيد العربي، على صعيد الكيان الصهيوني، على الصعيد الدولي وعلى صعيد إعادة تشكيل المنظومة العالمية والدولية على نحوٍ جديدٍ على إثر تلك التداعيات، وكذلك هذه الدورة مضت في ذات السياق لتُكْمِل ما بدأناه من حوارٍ ونقاشٍ وعَصْفٍ فكري وذِهني من أجل أن نبني مواقفنا وحركتنا العملية حتى على مسرح العمليات على قاعدةٍ من الوَعي والبصيرة، وبالتالي كل هذه الأوراق التي ناقشناها، ست أوراق رئيسة ناقشناها في هذا المؤتمر غطّت كل هذه الجوانب لنصنع حالاً من الوعي الجديد ولنمضي في مشروعنا ونحن أكثر إبصاراً لواقعنا تحت الأقدام وما بعد ذلك.

 

بيار أبي صعب:  أستاذ كريم رزقي أهلاً بك، أنت عضو في الهيئة الإغاثية الجزائرية لدعم الشعب الفلسطيني، شاركتَ في أسطول الحرية لكَسْر الحِصار على غزّة، كما أنك عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، ما هي من وجهة نظرك التحدّيات التي يواجهها اليوم المشروع الوحدوي في زمن التكتّلات الكبرى التي يشهدها العالم، وبالمقابل مُخطّطات تحويل العالم العربي إلى دويلاتٍ مذهبيةٍ وإثنيةٍ مُتناحِرة؟

 

كريم رزقي: نشكرك على الدعوة بعد بسم الله الرحمن الرحيم، ونُحيّي الحضور أستاذنا الكبير عميد القومية العربية الأستاذ معن بشّور والأستاذ حسب الرسول، ونحيّيك أيضاً ونشكرك على هذه الدعوة. من بين أهداف المؤتمر القومي العربي أنه يوحِّد الأقطار العربية ويوحِّد أفكار العرب على كلمةِ سواءٍ لأن التحدّيات كما قلتُ كبيرة، وبوصلة المؤتمر هي فلسطين وحَشْد كل القوى وفي بعض الأحيان قوى مُتصارِعة ومُتناقِضة الآن يجلسون في المؤتمر ويتحدّثون ويتّفقون على خارطة طريق لنُصرة قضاياهم ولوضع الخلافات جانباً، كما نجح المؤتمر القومي العربي في إذابة الجليد بين الفُرقاء العرب، وكما تعلم أن المؤتمر القومي العربي يضمّ المسيحي والمسلم الشيعي والسنّي والمسلم الإباضي والمسلم الزيدي، وكذلك اليساري وغير المؤمن، لكن كلهم يتّفقون على كلمةِ سواء وهي قضية فلسطين وقضايا الأمّة. من حسنات المؤتمر القومي العربي أنه يستطيع أن يوحِّد الصفوف ويجعلها تصبّ في اتجاهٍ واحدٍ هو نُصرة القضايا العربية، نُصرة القضية الفلسطينية أمّ القضايا، وكما قال أستاذنا معن بشور كم من مُبادرة خرجت من المؤتمر القومي العربي، أنت ذكرت قضية أسطول الحرية، الفكرة الأولى لأسطول الحرية خرجت من المؤتمر القومي العربي، تجهيز سفن أسطول بحري كبير يذهب لفكّ الحصار على غزّة، وهذه الفكرة خرجت من المؤتمر ونحن تبنّيناها وطرحناها على إخوتنا الأتراك وغير الأتراك ومشينا بها وكانت ناجحة ولاقت صدىً كبيراً، وكل المُبادرات التي طُرِحَت تمّ تدشينها في الواقع.

بيار أبي صعب: أستاذ رزقي هي حال فريدة تكاد تكون الحال الوحيدة في العالم العربي الجامِعة، لا أعرف بحدود اطّلاعي تجارب أخرى.

معن بشور: ولذلك هم يحاولون تشويهها. 

