التسونامي الانتخابي في قبرص التركية يطيح مشروع إردوغان
من المرجح أن تجبر الهزيمة تركيا على إعادة النظر في سياستها تجاه قبرص أو إعادة تنظيمها، لكن بما أنها تتصف بالبراغماتية ستحاول استيعاب رغبة القيادة القبرصية التركية الجديدة في استئناف المحادثات.
- 
  من القوى التي أثرت على نتائج الانتخابات؟ 
انتخب القبارصة الأتراك رئيساً جديداً في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2025، هو توفان إرهورمان، بناءً على برنامجه إعادة توحيد قبرص، معارضاً حل الدولتين الذي طالما فضّلته تركيا والرئيس السابق إرسين تتار. وُصفت النتيجة بأنها مفاجئة لأنقرة، وتُمثّل تحوّلاً كبيراً في سياسة قبرص التركية.
السياسي المنتخب من يسار الوسط، فاز فوزًا ساحقًا بنسبة تقارب 63% من الأصوات. في المقابل، لم يحصل المرشح الحالي، إرسين تتار، الذي دافع عن حل الدولتين بدعم من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، سوى على نحو 36%.
وتُشير هزيمة تتار إلى رفض واضح لنهج الدولتين والتدخل المباشر من أنقرة الذي اعتمدت عليه في حملته.
هنأ إردوغان إرهورمان، وذكّر بأهمية دور تركيا في الدفاع عن "حقوق ومصالح" القبارصة الأتراك السيادي، فهو يريد أيضا تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
ومع أن الانتخابات تُمثل تراجعًا عن سياسة حل الدولتين، إلا أنها لا تضمن الحل. سيتأثر المسار المستقبلي بتشاور إرهورمان مع تركيا بشأن السياسة الخارجية، لكنه سيستأنف محادثات إعادة توحيد البلاد،وضرورة التعامل مع القضايا الداخلية والاجتماعية.
النتيجة لا تعني أن نفوذ تركيا ووجودها العسكري ودعمها الاقتصادي في الشمال سيتضاءل. التزام إرهورمان بالتشاور مع تركيا في السياسة الخارجية يدل إلى أن أنقرة ستظل منخرطة بعمق في هذا الملف.
تُعدّ هزيمة حل الدولتين في الانتخابات الرئاسية القبرصية التركية انتكاسةً سياسيةً ودبلوماسيةً كبيرة بالنسبة إلى الرئيس إردوغان. فهي تُقوّض جانبًا أساسيًا من سياسته الخارجية الأخيرة تجاه قبرص، وتُشكّل ضغطًا جديدًا لاتباع نهجٍ مختلفٍ في التعامل مع الصراع.
تركيا ومشروع حلّ الدولتين
حشدت أنقرة وسعت إلى الاعتراف الدولي بجمهورية شمال قبرص التركية المُعلنة من جانب واحد، وإلى تقسيم دائم على أساس دولتين. وخلال زيارة له في يوليو/تموز 2025، أكد إردوغان أن حل الدولتين أساسيٌّ للسلام في قبرص. ودعم علنًا زعيم القبارصة الأتراك الحالي، إرسين تتار، وهو حليف قوي خاض حملته الانتخابية على هذا الأساس. قوبلت خطة إردوغان برفض واسع النطاق على المستوى الدولي، ولا سيما من جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين يحافظان على التزام قوي بقبرص الموحدة، وسعيا إلى إقامة اتحاد فيدرالي ثنائي الطائفة وثنائي المنطقة.
من القوى التي أثرت على نتائج الانتخابات؟
هل من تدخل للولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر في الانتخابات بدعمهما الحل الفيدرالي ودمج القبارصة الأتراك. دعم الاتحاد الأوروبي اتحاداً قبرصياً ثنائياً، وهو ما يتماشى مع برنامج إرهورمان. وفي الماضي، شجّع الاتحاد الأوروبي اندماج القبارصة الأتراك ومشاركتهم في انتخابات الاتحاد الأوروبي لكسر عزلتهم وتعزيز التنمية الاقتصادية. وتُسهم هذه الاستراتيجية الأوسع في تعزيز التوجه المؤيد للاتحاد الأوروبي الذي استفاد منه إرهورمان.
أما الولايات المتحدة فلها تاريخ طويل في التوسط في التوترات بين اليونان وتركيا بشأن قبرص. ورغم عدم تدخلها المباشر في الانتخابات الأخيرة، فإن لها مصلحة في استقرار المنطقة. فهي تدعم استئناف المفاوضات نحو قبرص موحدة فيدرالية، لكن على عكس الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، دعمت تركيا علنًا المرشح المتشدد إرسين تتار، الذي خسر الانتخابات. تركيا هي الدولة الوحيدة التي تعترف بـ"جمهورية شمال قبرص التركية" المعلنة من جانب واحد، وتحتفظ بوجود عسكري فيها.
