"Responsible Statecraft": تضخيم تكاليف الأسلحة الروسية يُخفي أزمة الأسلحة الأميركية

إنّ السردية الغربية عن أنّ حرب موسكو غير مستدامة، وروسيا تحت ضغط مشكلات الإنتاج العسكري، تصرفُ الانتباه في الحقيقة عن المشكلة في صناعات الأسلحة الأميركية، وخاصّةً المرسلة إلى أوكرانيا.

  • "Responsible Statecraft": تضخيم تكاليف الأسلحة الروسية يُخفي أزمة الأسلحة الأميركية

مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً يتناول مسألة تضخيم الغرب لتكاليف الأسلحة الروسية مقابل الأسلحة الغربية، وكيف يُستخدم هذا التضخيم لإظهار روسيا في مأزق مالي وإخفاء أوجه القصور الحقيقية في صناعات الدفاع الأميركية.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

يُحبّ الغرب تضخيم تكلفة الأسلحة الروسية، ويستخدمها للإشارة إلى أنّ موسكو في مأزق مالي، ويتلاعب بسردية عن انتصار أوكرانيا الوشيك الذي يلوح في الأفق، لإخفاء أوجه القصور الحقيقية في صناعات الدفاع الأميركية.

ومن خلال الافتراض أنّ الأسلحة الروسية لها تكاليف برامج مماثلة للأنظمة الأميركية، أو عبر الخلط بين أسعار الصادرات والتكاليف الداخلية لروسيا، فإنّ التقديرات الغربية تقدّم أرقاماً مُضلّلة، بينما تُعزِّز هذه التكاليف المتضخِّمة السردية الأخرى، عن أنّ الضغط على موسكو هائل، ثم يُقلّل من أهمّية التحدّيات المتزايدة التي تواجه أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي، لصدِّ الصواريخ والطائرات من دون طيّار الروسية الفعّالة وقليلة التكلفة نسبيّاً.

إضافةً، فإنّ هذه التقديرات تحجبُ حقيقةً صارخةً عن الصعوبات في توسيع إنتاج الصواريخ الغربية باهظة التكلفة، سويّاً مع معدّلات الصواريخ الدفاعية الاعتراضية في الواقع العملي. وحتى لو أرسلت الولايات المتحدة وأوروبا جميع صواريخ الدفاع الجوّي إلى أوكرانيا، فإنّها ستظلّ عاجزة إلى حدّ كبير عن التصدّي لمعظم الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة الروسية.

مبالغة في التكاليف وقلّة المرونة

دأبت وسائل الإعلام ومراكز الفكر الغربية على تأطير نفقات الصواريخ الروسية على أنّها تعني عدم الاستدامة. مثلاً، قدّرت مجلة "فوربس أوكرانيا" أنّ روسيا أنفقت 7.5 مليارات دولار على الصواريخ في الشهرين الأولين من الحرب، أي نحو 8.7% من ميزانية الدفاع الروسية لعام 2022. كما، ذكرت مقالة في مجلة "نيوزويك" نقلاً عن مجلة "فوربس أوكرانيا"، أنّ هجوماً في الربع الأخير من العام الماضي على البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، كلّف موسكو نحو 1.3 مليار دولار. وفي المقال أيضاً، ذكر "معهد دراسة الحرب" أنّ روسيا "من المحتمل أن تكون غير قادرة على الحفاظ على مثل هذه الضربات الصاروخية والطائرات من دون طيّار واسعة النطاق بانتظام". مع ذلك، فإنّ العمليّات الروسية المستمرّة عالية الإيقاع خلال الأشهر الماضية لا يُمكن إلا أن تُؤدِّي إلى التشكيك بصحة التقييم الغربي.