بيار أبي صعب: لن يستطيعوا. ذكرتم قبل قليل المُفكّر العراقي الراحل خير الدين حسيب، أين أصبحت هذه المُغامرة الفريدة التي انطلقت في مطلع التسعينات وخلقت إنتاج هذه الحال الفكرية بالنسبة إلى تحدّيات اليوم؟ ما سرّ انحسار المدّ القومي العربي بعد عامين من الإبادة في غزّة كفيلين بإعادة إنتاج وعيٍ جديد بضرورة التضامُن والوحدة والمواجهة، فأين هي التجربة اليوم بتاريخيّتها وهي لحظة أزمة بامتياز؟

 

معن بشور: من دون شكّ المشهد العربي الرسمي أولاً وحتى الشعبي لم يكن بمستوى عَظَمَة التضحيات التي ظهرت في غزّة وعموم فلسطين كما في لبنان، كما في اليمن، كما في العراق وكما في إيران. هذا كله يُعبّر عن أن هناك شعوراً عربياً إسلامياً دفيناً في أمّتنا، ربّما هناك سببان لعدم بروز هذا الوعي بشكلٍ ملموس، السبب الأول هو سياسات القُمْع المُعْتَمَدة في العديد من دولنا العربية، ولكنني لا أكتفي بسياسات القَمْع بل أيضاً بسياسات التناحُر القائمة بين تيّاراتنا المُتعدّدة وداخل كل تيّار، وتغليب العصبيات الحزبية والفردية على العمل القومي العام.

 

بيار أبي صعب: والمذهبية. 

 

معن بشور: بالطبع، حين أقول العصبيات الفردية أعتقد أن تغليب هذه العوامِل كلها قد شلّ إلى حدٍّ كبيرٍ وحدة الحركة الشعبية العربية، لذلك نجد أن العدو يُركّز على إثارة كل أنواع التناقُضات الطائفية، المذهبية، الحزبية والفكرية بشكلٍ يجعلنا نفهم اليوم وربّما هذه إحدى أفكاري التي ألهمت المؤتمر، ما قاله المُفكّر الإسلامي الكبير إبن القلمون في شمال لبنان "نعمل على ما نتّفق عليه وليعذُر بعضنا بعضاً في ما نختلف عليه". هذا القانون هو الذي يُحرّكنا، هناك قضايا نتّفق عليها بغضّ النظر عن خلفيّاتنا الفُقهية أو الحزبية لكن هناك قضايا نختلف عليها، =فلنعمل على ما نتّفق عليه ولندخل إلى مناطق الاختلاف من مواقع الاتفاق لنُعالج نقاط الاختلاف. لذلك كنتَ تجد في المؤتمر القومي العربي وفي المؤتمر القومي الإسلامي وفي كل هذه الهيئات، لم تستطع أن تميّز في فترةٍ من الفترات بالمَيْل الفكري أو الانتماء الفكري لهذا الشخص أو ذاك من كلامه، القومي يتكلّم وكأنه إسلامي والإسلامي يتكلّم وكأنه قومي، واليساري يتكلّم كأنه قومي وإسلامي، وبالتالي نجحنا إلى حدٍّ ما لكن هذا العمل يحتاج إلى نضالٍ طويل.

 

بيار أبي صعب: أستاذ محمد نفس السؤال بصيغةٍ أخرى، أين هي القوى السياسية، الأحزاب والتكتّلات التي تحمل اليوم المشروع القومي العربي وما قُدرتها على التأثير إما في الرأي العام وإما في مجرى الأحداث؟

 

محمد حسب الرسول: حينما نتفحّص المشهد العربي بشكلٍ دقيقٍ قد لا نجد ذلك الغياب المرسوم في أذهان الكثير من الناس. ثمّة حضور قد نتّفق أنه ضعيف أو غير فاعِل أو غير قادِر على مُكافأة التحدّيات الكبيرة ولكنه حاضر، ويكفي أن منصّة المؤتمر نفسها قد جمعت أهمّ الفاعلين في المشهد العربي، يكفي أنها جمعت عناوين المقاومة في كل الساحات العربية، يكفي أنها جمعت شريحةً واسعةً ممّن يمثّلون ويقودون ويصنعون الرأي العام في كل الأقطار العربية والمهاجِر، يكفي أن هذه المنصّة قد جمعت فاعلين لديهم إسهام كبير في صناعة المشهد في مهاجِرهم. كل الحِراك الغربي الذي حدث في الدول الغربية كان من خلال المساهمة الكبيرة لمُنتسبي المؤتمر القومي العربي في صناعة ذلك المشهد وفي صناعة تلك الحركة الشعبية التي صنعت رأياً عاماً جديداً في الغرب، وضغطت على الحكومات الغربية وصنعت مواقف ودفعت الحكومات نفسها إلى تبنّي مواقف جديدة.

