"Responsible Statecraft": أربعة سيناريوهات للحرب والسلام مع إيران.. ما هي؟

لقد كشفت الحرب التي استمرت 12 يوماً في حزيران/يونيو عن حدود الضغط الأميركي، ما أجبر واشنطن على تحديد ما تريده حقاً.

0:00
  • "Responsible Statecraft": أربعة سيناريوهات للحرب والسلام مع إيران... ما هي؟

مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً تتناول فيه انعكاسات الحرب الإسرائيلية الأميركية على إيران، على مستقبل العلاقة بين واشنطن وطهران، وعلى توازنات الشرق الأوسط، من خلال استعراض أربعة سيناريوهات محتملة لمسار الأحداث المقبلة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

حطّمت حرب الـ 12 يوماً بين "إسرائيل" وإيران عام 2025 الافتراضات الراسخة، ودفعت العلاقات الأميركية الإيرانية إلى آفاق جديدة. وقد ترك هذا الصراع، الذي يُمثل تصعيداً دراماتيكياً للتوترات المستمرة منذ عقود، الشرق الأوسط على شفا حالة من عدم الاستقرار الأوسع. ومع انقشاع غبار الحرب، تواجه الولايات المتحدة منعطفاً حاسماً في تعاملها مع إيران، منعطفاً قد يُعيد رسم معالم المنطقة لعقود.

وتلوّح في الأفق أربعة سيناريوهات محتملة، وكل منها يحمل تداعيات عميقة على الأمن العالمي، والاستقرار الإقليمي، والسياسة الخارجية الأميركية.

تصعيد بلا نهاية

السيناريو الأول هو تصعيد متبادل لا نهاية له: دورة متقلبة من الضربات والتخريب والعقوبات التي لطالما ميّزت العلاقات الأميركية الإيرانية، وبلغت ذروتها في الحرب الأخيرة. في هذا المستقبل، تُعيد إيران بناء قدراتها النووية والعسكرية، رافضةً تعليق التخصيب، لكنها تمتنع عن التسلّح. واشنطن وتل أبيب، اللتان تعتبران هذا الأمر غير مقبول، تردان بمزيد من العقوبات، أو العمليات السرية، أو حتى بضربة كبرى أخرى محتملة.

يتيح هذا المسار للقادة في العواصم الثلاث تجنب التنازلات وإظهار الصلابة، إلا أنه محفوف بالمخاطر. فالحسابات الخاطئة - التي تجلّت بالفعل في الصراع الأخير - قد تُشعل حرباً إقليمية شاملة، تجرّ أطرافاً من لبنان إلى الخليج. فالتصعيد يُوحي بالسيطرة بينما يُؤجج الكارثة.

صفقة بتنازل طرف من الأطراف

هناك احتمال آخر يتمثل في العودة إلى مفاوضات جادة، ولكن هذا يتطلب تنازلات من جانب واحد بشأن القضية الأساسية: تخصيب اليورانيوم.

بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، سُمح لإيران ببرنامج تخصيب رمزي في ظل قيود صارمة ونظام تفتيش هو الأكثر صرامةً على الإطلاق في دولة غير حائزة على الأسلحة النووية. وقد صادقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأجهزة الاستخبارات الأميركية على الاتفاق.

في وقت سابق من هذا العام، بدا مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، منفتحاً على إطار عمل مماثل. لكن تحت ضغط "إسرائيل"، وسعي ترامب للتفوق على أوباما، عادت الإدارة إلى مطلبها المتطرف المتمثل في عدم تخصيب اليورانيوم، وهو خط أحمر رفضت إيران تجاوزه طوال الأزمة النووية التي استمرت أكثر من عقدين.

مع ذلك، لم تكن الدبلوماسية قد انتهت تماماً. تضمّن أحد المقترحات الإبداعية قيد المناقشة تشكيل "اتحاد" إقليمي لتخصيب اليورانيوم يضم إيران وشركاء الولايات المتحدة في الخليج العربي، بهدف إدارة ومراقبة التخصيب بشكل مشترك. وكان من المقرر عقد جولة سادسة من المحادثات، إلا أنّ الضربة الإسرائيلية على إيران أجهضت العملية، ما أدى إلى تعطيل ما أشارت التقارير إلى أنه كان من الممكن أن يُمثّل اختراقاً.

مع ذلك، استمرت العوائق الهيكلية. ولا تزال السياسة الأميركية تُشكّلها أيديولوجية تغيير الأنظمة والصقور المؤيدين لـ "إسرائيل"، والذين يرون في الدبلوماسية وسيلةً للالتفاف لا حلاً. في الواقع، حتى لو علّقت إيران تخصيب اليورانيوم، لكان نتنياهو على الأرجح قد غيّر مساره نحو الصواريخ أو النزاعات الإقليمية لإبقاء العداء قائماً.

بالنسبة للقيادة الإسرائيلية الحالية، خدم التوتر المستمر بين الولايات المتحدة وإيران هدفاً استراتيجياً أوسع منذ نهاية الحرب الباردة: تبرير الوجود العسكري الأميركي الإقليمي، وضمان دعم أميركي غير مشروط، وتهميش القضية الفلسطينية، وتعزيز أجندة "إسرائيل الكبرى" المتجذرة في غزو غزة والضفة الغربية ودول مجاورة أخرى. في هذه الحسابات، تظل إيران كبش فداء لا غنى عنه.

