"فورين بوليسي": ترامب ومعادن ميانمار النادرة.. صفقات على حساب الشعوب

يبدو أنّ واشنطن مستعدة للتواصل مع المجلس العسكري الحاكم في ميانمار في إطار هوسها بالمعادن الأساسية.

0:00
  • لدى ميانمار معادن نادرة
    لدى ميانمار معادن نادرة

مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً يتناول انشغال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالوصول إلى المعادن الأرضية النادرة في ميانمار، وما قد يترتّب على ذلك من قرارات استراتيجية خاطئة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

إنّ انشغال الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتأمين الوصول إلى المعادن الأرضية النادرة يُهيّئ الظروف لاتخاذ قرار استراتيجي سيّئ في ميانمار. فوفقاً لتقرير حديث، تدرس إدارة ترامب مجموعة من الخيارات للوصول إلى المعادن الأرضية النادرة في ميانمار، ثالث أكبر منتج لها في العالم، رغم الحرب الأهلية الدائرة، بما في ذلك دعم جيش استقلال كاشين المتمرّد (KIA)، والدخول في محادثات سلام مباشرة مع المجلس العسكري بقيادة الجنرال مين أونغ هلاينغ.

ليس أيٌّ من هذين الخيارين سيئاً في جوهره، بل قد يكون كلاهما ضرورياً لإنهاء الصراع المستعر في ميانمار منذ أكثر من أربع سنوات. لكنّ إدارة ترامب أظهرت، من خلال إجراءاتها المبكرة، استعدادها لتخفيف موقفها تجاه النظام، الذي اتهمته إدارة بايدن بارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية. ورغم أنّ هذا قد يكون بمثابة انطلاقة مفاوضات السلام، إلا أنّ تأكيد واشنطن المتكرّر على الوصول إلى المعادن الأساسية يشير إلى هدف واحد لهذه المحادثات. علاوة على ذلك، فإنّ التحوّلات الأخيرة لوزارة الخارجية الأميركية للتقليل من شأن المخاوف المتعلّقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان في المستقبل تجعل من الصعب منح واشنطن فرصةً للشكّ.

في تموز/يوليو، خفّف فريق ترامب العقوبات المفروضة على عدد من كبار حلفاء المجلس العسكري والشركات المرتبطة به. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنّ وزارة الخزانة الأميركية أسقطت العقوبات بعد وقت قصير من رسالة وجّهها مين أونغ هلاينغ  إلى ترامب، أشاد فيها بـ"القيادة القوية" التي أظهرها في حملته على وسائل الإعلام الأميركية المموّلة من الحكومة والتي كانت تنتقد المجلس العسكري وأنشطته. ونفى مسؤول كبير في البيت الأبيض وجود  أيّ صلة بين الرسالة المتملّقة وقرار ترامب، لكنّ الإدارة لم تقدّم أيّ تفسير لسبب رفع العقوبات.

إذ تستشعر نايبيداو أنّ هذه قد تكون أفضل فرصة لها لإعادة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة وميانمار، وربما الحصول على دعم من واشنطن لهزيمة المعارضة نهائياً وكسب الحرب، فإنها تتظاهر بتصحيح أخطائها. على سبيل المثال، أعلن النظام أنه سيجري انتخابات وطنية في كانون الأول/ديسمبر أو كانون الثاني/يناير من هذا العام، على الرغم من أن إجراء انتخابات حرّة ونزيهة وشاملة سيكون مستحيلاً بسبب الحرب المستمرة. في 31 تموز/يوليو، وللمرة الأولى منذ استيلائه على السلطة في شباط/فبراير 2021، أعلن المجلس العسكري إنهاء حالة الطوارئ الوطنية، لكنه أعاد فرضها بهدوء في غضون ساعات، إلى جانب الأحكام العرفية، في العديد من البلدات المضطربة والخاضعة لسيطرة المتمرّدين. أصدرت نايبيداو أمراً مخادعاً مماثلاً لإعادة الحكومة إلى القيادة المدنية، لأنّ السلطة انتقلت من مين أونغ هلاينغ كقائد للجيش إلى رئيس البلاد بالإنابة، الذي هو أيضاً مين أونغ هلاينغ.

في الآونة الأخيرة، استعان النظام بشركة ضغط مقرّها واشنطن، تُدعى مجموعة "دي سي آي"، لمساعدته في إعادة بناء علاقاته مع الولايات المتحدة. وورد أنّ قيمة العقد تبلغ 3 ملايين دولار سنوياً، وفي ملف مُقدّم بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب الأميركي، ذكرت الشركة أنها "ستُقدّم خدمات في الشؤون العامّة، مع التركيز على التجارة والموارد الطبيعية والإغاثة الإنسانية" كأساس لإعادة بناء العلاقات الثنائية.