 

بيار أبي صعب: برأيك أنه رغم الأزمة ورغم صعوبة اللحظة فإن المدّ مستمرٌّ وهناك محاولة لإعادة إنتاج الوَعي وإنتاج إرادة شعبية عربية.

 

محمد حسب الرسول: بكل تأكيد هذا حاضِر ولكن يجب أن نتذكَّر أن فسلفة قائمة على إعادة بناء قُدرات الأمّة على نحوٍ جديد، وعملية البناء تتطلّب وقتاً ولكن كل المؤشّرات تشير إلى أن عملية البناء تمضي حتى هذه الساعة بشكلٍ جيّدٍ، وتُبشّر بأن المستقبل بكل تأكيد سيكون لصالح حالٍ من الوعي العربي الواسع الكبير وكذلك من الإرادة العربية القادرة على المستوى الشعبي التي يمكن أن تؤثّر حتى على النظام العربي الرسمي.

 

بيار أبي صعب: أستاذ كريم رزقي ما تشخيصك لأزمة المشروع القومي، هل تعتبر أن هناك أزمة في المشروع القومي؟ وكيف تقرأ هذه الأزمة في ضوء الانهيارات العربية؟ 

 

كريم رزقي: أُصارِحَك بأن التحدّي كبير وحين نتكلّم عن الأحزاب فأنا غير راضٍ عنها، الأحزاب العربية في كفٍّ والشعوب العربية في كفٍّ آخر، المفروض أن تكون الأحزاب قاطِرة الشعوب في التوعية وفي الإقدام وفي إطلاق المبادرات. أنا أسافر كثيراً إلى أوروبا، في إسبانيا وفي بريطانيا وفرنسا هناك أحزاب يسارية مُتقدّمة بشكلٍ كبيرٍ على أحزابنا في العالم العربي، يقودون مسيرات، ينتصرون لفلسطين أكثر من أحزابنا. ما دام هذا المؤتمر القومي العربي قائماً فإن هناك بُشرى خير، لدينا مشاريع لتجديده وتشبيبه، ما دامت نتائج هذا المؤتمر ملموسة، وكما قال الأستاذ معن التحدّيات كبيرة وهناك مَن يريد حَجْب صوت هذا المؤتمر ولكن من دون نتيجة لأن الفكرة انطلقت. حينما أعود إلى الجزائر أجد ترحيباً كبيراً والجميع يحبّ الانخراط في هذا المؤتمر، وحتى إنْ لم ينخرطوا في المؤتمر كأشخاصٍ إلا أنهم يتبنّون الفكرة مئة بالمئة.

 

بيار أبي صعب: شكراً أستاذ رزقي، فاصل قصير ونعود.

أهلاً بكم مجدّداً أعزّائي المشاهدين في هذه الحلقة من "على محمل الجد" المُخصّصة للمؤتمر القومي العربي. اسمحوا لي أن أعيد الترحيب بضيوفنا الليلة الأستاذين معن بشور ومحمد حسب الرسول في بيروت، والأستاذ كريم رزقي في الجزائر. نصل الآن إلى الجزء الثاني من هذه الحلقة مع فقرة "على محمل النقد"، النائب السابق الأستاذ ناصر قنديل رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية ورئيس مُنتدى سيف القدس يطالب المؤتمر القومي العربي بضخّ دماءٍ جديدة في شرايينه، مُعتبراً أن الشباب يمثّلون الحلقة المفقودة في عملية النهضة المطلوبة، نشاهد معاً. 

 