وتعتمد العديد من المقالات والتقارير الغربية، التي تؤكِّد التكلفة العالية لضربات الصواريخ والطائرات من دون طيّار الروسية الضخمة على تقديرات تكلفة الصواريخ، من التقرير الذي نشرته مجلة "فوربس أوكرانيا" في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، حيث تمّ تقدير بعض تكاليف الصواريخ الروسية الرئيسية بما في ذلك "كي إتش 101" بنحو 13 مليون دولار، و"كليبر" بنحو 6.5 ملايين دولار، و"إسكندر" بـ 3 ملايين دولار، و"بي 800 أونيكس" بنحو 1.25 مليون دولار، و "كي إتش 22" بمليون دولار، "توتشكا يو" بسعر 300 ألف دولار.

بينما لا تقدّم "فوربس أوكرانيا" تقديراً لتكلفة صاروخ "كينغال" الفرط صوتي، وبما أنّه في الأساس نسخة تطلق من الجوّ من صاروخ "إسكندر"، يجب أن يكون السعر مشابهاً، أي نحو 2 مليون دولار. مع ذلك، وللإنصاف، فإنّ غياب الشفافية في ميزانية الجيش الروسي يعني أنّه في معظم الحالات يجب الاعتماد على التقديرات. وبما أنّ تكاليف إنتاج وتطوير الأسلحة أقلّ بكثير ممّا هي عليه في الولايات المتحدة، يُمكن توقّع أن تكون الصواريخ الروسية أقلّ تكلفة من نظيراتها الأميركية أو الأوروبية الغربية.

ويبلغ متوسط تكلفة العمالة في قطاع التصنيع الدفاعي الروسي نحو 1200 دولار للعامل شهرياً، مقارنةً بما لا يقلّ عن 4000 دولار للعمال الأميركيين. كما أنّ المواد مثل الفولاذ، والتيتانيوم، والمركبات أقلّ تكلفة في روسيا أيضاً. كذلك، تعطي الصناعة الدفاعية الروسية الأولوية للإنتاج الضخم والكفاءة، بخلاف الصناعة الدفاعية الأميركية التي تعطي الأولوية للأرباح وعوائد المساهمين.

عندما يتعلّق الأمر بتطوير أنظمة الأسلحة، تتبنّى روسيا عادةً نهجاً تطوُّرياً، وتعمل على تحسين الأنظمة الحالية بشكل تدريجي، في حين أنّ الولايات المتحدة من المرجّح أن تسعى إلى تحقيق تصاميم ثورية تتضمّن تقنيات غير مُثبَّتة، ممّا يؤدّي إلى تضخيم التكاليف. على سبيل المثال، يعتمد صاروخ "كينغال" الروسي الفرط صوتي على منصّات مُثبَّتة، في حين أنّ الولايات المتحدة لم ترسل بعد صاروخاً تفوق سرعته سرعة الصوت بسبب مشاريع مثل "برنامج سلاح الاستجابة السريعة" الذي يستخدم من صاروخ "إيه جي إم-183 آرو"، وهو يُطلق من الجوّ، والذي بدأ في عام 2018، وهو متأخّر عن الجدول الزمني، وبشكل خطر تجاوز الميزانية، ومن الممكن إلغاء البرنامج بعد استثمار أكثر من مليار دولار فيه.

ولكن، حتى لو لم يُلغَ تماماً ونشر في نهاية المطاف، فإنّ هذا الصاروخ الذي تتراوح تكلفته بين 15 و18 مليون دولار، ستكون تكلفة أعلى بعدّة أضعاف من تكلفة صاروخ "كينغال" الروسي، وسيكون له مدى مماثل، لكن لا يمتلك القوة التدميرية نفسها. لا شكّ في أنّ الانزلاقية التي يتمتّع بها الصاروخ الأميركي غير المزوَّد بالطاقة ستتيح له قدرةً أكثر على المناورة من صاروخ "كينغال"، ولكنّ استخدام هذه القدرة على المناورة يمكن أن يُؤثّر بشكل كبير على سرعة الاصطدام والمدى الأقصى للصاروخ.

