"RS": "حافلات الموت" شهادات ووفيات تفضح ممارسات التجنيد القسري في أوكرانيا
تتجاهل وسائل الإعلام الغربية إلى حد كبير، حقيقة أنَّ كييف مضطرة إلى انتزاع الشباب من الشوارع للتجنيد الإجباري وسط نقص عديد الجيش والانشقاقات
-
"Responsible Statecraft": كييف مضطرة إلى انتزاع الشباب من الشوارع للتجنيد الإجباري وسط نقص عديد الجيش والانشقاقات
مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً يتناول ظاهرة "الحافلة" في أوكرانيا، حيث تقوم السلطات بعمليات الاختطاف أو الاحتجاز القسري للشبان ونقلهم إلى مراكز التجنيد، ويعرض حوادث مروّعة (وفيات، تعذيب، مقاطع فيديو) وانتشار ظاهرة الفرار من الخدمة، مع تساؤل عن صمت الإعلام الغربي وتبعات ذلك على شرعية الجهود العسكرية الأوكرانية ودعم الغرب.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
الحافلة، مصطلح مفهوم جيداً في أوكرانيا، يرمز إلى الطريقة التي يُحتجز فيها الشباب الأوكراني ضد إرادتهم، والتي غالباً ما تنطوي على صراع عنيف، حيث يُدفعون إلى حافلة صغيرة تنقلهم إلى مركز تجنيد الجيش. وحتى وقت قريب، كانت إدارة عملية التجنيد تختار أهدافاً سهلة. لكن في الشهر الماضي، كتب محرر الشؤون الدفاعية في صحيفة "ذا صن" البريطانية، جيروم ستاركي، تقريراً مُروّعاً عن رحلة قام بها مؤخراً إلى جبهات القتال في أوكرانيا، ادَّعى خلالها أنَّ زميله الأوكراني "أُجبر على الانضمام إلى القوات المسلحة لبلاده".
كانت هذه الحالة لافتة للنظر لسببين، الأول أنَّه من النادر أن تُغطي وسائل الإعلام الغربية الرئيسية موضوع التعبئة القسرية، والثاني أنَّه، بخلاف معظم حالات التجنيد الإجباري، وقعت هذه الحادثة عقب اختطاف سيارة الصحافيين الغربيين من قبل ثلاثة مسلحين أصرّوا على قيادتهم إلى مركز تجنيد. وكتب ستاركي: "رأيتُ ما لا يقل عن 12 رجلاً كئيبين، معظمهم في الأربعينيات والخمسينيات من العمر، يحملون حزماً من الأوراق. وكانوا يُستدعون إلى غرف جانبية لإجراء فحوصات طبية صورية لإثبات لياقتهم للقتال".
وقد أثارت هذه العملية انتقادات بعد حوادث بارزة توفّي فيها رجال حتى قبل ارتدائهم الزي العسكري. ففي 23 الشهر الماضي، توفّي الأوكراني رومان سوبين متأثراً بصدمة شديدة وحادة في الرأس بعد تجنيده قسراً، بينما تزعم السلطات الأوكرانية أنه سقط، لكن عائلته شرعت في اتخاذ إجراءات قانونية ضد حكومة كييف. وفي آب/أغسطس، توفّي رجل مُجنّد يبلغ من العمر 36 عاماً فجأةً في مركز تجنيد في منطقة ريفنا، على الرغم من أنَّ السلطات زعمت أنَّه مات لأسباب طبيعية. وفي حزيران/يونيو الماضي، مات الأوكراني المجري جوزيف سيبيستين، البالغ من العمر 45 عاماً، بسبب تعرّضه للضرب بقضبان حديدية بعد تجنيده الإجباري. وفي آب/أغسطس الماضي، توفّي مُجنّد متأثراً بإصاباته بعد أن قفز من مركبة متحركة كانت تقله إلى مركز التجنيد، بينما ينفي الجيش الأوكراني هذه الرواية للأحداث.
أي باحث في الإنترنت سيجد آلاف الحوادث، معظمها صُوّر هذا العام وحده، ثمة مقطع فيديو لضابط تجنيد يطارد رجلاً، وهو يطلق النار عليه، وفيديو آخر لرجل يُخنق حتى الموت في الشارع بركبة موظف تجنيد على رقبته. وفي كثير منها، يكافح أفراد من العائلة أو الأصدقاء بشدة لمنع أخذ أحبائهم من دون رغبتهم.
لو نُشرت مقاطع فيديو من هذا النوع، على هذا النطاق الواسع في الولايات المتحدة أو بريطانيا، لكان الجمهور سيعبر عن قلق بالغ. ومع ذلك، ما تزال وسائل الإعلام الغربية صامتة إلى حد كبير، وسط صعوبة في فهم السبب.