ناصر قنديل: انعقاد الدورة الرابعة والثلاثين للمؤتمر القومي العربي في بيروت ليس حدثاً عادياً على الإطلاق، نحن نتحدّث عن نُخبةٍ عربيةٍ عريضةٍ لا تزال مؤمنة بالفكرة العربية، فكرة أننا أمّة واحدة، هذه الفكرة التي يتّهمها البعض بأنها خشبية ويريد أن يقول إن العالم قرية واحدة لكن نحن لسنا أمّةً واحدة، أنه مَن في زمن التكتّلات الكبرى لا قيمة للدول الصغيرة ويجب أن نبقى دولاً صغيرة. فلسطين قضيّتنا المركزية وما بقيت فلسطين محتلّة وما بقي الكيان الصهيوني عدوانياً متوسّعاً مُسيطراً على فلسطين وينظر بروح العداء لكل دول العرب فلا أمن ولا استقرار ولا استقلال لدولةٍ عربيةٍ ويجب أن نبقى مُتفرّقين. الذين يُنْكِرون فكرة العروبة وفكرة الوحدة بين العرب، توحيد المُقدّرات والإمكانات وليس نمطاً معيّناً من الوحدة، الذين يُنْكِرون هذا يفعلونه لصالح المشروع الغربي والمشروع الاستعماري والمشروع الإسرائيلي، رغم كل الإنجازات، أكلاف هائلة دفعتها فلسطين بسبب الغياب العربي. لذلك هذا المؤتمر هو محطّة مهمّة وهو تأكيد لهذه الفكرة، وهو تأكيد للثبات على هذه الثُنائية، ثُنائية الإيمان بوحدة الأمّة والإيمان بمركزيّة القضية الفلسطينية فيها، وثالثةٌ أُضيفت إليهما وهي بالمقاومة خيار أوحد من أجل النهضة ومن أجل الاستقلال والاستقرار والحرية والتحرير. طبعاً المؤتمر هو فرصة ومنصّة لتبادُل الأفكار، الناس لا يفكّرون بطريقةٍ واحدةٍ وهذا من الميزات الإيجابية للمؤتمر أنه منصّة تفاعُلية بين مُكوّنات مُتعدّدة المشارِب والمذاهب والمُقاربات، وهذا يُنْتِج حيويةً فكرية نحتاجها في فَهْمِ قضايانا وإشكاليّاتنا الكثيرة والمُعقّدة التي منها مثلاً ما حدث في سوريا مؤخّراً، هذا جديدها، وبالتالي في حاصل قرارات المؤتمر وتوجّهاته السياسية وثيقة سياسية مهمّة جدّاً أعدّها الدكتور زياد الحافظ وانتخاب أمانة عامة تعبِّر عن المرحلة على رأسها الدكتور ماهر الطاهر نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تعبيراً عن مكانة فلسطين والمقاومة في فلسطين في حركة النهضة العربية، ونائب الأمين العام الأستاذ غسان بن جدو رئيس مجلس إدارة قناة الميادين تعبيراً عن مكانة الإعلام وحاجتنا للإعلام القومي الفاعل لكن الجاذِب والعصري والحديث، والأهمّ القادِر على مُخاطبة الشباب الذين يشكّلون الحلقة المفقودة اليوم من عملية النهضة المطلوبة لأن الأدوات الفاعِلة، أدوات التواصُل الاجتماعي هم الأقدر على استثمارها واستخدامها، كما قال انتصار هؤلاء الشباب في حرب الرواية الفلسطينية التي حسموا النصر لها في مواجهة الرواية الصهيونية، بينما لا تزال الأجيال التي عاشت القومية العربية مُنعزِلة وقلّة قليلة منها تمكّنت من التصالُح مع التقنيات الحديثة. 

أنا من المُتفائلين بأن القيادة الجديدة للمؤتمر ستستطيع أن تضخّ دماءً جديدة في شرايين حياة المؤتمر وفي تفعيل قُدراته وإمكاناته وتحويله من مجرّد منصّةٍ سياسية ثقافية إلى هيئة أركان تستطيع أن تُطْلِق مناخاً عاماً على مستوى الشوارع العربية والثقافة العربية. 

 

بيار أبي صعب: أستاذ معن أين الشباب العربي اليوم؟ هل الخطاب الحالي وأدوات العمل والتفكير والتواصُل الحالية قادرة على استقطابهم ومُخاطبتهم وتجنيدهم في المعركة؟

 