هل يمكن أن يتغير هذا الموقف؟

اقترح المحللان علي فايز وداني سيترينوفيتش اتفاقية عدم اعتداء جريئة بين إيران و"إسرائيل"، تتناول تصورات التهديد المتبادل. نظرياً، قد يرى ترامب المتعطش لـ"اتفاق تاريخي"، في ذلك فرصة. لكن في ظل حكم خامنئي، الذي لا يثق بواشنطن وينظر إلى "إسرائيل" على أنها عدو لا رجعة فيه، ونتنياهو، الذي يستغل شبح إيران لتحقيق طموحاته السياسية والأيديولوجية، يبقى هذا الأمر غير قابل للتصديق.

هل هو حكيم؟ بالتأكيد. ممكن؟ مستبعد من دون تغيير سياسي جذري.

اندفاعة نووية إيرانية

المسار الثالث هو أنّ إيران، المُحاصرة تحت ضغطٍ لا هوادة فيه، تُسارع إلى امتلاك سلاحٍ نوويٍّ رادع. الإغراء واضحٌ لدولةٍ تُواجه تهديداتٍ وجوديةً من "إسرائيل" والولايات المتحدة، لكن المخاطر هائلة.

وحتى لو نجحت إيران في بناء ترسانة نووية، فإنها سوف تواجه عزلة متزايدة، وسباق تسلح إقليمي محتملاً، وحرباً سرّية مستمرة.

الصبر الاستراتيجي والتحول شرقاً

السيناريو الرابع هو سيناريو الصبر الاستراتيجي. تُحافظ إيران على الوضع الراهن، منخرطةً في دبلوماسية تكتيكية من دون توقع أيّ اختراقات. تُعيد بناء منظوماتها الصاروخية والجوية، وتُعمّق علاقاتها العسكرية والاقتصادية مع الصين وروسيا، وتتخلى جذرياً عن آمال التقارب مع الولايات المتحدة وأوروبا. يعكس هذا المسار حسابات المرشد الأعلى خامنئي بعيدة المدى: البقاء، والتوطيد، وانتظار تحول ميزان القوى العالمي مع تحول اهتمام الولايات المتحدة حتماً إلى مكان آخر.

بخلاف تقلب السيناريو الأول، تُعدّ هذه استراتيجية صمود. تتجنب إيران التحركات الجريئة، وتعتمد بدلاً من ذلك على استراتيجية طويلة الأمد؛ تحمّل العقوبات، وامتصاص الضربات، والاعتماد على الوقت والمثابرة لتجاوز الضغط الأميركي.

يتزايد إغراء هذا الخيار، ولا سيما مع الأداء المذهل للتكنولوجيا العسكرية الصينية في حرب باكستان الأخيرة مع الهند. بالنسبة لطهران، التي تحتاج بشدة إلى قدرات دفاعية أكثر تطوراً، فإن بروز بكين كمورد موثوق للأنظمة المتطورة يجعل التوجه شرقاً أكثر جاذبية.

مع ذلك، فإن هذا الانحراف ليس بلا ثمن. فهو يُرسّخ عزلة إيران عن الأسواق الأميركية والأوروبية، ويُخاطر بالاعتماد المفرط على الصين وروسيا. ومع ذلك، فإنه يبقى متسقاً مع روح التحدي والاعتماد على الذات التي سادت الجمهورية الإسلامية بعد الثورة، ما يسمح لإيران بالبقاء، وتعزيز مكانتها، والمراهنة على أن عالماً متعدد الأقطاب سيُضعف في نهاية المطاف قبضة أميركا على الشرق الأوسط.

السؤال الحقيقي

السؤال الذي يتعين على صناع القرار الأميركيين والأوروبيين مواجهته بسيط: ما هو الخيار الفعلي المتاح لإيران؟ إذا ظلت الاستراتيجية قائمة على تغيير النظام تحت ستار "الضغط الأقصى"، فعلينا أن نكون صادقين بشأن ما سيؤدي إليه ذلك. لن تختفي الجمهورية الإسلامية بضربة من العقوبات أو الغارات الجوية. ولن تنهار بسهولة لتتحول إلى ديمقراطية على النمط الغربي.

النتيجة الأكثر ترجيحاً أشد قتامة: عدم الاستقرار، والتشرذم، وخطر الحرب الأهلية في دولة يبلغ عدد سكانها 90 مليون نسمة تقع في قلب الشرق الأوسط. لن تُحصر إيران المنهارة داخل حدودها، بل ستُرسل موجات صدمية عبر الخليج العربي والعراق وآسيا الوسطى والقوقاز، ما يُزعزع استقرار منطقة مُضطربة أصلاً، ويخلق أزمات أسوأ بكثير من البرنامج النووي نفسه.

ولذلك، فإن التحدي اليوم لا يقتصر على وقف التقدم النووي الإيراني فحسب، بل يكمن في معرفة ما هي الغاية التي تستعد لها واشنطن وتل أبيب، وإذا ما كانتا مستعدتين لتحمل عواقبها.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.