مثال آخر هو أنّ الصاروخ الأميركي الاعتراضي "باتريوت" ومقابله الروسي "إس 400"، كلاهما صواريخ قصيرة المدى عالية المناورة بمدى مشابه يبلغ نحو 100 كيلومتر، وكلاهما يستخدم الرادار النشط لتتبُّع وضرب الأهداف، بسرعة اعتراض تبلغ نحو 5 ماخ. ومع ذلك، تبلغ تكلفة صاروخ "باتريوت بين 4 و6 ملايين دولار، في حين أنّ التكلفة المُقدَّرة للصاروخ الروسي تتراوح بين 500 ألف إلى مليون دولار.

ولكنّ السؤال كيف يُؤدُّون عملهم. توضح مقالة في صحيفة "فاينانشال تايمز" بداية الشهر الجاري، أنّ مُعدّل اعتراض صواريخ باتريوت بلغ 37% في آب/أغسطس الماضي، وانخفض في شهر أيلول/سبتمبر إلى 6% فقط. وبالطبع، من المعتاد المبالغة في معدّلات الاعتراض. ولكن حتى إذا اعتمدنا النسبة الأولية البالغة 37%، فقد كان الأمر يتطلَّب 5 صواريخ اعتراضية للوصول إلى فرصة بنسبة 90% لاعتراض صاروخ "كينغال" روسي واحد. وعند نسبة 6%، يرتفع العدد المطلوب إلى 38 صاروخ "باتريوت"، ليقوم بالمهمّة.

ووفقاً لمجلة "ميلتري ووتش" ومنشورات أخرى، في 16 أيار/مايو عام 2023، تدمَّر نظام/رادار "باتريوت" واحد على الأقلّ عن طريق صاروخ "كينغال" الفرط صوتي، على الرغم من إطلاق 32 صاروخاً اعتراضياً "باتريوت"، في محاولة دفاعية تفوَّق عليها الصاروخ الروسي. وممّا لا يثير الدهشة، أنّ هذا التقرير بالذات قد طُعن فيه، ولكن بالنظر إلى التاريخ الطويل للحكومات والبائعين الذين يبالغون بشكل صارخ في تقدير فعّالية الدفاع الجوي، والافتقار إلى الشفافية والصدق بشأن الخسائر الأوكرانية الفعليّة، و"معدّلات الاعتراض المذهلة" التي أبلغت عنها القوّات الجوية الأوكرانية بانتظام، لا يمكن رفض التقرير فوراً.

ليس لدينا الكثير من المعلومات الموضوعية حول أداء صاروخ "إس 400" الروسي، لأنّ روسيا أيضاً لديها تاريخ في تضخيم أداء أنظمة دفاعها الجوّي. وحتى بغياب المعلومات عن أداء "إس 400" وفعّاليته إن كانت مشابهة لصاروخ "باتريوت"، فهو يبقى أقلّ تكلفة بكثير.

من خلال المبالغة في تكاليف الصواريخ الروسية، يريد المحلّلون الغربيون إشاعة أنّ ضغوطاً مالية تواجهها روسيا، بينما يوفّرون غطاء لأسعار الصواريخ الباهظة التي يتقاضاها مقاولو الدفاع في الغرب. ويحجب هذا التشويه حقيقة أنّ إنتاج الصواريخ الروسية الفعّالة من حيث التكلفة يوفّر ميزة كبيرة في الاستدامة، في حين أنّ الصواريخ الغربية المرتفعة التكلفة، زائد الصعوبات الأميركية في التوسّع السريع في إنتاج الصواريخ، هي عيب كبير في أيّ نوع من الصراع المستمرّ، ويمكن أن تكون عيباً قاتلاً في مُواجهة منافس نظير، يُمكنه إلقاء آلاف الصواريخ على سفننا وحتى مهاجمة المنشآت العسكرية داخل الولايات المتحدة.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.