"المونيتور": الشرع في واشنطن.. هل يمكن لمبادرة أميركا الجذابة أن تُعزز إعادة إعمار سوريا؟

 تُشير هذه الزيارة إلى دعم قوي للحكومة السورية الجديدة، في حين يسعى الرئيس الشرع إلى تحقيق التقدم اللازم لإنهاء العزلة الاقتصادية وتسريع إعادة الإعمار، بينما تُواصل العقوبات الأمريكية شلّ حركة الاستثمار.

0:00
  • "المونيتور": الشرع في واشنطن.. هل يمكن لمبادرة أميركا الجذابة أن تُعزز إعادة إعمار سوريا؟

موقع "المونيتور" الأميركي تنشر تقريراً يتناول زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة في 10 تشرين الثاني/نوفمبر، وأهميتها في سياق إعادة إعمار سوريا والتعامل مع العقوبات الأميركية.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

قد تكون زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن للقاء نظيره الأميركي في 10 تشرين الثاني/نوفمبر محورية في مساعي دمشق لتأمين الاستثمارات اللازمة لتحقيق الاستقرار وإعادة بناء البلد الذي مزقته الحرب. وسيكون مفتاح ذلك هو تحقيق تقدم كبير في تخفيف العقوبات.

التوقيت رائع. قبل عام، قاد الشرع هيئة تحرير الشام، وهي جماعة متمردة صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، والتي كانت على وشك شن الهجوم الخاطف الذي أطاح بنظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي. والآن، بعد عام، بصفته رئيساً للدولة السورية، شن الشرع حملة عالمية لكسب ود البيت الأبيض.

قال ستيفن هايدمان، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في كلية سميث، لموقع المونيتور: "تُعد زيارة الشرع علامة فارقة من نواحٍ عديدة، تعكس مدى التغير الكبير الذي شهدته العلاقات الأميركية السورية في العام الماضي".

تمثل الرحلة تأييداً قوياً للحكومة السورية الجديدة، إلى جانب اصطفافها في فلك أميركا. لكن مظهر الزيارة لا يقل أهمية عن نتائجها، والمخاطر هائلة بالنسبة لدمشق، إذ يسعى الشرع إلى إنهاء العزلة الاقتصادية وتسريع إعادة الإعمار في ظل استمرار العقوبات الأميركية في شل حركة الاستثمار.

لا يزال الاقتصاد السوري مدمراً بعد أكثر من عقد من انزلاق البلاد إلى أتون الحرب الأهلية عام 2011. وقدّر البنك الدولي في تشرين الأول/أكتوبر تكلفة إعادة الإعمار بما يصل إلى 345 مليار دولار. يعيش ما يقرب من 90% من السوريين في فقر، ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1% فقط في عام 2025 بعد انكماشه بنسبة 1.5% العام الماضي.

منذ توليه السلطة، وضع الشرع إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي على رأس أولوياته. وقد حشدت دول الخليج، بقيادة المملكة العربية السعودية، وعوداً بالدعم، إلا أن معظم الاستثمارات لا تزال مجمدة وسط مخاطر العقوبات المتبقية. وبينما تراجعت إدارة ترامب بسرعة عن معظم العقوبات الأميركية من خلال أوامر تنفيذية، فإن أشد القيود، المرتبطة بقانون قيصر لعام 2019، تتطلب موافقة الكونغرس لإلغائها بالكامل.

وعلى الرغم من أنّ ترامب علق عقوبات قانون قيصر لمدة 180 يوماً، فإن الإعفاء ينتهي في 19 تشرين الثاني/نوفمبر، ولا يزال بعض المشرعين الأميركيين مترددين في رفع القيود. وهذا يضيف إلحاحاً إلى رحلة الشرع. والأهم من ذلك، أنّ زيارته تأتي قبل زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المخطط لها إلى واشنطن، وهو أمر من غير المرجح أن يكون مصادفة، كما يشير كريستيان كوتس أولريشسن، زميل شؤون الشرق الأوسط في معهد بيكر بجامعة رايس.

وقال لموقع "المونيتور": "سأكون مندهشا إذا لم يكن توقيت الزيارات مرتبطا، لأن إدارة ترامب من المرجح أن ترغب في رؤية دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية، تأخذ زمام المبادرة في إعادة التعامل مع سوريا، وخاصة على مسارات إعادة الإعمار والمساعدة".

ضغوط العقوبات

وفقاً لفيتوريو ماريسكا دي سيراكابريولا، المحلل الرئيسي لشؤون العقوبات في شركة كرم شعار الاستشارية، والمتخصصة في الشأن السوري، فإنّ معظم المستثمرين المهتمين بإعادة التعاون الاقتصادي مع سوريا يقولون إنّ العامل الرئيسي الذي يعيقهم هو عدم إلغاء قانون قيصر، الذي يتضمن عقوبات ثانوية تستهدف الشركات غير الأميركية، بشكل كامل.