أما اليونان، فشأنها شأن القبارصة اليونانيين، فهي تُفضّل قبرص موحدة. ويُعدّ انتخاب زعيم معتدل مؤيد للاتحاد الأوروبي، راغب في استئناف محادثات إعادة التوحيد، تطورًا إيجابيًا في السياسة الخارجية اليونانية. لذلك، هنّأ الرئيس القبرصي اليوناني، نيكوس كريستودوليديس، إرهورمان، وأكد التزامه باستئناف المفاوضات.
يشير الفوز الساحق الذي حققه مرشح معتدل مؤيد للتوحيد إلى أن أغلبية القبارصة الأتراك تؤيد العودة إلى المفاوضات الفيدرالية وترفض الضغوط السياسية التركية.
قد تؤدي النتائج إلى إضعاف سيطرة أنقرة على الاتجاه السياسي لجمهورية شمال قبرص التركية، وتظهر أن القبارصة الأتراك يحتفظون بإرادة سياسية مستقلة، على الرغم من الاعتماد الاقتصادي الكبير على تركيا.
من المرجح أن تجبر الهزيمة تركيا على إعادة النظر في سياستها تجاه قبرص أو إعادة تنظيمها، لكنها تتصف بالبراغماتية، لذا ستحاول استيعاب رغبة القيادة القبرصية التركية الجديدة في استئناف المحادثات ما سيفتح باب أمام الحل، وقد تعهد زعيم القبارصة الأتراك المنتخب بالعودة إلى طاولة المفاوضات، حيث سيضغط الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، على الجانبين لاستئناف المفاوضات بناءً على الإطار المُحدد. وهذا يضع تركيا وإردوغان في موقف دفاعي.
هل تأثرت استراتيجية تركيا في مجال الهيدروكربون
استخدمت تركيا لسنوات عديدة قوتها البحرية ونفوذها الدبلوماسي لعرقلة عمليات التنقيب عن الهيدروكربون في شرق البحر الأبيض المتوسط، والتي لم تشمل القبارصة الأتراك، هذه الاستراتيجية عملت انطلاقاً من مسألتين رئيسيتين: التأكيد على حماية حقوق القبارصة الأتراك بالسعي لتثبيت فكرة أن لديهم حقوقاً متساوية في الموارد الطبيعية للجزيرة، وأنه يجب تقاسم أي عائدات معهم. وضعت تركيا نفسها كشريك رئيسي ومركز للطاقة في المنطقة من خلال السيطرة أو التأثير على عبور الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط.
كان الزعيم القبرصي التركي السابق، إرسين تتار، حليفًا قويًا لأنقرة ولحل الدولتين. هزيمته تحرم تركيا من شريك موثوق في تنفيذ سياساتها المتشددة. أما تركيز إرهورمان على إحياء محادثات إعادة التوحيد التي تدعمها الأمم المتحدة فهو يشير إلى نهج مختلف يمكن أن يؤدي إلى موقف أقل مواجهة بشأن سياسة الطاقة.
هل سيجري الدعم تحت رعاية الأمم المتحدة؟
ستُجرى محادثات إعادة التوحيد تحت رعاية الأمم المتحدة. ويعتمد النجاح أيضًا على موقف القيادة القبرصية اليونانية والاتحاد الأوروبي، الذي لطالما رفض حل الدولتين للجزيرة المقسمة. تُمهّد الانتخابات الطريق لمرحلة حاسمة من المفاوضات، وربما تُمثّل "فرصة أخيرة" للتوصل إلى تسوية. تُشكّل هذه النتيجة ضغطًا على جميع الأطراف للانخراط بجدية في المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة، والمتوقفة منذ عام 2017.
وكانت التقارير قد أفادت أن القبارصة اليونانيين، وبالتالي القبارصة الأتراك، راضون عن نتائج الانتخابات القبرصية التركية التي أُجريت في أكتوبر/تشرين الأول 2025. كما ينظر الاتحاد الأوروبي إلى النتيجة بإيجابية.
 
                                 
                                             
                                             
                         
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                    