معن بشور: أعتقد أن المعارك التي تخوضها الأمّة اليوم يخوضها الشباب العربي دفاعاً عن أمّته وعن حقوقه، والشهداء الذين يرتقون كل يوم في فلسطين، في لبنان، في اليمن، في العراق، في سوريا وحتى في الجمهورية الإسلامية التي هي أيضاً بمعنى التحامها معنا في قضية فلسطين هي جزءٌ من هذه الأمّة. أعتقد أن الشباب هو الأساس اليوم وعلينا أن ننتبه أن المؤتمر القومي العربي في دورته الأولى، وأذكر حديثاً بيني وبين الراحل الكبير الصحافي الأستاذ طلال سلمان، قال لي لا أرى إلا صلع الرؤوس والشعر الابيض في هذا المؤتمر الذي ضمّ يومها خمسين شخصاً في تونس، قلتُ له انتظر قليلاً يا أستاذ طلال، وبعد دقائق افتُتِحَت الجلسة فتقدّمتُ باقتراح تشكيل مُخيّمات الشباب القومي العربي التي سارت عاماً بعام مع المؤتمر القومي العربي تأكيداً على أننا ندرك أهمية التكامُل بين حِكمة الشيوخ وبين حيوية الشباب. هذه فكرة مسيرتنا تنطلق عليها، والآن أستطيع أن أقول أن هناك ثلاث هيئاتٍ شبابية انطلقت من رَحْم المؤتمر أبرزها وأهمّها مخيّم الشباب القومي العربي. أيضاً أطلقنا ندوة التواصُل الفكري الشبابي العربي وأعتقد أنك كنتَ أحد المُتحدّثين فيها، ثم أطلقنا مؤخّراً من عدّة سنوات مُلتقى الشباب العربي الذي يحرص على أن يكون له طابعٍ سياحي ثقافي قومي يشُرف عليه مَن انتخبناه عضواً في الأمانة العامة الجديدة الأخ عبد الله عبدالحميد. وأيضاً حتى على الصعيد القُطْري نحن حرصنا منذ اليوم الأول على إنشاء مخيمات شباب لبنان الواحد انطلاقاً من اعتقادنا بأن وحدة لبنان هي جزءٌ من مهمّات الأمّة العربية وأن شباب لبنان يجب أن يلتقوا، وكانت بإشراف مديرة المؤتمر القومي العربي ومساعدة الأمين العام الأخت رحاب مكحّل. هذه أسماء يجب ألا تُنسى، أيضاً يجب ألا يُنسى إسم عميد الشباب العربي من طرابلس الأخ فيصل درنيقة بإشرافه على المخيّمات، وكذلك إخوة آخرين من مصر، من لبنان ومن عدّة أقطار عربية. الشباب حاضرون لكن أريد أن أقول شيئاً بسيطاً، تحرُّك الشباب بشكلٍ موحَّد يحتاج إلى إمكانيات ويحتاج إلى صدرٍ واسعٍ من الأنظمة العربية. نجد صعوبةً في أن نعقد مخيّماً للشباب أو مُلتقى للشباب في بلادٍ عربيةٍ، لبنان بهذا الحدّ الأدنى من الحرية الإنسانية فيه يحتضن العديد من هذه المُبادرات، لكن مخيّم الشباب القومي العربي في الفترة الأولى استطعنا أن نعقده في مصر، في سوريا، في العراق، في الجزائر، في المغرب، في ليبيا، في السودان وفي العديد من الأقطار العربية، لكن منذ عشر سنوات وكأنه صدر تعميمٌ من أجهزة الأمن في معظم هذه الدول العربية بعدم استقبال هذا المخيّم رغم أن المخيّم لا يصدر عنه بيانٌ واحد كي لا نُحرج الشباب وكي لا نُحرج مَن يستقبلنا. مع ذلك لا نستطيع أن نجد غير لبنان الحمد لله مساحةً يلتقي فيها هؤلاء الشباب، أدام الله نعمة لبنان وحريّته. 

 

بيار أبي صعب: أستاذ محمد نعود إلى الواقع العربي، ناقشتم في المؤتمر مسائل لها علاقة بسوريا والسودان، الوضع في سوريا عَبَثي وغير مفهوم وفي السودان كارثة فظيعة، جرائم ضدّ الإنسانية تحدث بعيداً عن كاميرات ما يُسمّى بين مزدوجين العالم الحر، أنت كقومي عربي ألا تشعر بشيءٍ من العجز والتقصير لا بل حتى من الإخفاق أمام هذا الواقع العربي المُر؟

 