إذا كانت إدارة ترامب تفكّر بالفعل في المشاركة المباشرة وحتى دعم المجلس العسكري في نوع من المقايضة الاستراتيجية للوصول في نهاية المطاف إلى المعادن الأرضية النادرة في ميانمار، فإنّ هذا من المرجّح أن يسبّب ضرراً أكبر للمصالح والقيم الأميركية مما يستحقّ.

من جهة، ستُلحق الولايات المتحدة مزيداً من الضرر بما تبقّى من سمعتها الراسخة في دعم الديمقراطية. فبعد قرار ترامب برفع العقوبات عن بعض الجهات المرتبطة بالمجلس العسكري، على سبيل المثال، وصف توم أندروز، المقرّر الخاصّ للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في ميانمار، القرار بأنه "صادم". وجادل أندروز بأنّ هذه الخطوة تُمثّل "تراجعاً كبيراً للجهود الدولية الرامية إلى إنقاذ الأرواح من خلال تقييد وصول المجلس العسكري القاتل إلى الأسلحة". ولكن، بالطبع، لن تكون هذه هي المرة الأولى - وربما لن تكون الأخيرة - التي ينحاز فيها ترامب إلى رجال أقوياء في الصراع بين الاستبداد والديمقراطية.

كما أنّ دعم الولايات المتحدة للنظام من شأنه أن يُقوّض بشكل صارخ إجماع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ذي النقاط الخمس بشأن ميانمار، والذي وُضع عام 2021، والذي يدعو، من جملة أمور، إلى "حوار بنّاء بين جميع الأطراف" للتوصّل إلى حلّ سلمي للصراع. ورغم أنّ إجماع الكتلة كان غير فعّال نسبياً، إلا أنّه لا يزال النهج المُوجّه تجاه عضويتها، وإذا حاولت إدارة ترامب الالتفاف عليه، فإنّ الكتلة ستُدين هذه الجهود بشدّة، مما يُؤدّي إلى توتر العلاقات بين الولايات المتحدة ورابطة دول جنوب شرق آسيا.

بغضّ النظر عن كلّ هذا، فإنّ التنسيق الأميركي مع نظام ميانمار للحصول على المعادن الأرضية النادرة سيكون غير عملي على الإطلاق. لا تزال العصابة العسكرية أكثر تشكّكاً في الولايات المتحدة منها في الصين وروسيا، وكلاهما داعمان رئيسيان يزوّدانها بالأسلحة والغطاء الدبلوماسي والدعم المالي، مما يقلّل من احتمالية ردّ نايبيداو بالمثل بما يخدم مصالح واشنطن.

ثمّ هناك تحدّيات هائلة تتعلّق بالتعدين الفعلي للمعادن الأرضية النادرة. والجدير بالذكر أنّ ولاية كاشين الشمالية، التي تقع في أيدي حكومة المعارضة التابعة لجيش استقلال كاشين، والمعروفة باسم منظمة استقلال كاشين (KIO)، قد زادت بشكل كبير من إنتاج المعادن الأرضية النادرة. يفتقر المجلس العسكري إلى السلطة القضائية على هذه المنطقة، وفي الواقع، فقدت مؤخّراً أرضاً هناك لصالح جيش استقلال كاشين. ومع ذلك، لا تزال الصين تستفيد من صادرات المعادن الأرضية النادرة من هذه المنطقة المتنازع عليها.

وبالتالي، إذا أرادت واشنطن الاستفادة الكاملة من المعادن الأرضية النادرة في ميانمار، فسيتعيّن عليها إما إبرام صفقة أفضل مع منظّمة استقلال كاشين من تلك التي أبرمتها بكين حالياً، أو دعم الاستيلاء العسكري الكامل للمجلس العسكري على المناطق الغنية بالمعادن الأرضية النادرة. سيكون الأخير مستنقعاً جديداً محتملاً يشكّل خطراً كبيراً بالفشل والإضرار بقيم ومصالح الولايات المتحدة.

من المؤكد أنّ إدارة ترامب لم تتخذ بعد أيّ خطوات تُثبت بشكل قاطع انحيازها إلى المجلس العسكري ضد المعارضة. بل إنها فعلت العكس في بعض الحالات، مثل الإبقاء على رسوم جمركية بنسبة 40% على النظام، من دون أيّ تخفيض متوقّع. لكنّ تخفيف ترامب الأخير للعقوبات على الأفراد والشركات التابعة للمجلس العسكري يُمثّل مؤشراً مُقلقاً. ينبغي على واشنطن أن تسعى لتجنّب الوقوع في فخّ المعادن الحرج هذا أكثر من ذلك، لأنّ خطأً استراتيجياً فادحاً ينتظرها بلا شكّ في القاع.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.