في العام الماضي، زعم وزير الدفاع الأوكراني رستم عمروف أنه سيضع حداً لظاهرة "الحافلات". ومن الصحيح أنَّ أوكرانيا تتخذ خطوات لتحديث نظام التجنيد في جيشها وجعله أكثر جاذبية للرجال دون سن 25 عاماً، لكن، لا يوجد دليل يُذكر على أن هذه الجهود تُحقق الأثر المراد. وبعد مرور عام يبدو أنَّ ظاهرة "الحافلات" تزداد سوءاً، في ظل استمرار تجاهلها على نطاق واسع من قبل الصحافة الغربية.
غالباً ما يقدم "معهد دراسات الحرب" في واشنطن تقارير عن جهود تعبئة القوات الروسية، ولكن ليس عن الجوانب المظلمة واليائسة التي تؤدي إلى "الحافلات". ولن تجد تقارير حول هذا الأمر في صحيفة "نيويورك تايمز "، لأنَّه يتعارض مع السردية القائلة بأنَّ أوكرانيا بدعم من الغرب يمكن أن تقلب الحرب، ويتم الاعتماد عوضاً عن ذلك على قصص مثل نقاط أوكرانيا للعبة قتل الطائرات من دون طيّار، أو المُصمم الذي خاط البدلة السوداء التي يرتديها زيلنسكي الآن.
في أثناء ذلك، تقرع صحيفة "واشنطن بوست" الطبول بهدوء لتجنيد أوكرانيين يبلغون من العمر 18 عاماً، على الرغم من أنًّ هذه قضية سياسية مختلَف عليها بين الأوكرانيين. وذلك لأن مسألة "الحافلات" هي غيض من فيض. وإذا كان الأوكرانيون يجدون صعوبة في تشجيع الشباب على الانضمام إلى الجيش طواعية، فسيكون من الصعب جعلهم يبقون من دون فرار.
في كانون الثاني/يناير هذا العام، أُفيد أنَّ حوالى 1700 جندي من اللواء الميكانيكي 155 "آنا كييف"، الذين تلقوا تدريبهم في فرنسا، وزُوّدوا مدافع هاوتزر ذاتية الدفع، قد تغيبوا عن وحداتهم من دون إذن، و50 منهم في أثناء وجودهم في فرنسا. وفي حزيران/يونيو العام الماضي، قُتل جندي أوكراني برصاص أحد حرس الحدود في أثناء محاولته الهروب وعبور الحدود إلى مولدوفا.
في النصف الأول من العام الجاري، أُبلغ عن أكثر من 110,000 حالة فرار في أوكرانيا. وفي العام الماضي، بدأ المدعون العامون الأوكرانيون أكثر من 89,000 إجراء يتعلق بالفرار والتخلي غير المصرح به عن الوحدات، وهو رقم أكبر بثلاث مرات ونصف، مما كان عليه في عام 2023. وقد قفز أكثر من 20% من جيش أوكرانيا البالغ قوامه مليون جندي السياج في السنوات الأربع الماضية، والأعداد آخذة في الارتفاع طوال الوقت.
ويبدو أنَّ عمليات الفرار مدفوعة جزئياً بنقص متزايد في قوات المشاة على خط المواجهة، ما يعني أنًّ الجنود نادراً ما يحصلون على الراحة وفترات الاستجمام، وغالباً ما يُلقى اللوم على نقص المعدات الكافية. وبطبيعة الحال، يبدو أنّ معدلات الفرار واسعة النطاق والمتزايدة من القوات المسلحة الأوكرانية تثير ممارسات تجنيد أكثر عنفاً ثم احتجاجات مدنية. وفي الشهر الماضي في أوديسا، قلبت مجموعة من المتظاهرين ضد الاحتجاز القسري حافلة تجنيد صغيرة.
يتبع نمو الحافلات وزيادة عمليات الفرار أيضاً، نمو الدعم بين الأوكرانيين العاديين لإنهاء الحرب. وقد ارتفع التأييد لإنهاء الحرب عن طريق التفاوض من 27% في عام 2023 إلى 69% في عام 2025. وبالمثل، انخفض الدعم لأوكرانيا "لمواصلة القتال، حتى تنتصر في الحرب"، وهو شعار مخادع تماماً، من 64% إلى 24% خلال الفترة ذاتها، وفقاً لنتائج استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب".
لطالما ادعى الرئيس زيلنسكي أنَّ المأزق العسكري لأوكرانيا مرتبط بنقص الأسلحة، لا بنقص الأشخاص. على أمل تأمين الدعم الغربي للقتال لمدة عامين أو 3 أعوام أخرى، لكنًَه يصمت بشأن ما إذا كان سيحصل على القوات أو الدعم السياسي من الأوكرانيين للقيام بذلك. حالياً، يبدو أنَّ رسالة زيلنسكي هي: "لا تذكروا عصابات الضغط، أو عمليات القتل في مراكز الاحتجاز، أو الفارين من الخدمة، أو تراجع الدعم الشعبي، فقط أعطوني المزيد من المال".
نقله إلى العربية: حسين قطايا.