محمد حسب الرسول: سيّدي الكريم كل إنسان عربي يشعر بأنه مُقصّر في ما يتّصل بخدمة القضايا العربية الكبيرة. نحن الآن بالرغم من كل المجهود الذي يُبْذَل من خلال المؤتمر القومي العربي ومن خلال مؤسّسات ومنصّات عربية أخرى لكننا نشعر أننا لم نفِ قضايانا الكبرى وبخاصةٍ قضية فلسطين حقّها على سبيل المِثال، وبالتالي هنالك إحساس مُتكرّر في كل دولة تنشأ فيها أزمة وقضية مهما نبذل من مجهودٍ نشعر بأن مجهودنا يجب أن يُضاعَف ويجب أن يبلغ مَدَيات أكبر من التي هي عليه، ولكن يكفي في هذه المرحلة أن نشير إلى أن المُقاربات نفسها لأزماتنا أصبحت مختلفة، الآن نحن -=نقارِب قضايانا العربية لا من حيث المشاعر والعواطف فحسب وإنما حتى من حيث الحركة والوعي، ونقيس جهدنا هذا قياساً علمياً، تقدّمنا، تأخرنا، أي تقدم يحرز في مجال من المجالات أو في سياق من السياقات نقيسه، أي تأخّر في حركتنا كذلك نقيسه لنبني على ذلك خطة حركة جديدة تعظّم من إيجابيات الحركة السابقة وكذلك تتفادى وتعالج السلبيات التي برزت. وبالتالي المقاربات أصبحت ليست مقاربات خطابية إنما مقاربات فكرية تتّصل ببناء الوعي وبالتصحيح وبالمتابعة والتقييم، وكذلك باستشراف المستقبل من خلال جهود جديدة.

 

بيار أبي صعب: أستاذ كريم بتوصيات الدورة الرابعة والثلاثين للمؤتمر القومي العربي هناك تأكيد على أهمية المقاومة المدنية كوسيلةٍ لدعم فلسطين، وهذا بحدّ ذاته أمرٌ مهم وحيوي لكن هل تعتقد بمنحى آخر أن المرحلة المقبلة ستشهد تراجعاً للمقاومة المسلّحة في زمن التنازلات العربية، شاهدنا الاحتفالية الضخمة التي أقامها الرئيس ترامب لولي العهد السعودي على خلفيّة صفقاتٍ بمئات المليارات مثلاً.

 

كريم رزقي: في اعتقادي أن الناس مُتمسّكين بالسلاح، لن يضعوا السلاح بعد كل هذه التضحيات، الشارع العربي والمواطن العربي ليس لديه ما يحفّزه على التقدّم إلى الأمام إلا حينما يرى أن المقاومة المسلّحة هي التي تحرّر، مثلاً هل حرّر الجزائر الكلام والمؤتمرات والمفاوضات؟ لا يمكننا أن نضع السلاح، المقاومة أخذت على نفسها عهدأً من الشهداء، من الضحايا، من الناس الذين لا يجدون مأوى ويلتحفون الأرض، حالهم لا تُخفى على أحد، بعد كل هذه التضحيات لن يضعوا السلاح. نحن نقول إن المقاومة ربّما فيها انحناء العاصفة، ربما التكتيكيون هم أدرى لكن لا أعتقد أن هناك مقاوماً حرّاً شريفاً يضع السلاح بعد كل هذه التضحيات، نحن نرى النصر قريباً إن شاء الله، المسيرة انطلقت من لبنان إلى اليمن إلى العراق إلى إيران إلى فلسطين، لا أحد في العالم يمكنه أن يوقِف هذا الطريق وهؤلاء المقاومين على التراجُع بعد كل المُكتسبات. 

 

بيار أبي صعب: أشكرك. أستاذ معن هناك توصية أساسية صدرت عن الدورة الرابعة والثلاثين تتعلّق بإقامة دولة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية عاصمتها القدس.،هل هذا المطلب واقعي؟ هل هناك قوى وتكتّلات ودول قادرة على فرض أو تقديم هذا المطلب؟ لاحظنا أن القرار الأخير لمجلس الأمن 2803 كرّس احتلال غزّة وعَزَلها عن الضفة الغربية، بالتالي العالم ذاهبٌ باتجاه آخر بعيداً عن هذا المطلب المحوري في الوَعي القومي. 

 

معن بشور: قبل أن أجيبك أنا مُضطرّ أن أشير هنا إلى تجربة من ضمن التجارب التي عُرِضَت في المؤتمر، تجربة عملية في الانتصار لأهلنا في فلسطين ولبنان، الأخ العزيز الكريم أتى مع الشيخ عمار الطالبي رئيساً فخرياً في اتحاد علماء المسلمين في الجزائر، أتيا إلى لبنان خلال حرب ال 66  يوماً مع كوكبة من خيرة أطباء الجزائر الذين أمضوا أياماً في مستشفى النبطية ومستشفى بعلبك لمُعالجة جرحى ذلك العدوان تحت القصف الإسرائيلي، وجاؤوا بتبرّعات، مواد وآليات وإلى آخره في تعبيرٍ بسيطٍ عن أن الجُرح في لبنان يمسّ كل أبناء الأمّة، والجُرح في فلسطين يمسّ كل أبناء الأمّة،. بالنسبة إلى فلسطين الإخوة في الجزائر لم يقصّروا، الهيئات الشعبية والإسلامية لكن حتى تجاه لبنان، وحينها أتوا وزاروا كل الفعاليات الدينية في لبنان لضرب الفكرة المذهبية البَشِعة التي حاولوا أن يلعبوا عليها في تلك الحرب.