وقال لموقع المونيتور: "يجادل البعض بأن قانون قيصر لا يُطبق حالياً بشكل فعال، وأن الاستثمار يمكن نظرياً أن يستمر. لكن القضية الأساسية تكمن في مهلة الـ 180 يوماً".

ضغطت إدارة ترامب على الكونغرس لإلغاء قانون قيصر بالكامل، لكن بعض المشرعين والجماعات المؤيدةلـ "إسرائيل| دعوا إلى إبقاء العقوبات المفروضة على دولة يرون أنها تُشكل تهديداً محتملاً لها.

يُلزم تعديل في نسخة مجلس الشيوخ من مشروع قانون تفويض الدفاع الرئيس بالتصديق كل ستة أشهر على استيفاء الحكومة السورية لعدة شروط، بما في ذلك الامتناع عن القيام بعمل عسكري ضد "إسرائيل". قد يؤدي عدم التصديق على الاتفاق إلى إعادة فرض عقوبات قيصر. سيبتّ مجلس النواب الأميركي الآن في الأمر قبل أن يوافق الكونغرس على مشروع قانون نهائي ويرسله إلى مكتب ترامب بنهاية العام.

تهدف زيارة الشرع إلى كسب ود المتشككين. في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، صرّح المبعوث الأميركي الخاص توم باراك بأنه يتوقع أن يوقع الشرع اتفاقاً في واشنطن يُلزم سوريا بالانضمام إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "داعش". ويمكن أن يُساعد هذا الاتفاق، إلى جانب التنسيق مع "إسرائيل" وخطط دمج المناطق التي يقودها الأكراد، في إقناع الكونغرس برفع العقوبات. وقال هايدمان: "الانضمام إلى التحالف سيُقدّم ضمانات لأعضاء الكونغرس الذين سعوا للحصول على مثل هذا الالتزام من سوريا".

إذا نجحت هذه الخطوة، فقد تُطلق العنان للاستثمار، مما يُمهد الطريق لمشاريع واسعة النطاق، من محطات الطاقة إلى شبكات الاتصالات. ولكن إذا رفض الكونغرس، فستظل سوريا معتمدة على الإعفاءات المتجددة كل ستة أشهر، وهو نظام من المرجح أن يراه معظم المستثمرين غير قابل للاستمرار. قال ماريسكا دي سيراكابريولا: "لا يمكن أن يستمر الاستثمار طويل الأجل، والذي يتطلب رأس مال كبير، في إعادة الإعمار وفق جدول زمني قانوني مدته ستة أشهر".

ولا تزال هناك عقبات أخرى. وأكد ماريسكا دي سيراكابريولا أنّ عقوبات أخرى لا تزال سارية، بما في ذلك قانون الحد من التهديد الإيراني وقانون حقوق الإنسان في سوريا. وأضاف: "ستستمر هذه العوامل في تشكيل تصورات المستثمرين للمخاطر".

دفع الاستثمار

برزت المملكة العربية السعودية كداعم رئيسي لسوريا الجديدة، حيث خصصت 6.4 مليار دولار هذا العام للاستثمار في العقارات والبنية التحتية والاتصالات. كما وقّعت قطر والإمارات العربية المتحدة وعدة دول أوروبية مذكرات تفاهم، إلا أن معظمها لا يزال غير ملزم.

سعى الشرع إلى طمأنة المستثمرين بشكل مباشر. ففي مبادرة مستقبل الاستثمار التي عُقدت في الرياض في تشرين الأول/أكتوبر، أشاد الشرع بأن سوريا اجتذبت 28 مليار دولار من الالتزامات الأجنبية هذا العام، مع التأكيد على التركيز على الاعتماد على شراكات القطاع الخاص بدلاً من المساعدات. لكن ثمة حاجة إلى المزيد، وقد تصبح تعهدات الخليج ملزمة بسرعة بمجرد رفع العقوبات.

على الرغم من أن زيارة الشرع للولايات المتحدة تُعدّ حدثاً بارزاً، إلا أن ما هو أقل يقيناً هو كيف تعتزم واشنطن دعم إعادة إعمار سوريا بعد رفع العقوبات. وقال هايدمان: "ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى دعم أميركي كبير لإعادة الإعمار هو سؤال مفتوح، بالنظر إلى تجارب إدارة ترامب السابقة".

مع ذلك، أضاف هايدمان أنّ للولايات المتحدة دوراً هاماً في دعم إعادة دمج سوريا في الأنظمة المستخدمة لتسهيل التدفقات المالية، بما في ذلك إعادة تأسيس علاقات البنوك المراسلة وتجديد الروابط مع شبكات بطاقات الائتمان الأميركية الرئيسية. وقال: "لقد اتُخذت بعض الخطوات في هذا الاتجاه، وهناك حاجة إلى المزيد".

وأضاف هايدمان أنه يمكن للولايات المتحدة أيضاً أن تأخذ زمام المبادرة، عبر صندوق النقد الدولي، لضمان حصول سوريا على الموارد اللازمة للتحرك بسرعة لتلبية احتياجات إعادة الإعمار الحرجة في مجالات الإسكان والرعاية الصحية والتعليم.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.