بالنسبة للسؤال أنا أعتقد أننا مَرَرْنا بمراحل عدّة طُرِحت فيها مشاريع وقرارات كالتي سمعنا بها بالأمس من مجلس الأمن، ولكن هذه المشاريع هي جزءٌ من خطّة تصفية قضية فلسطين التي عجزوا عن تصفيتها كل هذه السنين. يوم كامب ديفيد الناس اعتقد الناس أن فلسطين انتهت، يوم أوسلو اعتقد الناس أن فلسطين انتهت، وإذ قضية فلسطين التي يحملها شعب الجبّارين كما كان يقول الرئيس الشهيد أبو عمار، قضية فلسطين لا تنتهي إلا بانتصار الحقّ الفلسطيني. وأنا أعتقد أننا نواجه اليوم هذا القرار الأميركي الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي وبتواطؤٍ مُحْزِنٍ من دولٍ عربية كان يُفترض أن تتنبّه لمخاطره، وباعتراضٍ شكلي من الكيان الصهيوني لتغطية مساوئ هذا القرار، لكن أعتقد أن الأرض لن تكون مُهيّأة لتنفيذ مثل هذا القرار، وأعتقد أن نضال الشعب الفلسطيني ونضال الأمّة العربية والإسلامية سيُعيد هذه الأفكار والاقتراحات إلى مكانها الطبيعي. وأظنّ أن الذي اتّخذ هذا القرار ربّما كانت له أهداف أخرى، هو يعرف أنه لا يستطيع أن يفرض على الشعب الفلسطيني وعلى الأمّة لكنه ربّما كان يريد أن يصل إلى نتائج أخرى.

 

بيار أبي صعب: هذا الكلام ذكّرني بغرامشي عن تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة.

 

معن بشور: يجب أن نكون متشائمين في عقولنا بمعنى أن نَحْذَر مما يُحاك لنا لكن يجب أن نكون متفائلين في إرادتنا، والأيام أثبتت صحّة هذه المقولة.

 

بيار أبي صعب: أستاذ محمد من المحاور التي نوقشت خلال المؤتمر هي سُبُل التجديد بالمشروع النهضوي، ما هي بإيجاز سُبُل التجديد والتجدّد اليوم بالفكر النهضوي العربي؟

محمد حسب الرسول: من المهمّ أن نشير إلى أن الفكر العربي نفسه مرّ بمراحل متعدّدة، مراحل تأسيسية، أكثر من مرحلة في أكثر من جغرافيا ولكن أنا أعتقد أنه كانت هنالك مرحلة مهمّة جداً هي مرحلة إنتاج المشروع النهضوي العربي بعناصره الستّة التي تفضّل الأستاذ معن بذِكرها في بداية هذا الحديث، وكانت هذه محطةً مهمّة في العام 2010، نتج المشروع النهضوي العربي من خلال توافق واسع جدّاً وشارك في إعداد هذا المشروع معظم العاملين في الحقل العربي، كثير جداً من الذين انتظموا في مؤسّسة المؤتمر القومي العربي، أجيز كذلك بإجماعٍ من المؤتمر القومي العربي في تلك الدورة، وبالتالي أصبح منذ ذلك العهد مرحلةً جديدة من مرحلة الخطاب العربي الجديد، مرحلة جديدة من مراحل الفكر العربي النهضوي الجديد، ولكن في هذه المرة ارتأينا أن نطوّر هذا المشروع وأن نبتدئ مساراً جديداً لتطويره، وكنا في مراحل ودورات سابقة نقيس بشكلٍ دقيقٍ مدى تقدّمنا وتأخّرنا في العناصر الستة، وبالتالي كنا نناقش ست أوراق في كل دورة من دورات المؤتمر تناقش التقدّم المُحْرَز في كل محور وعنصر من عناصر هذا المشروع، ولكننا في نهاية الدورة السابقة رأينا أنه قد آن الأوان للانتقال إلى مرحلةٍ جديدةٍ خاصةً في ظلّ المُتغيّرات العربية والإقليمية والدولية أن نعمل على تطوير هذا المشروع لنستطيع من خلاله أن نجمع العرب عليه، ولكن في ذات الوقت أن تكون لدينا مساهمة في حركة البناء الحضاري الجديد خاصةً وأن العالم كله مقبل على تغييرٍ كبيرٍ، ولا بدّ من أن تكون لنا كلمة ومساهمة.

 

بيار أبي صعب: أستاذ كريم رزقي إسمح لي أن أستشهد بالقيادي الفلسطيني مروان عبد العال الذي كتب مقالةً لافِتة عن المؤتمر القومي العربي قال فيها "إن وعي الهزيمة خطوةً نحو الانتصار المؤجّل"، ما تعليقك؟

 

كريم رزقي: لن ننهزم إن شاء الله، أنا على مدار الساعة على تواصُل مع غزّة، أصحاب الأرض رغم الجِراح ورغم كل ما لَحِقَ بهم لكن هم صامدون ثابتون، القرار الذي تفضّلتَ به والذي تبنّى مشروع ترامب والذي تمّ التصويت عليه في مجلس الأمن وتمّ تمريره لن يمرّ في غزّة. أنا أؤكّد لك بأن أصحاب الأرض لا يزالون مُتمسّكين بأرضهم وبتحرير أرضهم، وهم يعتبرون أن كل قوّة أجنبية تريد أن تكون وصيّةً عليهم يعتبرونها قوّةً غازِية ويتعاملون معها كأنها عدوّة، وبالتالي هم صابرون مُحتسبون، لا بدّ لنا نحن الشعوب العربية من أن نكثّف جهودنا لنساعدهم ونكسر الحصار المفروض عليهم، لنوصِل إليهم المعونات ورغيف الخبز ولنمدّهم بكل أنواع المقاومة المدنية وغير المدنية، هذا واجب الأمّة. نحن إن كنا نطالب هؤلاء بالصمود فلا بدّ من أن نكون عناصر تساعد على الصمود. و في ما يخصّ الانهزام نحن لم ولن ننهزم، نحن أصحاب قضية، نموت أو ننتصر، كل قادة المقاومة الآن يقولون هذا الكلام. نحن في الجزائر العِبرة في مجاهدينا، استشهدوا، قادة الثورة في الجزائر كانوا هم وقود الثورة، لا مكان للهزيمة عندنا، نحن ننتصر أو نموت، والموت عندنا انتصار والنصر عندنا انتصار، وهذا هو الفرق بيننا وبين هؤلاء الذين لا يفهمون فلسفتنا، لا يفهمون أفكارنا وعقيدتنا، نحن نموت أو ننتصر. 

 

بيار أبي صعب: شكراً أستاذ رزقي من الجزائر. أستاذ معن ما رأيك بمَن يقولون أنتم مثاليون وهذا الفكر القومي مّر عليه الزمن؟ 

 

معن بشور: مَن اتّخذوا قرار وحدة الأمّة وتحرير فلسطين أخذوه انطلاقاً من قناعاتٍ أخلاقية وفكرية وسياسية، وهم اعطوا حياتهم لهذه القناعات وتاريخ الأمم والشعوب يثبت أن ما من شعبٍ صمّم على الوصول إلى أهدافه إلا ووصل. نحن مؤمنون بأن أمّتنا وفيها هذه القامات التي اجتمعت في بيروت وكذلك فيها المؤتمرات القومي العربي والقومي الإسلامي والأحزاب العربية ومؤسّسة القدس الدولية والجبهة العربية التقدّمية، بالإضافة الى كل المناضلين العرب هؤلاء إذا أجادوا الاجتماع والتلاقي يستطيعون =أن يُحْدِثوا فرقاً كبيراً في معركتهم. 

 

بيار أبي صعب: بالاتجاه نفسه  سنختم مع الجنرال شارل ديغول الرئيس الفرنسي الراحل الذي قاد مقاومة بلاده ضدّ الاحتلال النازي "لنبقى حازمين وأنقياء وأوفياء، ففي نهاية درب الآلام ينتظرنا أكبر مجٍد في الدنيا، مجد الذين لم يتنازلوا يوماً عن مبادئهم وقضيّتهم". 

 

شكراً لضيوفي الأساتذة معن بشور، محمد حسب الرسول وكريم رزقي، شكراً على المتابعة وإلى الأسبوع المقبل.